الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: (إذا كانت العلة موجبة للحكم لذاتها، وجب أن توجب الحكم في جميع المحال):
قلنا: وإنه كذلك، لكن إن أردتم بإيجابها: أنها بالنظر إلى ذاتها توجب في جميع المحال فمسلم، وهو عندنا كذلك في صورة النقض، غير أن المعارض وجد فيها.
وإن أردتم الاقتضاء بالفعل المفسر بوجود الأثر منها، منعنا تفسير الاقتضاء بذلك.
قوله: (ينعطف من الفرق بين [الفرع والأصل] فيدل على العلة):
قلنا: الأصل عدم الانعطاف، وقد تقدم أنه لا ينعطف من المانع أمر وجودي، وإلا لزم قدم العالم، والمراد- هاهنا- بالفرع صورة النقض، وقد تقدم الكلام عليه.
قوله: (الأمارة لا تفيد الظن إلا إذا غلب على الظن انتفاء ما يلازمه انتفاء الحكم):
قلنا: لا نسلم، بل العلة التي هي الأمارة، إذا جرد النظر لذاتها حصل الظن، ولا يحتاج الظن لانتفاء المانع، بل لو جهل مطلقا حصل الظن.
قوله: (لم يقولوا: التمسك بهذا القياس جائز أم لا):
قلنا: إذا قال الصحابي رضي الله عنه: (هذا على خلاف القياس) فلا يفهم إلا القياس الشرعي، ومتى كان [شرعيا] كان معمولا به ضرورة، والقياس المنطقي والفاسد، لا يشير الصحابي إليه، ولا يتأسف على فواته بقوله:(هذا على خلاف القياس).
(فائدة)
الفرق بين النقض، والعكس، والكسر؛ فإن الفقيه محتاج لذلك
.
فالنقض: وجود العلة بدون المعلول، أو الحد بدون المحدود، أو الدليل بدون المدلول، بحسب ما يكون النقض علة من علة أو غيرها.
والعكس: وجود المعلول بدون العلة، أو المحدود بدون الحد، أو المدلول بدون الدليل، وهو غير وارد في العلل والأدلة؛ لأن العلل الشرعية يخلف بعضها بعضا، وكذلك الأدلة ووارد في الحدود؛ لأن الحد لابد أن يكون جامعا مانعا، فكونه جامعا يمنع من وجود المحدود بدونه.
قال سيف الدين: فإن اتفق المتناظران على اتحاد العلة ورد العكس أيضا على العلة.
والكسر: نقض على المعنى دون الوصف، كنقض تعليل الرخص في السفر، من حيث إنه مشقة بمشقة المريض والحمال.
والصحيح [أنه] غير لازم؛ لأن العلة هي الوصف لا ذلك المعنى.
ولو عللنا بذلك المعنى أو جعلناه علة لعلية الوصف، فهو لخصوص ذلك المعنى المضبوط قدرا أو جنسا، فكيف ينقض بغيره؟ وإنما يطلق عند ذكر رابطة التعليل؛ لاستقلال الجنس بإفادة أصل المناسبة، قال التبريزي.
وقال غيره: صورته كمن يقول: صلاة يجب قضاؤها؛ فيجب أداؤها، كصلاة الأمن، فيحذف المعترض قيد كونها صلاة، ويقول: ينتقض بصوم الحائض؛ فإنه يجب قضاؤه دون أدائه.
(تنبيه)
زاد سراج الدين فقال: لقائل أن يقول: ما الدليل على أن الحاصل
قبل المعارض لا يكون تمام العلة؟ وأورده على الجواب الأول من أجوبة الأسئلة.
وأورد على الجواب عن الثاني فقال: لقائل أن يقول: إن عنيت بالشرط معنى يقتضي تقدمه على المشروط، فليس شرط أحد المتنافيين انتفاء الآخر، وإلا كان كل واحد من النقيضين مشروطا بنفسه، ضرورة أن انتفاء كل واحد منهما عين ثبوت الآخر.
وإن عنيت بالشرط ما ينعدم المشروط عند عدمه، لم يلزم الدور.
وقال التبريزي: وجود وصف التعليل بدون الحكم يوجب الفساد مطلقا عند قوم.
وشرط عدم الإيماء إليه عند قوم، وشرط ألا يظهر في محل التخلف ما يصلح مستندا له عند قوم، وشرط أن ينعطف عليه قيد من محل التخلف عند قوم، وشرط ألا يكون مستثنى من قاعدة الأصل عند قوم، ولا يدل على الفساد أصلا عند قوم، وإليه صار أبو زيد، والمختار هو الثالث.
ثم احتج فقال على الانتفاء: الانتفاء إما أن يضاف إلى انتفاء العلة، أو وجود معارض، والأول راجح؛ فإن الثاني على خلاف الدليل من وجوه:
أحدها: اعتبار معنى فيه منافاة حكم العلة، وفيه التزام التعارض بتقدير ما الأصل عدمه.
الثاني: فرض وجوده في محل النقض، والأصل عدمه.
الثالث: تقدير اعتبار وصف العلة؛ ليمكن إضافة وصف الانتفاء إلى المعارض، وهو مسبوق [بالعدم].
الرابع: ترك العمل بالعلة.
الخامس: تغيير النفي الأصلي يقتضي العلة، والأصل استمراره.
السادس: رفع ذلك المقدر، الأصل بقاؤه.
السابع: مخالفة وضع العلل في المعقولات بوضع الموانع، وليس في نفي العلة عنه إلا مخالفة أصلين:
أحدهما: تقدير أمر آخر هو العلة في الأصل.
والآخر: عدم اعتبار مناسبة الوصف، والأصل اعتبارها.
الوجه الثالث: إما أن يجوز المعلل نفي حكم العلة في الأصل من غير معارض، فليجوزه في الفرع، وإلا فليس بمعارض.
ثم احتج للاعتبار فقال: يجب اعتبار العلة تقديرا [على وفق] المعهود؛ ليكون أقرب إلى القبول؛ لكونه أظهر في [المعقول]، وبه يندفع قولهم:(إنه تأثير [وضعي])؛ لأنه وإن كان وضعيا، لكنه يجب تطبيقه على الحقيقة، ويشهد له قوله عليه السلام:(لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)؛ فإنه لولا وجود ما يستند إليه الحكم بتقدير عدم المشقة لم انتظم هذا الكلام، كيف وإضافة عدم المعارض إلى تمام العلة مناقضة لوجه اقتضاء الملاءمة؛ فإنها [ترتبط] بطرق وجود المفسدة لانتفاء الحكم، لا بطرق عدمها لثبوت الحكم، فالإعراض عن اعتبار الوجود في الانتفاء إلى اعتبار العدم في الثبوت يكون مراغمة لها.
وقولهم: (إنه ينعطف عليه قيد وجودي من محل التعليل) يرد عليه أنه إن انقدح ذلك فهو أولى، ولا نزاع فيه؛ فإنه إذا تعارض وجها الاعتبار، وكان العطف متأيدا بنفي المخالفة كان أولى.
مثاله: تعليل اعتبار تعيين النية في صوم القضاء بكونه عبادة مع تخلف الحكم عنه في النقل؛ إذ يمكن أن تكون مشقة [النقل] لتكرره، وعدم تأكيد الداعية إليه مانعة بحكم العلة، مع كونه مقتضيا بالفعل عدم المانع، وإنما انعدم هذا الشرط بوجود المانع.
وقولهم: (لابد للمؤثر من أثر، والمعرف من تعريف):
قلنا: إذا كان المراد بالمعرف والمؤثر ما من شأنه أن يؤثر أو يعرف بشرط عدم المانع، تصور أن يتخلف عنهما التأثير والتعريف.
ثم قال: وأما التقييد بعدم كونه مستثنى عن قاعدة، [فيرجع] حاصله إلى الاستظهار بالاستثناء على اختصاص محل التخلف بمعارض منع حكم العلة، فيستغنى عن إبدائه تفصيلا.
مثال: إيراد الحج نقضا على تعليل تعيين النية بكونه عبادة مفروضة، وإيراد لبن المصراة على تعليل ضمان المثل بتماثل الأجزاء في الخلقة والمنفعة، وإيراد بيع العرايا على تعليل الربا بالطعم، وحالة الاضطرار على تعليل تحريم الميتة بالخبث، وتعليل تحريم الخمر بالشدة.
ويعلم كونه مستثنى تارة بالإجماع، وتارة بلفظ الراوي، كقوله:(وأرخص في السلم)، وتارة بجريان علة الخصم فيه كما في هذه