الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة عشرة
قال الرازي: تعليل الحكم العدمي بالوصف الوجودي لا يتوقف على بيان ثبوت المقتضي لذلك الحكم
، وهذه المسألة من تفاريع جواز تخصيص العلة؛ فإنا إذا أنكرناه، امتنع الجمع بين المقتضي والمانع، أما إذا جوزناه، جاء هذا البحث.
والحق أنه غير معتبر لدليلين.
الأول: أن الوصف الوجودي إذا كان مناسبا للحكم العدمي، أو كان دائرا معه وجودا وعدما، حصل ظن أن ذلك الوصف علة لذلك العدم، والظن حجة.
الثاني: أن بين المقتضي والمانع معاندة ومضادة، والشيء لا يتقوى بضده؛ بل يضعف به، وإذا جاز التعليل بالمانع حال ضعفه، فلأن يجوز ذلك حال قوته، وهو حال عدم المقتضي، كان أولى.
واحتج المخالف بأمور:
أحدها: أنا إذا عللنا انتقاء الحكم بالمانع، فالمعلل: إما عدم مستمر، أو عدم متجدد:
والأول باطل؛ لأن العدم المستمر كان حاصلا قبل حصول هذا المانع، بل قبل الشرع، والحاصل قبل يمتنع تعليله بالحاصل بعد.
والثاني: تسليم المقصود؛ لأن عدم الحكم لا يحصل فيه التجدد إلا إذا امتنع من الدخول في الوجود بعد أن كان بعرضية الدخول في الوجود، وذلك لا يتحقق إلا عند قيام المقتضي.
وثانيها: أن انتفاء الحكم؛ لانتفاء المقتضي أظهر عند العقل من انتفائه لحصول المانع.
وإذا كان كذلك، فإما أن يكون ظن تحقق انتفاء المقتضي مثل ظن تحقق وجود المانع، أو أقوى منه، أو أضعف منه:
فإن كان الأول: امتنع تعليل عدم الحكم بوجود المانع؛ لأن عدم المقتضي ووجود المانع، لما استويا في الظن، واختص عدم المقتضي بمزية، وهي أن ظن إسناد عدم الحكم إليه أقوى من ظن إسناده إلى وجود المانع- كان ظن تعليل عدم الحكم بعدم المقتضي أقوى من تعليله بوجود المانع، والأقوى راجح؛ فيلزم ألا يجوز تعليل عدم الحكم بالمانع، وأما إن كان ظن عدم المقتضي أظهر، فالتقدير المذكور أظهر.
وأما إن كان ظن عدم المقتضي مرجوحا بالنسبة إلى وجود المانع، فظن العدم إنما يكون مرجوحا، لو كان ظن الوجود راجحا، وذلك يدل على أن التعليل بالمانع يتوقف على رجحان وجود المقتضي، وهو المطلوب.
وثالثها: أن التعليل بالمانع يتوقف على بيان المقتضي عرفا، فيتوقف عليه شرعا: أما الأول: فلأن من قال: (الطير إنما لا يطير؛ لأن القفص يمنعه) فهذا التعليل موقوف على العلم بكون الطير حيا قادرا؛ فإن بتقدير موت الطير يمتنع تعليل عدم الطيران بالقفص، وكذا من علل عدم حضور زيد في السوق بحضور غريم له هناك: لابد أن يبين أنه كان قادرا على الحضور؛ وإلا لما صح ذلك التعليل عرفا.
وأما الثاني: فلقوله- عليه الصلاة والسلام: (ما رآه المسلمون حسنا، فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحا، فهو عند الله قبيحا).
ورابعها: أن عدم المقتضي مستلزم لعدم الحكم، فلو حصل عدم المقتضي، لامتنع إسناد ذلك العدم إلى وجود المانع؛ لأن تحصيل الحاصل محال؛ فثبت أنه لابد من بيان وجود المقتضي.
والجواب عن الأول: أن العلة الشرعية معرفة، والمعرف يجوز تأخيره عن المعرف.
قوله: (إنما يصير الحكم شرعيا، إذا كان بحيث لو سكت الشرع، لما ثبت):
قلنا: نحن لا نعني بكون هذا الانتفاء شرعيا، إلا أنه لم يعرف إلا من قبل الشرع؛ وذلك حاصل بدون ما قلتموه.
وعن الثاني: أن مجرد النظر إلى وجود المانع يقتضي ظن عدم الحكم، بدون الالتفات إلى الأقسام الثلاثة التي ذكرتموها.
وعن الثالث: أنا لا نسلم أن ظن إسناد عدم الحكم إلى وجود المانع يتوقف على العلم بوجود المقتضي عرفا؛ ألا إذا علمنا وجود سبع في الطريق، فهذا القدر يكفي في حصول ظن أنه لا يحضر، وإن كان لا يخطر ببالنا في ذلك الوقت سلامة أعضائه، بل نجعل ذلك القدر دليلا لنا ابتداء؛ فنقول:(مجرد النظر إلى المانع يفيد ظن عدم الحكم عرفا، فليفده شرعا؛ للحديث).
وعن الرابع: أن ترادف الدلائل والمعرفات على الشيء الواحد لا نسلم أنه خلاف الأصل.
(فرع)
لو سلمنا أن التعليل بالمانع يتوقف على وجود المقتضي؛ لكن لا حاجة إلى ذكر دليل منفصل على وجود المقتضي، بل يكفي أن يقال: إما ألا يكون المقتضي موجودا في الفرع؛ وحينئذ يلزم عدم الحكم في الفرع، أو قد حصل المقتضي في الفرع؛ لكنه إنما ثبت فيه؛ تحصيلا لمصحلته، ودفعا لحاجته، وهذا المعنى قائم في الأصل؛ فيلزم ثبوت المقتضي في الأصل، وإذا ثبت ذلك، فقد صح جواز تعليل عدم الحكم فيه بالمانع.
المسألة الرابعة عشرة
تعليل الحكم العدمي بالوصف الوجودي لا يتوقف على بيان ثبوت المقتضي.
قال القرافي: قلنا: هذه المسألة المراد بها أن تعليل انتفاء الحكم بالمانع لا يتوقف على ثبوت المقتضي، وعبارتها أوسع وأعم؛ فإن الحكم العدمي قد يكون لقيام المانع كما يقولون، وهو صورة النزاع- ها هنا- وقد يكون لعلة في الشرع نصبها الشرع أمارة على العدم؛ لأنها من قبيل الموانع كما في كل علة بنفي الحظر، كاختلاف الأجناس في الربا؛ فلا يحرم، وكذلك جميع علل الإباحة وانتفاء التكاليف.
وكما انقسمت الأدلة إلى (النافي)، و (المثبت)، انقسمت العلل إلى النافي والمثبت، وهذا القسم ليس محل النزاع، إنما النزاع إذا علم من الشارع علة الثبوت، وحصل العدم في صورة تلك المادة التي شأنها الثبوت، هل يتوقف ذلك على قيام المانع أم لا؟ فقد أدرجتم في المسألة ما ليس منها.
قوله: (المناسبة أو الدوران يفيد الظن، والظن حجة):
قلنا: قد تقدم مرارا أن مطلق الظن ليس معتبرا شرعا، بل لم يعتبر الشرع إلا مراتب مخصوصة، فلم قلتم: إن هذه [المرتبة] منها؟
قوله: (بين المقتضي والمانع مضادة، فإذا جاز التعليل بالمانع حالة ضعفه بضده، فأولى حالة قوته بسلامته عن ضده):
قلنا: ليس بينهما مضادة، بل التضاد بين أثريهما فقط.
فإن الدين مع النصاب لا [يتناقضان]، بل وجوب الزكاة وعدم وجوبها.
والحيض والزوال لا يتنافيان، بل وجوب الصلاة وعدم وجوبها.
قوله: (انتفاء الحكم عند انتفاء المقتضي أظهر عند العقل)، ثم قال:(فإن استوي ظنه وظن وجود المانع ترجح عدم المقتضي):
وهذا يقتضي ظاهره التناقض؛ فإنه فرض أولا الرجحان، ثم فرض التساوي، ثم قضى بالرجحان على تقدير التساوي.
ومعناه: أن عدم المقتضي من حيث هو عدم المقتضي راجح في إضافة عدم الحكم إليه. هذا بالنظر إلى ذلك العدم من حيث هو.
ثم الأمارات الدالة على هذا العدم قد تساوي الأمارات الدالة على وجود المانع، وقد ترجح، فيكون المتساوي باعتبار الأمارة الدالة على وقوع هذا العدم، والرجحان بالنسبة إلى ذات ذلك العدم من حيث هو هو.
وقد يكون الدال على الراجح مرجوحا، والدال على المرجوح راجحا، كالحقيقة راجحة، ويرجح على دليلها دليل المجاز المرجوح، ونظائره كثيرة، فاندفع التناقض.
قوله: (في قوله عليه السلام: (ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن):
قلنا: قد تقدم أن الاستدلال بهذا الحديث مشكل من جهة أن المسلمين إنما رأوا ذلك في دنياهم ومعاشهم، فيلزم أن يكون عند الله- تعالى- كذلك لا باعتبار الأحكام الشرعية؛ لأن الضمير يجب عوده على المتقدم بصفاته، كما إذا قلنا: زيد يرى لبس الصوف في الشتاء، وما رآه زيد حسنا، فهو عند عمرو حسن، فلابد أن يكون عمرو يراه حسنا في الشتاء؛ إذ لو كان يراه حسنا في الصيف، لم يحسن هذا الكلام، فيبطل الاستدلال بهذا الحديث.
غير أن لنا قاعدة، وهي أن لفظ الشرع متى دار بين أن يفيد فائدة شرعية أو عقلية، فالأول أولى، ولو حملناه على الظاهر لزم أن يكون عند الله- تعالى- كذلك، فيكون معناه أنه يعلمه حسنا عندهم في معاشهم، وتعلق علمه- تعالى- حكم عقلي.
أما إذا حملنا التعبد به- ها هنا- على شرعه حكما شرعيا، حصلت
فائدة شرعية، فكان الحمل عليه أولى، فبهذه القاعدة يتم الاستدلال، وإلا فهو مشكل.
قوله: (النظر إلى وجود المانع يقتضي عدم الحكم، بدون الالتفات إلى الأقسام الثلاثة التي ذكرتموها):
تقريره: أنه لابد أن يكون مناسبا، فمناسبته تقتضي ظن عدم الحكم، وإن عقل عنه الأقسام الثلاثة المذكورة.
قوله: (إن سلمنا أن التعليل بالمانع يتوقف على وجود المقتضي، فلا حاجة إلى ذكر دليل على وجود المقتضي، بل نقول: إما ألا يكون المقتضي موجودا في الفرع، فيعدم الحكم من الفرع.
أو وجد لكنه إنما ثبت تحصيلا لمصلحته، وهذا المعنى قائم في الأصل، فيلزم ثبوت المقتضي في الأصل، وإذا ثبت ذلك، فقد صح تعليل عدم الحكم فيه بالمانع):
قلنا: هذه العبارة غير ملخصة ولا مبينة عن المقصود، وقد غيرها تاج الدين في (الحاصل). فقال: يكفي أن يقال: لو ثبت الحكم في الفرع لانضاف إلى المشترك بينه وبين الأصل، وحينئذ يتم بيان قيام المانع.
وقال سراج الدين: يكفي أن يقال: لو لم يوجد المقتضي في الفرع انتفى الحكم عنه، وإن وجد كان ذلك لمصلحة كذا، وأنها موجودة في الأصل، فيكون عدم الحكم فيه معللا بالمانع.
وسكت (المنتخب) عن هذه المسألة بالكلية.
وكلام الإمام إنما التبس في هذه المسألة من جهة قياس الضمائر ولفظ الأصل والفرع.
وإيضاحه: أن- ها هنا- أصلان، وفرعان، وحكمان يثبتان.
فالمانع: وصف وجودي يقاس به فرع على أصل، ففرعه هو الذي يحاول عدم الحكم فيه.
وأصله صورة أخرى يثبت فيها اعتبار ذلك المانع بدليل.
وهذا المانع اختلفوا فيه، هل من شرطه قيام المقتضي أم لا؟
ومعناه: نقيض للثبوت في الصورة التي يحاول فيها إثبات العدم، حتى يقع التعارض بينهما فيها.
فلهذا الوصف المقتضى للثبوت أصل ثبت فيه اعتباره.
وفرع، وهو الصورة التي يحاول فيها إثبات العدم بالمانع.
فتلخص لنا أصلا لوصفين.
أحدهما: يقتضي العدم، وهو المانع.
والآخر: [نقيضه] الثبوت، وهو المقتضي المعارض للمانع، والفرع فرع لهما مشترك بينهما، فهو [بمعنى] فرعين؛ لأجل إضافته إلى الوصفين.
إذا تحرر هذا فقوله: (إن ما يثبت تحصيلا لمصلحته) الضمير في قوله: (يثبت) عائد على عدم الحكم، لا على ثبوته، فهو يقول: لو ثبت عدم الحكم في الفرع لكان مضافا للقدر المشترك بين الفرع والأصل الذي هو أصل المانع لا أصل المقتضي، وقد ثبت اعتبار هذا الوصف في هذا العدم في الصورة التي هي أصل المانع، فثبت العدم بها في الفرع عملا بوجود ما ثبت اعتباره، وهو معنى قول تاج الدين:(لانضاف إلى المشترك بينه وبين الأصل) يريد أصل المانع لا أصل المقتضي، لكن لما شابه لفظ الأصل والفرع، والتبست الضمائر في قوله:(ثبت) هل هو عائد على ثبوت الحكم، أو عدم، أو على المقتضى، أو على الحكم، أشكل الكلام، وإنما الضمير عائد على عدم الحكم لا على غيره.
***
المسألة الخامسة عشرة
قال الرازي: قال بعضهم: (وجود الوصف الذي يجعل علة في الأصل لابد وأن يكون متفقا عليه).
وهذا ضعيف؛ لأنه لما أمكن إثباته بالدليل، حصل الغرض، بل الحق أن ذلك قد يكون معلوما بالضرورة، وقد يكون معلوما بالبرهان اليقيني، وقد يكون معلوما بالأمارة الظنية، وهذا آخر الكلام في العلة.
المسالة الخامسة عشرة
قال بعضهم: الوصف الذي جعل علة في الأصل لابد أن يكون متفقا عليه.
قلت: المراد بالأصل- ها هنا- أصل المانع المقتضي للعدم، لا أصل الوصف المقتضي للثبوت [العارض] للمانع.
(تنبيه)
قال التبريزي: (تعليل انتفاء الحكم بالأمر الوجودي يتوقف على ظهور المقتض له)، وخالف اختياره المصنف.
ثم قال: وقولهم: (الطرد والمناسبة) يفيد العلية.
فجوابه: أنه إنما يغلب على الظن إضافة ما يصح إضافته، ولا نسلم أن النفي الأصلي يصح إضافته.
وتمثيلهم بأنا: (إذا علمنا حضور السبع في الطريق أضفنا عدم حضور زيد إليه، وإن لم نعلم المقتضي).
فجوابه: أنه لا نزاع في ظن عدم الحضور، بل قد نقطع، إنما النزاع في ظن إضافته إلى السبع، ومن يظن فإنما يظن [لأنه] بسلامة الأعضاء، من غير شعور بما يقتضي حضوره، ولا يخفي أن من نسب عدم حضور قاضي البلد في بعض القفار إلى [سبع] رآه، فإنه يعد سفها. وأجاب عن أن المقتضي ضد المانع بأنه وإن كان ضدا في الاقتضاء، ولكنه يحصل شرط، فنقول: الإضافة والأثر مع قيام المنافي ممكن، ومع انتفاء الشرط غير ممكن، وهو كقول القائل:(النقض لا يستدعي البناء)؛ فإنه يضاد النقض، ولا يخفي فساده.
(فائدة)
قال سيف الدين: المختار اشتراط وجود المقتضي في التعليل بالمانع، وكذلك عدم الشرط.
وقد تم كلام (المحصول) في هذا الباب، وبقيت فوائد في غيره متعلقة به، أنقلها إن شاء الله تعالى.
(فوائد ست)
(الفائدة الأولى)
قال سيف الدين: اختلفوا في أن العلة هل تكون أمارة مجردة؟ والمختار أنها لابد أن تكون مشتملة على حكمة صالحة للحكم بالمناسبة.
(الفائدة الثانية)
قال سيف الدين: إذا كانت العلة في القياس بمعنى الباعث، فشرطها أن تكون ضابط الحكمة، بحيث لا يلزم منه إثبات الحكم مع تيقن انتفاء الحكمة
في صورة؛ فإن ثبوت الحكم بدون الحكمة خلاف القواعد، كما يقال: حكمة القصاص صيانة النفس المعصومة عن الفوات، فمن جعل الضابط بالجرح لا غير، دون المثقل كما يقول أبو حنيفة، يلزمه شرع القصاص في حق من جرح ميتة؛ لوجود الضابط، مع أنا نقطع بانتفاء الحكمة حينئذ.
أو نفي الحكم مع وجود علته، وهو ممتنع.
(الفائدة الثالثة)
قال سيف الدين: قال جماعة: شرط ضابط الحكمة أن يكون جامعا، بحيث لا توجد الحكمة يقينا في صورة دونه؛ لأنه إن ثبت الحكم في تلك الصورة لزم استقلال الحكمة دون الضابط، وهو ممنوع.
وإن لم يثبت الحكم لزم إهمال الحكمة.
مثاله: [ضابط] الحنفي العمد باستعمال الجارح، يلزم إلغاء العمدية إذا ألقاه في البحر، أو رض رأسه بحجر عظيم.
قال: ولقائل أن يقول: يجوز تعليل الحكم بعلتين في صورتين.
(الفائدة الرابعة)
قال سيف الدين: اختلفوا في جواز تأخير علة الأصل عن الحكم في الوجود، كتعليل إثبات الولاية للأب على الصغير الذي عرض له الجنون- بالجنون؛ فإن الولاية ثابتة قبل الجنون، والمختار امتناعه؛ لأن الحكم إذا تقدم استغنى وعرف، فلا معنى للتعريف بعد ذلك، ولا الباعث.
(الفائدة الخامسة)
قال سيف الدين: يجب ألا تكون العلة المستنبطة من الحكم المعلل بها
مما يرجع على الحكم المستنبط منه بالإبطال، كتعليل وجوب دفع [الشاة في باب] الزكاة بدفع [حاجة الفقير، لما فيه من دفع وجوب الشاة بدفع] القيمة؛ لأنها تسد الخلة.
وألا تكون طردية، كالطول والقصر.
وألا يكون لها في الأصل معارض لا تحقق له في الفرع.
وألا تكون مخالفة للنص، وهذه شروط متفق عليها.
واختلف في اشتراط كونها لا تتضمن زيادة على النص، وإنما يلزم ذلك أن لو كانت الزيادة منافية لمقتضى النص، وألا تكون مخصصة لعموم القرآن.
وألا يعارضها علة أخرى تقتضي نقيض حكمها، وإنما يتجه ذلك أن لو كانت العلة الأخرى راجحة عليها، أو يمتنع تخصيصها، وقد عرف ما في منع التخصيص في العلل في مسألة النقض، وأن تكون منتزعة من أصل مقطوع به، وليس كذلك، بل يجوز القياس على المختلف فيه على الصحيح إذا وافق عليه الخصم.
[وألا تكون مخالفة لمذهب الصحابي، وليس كذلك، بل جاز أن يكون للصحابي علة أخرى، وأن يكون وجودها في الفرع مقطوعا به، وليس كذلك، فإن الظن يكفي في الفرع].
(الفائدة السادسة)
قال سيف الدين: اختلفوا في الدال على العلة.
فقيل: يشترط ألا يكون متناولا لثبوت الحكم في الفرع، كقول الشافعي في الفواكه: مطعوم؛ فيحرم فيه الربا كالبر، ودل على كون الطعم علة بقوله عليه السلام:(لا تبيعوا الطعام بالطعان إلا مثلا بمثل)؛ لأنه يتناول الفواكه.
وقد يتناول الدليل خصوص الفرع وحده دون الأصل، كقول الحنفي- في الخارج من غير السبيلين:(خارج نجس)؛ فينقض كالخارج من السبيلين)، ثم دل على كون الخارج النجس علة، بقوله عليه السلام:(من قاء أو رعف أو [أمذى] فليتوضأ وضوءه للصلاة)، فإن القيءـ، والرعاف، والمذى من حيث هو خارج نجس، مناسب لنقض الوضوء، فيدل النص على التعليل؛ فإن النص يكفي، فذكر القياس تطويل من غير فائدة. قال: ولقائل أن يقول: هذا من مراسم الجدل، وهو لا يقدح في القياس.
***