المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثالث"في الفرع - نفائس الأصول في شرح المحصول - جـ ٨

[القرافي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل السادس(في الدوران)

- ‌تنبيه:قال النقشواني: الدوران عين التجربة

- ‌سؤال:قال النقشواني: قوله: (غير هذا الوصف لم يكن موجودا قبل، وإلا لتخلف الحكم عن علته): طريقه لا يتوقف على الدوران

- ‌سؤال:قال النقشواني: ما ذكره في هذا الوجه يقتضي أن الحكم حادث

- ‌سؤال:قال: ولأنه في هذا الموضع احتج بالاستصحاب

- ‌سؤال:قال النقشواني: قوله: (بعض الدورانات تفيد الظن؛ فيكون الكل كذلك [للآية]) غير متجه

- ‌تنبيه:قال سراج الدين: علل الشرع معرفات، فجاز أن يكون العدم علة وجزء علة

- ‌الفصل السابع(في السبر والتقسيم)

- ‌سؤال:قال النقشواني: قوله: (الأصل بقاء غير هذا الوصف على العدم) يقتضي أن هذه الطريقة مفتقرة إلى للاستصحاب

- ‌(جوابه)ما تقدم أن القياس وإن افتقر إلى الاستصحاب من هذا الوجه، لكن القياس أقوى منه من وجه آخر

- ‌(سؤال)قال التبريزي: قوله: (لا يبين بالمناسبة؛ لئلا يحتاج إليها فيما يدعيه علة) لا يلزم

- ‌(تنبيه)زاد التبريزي فقال: إذا لم يكن التركيب مجمعا عليه، ينفى التركيب في العلة بأنه على خلاف الأصل

- ‌(سؤال)قال إمام الحرمين في (البرهان): قال القاضي: السبر أقوى الطرق في إثبات العلة

- ‌الفصل الثامن(في الطرد)

- ‌ القرافي: قلت: تقدم الفرق بين الطرد والطردي:

- ‌(سؤال)قال النقشواني: إن أراد أنه يلزم من المقارنة التأثير فممنوع

- ‌(تنبيه)قال سراج الدين على قوله: (لو لم يحصل ظن العلية لما أسند إلى علة، وهو باطل، أو أسند إلى غيره، وهو يقتضي الشعور بالغير).قال: لقائل أن يقول: الإسناد إلى الغير يقتضي الشعور به جملة

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: إثبات العلة بالطرد والعكس اختلف القائلون بدلالته على علية الوصف

- ‌(تنبيه)مثار الخلاف في هذه المواطن ملاحظة أن ما [رده] الصحابة- رضي الله عنهم[رددناه]، وما أعملوه أعملناه

- ‌الفصل التاسع(في تنقيح المناط)

- ‌(تنبيه)أما الحصر فقد يتوصل إليه بعدم الوجدان، ويجري في التعبدات بعد البحث التام

- ‌الفصل العاشر(في الطرق الفاسدة) وهو طريقان

- ‌الفصل الأول(في النقض) وفيه مسائل:

- ‌المسألة الأولى: وجود الوصف مع عدم الحكم يقدح في كونه علة

- ‌(فائدة)الفرق بين النقض، والعكس، والكسر؛ فإن الفقيه محتاج لذلك

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: جوز أكثر الحنفية، ومالك وابن حنبل، تخصيص العلة المستنبطة، ومنعه أكثر الشافعية، وروي المنع عن الشافعي

- ‌المسألة الثانية(في كيفية دفع النقض)

- ‌(سؤال)قال النقشواني: لا ينحصر دفع النقض بما ذكره

- ‌(تنبيه)قال التبريزي: ما يقع الاحتراز به عن النقض هل يجب ذكره في الدليل

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: اختلفوا في النقض المكسور

- ‌(فائدة)قال أبو يعلى الحنبلي في (العمدة): إذا وقع النقض بتفسير علته بما يدفع النقض بتفسير مطابق للفظ العلة قبل منه

- ‌المسألة الثالثةقال الرازي: وهي مشتملة على فرعين من فروع تخصيص العلة:

- ‌المسألة الرابعةقال الرازي: في أن النقض: إذا كان واردا على سبيل الاستثناء، هل يقدح في العلة أم لا

- ‌المسألة الخامسةفي الكسر

- ‌(فائدة)سمعت الشيخ عز الدين بن عبد السلام يقول: اتفقوا على أنه إذا قطع بانتفاء الحكمة لا يثبت الحكم

- ‌الفصل الثاني(في عدم التأثير)

- ‌(فائدة)قال الإمام في (البرهان): قال الجدليون: عدم التأثير في الوصف، وعدم التأثير في الأصل

- ‌(سؤال)قال النقشواني: ما ذكره في العلل الشرعية لا يرد على من يعلل بنفس الحكمة

- ‌(تنبيه)زاد التبريزي فقال: العكس إنما يلزم عند اتحاد العلة، وقد أجمعوا على جواز تعددها في الشرع

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: العكس لغة: رد أول الأمر إلى آخره، وآخره إلى أوله

- ‌الفصل الثالث"في القلب" وفيه مسائل:

- ‌ المسألة الأولى: في حقيقته

- ‌سؤال"قال النقشوانى: ما ذكره في القلب معارضة في حكم المسألة

- ‌تنبيه"زاد التبريزي فقال: يشترط في القلب الرد إلى أقل المعلل

- ‌فائدة"قال الباجي في "الفصول": "لا يصح قلب القلب

- ‌فائدة"قال سيف الدين: القلب قلبان:

- ‌الفصل الرابع"في القول بالموجب

- ‌سؤال""القلب" و"القول بالموجب" معارضة في الحكم، لا قدح في العلة

- ‌الفصل الخامس"في الفرق

- ‌الباب الثالثفيما يظن أنه من مفسدات العلة، مع أنه ليس كذلك

- ‌تنبيه"زاد سراج الدين فقال: الاقتصار على المشترك، وإن كان جائزا، لكنه غير لازم

- ‌المسألة الرابعةقال الرازي: يجوز التعليل بالعدم؛ خلافا لبعض الفقهاء

- ‌سؤال"قال النقشواني: قوله- هاهنا-: "يجوز التعليل بالعدم_ يناقضه ما تقدم له:

- ‌تنبيه"زاد التبريزي قال: "لا يجوز التعليل بالعدم" خلافا للمصنف

- ‌المسألة الخامسةقال الرازي: للمانعين من التعليل بالعدم: أن يمنعوا من التعليل بالأوصاف الإضافية

- ‌تنبيه"زاد التبريزي فقال: ليس من فروع المنع من التعليل بالعدم امتناع التعليل بالأوصاف الإضافية

- ‌المسألة السادسةقال الرازي: تعليل الحكم الشرعي جائز؛ خلافا لبعضهم

- ‌سؤال"كيف يتصور في الأحكام الشرعية التقدم والتأخر مع أنها كلها قديمة

- ‌جوابه"أن المراد تكامل شروط التعلق

- ‌تنبيه"زاد التبريزي فقال: نحن نعلل جواز الانتفاع، وصحة البيع، ووجوب الزكاة، ونفقة المملوك بالملك، وهو حكم شرعي

- ‌المسألة السابعةقال الرازي: يجوز التعليل بالأوصاف العرفية

- ‌المسألة الثامنةقال الرازي: يجوز بالتعليل بالوصف المركب عند الأكثرين، وقال قوم: لا يجوز

- ‌تنبيه"زاد سراج الدين فقال على قوله: "إن العدم ليس علة ثبوتية دفعا للتسلسل": لقائل أن يقول: في هذين الجوابين نظر نبهنا عليه فيما تقدم

- ‌المسألة التاسعةقال الرازى: اتفقوا على أنه لا يجوز التعليل بالاسم

- ‌المسألة العاشرةقال الرازى: مذهب الشافعي- رضي الله عنه: أنه يجوز التعليل بالعلة القاصرة؛ وهو قول أكثر المتكلمين

- ‌(سؤال)قال النقشواني: قوله: (تكشف عن المنع من القياس) لا يتم

- ‌(تنبيه)زاد سراج الدين فقال على قوله: (حكم الشيء حكم مثله؛ لأن عليته إنما هي باعتبار تلك الصفات الحاصلة)

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: الخلاف في القاصرة إذا لم تكن منصوصة

- ‌المسألة الحادية عشرةقال الرازي: الحق أنه لا يجوز التعليل بالصفات المقدرة؛ خلافا لبعض الفقهاء العصريين

- ‌(سؤال)قال النقشواني: الملك في العرف، والشرع

- ‌(تنبيه)زاد سراج الدين فقال: لقائل أن يقول: لما فسرت الوجوب بتعلق الخطاب، وقد اعترفت أول الكتاب بحدوثه- افتقر إلى سبب حادث

- ‌المسألة الثانية عشرةقال الرازي: ها هنا أبحاث:

- ‌(سؤال)قال النقشواني: لم يبين أن العلة واحدة بالنوع، أو بالشخص

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: اختلفوا في العلة الواحدة الشرعية، هل يكون لها حكمان شرعيان

- ‌المسألة الثالثة عشرةقال الرازي: قد يستدل بذات العلة على الحكم، وقد يستدل بعلية العلة على الحكم

- ‌(سؤال)قال النقشواني: كلامه متناقض

- ‌(تنبيه)زاد سراج الدين فقال: لقائل أن يقول: صدق قولنا: القتل سبب لوجوب القصاص لا يتوقف على وجوب القصاص

- ‌المسألة الرابعة عشرةقال الرازي: تعليل الحكم العدمي بالوصف الوجودي لا يتوقف على بيان ثبوت المقتضي لذلك الحكم

- ‌القسم الثالثفي المباحث المتعلقة بالحكم والأصل والفرع

- ‌الباب الأول في مباحث الحكم:

- ‌الباب الثانيفي شرائط الأصل

- ‌الباب الثالث"في الفرع

- ‌الكلام في التعادل والترجيح

- ‌القسم الأولفي التعادل

- ‌القسم الثاني(في مقدمات الترجيح)

- ‌القسم الثالثفي تراجيح الأخبار

- ‌(سؤال)قال النقشواني: دعواه الندرة في علو الإسناد ليست على الإطلاق

- ‌القول في التراجيح الراجعة إلى حال ورود الخبر

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: رواية متقدم الإسلام مقدمة لقوة أصالته في الإسلام

- ‌القول في التراجيح الراجعة إلى اللفظ

- ‌القول في التراجيح الراجعة إلى الحكم

- ‌ القرافي: قوله: (لو جعلنا المبقى متقدما على الناقل، لكان واردا حيث لا يحتاج إليه):

- ‌(فائدة)قال بعض العلماء: في الأحكام يقدم الحظر؛ لأن النهي يعتمد المفاسد

- ‌القول في الترجيحات الحاصلةبالأمور الخارجة

- ‌تنبيه"تقدم رواية أهل الحرمين وبعض المفهومات على بعض، فليطالع من هناك

الفصل: ‌الباب الثالث"في الفرع

‌الباب الثالث

"في الفرع

"

قال الرازي: وشرطه: أن يوجد فيه مثل علة الحكم في الأصل من غير تفاوت ألبتة لا في الماهية، ولا في الزيادة، ولا في النقصان؛ لأن القياس عبارة عن تعدية الحكم من محل إلى محل، والتعدية لا تحصل إلا إذا كان الحكم المثبت في الفرع مثل المثبت في الأصل.

فإن قلت: "هذا يقتضي ألا يكون قياس العكس حجة":

قلت: قد بينا في أول كتاب القياس: أن قياس العكس عبارة عن التمسك بنظم التلازم ابتداء، ثم إنا نثبت مقدمته الشرطية بقياس الطرد.

وأما الأمور التي اعتبرها قوم في الفرع مع أنها ليست معتبرة، فهي ثلاثة:

الأول: قال بعضهم: يجب أن يكون حصول العلة في الفرع معلوما لا مظنونا، وهذا باطل للنص، والحكم، والمعقول:

أما النص: فهو أن عموم قوله تعالى: {فاعتبروا} [الحشر: 2] يقتضي حذف هذا الشرط.

وأما الحكم: فهو: أن الزنا والسرقة، إذا ظهرا عند القاضي، قضى بوجوب الحد؛ لأن الطريق إليه شهادة الشهود، وهي لا تفيد العلم.

وأما المعقول: فهو أنه إذا حصل ظن كون الحكم معللا بذلك الوصف، ثم

ص: 3627

حصل ظن الثبوت ذلك الوصف في الفرع، حصل ظن أن الحكم في الفرع مثل الحكم في الأصل، والعمل بالظن واجب مطلقا؛ على ما بيناه،

الثاني: قال أبو هاشم: الحكم في الفرع يجب أن يكون مما ثبت جملة حتى يدل القياس على تفصيله، ولولا أن الشرع ورد بميراث الجد؛ وإلا لما استعملت الصحابة القياس في توريثه مع الإخوة؛ وهذا باطل؛ لأن أدلة القياس تحذف هذا القيد.

الثالث: ألا يكون الفرع منصوصا عليه، وهو على قسمين؛ لأن الحكم الذي دل النص عليه: إما أن يكون مطابقا للحكم الذي دل عليه القياس، أو مخالفا:

فإن كان الأول: جاز استعمال القياس فيه عند الأكثرين؛ لأن ترادف الأدلة على المدلول الواحد جائز، ومنعه بعضهم؛ استدلالا بأن معاذا إنما عدل إلى الاجتهاد بعد فقدان النص؛ فدل على أنه لا يجوز استعماله عند وجوده.

وأيضا: فالدليل ينفي جواز العمل بالقياس؛ لكونه اتباعا للظن {وإن الظن لا يغني من الحق شيئا} [النجم: 28] ترك العمل به فيما إذا لم يوجب النص للضرورة؛ فيبقى حال وجود النص على مقتضى الأصل.

الجواب عن الأول: أن قصة معاذ دالة على أن التمسك بالقياس عند فقدان النص جائز، فأما عند وجود النص، فليس فيه دليل لا على جوازه، ولا على بطلانه.

وعن الثاني: ما تقدم مرارا من أن العمل بالقياس ليس على خلاف الدليل.

خاتمة لهذا الباب

ها هنا نوع آخر من القياس يستعمله أهل الزمان؛ وهو أن يقال: "لو ثبت

ص: 3628

الحكم في الفرع، لثبت في الأصل؛ لأن بتقدير ثبوته في الفرع، وجب أن يكون ثبوته لأجل المعنى الفلاني؛ لمناسبته واقتران الحكم به، وذلك المعنى حاصل في الأصل؛ فيلزم ثبوت الحكم فيه.

فثبت أن الحكم، لو ثبت في الفرع، لثبت في الأصل، فلما لم يثبت في الأصل، وجب ألا ثبت في الفرع".

ويمكن أن يذكر ذلك على وجه آخر أشد تلخيصا؛ وهو أن يقال: "ثبوت الحكم في الفرع يفضى إلى محذور؛ فوجب ألا يثبت".

إنا قلنا: إنه يفضى إلى محذور؛ لأنه لو ثبت الحكم في الفرع، لكان إما أن يكون معللا بهذا الوصف الذي يشترك الفرع والأصل فيه، أو لا يكون معللا به.

فإن كان الأول: لزم النقض؛ لأنه غير ثابت في الأصل.

وإن كان الثاني: لزم النقض؛ لأن المناسبة والاقتران دليل العلية، فحصولها بدون العلية يوجب النقض، وهذا آخر كلامنا في القياس، وبالله التوفيق.

الباب الثالث

"في الفرع"

قال القرافي: قوله: "خبر معاذ يدل على التمسك بالقياس عند فقدان النص، أما عند وجوده فلا دليل فيه على عدمه ولا وجوده":

قلنا: بل مفهوم الشرط الذي هو قوله: {فإن لم تجدوا} [المجادلة: 12] يقتضى عدم جواز التمسك بالقياس.

"خاتمة"

في قياس يستعمله أهل الزمان، فيقولونّ: لو ثبت الحكم في الفرع لثبت في الأصل:

ص: 3629

تقريره: أن مقصود القياس يكون عدم الحكم، ويكون هنالك صورة أجمعنا على عدم الحكم فيها، فنقيس المختلف فيه على المتفق على ثبوت العدم فيه، ونقول: لو ثبت الربا في الأرز لكان المشترك بينه وبين الجوز، أو اللوز، أو بعض العقاقير من الطعم أو الوزن أو غيره، وليس ما ينافى الأصل، فلا يثبت في الفرع.

"تنبيه"

زاد التبريزي: فقال: شرط الحكم أن يكون ممائلا لحكم الأصل؛ ليتأدى بها ما يتأدى بحكم الأصل، وهو الذي عرف كونه مقصودا.

ثم قال العلماء: قياس البيع على النكاح لا يخل بهذا الشرط، ولا وجوب الأكل على وجوب الصلاة؛ فإن الصحة والوجود لهما حقيقة واحدة لا تختلف باختلاف المتعلق.

قال: وحصل من ذلك إشكال؛ فإن المعلل لابد وأن يرد قياسه إلى أصل وحد فيه ما رتبه على وصف تعليله، فيكون مماثلا؛ فإن الاختلاف فيما وراء ذلك القدر من (المتعلقات) لا يقدح في مماثلها من الوجه الذي جمع، فيحتاج إلى زيادة اعتبار.

فنقول: الذي يرتبه المعلل على علته قد يكون مخالفا لما في الأصل حقيقة، ولكن اللفظ يشملهما بالاشتراك التركيبي، كقولهم في اشتراط الأجل في السلم: الأجل في المسلم فيه عوض في السلم؛ فوجب أن يبلغ به أقصى مراتب جنسه، كرأس المال؛ فإن المراد بهذا اللفظ اشتراط قبض رأس المال في المجلس، وفي الفرع اعتبار الأجل في المسلم فيه، ولا اشتراك بينهما إلا في اللفظ، وقد يشاركه فيما هو مقتضى اللفظ بطريق التواطؤ، ولكن لا ينبئ

ص: 3630

مفهومه عن حكم شرعي، كقول النوقاني- رحمه الله في مسألة التعيين: معنى اعتبر في الصوم في الجملة، لا يختلف حكمه باعتبار القضاء والأداء، فوجب ألا يختلف اعتباره بالقضاء والأداء؛ قياسا لوصف النية على أصلها؛ فإن الحكم الشرعي هو الاعتبار حيث تحقق سببه، أما كونه في إحدى الصورتين مخالفا للأخرى، أو موافقا، فليس من الأحكام الشرعية، بل هو من الأمور الضرورية المستفادة من نظر العقل؛ فإن التماثل والاختلاف عقلي، وإن كان ما فيه التماثل شرعيا، وقد ينبئ عن حكم شرعي، ولكن لا يثبت تمام ماهية الحكم الثابت في الأصل، وهذا القسم يقع كثيرا، وله صور:

منها: قول أصحابنا في العقيقة: مأدبة؛ فيكون مأمورا بها كالوليمة، مع أن الحكم في الأصل الوجوب، وفي الفرع الندب، وفي مسألة التفريط: تلف ماله بعد استحقاق المطالبة فيبقي [مطالبا] به كما لو أتلفه، فيقول الحنفي: الحكم في الأصل المطالبة بضمان ما أتلفه، وقد ينشأ الخلاف بين الحكمين من الاختلاف في المحكمة، واختلاف المتعلق إذا كان مؤثرا في المقصود. ونظير الأول إيجاب عتق الرقبة كفارة ونذرا، وعقوبة ومحوا.

ونظير الثاني وجوب قطع اليد مع وجوب الجلد، أو الصوم، أو الصلاة، وهو أكبر ما يستند إليه اليوم من المناظرات.

(فائدة)

قال التبريزي: القياس له ألقاب بحسب اختلاف الجامع، وألقاب بحسب اختلاف طرق تقرير الجامع.

أما الأول: فكقياس العلة، وقياس الدلالة، والقياس في معنى الأصل، وهو المسمى بقياس لا فارق.

ص: 3631

قال: ووجه الحصر أن الحكم تبع للعلة، والعلة في الفرع إما أن تستبان تفصيلا بعد التنصيص عليها في الأصل، أو إجمالا من غيرها.

ثم ذلك الغير الدال عليها إما أن يكون ثبوتا، أو نفيا.

والأول: قياس العلة.

والثاني: قياس الدلالة.

والثالث: قياس لا فارق.

وأما الألقاب [الأخرى]، فهي [شعب] قياس العلة؛ فإنها إن قررت بالمناسبة فهو قياس الإحالة، أو بشبه فهو قياس الشبه، ولا لقب للقياس باعتبار طريق آخر من طرق العلة.

نعم العلة إن استنبطت من محل التنصيص على الحكم لا غير فهي مستنبطة، والطريق تخريج وإن لخصت من محل الإيماء بحذف ما وراءها، فهي مومئ إليها، والطريق تنقيح.

وإن لم يكن للقياس مؤنة سوى معرفة وجود العلة في الفرع لكونها معلومة في نفسها، فهو تحقيق المناط خصص به تمييزا، وإن كان لابد من تحقيق المناط في كل قياس،

قلت: وقد تقدم هذا البحث في تحقيق المناط، وتخريج المناط، وتنقيح المناط، حيث حكاه عن الغزالي، وجلبت الخلاف فيه هنالك، وسمى الغزالي (قياس لا فارق): تنقيح المناط.

وقال الشيخ أبو إسحاق في (اللمع): القياس ثلاثة:

قياس دلالة.

ص: 3632

وقياس شبه.

وقياس علة.

فقياس العلة: الجمع بالعلة التي لو سئل صاحب الشرع لأجاب بها، وقد تكون معلومة لنا، كالشدة في الخمر، وقد لا تعلم الحكمة فيه، كالتعليل بالطعم والقوت في الربا.

وقياس العلة ينقسم إلى جلي، وخفي.

فالجلي: ما عرفت علته بقاطع، أو بالنص، أو بالإجماع، أو السببية، وبعضها أجلى من بعض على مراتبها في القوة.

والخفي ما عرفت علته بمحتمل بالإيماءات البعيدة، وكقول عائشة رضي الله عنها:(إن بريرة عتقت، وكان زوجها عبدا).

ص: 3633

وكالإشارة إلى الطعم في بعض الأحاديث في الربا، وبعضها أقوى من بعض.

وقياس الدلالة: أن يجمع بغير العلة، بل بما يدل عليها، كقوله عليه السلام:(لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) فجعل الحيض دليل العلة.

وأجلاه الاستدلال بخصيصة من خصائص الحكم، كقولنا في سجود التلاوة: إنه نفل؛ لكونه يجوز فعله على الراحلة، والعلة غير هذا الوصف.

أو بالنص على النظير كقولنا: من وجبت الزكاة في زرعه وجبت في ماله، وهي تجب في زرع الصبي.

وقياس الشبه: هو الجمع بشبه في الحكم والصورة.

(فائدة)

قال التبريزي: مباحثه ينكشف بها حقيقة قياس الدلالة، وطريق تقريره:

ص: 3634

اعلم أن قياس الدلالة لما كان عبارة عن الجمع بدليل الحكم لا بعلة الحكم، فكل قياس كان الجامع فيه دليلا، فهو قياس الدلالة، حتى الجمع بالبيع؛ فإن المؤثر في الملك هو الحاجة، والبيع دليلها، ولكن العلل الشرعية لما كانت وضعية كانت كلها في معنى الأمارة والدليل، وإن كانت منشأ الحكمة، فخصوا اسم قياس الدلالة بالجمع بالحكم الذي هو في الرتبة الثانية من الدلالة؛ فإنه يدل على الوصف ثم على الحكم.

أما تقريره: فله طريقان:

أحدهما: إقامة الحكم مقام الوصف في ضبط المعنى، كقولهم: قتل حرام؛ فيوجب القصاص كالقتل بالمحدد، ونجس، فلا يصح بيعه كالجيفة، ونجيب عن المطالبة بأنه إذا كان حراما [كان] جناية، أي مفسدة مطلوبة [الانتفاء]، فيناسب القصاص زجرا، وإن كان نجسا كان مستقذرا مستحقرا، فيناسب سلب رتبة المقابلة بالمال الشريف، فيجريه مجرى الوصف في تنشئة المناسبة مما تتضمنه، وأكثر [المترسمين] لا يعدون هذا النوع من قياس الدلالة لهذا المعنى، مع أنه لو قال: (قتل يوجب التحريم، فيوجب القصاص قياسا على المحدد لم يستريبوا في كونه قياس دلالة؛ لأنهم لم يضبطوا من قياس الدلالة إلا صورة هذا الشكل، وهو أعم منه؛ لما ذكرنا من الضابط، وإنما قلنا: إنه قياس دلالة؛ لأن كونه حراما ليس علة لوجوب القصاص، بل هو- أيضا- حكم ما هو علة لوجوب القصاص، وهو كونه تفويتا عمدا لمحل من صفته كيت وكيت وإنما استدل عليها بوجود التحريم.

الطريق الثاني: وهو المشهور أن يدعي لزوم اشتراك الأصل والفرع في الحكم المطلوب لاشتراكهما في حكم آخر، هو من أثر المؤثر في الحكم المطلوب، فنقول: محل صين بالقصاص عن المنفردين؛ فيصان عن المشاركين كالنفس، أو محل يأثم بإتلافه خمدا؛ فيضمنه كالعصير، وسائرـ

ص: 3635

أموال الذمي، ويصح طلاقه؛ فيصح ظهاره كالمسلم، ويجلد بالزنا بكرا؛ فيرجم به ثيبا كالمسلم، ويوجب القصاص إذا جرى في المحاربة؛ فكذا في غيرها كالمحدد، وصوم يعتبر في صحته أصل النية؛ فيعتبر [فيه] التعيين والتبييت كالقضاء ونحو ذلك، وعند هذا يجب أن يقول بإسنادهما إلى مؤثر واحد؛ ليدل وجود أحدهما على وجود الآخر بواسطة الدلالة على مؤثره من غير أن يصرح بالمؤثر، كيلا يكون منقطعا بالانتقال، ويضيع استعمال أحد الحكمين، إما الأصل أو الجامع.

فنقول: صيانته على المنفرد يدل على كونه مطلوب البقاء في القصاص، فيناسب الصيانة عن الشركاء؛ مبالغة في الصيانة، وحسما للذريعة كما في الأصل، فيذكر الحكمة جملة لوجه الارتباط لا غير، وكذا في أمثاله، فلو قال في جواب المطالبة:(لأن إيجاب القصاص حالة الانفراد [يدل] على اعتبار التفويت الواقع في إيجابه، وذلك التفويت بعينه موجود حالة الاشتراك) كان منقطعا بالانتقال إلى قياس العلة، ويضيع حكم الأصل في الاستشهاد؛ لاستقلال حالة الانفراد بالاعتبار.

(بحث آخر)

قال: أرى بعض الفقهاء في المناظرات إذا فرق بين حالة الانفراد، وحالة الاشتراك- مثلا- يقول: هذا فرق بين الحكم والوصف يجب أن يكون بين الأصل والفرع؛ فلا يسمع، ويسجل بهذا على القاعدة تمسكا بهذا اللفظ تعبدا من غير أن ينظر في الفرق المذكور.

والحق أن هذا النوع من الفرق لا يقدح في الطريقة الأولى؛ إذ المقصود من الحكم الجامع دلالة على معنى ثبوته يتوصل به إلى إثبات المتنازع فيه، ولا يشترط في دليل ذلك المعنى أن يكون حكما، فضلا عن أن يكون مماثلا له.

وأما على الطريقة الثانية، فيختلف باختلاف الإيراد، فإن قال: القتل من المنفرد أغلب، أو مفسدته أعظم، أو إفضاء القصاص في حقه إلى الزجر

ص: 3636

أبلغ، وما شاكل ذلك، لم يسمع؛ لأن كل ذلك [معترف] به، وإنما احتاج إلى الحكم الثاني حكم الفرع؛ لبيان إلغاء ذلك، واستقلال القدر المشترك، وأما إذا قال: القصاص في حالة الانفراد شرع زجرا، ومقابلة للإساءة بمثلها، ولا يتحقق ذلك في حالة الاشتراك؛ فإن قطع البعض ليس بممكن، وقطع الكل ليس جزاء بالمثل، فهذه إشارة إلى اختلاف مبنى الحكمين، ويتعذر به إسنادهما إلى مؤثر واحد، فيجب التزام الجواب عنه، فإن أقل ما فيه منع ما ذكره من الحكمة [و] معارضتها بحكمة أخرى، إلا أن حكمة المعلل أولى؛ لاطرادها في حالة الانفراد والاشتراك في النفس، فلا يؤدي إلى اختلاف الوضع، إلا أن يبين المعترض- أيضا- اطراد حكمته في شركاء النفس بدعوى صدور قتل كامل من كل واحد، فيحتاج المعلل إلى تصحيح التعليل بما عينه بطريقة؛ [ليندفع] السؤال.

(فائدة)

قال التبريزي: قد تستعمل صورة هذا الشكل من القياس، ويكون قياس علة لا قياس دلالة، ويتبين ذلك بالتقرير، فلا يكون منتقلا، وقد استعملت مثله في حضرة شيخنا جمال الدين بن فضلان في شهادة الفاسق فقلت: نقض بسلب الولاية؛ فيسلب الشهادة كالرق، وقررته بمناسبة النقض كسلب المناصب الدينية اعتبارا بالرق، وهو الجامع بين الفسق والرق؛ فيكون علة، وأما ذكر سلب الولاية، فإنما جرى مجرى تقييد النقض بالرتبة المعتبرة؛ فإن له مراتب، [ويتعذر] ضبطها بالوصف الحقيقي، نعم لو قلنا: شخص سلب الولاية، فيسلب الشهادة كالرقيق؛ لأن سلب الولاية كان إظهارا لنقيصة، وسقوط رفعه بعزله عن أهلية المناصب، [وأشرف] المراتب؛ تقريرا لاستحسان معالي الأمور من صفات الفضائل، واستقباح

ص: 3637

الرذائل، وفي ضم سلب الشهادة إليه مبالغة في تقريره، فوجب أن يكون مشروعا كما في الرقيق لكان دلالة؛ لأن الجامع دليل كما ترى، وليس بعلة، بل العلة النقيض الذي أوجبها، فليلعم ذلك.

(قاعدة)

قال ابن برهان في كتاب (الأوسط): للأحكام الشرعية أربعة أقسام:

الأول: قسم ثبت لعلة توجد في معظم الخلائق، وإن لم توجد في حق الكل، كالرخصة لعلة مشقة السفر؛ فإنها لا توجد المشقة في حق الملك العظيم المترفه بسفر، ويجوز له الرخصة؛ اعتبارا بوجود العلة في الأغلب، وفي الشرع في تمهيد القواعد لا ينظر إلى آحاد الصور النادرة.

الثاني: حكم ثبت لعلة توجد في الكثير قطعا، وتعدم في القليل منه قطعا، كتحريم الخمر للإسكار الذي نقطع بوجوده في كثيره، ونقطع بعدمه في القطرة منه، فتحرم- أيضا- وإن فقد الإسكار، فحرمه الشرع، لأن القليل منه يدعو للكثير، فيحرم الكثير، للإسكار، والقليل؛ لأنه وسيلة إليه.

الثالث: قسم ثبت لعلة حاصلة للبعض، وغيرهم تبع لهم، كقوله تعالى:{ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} [الأعراف: 157]، والمراد أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم فيما ينفر عنه طباعهم، فهو الخبائث، أو يميل إليه، فهو الطيبات، وغيرهم تبع لهم في ذلك؛ لأنه لو اعتبر كل أحد، فربما يفر زيد مما يميل إليه عمرو، فتتناقض الأحكام.

قلت: قيل: المراد النفوس الكريمة أين كانوا في كل عصر، فالمستخبث عندها هو الخبيث، والمألوف عندها هو الطيب.

وعلى هذا- أيضا- وإن لم يختص بالصحابة- رضوان الله عليهم- فغير النفوس الكريمة تبع لهم، فما خرج عما قاله ابن برهان، غير أن البعض اختلف فقط.

ص: 3638

قال: وكذلك الاستجمار في الأحجار جعلت العرب أصلا فيه؛ لأن الضرورة العامة إنما توجد في حقهم؛ لأنهم في غالب أمرهم في الصحاري، فيعسر عليهم الماء.

ومن هذا الباب بعثة كل نبي بما هو موجود في بعض أمته، فغالب العرب الفصاحة، فبعث إليهم- عليه السلام بمعجز من الكلام الفصيح، وجعل غير الفصيح من الأمة تبعا لهم.

وبعث عيسى- عليه السلام بإبراء الأكمه، والأبرص، وإحياء الموتى؛ لأنه غلب في زمنه الطب.

وبعث موسى- عليه السلام بقلب العصا ثعبانا؛ لغلبة السحر في زمانه، [و] غير أولئك تبع لهم.

الرابع: حكم ثابت بعلة في زمان النبي- عليه السلام ثم زالت تلك العلة، [كالرمل]، شرع لإظهار الجلد للكفار؛ ولقولهم عن المؤمنين- لما قدموا (مكة) -: وهنتهم حمى يثرب، فأمر- عليه السلام بالإسراع في الحركة؛ إظهارا للقوة، ثم بقى ذلك بعد ذهاب تلك العلة.

قلت: ونظيره ما حكى في سبب رفع اليدين في تكبيره الإحرام بسبب ما كانت المنافقون يعملون الأصنام تحت آباطهم.

وأن رمي الجمار كان بدؤه أن الكبش الذي فدى الله به إسحاق- عليه السلام هرب من إبراهيم- عليه السلام حين أراد ذبحه، فرجمه بالحجارة الصغار في ذلك الموضع، فبقى ذلك سنة بعده.

قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله: إن السبب في بقاء هذه الأحكام بعد ذهاب أسبابها، إنما هو اختلاف تلك الأسباب بأسباب [أخرى]، وهي أنا نذكر في زماننا بسبب هذه الأفعال أسبابها المتقدمة؛

ص: 3639

لأن النفس لا بد أن تطلب التعليل، فيطلع على السبب الأول، فيعلم حينئذ أن الله- تعالى- كثرنا بعد القلة، وأعزنا بعد الذلة، وأن الإسلام أظهره الله- تعالى- على الدين كله، وصدق ذلك وعده، ونصر عبده، ونتذكر أحوال السلف الصالح من الأنبياء وغيرهم، وما كانوا فيه من الصبر على واردات الحق، وصفات الصدق [وأصفياء] خيار الله- تعالى- فنقتدي بهم، فبسبب بقاء هذه الآثار هو هذا، لاسيما وقد ورد دعاء إبراهيم- عليه- السلام {واجعل لي لسان صدق في الآخرين} [الشعراء: 84].

قال المفسرون: أي ثناء [جميلا]، وهو ما تقدم ذكره وغيره، فلم تبق هذه الأحكام بغير علة، بل خلفت علة علة أخرى في ذلك الحكم.

(قاعدة)

قال ابن برهان في كتاب (الأوسط): الأحكام أربعة أقسام:

القسم الأول: شرع لبقاء الجنس وجبلته، كالعقود والمعاملات؛ فإن جبلة الإنسان لا تبقى إلا بالطعام، والشراب، واللباس، والمساكن التي تؤي من السباع وأسباب الفساد، وإن خليت هذه الأمور همجا بغير عقود أدى ذلك إلى القتل والقتال، وذهاب النفوس بسبب تجاذب الدواعي كل عين من هذه الأعيان، فيذهب الجنس، وتتولد الأحقاد، وسفك الدماء.

القسم الثاني: شرع لدفع ضرورة الجنس بعد بقائه؛ للضرورة العامة كالسلم، والرهن، والقراض، والمساقاة، والإجارة، فلولاها تحصلت المشتاق العظيمة للخلق.

قال: ومن قال: إنها خلاف القياس، فقد أخطأ وبطل القياس، وإنما هو دفع الحاجة، والحاجة مندفعة بها، فإن أراد أنها على خلاف غيرها من العقود في البيع، وغيره من جهة ما سومح فيها من الغرر والجهالة، فصحيح.

ص: 3640

القسم الثالث: شرع للسياسة والزجر كالحدود، والقصاص، والتعازير، والقتال للخوارج وغيرهم زجرا للجناة، وردعا للطغاة، وصيانة للنفوس والأموال، وصونا للذراري والعيال، وحفظا للنظام، ودفعا للضرر العام.

القسم الرابع: ما شرع لكسر النفس الأمارة بالسوء كالعبادات؛ لما فيها من الخضوع والتذلل، والخشوع لله- تعالى- المستحق للتعظيم؛ فإن النفوس البشرية متمردة عاصية طاغية، والعبادات استصلاح لها، ثم العبادات بدنية، ومالية.

فالبدنية يحصل بها الانكسار والتذلل.

والمالية يحصل [بها] ذلك مع إيصال منافع الأعيان.

[وفي] البدنية- أيضا- ما يكون نفعا للغير كإنقاذ الغرقى، وتخليص الهلكي، وأمثال ذلك، فهذا جملة الشريعة منحصر في هذه الأقسام الأربعة.

(مسألة)

قال ابن برهان في كتاب (الأوسط): التمسك بعدم العلة جائز، وهو من جملة الأدلة، كقولنا: لم يجن؛ فلا يعاقب، بشرط اتحاد العلة.

أما لو تعددت؛ كقولنا: لم يرتد؛ فلا يقتل، لا يستقيم؛ فإنه يباح دمه بسبب آخر، كترك الصلاة، والقصاص، والحرابة، وغير ذلك.

(مسألة)

قال ابن برهان في (الأوسط): التمسك بالأولى جائز، وهو التمسك بالعلة مع الزيادة، كقوله- تعالى-:{قل نار جهنم أشد حرا} [التوبة: 81]، [والعلة] مع الزيادة أولى من أصل العلة.

ص: 3641

(مسألة)

قال ابن برهان: التمسك بالأصل جائز، كقولنا: هذا على خلاف القواعد، أو القاعدة الفلانية، فلا يثبت.

(مسألة)

قال الباجي المالكي في كتاب (الفصول): يجوز القياس على أصل مجمع عليه.

[و] قال بعض الشافعية: لا يجوز.

لنا: أن القياس على الأصل الثابت بخبر الواحد جائز، وهو مظنون، والثابت بالإجماع معلوم، فالقياس عليه أولى.

احتجوا بأن الإجماع لابد له من دليل، فلعله يشمل الفرع، فيستغنى عن القياس، فيجب طلب ذلك الدليل قبل القياس.

جوابهم: أن تضافر الأدلة جائز، فإذا كان قياس مع نص، فلا يضر ذلك، ووافقه ابن برهان على نقل هذه المسألة، وذكر الخلاف فيها عن جماعة من الفقهاء.

(مسألة)

قال الباجي في كتاب (الفصول): الاتفاق والاختلاف هل يجوز أن يكون علة؟

فعندنا يجوز أن يكون الاختلاف علة، وقاله الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، ومنعه بعض الفقهاء.

لنا إنه إنما جاز أن يكون علة بالنطق، [وما جاز أن يكون علة بالنطق] جاز أن يكون علة بالاستنباط.

ص: 3642

ولو قال صاحب الشرع: (ما اختلف في جواز أكله، فإنه يطهر بالدباغ)، لكان ذلك صحيحا، فيجوز ذلك استنباطا.

احتجوا بأن الاختلاف حدث بعد موته- عليه السلام والحكم ثبت في زمانه- عليه السلام والحكم لا يتقدم علته.

والجواب: أن الإجماع حادث، ويثبت به الأحكام.

ولأن معنى قولنا: (مختلف فيه)، أنه يسوغ فيه الاجتهاد، والاجتهاد سائغ في زمانه عليه السلام.

(مسألة)

قال الباجي في (الفصول): قياس التسوية جائز عند المالكية خلافا لقوم، كما تقول: سوى الشرع في الطهارة بين الجامد والمائع [في النية]، فيستوي في النية جامدها ومائعها، كما أن ما لا يشترط النية في جامده لا يشترط في مائعه، كإزالة النجاسة.

احتجوا بأنه قياس الشيء على ضده، وشأن القياس المماثلة.

جوابهم: أنهما سواء في اشتراط النية، وإنما اختلف محلها.

(مسألة)

قال أبو الخطاب الحنبلي في كتاب (التمهيد): إذا كانت أوصاف الأصل غير مؤثرة في الأصل، ومؤثرة في موضع آخر من الأصول، لم تكن علة عند أحمد بن حنبل، وأبي حنيفة.

وللشافعية قولان:

أحدهما: أنه علة لصحتها في أصل معتبر من حيث الجملة، كقولنا في

ص: 3643

المرتد: يجب عليه قضاء الصلوات؛ لأنه تركها لمعصية، فأشبه ما إذا تركها بالسكر.

فيقول المعترض: لا تأثير للوصف في الأصل؛ فإن السكران لو لم يكن عاصيا مثل أن يكره على الشرب، فإنه يقضى الصلاة.

فيقول المستدل: المعصية مؤثرة في القضاء في موضع؛ لأنه لو شرب دواء لزوال عقله وجب القضاء، ولو زال عقله بعلة سقط القضاء، وقيل: ليس [هذا] بعلة؛ لعدم اعتبارها في خصوص الأصل المقيس عليه.

أما إذا كان الوصف غير مؤثر في الأصل، ولا في غيره، وإنما أخذ الاحتراز من البعض، لم يعتبر، كقولهم في الاستجمار: عبادة تفعل بالأحجار، ولم يتقدمها معصية؛ فاعتبر فيها عدد مخصوص، كرمي الجمار.

فيقول المعترض: لا أثر لقولك: لم يتقدمها معصية.

فيقول المعترض: لا أثر لقولك: لم يتقدمها معصية.

فيقول: احترزت به من رجم المحصن، يقول له: ولا أثر له هنالك- أيضا- في عدم حصر العدد، بل لما كان المقصود فوات النفس لم ينحصر بعدد.

(مسألة)

قال أبو يعلي الحنبلي في (العمدة): جميع ما يحكم به من جهة القياس على أصل منصوص، فهو مراد من ذلك النص، خلافا لبعض المتكلمين؛ لأنه مطيع لله- تعالى- بذلك، ولا طاعة إلا موافقة الأمر، بخلاف القياس على مجمع عليه، إما ثبت بالقياس أو الفحوى.

قلت: ودعواه ضعيفة؛ لجواز أن يكون الحكم في [الفرع] مرادا من النصوص الدالة على القياس، فيكون مطيعا لذلك لا للنص الدال على أصل ذلك الفرع، ويقيد الفول الفواكه، والقطاني، مراده بلفظ البر في قوله- عليه السلام:(لا تبيعوا البر بالبر إلا مثلا بمثل).

ص: 3644

(مسألة)

قال أبو الحسين البصري في كتابه المسمى بـ (كتاب القياس): إن كانت العلة موجودة في جميع الأصل صح القياس، أو في بعضه، والمعلل يريد رد الفرع إلى جميع الأصل، فإن جاز أن يكون ذلك البعض معللا وحده، جاز القياس، وإن لم يجز أن يكون الأصل إلا علة واحدة، بطل القياس.

مثاله: منع أصحاب الشافعي قياس الجص على البر بعلة أنه مكيل، بقولهم: إن علة الربا في البر واحدة، والكيل ليس شائعا في جميع البر؛ لأن الحبة والحبتين لا يكالان.

وأجاب أصحابنا الحنفية بأن المحرم من البر ليس إلا علة واحدة، وهي الكيل، وما لا يتأتى فيه الكيل لا ربا فيه، ولذلك ينظر في الفرع، هل العلة موجودة فيه كله أو في بعضه؟

* * *

ص: 3645