الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن قلت: فهل يكفي في القدح في مثل هذا التعليل خطور وصف آخر بالبال؟
قلنا: لا؛ لأن ذلك الوصف الآخر: إما أن يكون متعديا إلى الفرع، أو لا يكون: فإن كان متعديا إلى الفرع، فلم يضرنا؛ لأن غرضنا من العلة المعرف، وقيام معرف آخر لهذا الحكم لا يمنع من كون ما ذكرته معرفا له، وإن لم يكن متعديا إلى الفرع كان التعليل بالوصف الذي ذكرته أولى؛ لأنا أمرنا بالقياس في قوله تعالى:{فاعبتروا} [الحشر: 2] والأمر بالقياس أمر بما هو من ضروراته، ومن ضرورات القياس تعليل حكم الأصل بعلة متعدية؛ فكان التعليل بما ذكرناه أولى من التعليل بما ذكره الخصم، اللهم إلا أن يذكر الخصم وصفا آخر، ويعديه إلى فرع غير الفرع الذي وقع الخلاف فيه؛ فهناك يجب على المعلل الاشتغال بالترجيح.
وعن الثاني: أنا بينا أن مجرد المقارنة دليل العلية ظاهرا؛ فلم يكن القول به مجرد التشهي.
الفصل الثامن
في الطرد
قال
القرافي: قلت: تقدم الفرق بين الطرد والطردي:
أن الطرد ثبوت الحكم في جميع صور العلة.
والطردي عدم المناسبة.
والطرد والاطراد بمعنى واحد.
قال الغزالي: الطرد سلامة العلة عن النقض، وهو أعم أوصاف العلة
وأضعفها في الدلالة على الصحة، فإن انضاف إليه مناسبة الوصف لعلة الحكم، وإن لم ينسبه إلى مناسبة الحكم سمي شبها.
فالشبه: وصف يوهم حصول المصلحة، و [إن] لم يطلع على ذلك، كالتعليل بكونه لا يبنى على جنسه القنطرة؛ فإنه يوهم المناسب.
قوله: (النادر في كل باب ملحق بالغالب):
قلنا: على هذا الموطن سؤال قوي، وهو: أن غالب الكلام المجاز، حتى قال ابن جني: كلام العرب كله مجاز، ومع ذلك إذا جاءت لفظة دائرة بين الحقيقة والمجاز، فإنا نحملها على الحقيقة النادرة أو المعدومة.
وكذلك الغالب على العمومات التخصيص، حتى قال ابن عباس: ما من عام إلا وقد خص، إلا قوله تعالى:{والله بكل شيء عليم} [التغابن: 11].
ومع ذلك إذا وردت صيغة العموم، حملناها على العموم، حتى يرد التخصيص، مع أن الغالب التخصيص.
جوابه: أنه سؤال قوي، ولقد أوردته على أعيان الفضلاء فلم يجيبوا عنه، ووجهوا له سبب إهمال تحقيق قولنا:(الدائر بين النادر والغالب يحمل على الغالب) فإن لذلك شرطا، وهو أن يكون الدائر بينهما مساويا لحقيقتهما، من حيث وقعت الغلبة والندور.
وتقريره بالمثال: أن الثياب الآتية من عند القصار، الغالب عليها الطهارة؛ كونها جاءت من عند القصار، لا لوصف آخر ألبتة، فلا جرم إذا ورد ثوب منها دار بين أن يكون طاهرا من جنس الغالب الطاهر، أو من النادر الذي طرأ عليه بول حيوان، ولم نعلم به، فنحمله على الغالب، ولو كنا إنما نقضي بطهارتها لا لكونها أتت من عند القصار، بل لأنا نغسلها بعد ذلك
بالماء، لم نقض على الثواب المتردد بين الطهارة وعدمها بالطهارة لكونه جاء من عند القصار؛ لأن السبب الموجب للطهارة الذي هو الغسل لم يوجد، بل هذا الثوب الذي لم يغسل لم يوجد له جنس فيه طهارة على هذا التقدير، فلا غالب، ولا غيره يلحق به.
كذلك- هاهنا- إنما قضينا بالمجاز في جميع الصور؛ لاقتران القرينة الصارفة عن الحقيقة إلى المجاز، ولم نقض في صورة بالمجاز ولا بتخصيص العموم بغير صارف، وهذه الصورة المترددة ليس فيها صارف؛ فلم تكن من جنس الغالب، فلا جرم لم نلحقها به.
وإنما يتجه اللحوق أن لو كنا قضينا في تلك الصور بالمجاز والتخصيص؛ لمجرد اللفظ الموجود- هاهنا- من غير صارف، حتى تكون هذه الصور مساوية لذلك الغالب، بل هذه الصورة لم يوجد لها نظير ألبتة في كونها تحمل على المجاز من غير صارف، فضلا عن كون لها غالب، فهذا هو السر في الباب، وقد تقدم في تقريره أيضا.
قوله: (المقارنة تفيد ظن العلية، بشرط ألا يخطر بالبال وصف آخر، ولكن هذا الشرط لا يلزم المعلل؛ لأن نفي المعارض ليس من وظيفته):
قلنا: هذا الكلام حق، غير أن تسمية عدم المانع شرطا ولع به كثير من الفقهاء والفضلاء، وهو يفضي إلى الجمع بين النقيضين؛ لأن القاعدة أن الشك يمنع من ترتيب الحكم، والشك في المانع لا يمنع، فمتى حصل الشك في مانع على هذا التقدير، فقد حصل في عدمه- أيضا- وعدمه شرط، فيلزم ثبوت الحكم من جهة أنه شك في المانع، وعدم ثبوته؛ لأنه شك في الشرط الذي هو عدم المانع، وذلك محال، فيتعين ألا يكون عدم المانع شرطا، بل الشرط أمور أخر غير الموانع، فتأمل ذلك.
(سؤال)
على قوله: (إذا رأينا الوصف حاصلا في جميع الصور المغايرة للفرع