الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغِ فِي الْيَابِسَاتِ وَفِي الْمَاءِ وَحْدَهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْجَعْلِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يُؤَاجَرُ عَلَى طَرْحِ الْمَيْتَةِ بِجِلْدِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَإِنْ دُبِغَ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُلْبَسُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ أَيْ لِلصَّلَاةِ، وَأَمَّا لِغَيْرِ الصَّلَاةِ فَجَائِزٌ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَمَّا الِاسْتِقَاءُ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ فَإِنَّمَا كَرِهَهُ مَالِكٌ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُغَرْبَلَ عَلَيْهَا وَيُجْلَسَ، وَهَذَا وَجْهُ الِانْتِفَاعِ الَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ، وَزَادَ: وَتُمْتَهَنُ لِلْمَنَافِعِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ وَلَا يُطْحَنُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الطَّحْنَ عَلَيْهَا يُؤَدِّي إلَى زَوَالِ بَعْضِ أَجْزَائِهَا فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ تَخْتَلِطَ أَجْزَاءُ الْمَيْتَةِ بِالدَّقِيقِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَانْظُرْ هَلْ أَجَازَ الِاسْتِقَاءَ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ وَعَلَى هَذَا يُتَوَضَّأُ بِهِ.
وَقَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ سُئِلَ أَيُتَوَضَّأُ مِنْ السِّقَاءِ مِنْ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَ قَالَ: إنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ إنْ انْفَضَّ ذَلِكَ إلَى الصَّلَاةِ فِيهَا انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَقَبِلَهَا ابْنُ رُشْدٍ وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمُعَاصِرِينَ لَهُ أَنَّهُ قَالَ لَا يُغَرْبَلُ عَلَيْهِ قَالَ شَيْخُنَا اتِّقَاءً لِمَا يَتَحَتَّتُ مِنْهُ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عُمُومُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْيَابِسَاتِ مُطْلَقًا انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَقَدْ نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّهُ يُغَرْبَلُ عَلَيْهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا الْوُضُوءُ مِنْهُ فَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ الْجَوَازُ وَنَصَّ فِي الْعُمْدَةِ وَالْإِرْشَادِ عَلَى أَنَّهُ يَكْرَهُ الْوُضُوءَ مِنْ آنِيَةٍ عِظَامِ الْمَيْتَةِ وَجِلْدِهَا، وَإِنْ دُبِغَ.
[فَرْعٌ أستعمال النِّعَال مِنْ جلد الْمَيِّتَة]
(فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ فِي آخِرِ مَسَائِلِ بَعْضِ الْمِصْرِيِّينَ: كَانَ شَيْخُنَا يَقُولُ إذَا وَجَدَ النِّعَالَ مِنْ جِلْدِ الْمَيْتَةِ: فَإِنَّهُ يُنَجِّسُ الرِّجْلَ إذَا تَوَضَّأَ عَلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَاءِ انْتَهَى.
(قُلْتُ) بَلْ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَمَّا الرِّجْلُ إذَا بُلَّتْ وَلَاقَاهَا فَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ الْيَابِسَاتِ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ نَقَضَ ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ الْمَشْهُورِ أَنَّ مَالِكًا رحمه الله كَانَ لَا يَسْتَعْمِلُهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ فَرْحُونٍ وَكَلَامُهُ فِي التَّوْضِيحِ يُوهِمُ أَنَّ مَالِكًا كَانَ لَا يَسْتَعْمِلُهُ مُطْلَقًا بَلْ يُوهِم أَنَّ ذَلِكَ فِي جِلْدِ مَا ذُكِّيَ مِنْ السِّبَاعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا الَّذِي كَرِهَهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ الِاسْتِقَاءُ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَصُّهُ: وَنَقْصُ تَمَامِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ فِي الْمَاءِ غَيْرَ مُحَرِّمٍ لَهُ بِخِلَافِ الْيَابِسَاتِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا أَتَّقِي الْمَاءَ فِيهَا يَعْنِي جُلُودَ الْمَيْتَةِ فِي خَاصَّتِي وَلَا أُحَرِّمُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَرْعٌ الصَّلَاة عَلَى جُلُود الْمَيِّتَة]
(فَرْعٌ) لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى جُلُودِ الْمَيْتَةِ اكْتِفَاءً بِدُخُولِ ذَلِكَ فِي عُمُومِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّجَاسَةِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ صَلَّى وَمَعَهُ لَحْمُ مَيْتَةٍ أَوْ عَظْمُهَا، أَوْ جِلْدُهَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَاخْتَصَرَهَا ابْنُ يُونُسَ بِلَفْظِ، أَوْ جِلْدُ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ يُرِيدُ صَلَّى بِذَلِكَ نَاسِيًا ثُمَّ قَالَ فِيهَا قَالَ مَالِكٌ وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُصَلَّى عَلَى جِلْدِهَا وَإِنْ دُبِغَ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لَعَلَّهُ يُرِيدُ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا لِلْحَدِيثِ «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ سَوَّى بَيْنَهُمَا كَتَسْوِيَتِهِ فِي الْبَيْعِ انْتَهَى.
وَعَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَدْبُوغِ وَغَيْرِهِ حَمَلَهَا سَنَدٌ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي كِتَابِ الْغَصْبِ فَإِنَّهُ قَالَ وَكَرِهَ مَالِكٌ بَيْعَ جُلُودِ الْمَيْتَةِ وَالصَّلَاةَ فِيهَا وَعَلَيْهَا دُبِغَتْ أَوْ لَمْ تُدْبَغْ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرَاهَةُ عَلَى الْمَنْعِ.
(فَرْعٌ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ لُبْسَهُ يَجُوزُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَلَا يَجُوزُ فِيهَا، وَهَذَا حُكْمُ هَذِهِ الْفِرَاءِ الَّتِي تُجْعَلُ مِنْ جُلُودِ السِّنْجَابِ وَنَحْوِهِ.
ص (وَفِيهَا كَرَاهَةُ الْعَاجِ)
ش: هَذَا أَوَّلُ مَوْضِعٍ أَشَارَ فِيهِ لِلْمُدَوَّنَةِ وَأَتَى بِهَا لِكَوْنِ ظَاهِرِهِ مُخَالِفًا لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ نَجَاسَةِ الْعَاجِ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ وَأَكْرَهُ الْأَدْهَانَ فِي أَنْيَابِ الْفِيلِ وَالْمَشْطَ بِهَا وَالتِّجَارَةَ فِيهَا قَالَ ابْنُ نَاجِي زَادَ فِي الْأُمِّ: لِأَنَّهَا مَيْتَةٌ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمُ انْتَهَى. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمُ أَنَّ قَبْلَهُ كَرِهَ أَخَذَ الْعَظْمِ وَالسِّنِّ وَالْقَرْنِ وَالظِّلْفِ مِنْ الْمَيْتَةِ وَرَآهُ مَيْتَةً. قَالَ ابْنُ نَاجِي الْكَرَاهَةُ عَلَى
التَّحْرِيمِ لِقَوْلِهِ وَرَآهُ مَيْتَةً، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَرَاهَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَ فِي الْأُمِّ كُلًّا مِنْهُمَا بِأَنَّهُ مَيْتَةٌ فَإِنْ كَانَتْ الَّتِي فِي أَنْيَابِ الْفِيلِ مُحْتَمِلَةً فَالَّتِي فِي الْقَرْنِ وَالْعَظْمِ وَالسِّنِّ مِثْلُهَا فَلَا مَعْنَى لِاقْتِصَارِ الْمُصَنِّفِ لِعَزْوِ الَّتِي فِي أَنْيَابِ الْفِيلِ لِلْمُدَوِّنَةِ، قَالَ: وَاَلَّذِي غَرَّهُ اخْتِصَارُ الْبَرَاذِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ فِي نَابِ الْفِيلِ أَنَّهَا مَيْتَةٌ، وَمِنْ الشُّيُوخِ مَنْ حَمَلَ الْكَرَاهَةَ فِي الْجَمِيعِ عَلَى بَابِهَا وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَحَكَاهُ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ بَعْضِهِمْ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ: إنَّمَا كَرِهَهُ مَالِكٌ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ؛ لِأَنَّ عُرْوَةَ وَرَبِيعَةَ وَابْنِ شِهَابٍ أَجَازُوا أَنْ يُمْتَشَطَ بِأَمْشَاطِهِ وَمَذْهَبُ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ عِظَامَ الْمَيْتَةِ طَاهِرَةٌ وَذَكَرَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَنْ شَيْخِهِ الْأَبْهَرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنَّ مَالِكًا يَكْرَهُهُ يَعْنِي الْعَظْمَ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ قَالَ الْقَاضِي: وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ التَّحْرِيمُ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيه النَّظَرُ ثُمَّ قَالَ فِي الْكَلَامِ عَلَى نَابِ الْفِيلِ: إنَّمَا الْكَرَاهَةُ فِيهِ إذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ تَذْكِيَةٍ وَالصَّحِيحُ تَحْرِيمُهُ انْتَهَى.
وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ تَعَارَضَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي تَنْجِيسَهُ وَهُوَ أَنَّهُ جُزْءُ مَيْتَةٍ وَمَا يَقْتَضِي الطَّهَارَةَ وَهُوَ عَدَمُ الِاسْتِقْذَارِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُتَنَافَسُ فِي اتِّخَاذِهِ، وَقِيلَ: إنْ سُلِقَ فَهُوَ طَاهِرٌ وَإِلَّا فَلَا، وَلَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِالْعَاجِ بَلْ عَامٌّ، فَإِنَّ أَنْيَابَ الْفِيلِ قُرُونٌ مُنْعَكِسَةٌ كَمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْعَظْمِ وَالْقَرْنِ وَالظِّلْفِ وَالسِّنِّ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا نَجِسَةٌ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ طَاهِرَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تَحُلُّهَا الْحَيَاةُ، وَقِيلَ: بِالْفَرْقِ بَيْنَ طَرَفِهَا وَأَصْلِهَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي غَيْرِ الْعَظْمِ وَحَكَى الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ فِي عِظَامِ الْمَيْتَةِ رَابِعًا بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يُسْلَقَ، أَوْ لَا وَإِذَا حُمِلَتْ الْكَرَاهَةُ فِي أَنْيَابِ الْفِيلِ عَلَى بَابِهَا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَابْن الْمَوَّازِ يَكُونُ خَامِسًا.
(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) هَذَا إنْ لَمْ يُذَكَّ الْفِيلُ فَإِنْ ذُكِّيَ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِعَظْمِهِ وَجِلْدِهِ مِنْ غَيْرِ دَبْغٍ كَجُلُودِ السِّبَاعِ وَعِظَامِهَا إذَا ذُكِّيَتْ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ أَكْلُ لُحُومِهَا.
(الثَّانِي) اُنْظُرْ هَلْ يَتَنَجَّسُ الدُّهْنُ وَالْمَاءُ وَنَحْوُهُ بِجَعْلِهِ فِي الْعَاجِ وَنَحْوِهِ مِنْ عِظَامِ الْمَيْتَةِ أَمْ لَا؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا صَرِيحًا وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَكُرِهَ الِانْتِفَاعُ بِأَنْيَابِ الْفِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَسَمَ فِيهِ وَلَا وَدَكَ وَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: " وَرُطُوبَةِ فَرْجٍ: مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
ص (وَالتَّوَقُّفُ فِي الْكِيمَخْتِ)
ش: أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يُصَلَّى عَلَى جِلْدِ حِمَارٍ، وَإِنْ ذُكِّيَ وَتَوَقَّفَ عَنْ الْجَوَابِ فِي الْكِيمَخْتِ وَرَأَيْتُ تَرْكَهُ أَحَبَّ إلَيَّ انْتَهَى. وَتَوَقُّفُهُ لِأَجَلِ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي تَرْكَهُ، وَعَمَلَ السَّلَفِ يُعَارِضُهُ قَالَ عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ مَا زَالَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِالسُّيُوفِ وَفِيهَا الْكِيمَخْتُ وَمَا يَتَّقُونَ شَيْئًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ وَأَصْلِهِ لِابْنِ يُونُسَ فِي الْكِيمَخْتِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:(الْأَوَّلُ) : قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: " تَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيَّ " فَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَنْ صَلَّى بِهِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، أَوْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ.
(الثَّانِي) : الْجَوَازُ لِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ.
(الثَّالِثُ) : الْجَوَازُ فِي السُّيُوفِ خَاصَّةً لِابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ حَبِيبٍ فَمَنْ صَلَّى بِهِ فِي غَيْرِ السُّيُوفِ يَسِيرًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا أَعَادَ أَبَدًا انْتَهَى. وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَصَاحِبِ الشَّامِلِ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْكِيمَخْتِ النَّجَاسَةُ وَأَنَّهُ لَا يُصَلَّى بِهِ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ أَوَّلِ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَيَكُونُ رَابِعًا، لَكِنَّ الَّذِي فَهِمَهُ الْأَشْيَاخُ أَنَّ هَذَا حُكْمُهُ فِي الْأَصْلِ وَلَكِنَّهُ خَرَجَ عَنْ هَذَا الْحُكْمِ لِلضَّرُورَةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ حَمْلٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ: الصَّلَاةُ فِي الْكِيمَخْتِ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ لَا تَجُوزُ إلَّا أَنَّهُ اسْتَخَفَّ لِلْخِلَافِ فِيهِ وَاسْتِجَازَةِ السَّلَفِ لَهُ فَرَأَى فِي الْعُتْبِيَّةِ الْمَنْعَ مِنْهُ وَالتَّشْدِيدَ فِيهِ مِنْ التَّعَمُّقِ الَّذِي لَا يَنْبَغِي وَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِلْخِلَافِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الطِّرَازِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ رَأَى الْكِيمَخْتَ مُسْتَثْنًى وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ فِيهَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَخْزُومِيُّ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الْكِيمَخْتِ فَقَالَ هَذَا تَعَمُّقٌ، وَقَدْ صَلَّى الصَّحَابَةُ بِأَسْيَافِهِمْ وَفِيهَا الدِّمَاءُ وَظَاهِرُ هَذَا
الْكَلَامِ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى كَالدَّمِ فِي السَّيْفِ، وَهَذَا لِأَنَّ غَيْرَ الْكِيمَخْتِ لَا يَسُدُّ مَسَدَهُ وَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَاخْتَصَّتْ بِهِ الرُّخْصَةُ لِنَوْعِ حَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ انْتَهَى.
وَعَلَى هَذَا فَلَا يُصَلَّى فِي الْكِيمَخْتِ بِمُقْتَضَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ أَعْنِي النَّجَاسَةَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ نَقَلَ فِيهِ قَوْلًا بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ فَلَا يَكُونُ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ هُنَا مُخَالِفًا لِلْمَشْهُورِ، نَعَمْ نَقَصَ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ قَوْلَهُ:" وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيَّ " وَهِيَ الَّتِي تُفِيدُ الْحُكْمَ فِيهِ، وَقَدْ تَعَقَّبَ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ إسْقَاطَ ذَلِكَ وَارْتَكَبَهُ هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَمَنِيٍّ وَمَذْيٍ وَوَدْيٍ)
ش: الْمَنِيُّ بِفَتْحٍ الْمِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ وَآخِرُهُ تَحْتِيَّةٌ مُشَدَّدَةٌ وَيَأْتِي تَعْرِيفُهُ فِي فَصْلِ الْغُسْلِ وَالْمَذْيُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ، وَبِكَسْرِ الذَّالِ مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا حَكَاهُ الْفَاكِهَانِيُّ مَاءٌ رَقِيقٌ يَخْرُجُ عِنْدَ ثَوْرَانِ الشَّهْوَةِ يَشْتَرِكُ فِيهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَمَذْيُهَا بَلَّةٌ تَعْلُو فَرْجَهَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ: الْمَذْيُ يَكُونُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُوَ فِي النِّسَاءِ أَكْثَرُ قَالَ وَإِذَا هَاجَتْ الْمَرْأَةُ خَرَجَ مِنْهَا انْتَهَى. وَفِي الصِّحَاحِ كُلُّ ذَكَرٍ يَمْذِي وَكُلُّ أُنْثَى تَمْذِي يُقَالُ: مَذَتْ الشَّاةُ أَيْ أَلْقَتْ بَيَاضًا مِنْ رَحِمِهَا انْتَهَى.
وَالْوَدْيُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ، وَبِكَسْرِ الدَّالِ مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ وَيُقَالُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ مَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ بِالْمُعْجَمَةِ فَهُوَ تَصْحِيفٌ وَضَبَطَهُ فِي الطِّرَازِ بِالْمُعْجَمَةِ وَقَالَ الْوَدْيُ بِالْمُهْمَلَةِ صِغَارُ النَّخْلِ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ خَاثِرٌ يَخْرُجُ بِأَثَرِ الْبَوْلِ، أَوْ حَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ.
وَالْمَنِيُّ نَجِسٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَحَكَى ابْنُ فَرْحُونٍ فِيهِ الْخِلَافَ عَنْ صَاحِبِ الْإِرْشَادِ وَتَأَوَّلَهُ ابْنُ الْفُرَاتِ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْخِلَافُ هَلْ هُوَ نَجِسٌ لِأَصْلِهِ، أَوْ لِمَمَرِّهِ.
(قُلْتُ) وَلَيْسَ ذَلِكَ بِظَاهِرِ وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي الْإِرْشَادِ وَالْمَشْهُورُ نَجَاسَةُ مَنِيِّهِ يَعْنِي الْآدَمِيَّ وَقَالَ فِي عُمْدَتِهِ وَفِي الْمَنِيِّ قَوْلَانِ، وَأَمَّا الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ هَلْ هُوَ نَجِسٌ لِأَصْلِهِ أَوْ لِمَمَرِّهِ عَلَى مَحِلِّ الْبَوْلِ فَمَعْلُومٌ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَعَلَيْهِمَا مَنِيُّ الْمُبَاحِ وَالْمَكْرُوهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ نَجِسًا وَعَلَى الثَّانِي لَا يَكُونُ نَجِسًا مِنْ الْمُبَاحِ الَّذِي لَا يَأْكُلُ النَّجَاسَةَ؛ لِأَنَّ بَوْلَهُ طَاهِرٌ وَلَا مِنْ الْمَكْرُوهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ بَوْلَهُ تَابِعٌ، وَهَذَا يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ فِي الْإِرْشَادِ وَالْأَرْوَاثُ وَالْأَبْوَالُ وَالْمَنِيُّ تَوَابِعُ يَعْنِي اللُّحُومَ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْحُكْمُ بِنَجَاسَتِهِ مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ وَبِهِ فَسَّرَ الْبِسَاطِيُّ كَلَامَهُ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ الشَّارِحِ أَنَّهُ قَالَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ نَجَاسَتُهُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ وَلَا فِي شَامِلِهِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذِهِ مِنْ كُتُبِهِ.
وَأَمَّا الْمَذْيُ وَالْوَدْيُ فَبِنَقْلِ شَاسٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَجَاسَتِهِمَا، فَقَالَ ابْنُ هَارُونَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ الْآدَمِيِّ وَالْمُحَرَّمِ، وَأَمَّا الْمُبَاحُ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا إنْ أَجْرَيْنَا ذَلِكَ مُجْرَى بَوْلِهِ فَهُوَ طَاهِرٌ، أَوْ مُجْرَى مَنِيِّهِ فَفِيهِ الْخِلَافُ قَالَ ابْنُ نَاجِي نَخْتَارُ أَنَّهُ قِسْمٌ ثَالِثٌ، وَكَذَلِكَ وَافَقَ عَلَى نَجَاسَتِهِ مَنْ خَالَفَ فِي الْمَنِيِّ انْتَهَى. فَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ الْحُكْمِ بِالنَّجَاسَةِ فِيهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ غَيْرَ الْآدَمِيِّ لَهُ مَذْيٌ وَوَدْيٌ وَتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْإِمَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ الْبِسَاطِيُّ وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ فَضَلَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَقَالَ ابْنُ الْفُرَاتِ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى نَجَاسَةِ مَنِيِّ الْآدَمِيِّ مَا عَدَا الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَغَسْلُ عَائِشَةَ رضي الله عنها الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِهِ صلى الله عليه وسلم تَشْرِيعٌ وَفِي التَّوْضِيحِ لَا دَلَالَةَ فِي مَنِيِّهِ صلى الله عليه وسلم لِادِّعَاءِ أَنَّهُ مِنْهُ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ نَجِسًا، وَفِي الْأَبِيِّ مَا يَقْتَضِي تَسْلِيمَ أَنَّ مَنِيَّهُ وَفَضَلَاتِهِ طَاهِرَةٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ بِطَهَارَةِ مَنِيِّ الْآدَمِيِّ وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِهِ وَلَهُمْ قَوْلَانِ فِي جَوَازِ أَكْلِهِ حَكَاهُمَا النَّوَوِيُّ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَهُمْ حُرْمَةُ أَكْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَقَيْحٍ وَصَدِيدٍ)
ش: الْقَيْحُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ، وَكَسْرُ الْقَافِ لَحْنٌ قَالَ