الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
"في القلب" وفيه مسائل:
قال الرازي:
المسألة الأولى: في حقيقته
، وحقيقته أن يعلق على العلة المذكورة في قياس- نقيض الحكم المذكور فيه، ويرد إلى ذلك الأصل بعينه، وإنما شرطنا اتحاد الأصل؛ لأنه لو رد إلى أصل آخر، لكان ذلك الأصل الآخر: إما أن يكون حاصلا في الأصل الأول، أو لا يكون: فإن كان الأول، كان رده إليه أولى؛ لأن المستدل لا يمكنه منع وجود تلك الصلة فيه، ويمكنه منع وجودها في أصل آخر.
وإن كان الثاني: كان أصل القياس الآخر نقضا على تلك العلة؛ لأن ذاك الوصف حاصل فيه، مع عدم ذلك الحكم.
المسألة الثانية: منهم من أنكر إمكانه؛ لوجهين:
الأول: أن الحكم الذي علقه القالب على العلة، لابد وأن يكون مخالفا للحكم الذي علقه القائس عليها؛ وإلا لما كان إلا تكريرا في اللفظ، ثم إن ذينك الحكمين: إما أن يمكن اجتماعهما، أو لا يمكن: فإن كان الأول، لم يقدح ذلك في العلة؛ لأنه لا امتناع في أن يكون للعلة الواحدة حكمان غير متنافيين. والثاني محال؛ لأنا بينا أن الأصل الذي يرد إليه القالب والقائس لابد وأن يكون واحدا، والصورة الواحدة يستحيل أن يحصل فيها حكمان متنافيان.
الثاني: أن العلة المستنبطة لابد وأن تكون مناسبة للحكم، والوصف الواجد يستحيل أن يكون مناسبا لحكمين متنافيين.
والجواب عن الأول: أن ها هنا احتمالا آخر، وهو ألا يكون الحكمان متنافيين؛ فلا جرم يصح حصولهما في الأصل، لكن دل دليل منفصل على امتناع اجتماعهما في الفرع، فإذا بين القالب: أن الوصف الحاصل في الفرع ليس بأن يقتضي أحد الحكمين أولى من الآخر، كان الأصل شاهدا لهما الاعتبار؛ لما بينا أنه لا منافاة بينهما في الأصل- ويقتضي امتناع حصول الحكم في الفرع لما أنه ليس حصول أحدهما أولى من الآخر، وقد قامت الدلالة على امتناع حصولهما في الفرع، وهذا الكلام كما أنه جواب عن شبهة المنكر، فهو دليل ابتداء على إمكان القلب.
وعن الثاني: أن المناسبة قد لا تكون حقيقة، بل إقناعية، فبالقلب ينكشف أنها ما كانت حقيقة.
المسالة الثالثة: القلب معارضة، إلا في أمرين:
أحدهما: أنه لا يمكن فيه الزيادة في العلة، وفي سائر المعارضات يمكن.
الثاني: أنه لا يمكن منع وجود العلة في الفرع والأصل؛ لأن أصله وفرعه هو أصل المعلل وفرعه، ويمكن ذلك في سائر المعارضات.
وأما فيما وراء هذين الوجهين، فلا فرق بينه وبين المعارضة؛ فعلى هذا: للمستدل أن يمنع حكم القالب في الأصل، وأن يقدح في تأثير العلة فيه بالنقض، وعدم التأثير، وأن يقول بموجبه، إذا أمكنه بيان أن اللازم من ذلك القلب لن ينافي حكمه، وأن يقلب قلبه، أذا لم يكن قلب القالب مناقضا للحكم؛ لأن قلب القالب، إذا فسد بالقلب الثاني، سلم أصل القياس من القلب.
المسألة الرابعة: القالب: إما أن يذكر القلب؛ لإثبات مذهبه أو لإبطال مذهب خصمه:
والأول: مثل أن يقول الحنفي في أن الصوم شرط في صحة الاعتكاف: "لبث مخصوص، فلا يكون بدون الصوم قربة؛ كالوقوف بعرفة" فيقول القالب: "لبث مخصوص، فلا يعتبر القوم في كونه قربة؛ كالوقوف بعرفة" فالحكمان المذكوران في الأصل والقلب لا يتنافيان في الأصل، ويتنافيان في الفرع.
وأما الثاني: فإما أن يدل القالب على فساد مذهبه صريحا، أو ضمنا، وهو أن يدل على فساد لازم من لوازم مذهب الخصم.
مثال الأول: قول الحنفي في المسح: "ركن من أركان الوضوء؛ فلا يكتفي فيه بأقل ما يقع عليه الاسم؛ كالوجه، فيقول القالب: "فوجب ألا يتقدر الفرض فيه بالربع؛ كالوجه" وهذان الحكمان لا يتناقضان في ذاتيهما؛ لأنهما حصلا في الوجه، ولكن يتنافيان في الفرع بواسطة اتفاق الإمامين.
مثال الثاني: قولهم في بيع الغائب: "عقد معاوضة، فينعقد مع الجهل بالعوض؛ كالنكاح" فيقول القالب: "فلا يثبت فيه خيار الرؤية؛ كالنكاح، ويلزم من فساد خيار الرؤية فساد البيع" وهذا الحكمان غير متنافيين في الأصل؛ لأنه اجتمع في النكاح الصحة وعدم الخيار؛ لكن لا يمكن اجتماعهما في الفرع.
وقال بعضهم: هذا النوع منن القلب غير مقبول؛ لأن دلالة الوصف على ثبوت الحكم، لا بواسطة- أظهر من دلالته على انتفاء الحكم بواسطة.
واعلم أنه يقع في هذا النوع شيء يسمى قلب التسوية؛ مثاله: أن يقول الحنفي في طلاق المكره: "مكلف مالك للطلاق، فيقع طلاقه؛ كالمختار" فيقول القالب: "فوجب أن يستوي حكم إيقاعه وإقراره كالمختار":
وبعضهم قدح فيه بأن قال: "الحاصل: اعتبارهما معا في الثبوت في الأصل وفي الفرع عند القالب- عدم وقوعهما معا؛ فكيف تتحقق التسوية؟ ":
جوابه: أن عدم الاختلاف بين الحكمين حاضر في الفرع والأصل؛ لكن في الفرع في جانب العدم، وفي الأصل في جانب الثبوت، وذلك لا يقدح في الاستواء في الأصل.
الفصل الثالث
في القلب قوله: "الوصف الواحد لا يناسب المتنافيين":
قلنا: لا نسلم، فقد ذكر الأصوليون والفقهاء جمع: الفرق، وهو ترتيب النقيضين على مناسبة وصف، ومثلوه بأن صون مال المحجور عليه على مصالحة يقتضي رد تصرفاته، وتنفيذ وصاياه نقيضها- أيضا- صون ماله على مصالحه.
فصار صون المال على المصالح يناسب التنفيذ وعدمه، وهما نقيضان، لكن باعتبار حالتي المحجور، ونظائره كثيرة.
قوله: "لبث مخصوص، فلا يكون بدون الصوم قربة كالوقوف بـ "عرفة":
تقريره: أن هذا الكلام لا يتقل بنفسه؛ لأن الوقوف بـ "عرفة" لا يفتقر الصوم، بل أصل التقدير أن يقال:"لبث في مكان مخصوص، فلا يستقل بنفسه قربة، كالوقوف بـ "عرفة"، وإذا لم يستقل بنفسه تعين صوم غيره إليه، وكل من قال: يضم عبادة أخرى إليه، قال: هي الصوم، فيجب الصوم".