الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد تقدم في خطاب الوضع الفروق الكائنة بين هذه الحقائق، والبحث فيها هنالك مستوفى، فالشرط مناسبته في غيره، وجزء الماهية مناسبته في نفسه، ومجموع العلة أقوى مناسبة من جزئها، كما أن ملك جميع النصاب أقوى مناسبة لإيجاب الزكاة من مناسبة دفع النصاب للزكاة.
"
تنبيه"
زاد سراج الدين فقال على قوله: "إن العدم ليس علة ثبوتية دفعا للتسلسل": لقائل أن يقول: في هذين الجوابين نظر نبهنا عليه فيما تقدم
.
قلت: يشير إلى ما ورد على هذين مما تقدم من الأسئلة.
وقال التبريزي: التركيب جائز في العلل؛ لأن الحكمة الداعية إلى الحكم يجوز ألا يتضمنا وصف واحد، بل أوصاف كالقتل العمد العدوان، وملك المسلم نصابا ناميا حولا كاملا، بل هو الأكثر في أساليب التعليل.
وأجاب عن لزوم النقض على العلة العقلية بأن العدم ليس علة- كما قال المصنف.
ثم قال: لو قدرنا جواز التعليل به، فعلة عدم العلية عدم الماهية، وعدم الماهية لازم عدم جزء الماهية.
فإن عللتم به فقد التزمتم الإشكال، وإلا فقد اندفع الإشكال.
يريد انه وجد عدم بعد عدم، فما يجعلونه جوابا، هو جوابنا هاهنا.
قال: وقد طلب المصنف الخلاص من هذا الإشكال بالالتجاء إلى منع كون العلية صفة ثبوتية؛ لئلا تؤدى إلى التسلسل، وهو هرب إلى غير ملجأ.
قلت: وما قاله غير متجه أيضا؛ لأن العلية والمناسبة، والملائمة، والتأثير، ونحوها نسب وإضافات ذهنية، لا وجود لها في الخارج، فلا تقوم في الماهية، ولا بما تقوم به الماهية؛ فإن الماهية لا تقوم بالنفس، بل المصالح والمفاسد في ضمن الأوصاف.
ثم قال في الجواب عن الثالث: أنه منقوض بكل ماهية مركبة.
ثم قال: نقول عند الاجتماع: تكاملت المصلحة المطلوبة بالحكم أو بالقوة المؤثرة بإجراء الله- تعالى- العادة كما في اجتماع الجراحات والأقداح من الخمر، على أن حاصل العلل العرفية والطبيعية يرجع إلى اطراد العادة الإلهية بخلق الأثر عقيبها، فيجوز أن تستقر هذه العادة عند التركيب لا عند الانفراد.
وقال في حصر أوصاف التركيب السبعة: يمكن تقريبه من جهة أن أقصى ما يتوقف عليه الحكم بحكمة، ومعنى يقتضيه، إما مطلقا، أو مشروطا بوجود أو [عدم]، وهو وجود الشرط، وانتفاء المانع، وقد يتعلق المعنى المقتضى بالفاعل، فتعتبر أهليته، وأقصاها العقل والبلوغ، ثم [قد] لا يستقل به الشخص الواحد كصيغ المعاوضات، فيحتاج إلى غيره، فيكون مجموع ما يتوقف عليه الحكم: إيجاب وقبول قدرا من العاقل البالغ في المحل مع قران الشرط وانتفاء المانع، وهي سبعة- التي نقلها الشيرازي- وكل ما زاد على ذلك فهي تفاصيل هذه الجمل، فيمكن رده إليها وعدم الرد عن عجز وعى.
ثم قال في الفرع الأخير: جزء العلة هو الوصف المعتبر لإتمام ما يتضمن المعنى الذي لأجله يشرع الحكم.
والمحل هو الذي هو بحال إذا ثبت الحكم فيه يفضى إلى تحصيل مقصوده، فكانت المحلية شرط إفضاء الحكم إلى حكمته.
والشرط هو الوصف [الذي]. يتضمن الأمن [عن] مفسدة مانعة، أو مصلحة خارجة عن مصلحة الحكم، إما عائدة إلى تكمليها، أو أجنبية عنها يطلب تحصيلها بتوقف الحكم على وجود نظير ما يدفع المفسدة المانعة اعتبار القبض في بيع المبيع.
يريد أن من شرطه ألا يبيعه قبل قبضه.
قال: واعتبار رضا المرتهن في نفوذ البيع من الراهن.
ونظير التكميل اعتبار القدرة على التسليم في الحال، واعتبار الرؤية، واعتبار رضا العبد في التزويج منه.
ونظير المصلحة الأجنبية اعتبار الحرية في نفوذ الشهادة، ويختلف ذلك في الأكثر، بحسب اختلاف مأخذ يظهر للمجتهد.
والمقصود من المثال تقريبه من الفهم، وحده الجامع:(ما يلزم من انتفائه انتفاء الحكم)، ولا ينتقض هذا الحد بالسبب وجزئه؛ فإن الحد شرطه أن يكون متحققا في آحاد أجزاء المحدود، والمسمى لا يلزم من انتفائه انتفاء الحكم؛ فإنه بتقدير أن يكون له سبب آخر يجوز ثبوته بناء عليه، وإن لم يكن له سبب، فانتفاؤه لازم انتفاء مسمى السبب، لا لازم انتفاء ذلك المسمى سببا، وفي الشرط مهما انتفى المعنى المسمى شرطا لزم من انتفائه انتفاء الحكم، وإن كان له شروط أخر، وأسباب كائنة متحققة، وبهذا التفهيم يستغنى عن التطويل في الحد بقيود لا حاجة إليها.
وأوفى منه بالغرض أن نقول: الشرط ما اعتبر انتفاؤه في انتفاء الحكم.
فيتميز عن السبب وجزئه؛ لأن شرط إمكان اعتباره في انتفاء الحكم إمكان ثبوت الحكم، ويتوقف على مجمد السبب بكماله.
ثم قال: الدافع للمفسدة إنما يجعل شرطا في الثبوت إذا لم يمكن ضبط تلك المفسدة بأمر وجودى؛ لئلا يبطل قسم المانع، فإن أمكن فهو على التعارض، ويحتاج إلى الترجيح، ونظيره مفسدة المفاضلة مع المماثلة الدافعة لها، وقد ثبت رجحان اعتبار المماثلة شرطا بدليل الصبرة بالصبرة جزافا عند ظن المماثلة، فإنه لا يصح؛ لأن الظن في الشرط ظن في المشروط.
قلت: أما تقريبه لكلام الشيخ أبي إسحاق، فبعيد جدا؛ لأن الكلام في
العلة يصل تركيبها إلى سبعة أوصاف [بعد، و] الشرط وانتفاء المانع والمتعاقدان هذه أمور لا يمكن أن تكون أجزاء العلة، بل هي أجزاء ما يتوقف عليه الحكم، والكلام إنما وقع في العلة خاصة لا فيما يتوقف عليه الحكم.
وقوله: (جزء العلة هو الوصف المعتبر) - يشكل بالشرط؛ فإنه يوصف معتبر لإتمام ما يتضمن الغير؛ لأنه يريد بتمام ما يتضمن المعنى العلة التامة.
وقوله: (الشرط ما يلزم من انتفائه انتفاء الحكم) ينتقض بالسبب وجزئه.
وجوابه عن هذا: بأن الأسباب يخلف بعضها بعضا لا يتم؛ فإنا ننقض عليه بالسبب الذي لا بد له، ويكفي في النقض صورة واحدة، ثم إن جزء السبب لم يجب عنه، بل عن السبب فقط، وكذلك يبطل بهذا أيضا حده.
وجوابه أن الانتفاء يتوقف على وجود السبب، لا يدفع النقض، ولا يحصل به الجواب؛ لأنا لا نسلم التوقف، وإن سلمناه فالسبب- أيضا- يعتبر انتفاؤه في انتفاء الحكم، وأجمع القياسون وغيرهم أن العالمية تنتفى لانتفاء العلم، ووجوب الزكاة ينتفى لانتفاء الغنى وغير ذلك، حتى نقول: إن عدم العلة علة لعدم المعلول.
* * *