الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سؤال:
قال: ولأنه في هذا الموضع احتج بالاستصحاب
، فالدوران متوقف على الاستصحاب، فالاستصحاب إن توقف عليه لزم الدور، وإلا [لكان] الاستصحاب أقوى من الدوران؛ لتوقفه عليه من غير عكس، وحينئذ يمنع دفع الاستصحاب القياس.
قلت: جوابه أنه أقوى منه من هذا الوجه، والقياس أقوى من الاستصحاب من جهة أنه ناسخ له، والناسخ مقدم على المنسوخ.
سؤال:
قال النقشواني: قوله: (بعض الدورانات تفيد الظن؛ فيكون الكل كذلك [للآية]) غير متجه
؛ لأن الله- تعالى- إنما يأمر بمقدور، وكون الشيء مفيدا للظن غير مقدور، بل العمل بالظن هو المقدور، فلا يتجه استدلاله.
تنبيه:
قال سراج الدين: علل الشرع معرفات، فجاز أن يكون العدم علة وجزء علة
.
وقال التبريزي: الدوران هو الطرد والعكس، الذي هو الوجود عند الوجود أينما كان، والعدم عند العدم أينما كان.
وقد يطلق على مجرد الحدوث عند الحدوث، والزوال عند الزوال، [ولو] في صورة واحدة، كالشدة مع التحريم.
وهو يفيد الظن على التقديرين، وقد يفيد اليقين كما في التجريبيات.
وإنما يوجبه على التدريج، [ومن] ضرورته [تقدم] ظن غالب قبل بلوغه الكمال.
وتفصيل القول فيه: أن الذهن يطالب بسبب الاقتران، فإذا استبعد الاتفاق لأجل الكثرة، حمل على أمر يوجب التلازم ظنا أو يقينا، بحسب إمكان الاتفاق وعدمه؛ [ولأن] الحدوث عند الحدوث نوع ملاءمة للعلية؛ فإنه مقتضاها، فيسبق الذهن إلى فهم العلية؛ لأن الذهن سباق إلى فهم الملزوم من [اللازم]، فإذا انضم إليه الزوال عند الزوال، صار السبق ظنا لاستبعاد الاتفاق.
ويرد على مدرك المصنف الأول: أن طريقة الحصر طريقة مستقلة تستغني عن الدوران، والمقصود إنما هو إفادة الدوران.
ويرد عليه- أيضا- فيه منع الحصر.
وقوله: (إن كان موجودا قبل الحكم تخلف الحكم):
إنما يلزم إذا اعتقدناه كل العلة، أما إذا اعتقدناه ضميمة إلى الحادث، فلا يلزم.
ويرد على قوله: (التعين العدمي):
أنا نعني به خصوص الوصف الذي لا يشاركه فيه غيره، وهو أمر وجودي، وكذلك الإضافة للمحل كيف يكون عدميا، وظهور أثر العلة في المحل يتوقف عليه، فهو [إما] جزء العلة، أو علة علية العلة، ثم الدليل على أنهما وجوديان أن نقيضهما- وهو لا عينية ولا حصوله عدميان؛ لأنه يصح حملهما على العدم، ونقيض العدم وجود، وإلزام التسلسل تشكيك وسفسطة، ونظيره من الضروريات أن تقول: كونه موجودا عدمي؛ لأنه لو كان موجودا لكان وصفا للمحل، وكان كونه وصفا للمحل وصفا له، وهكذا إلى ما لا نهاية له.
سلمنا أنهما عدميان، لكن لا يضاف الحكم إليهما.
قوله: (الوجودي لا يتصف بالعدم):
ينتقض بالمعلومية والمذكورية، والموجودية، وكونه محكوما به أو عليه؛ فإنها أمور وجودية لما ذكر من الدليل، ويوصف به العدم.
ثم نفصل القول، فنقول: الدوران دليل العلية بمعنى التأثير أو التعريف.
الأول باطل بالعلم والرم.
والثاني علم لا يجوز أن يتوقف التعريف على أمر عدمي، على أنا نقول: إذا دار الحكم مع وصف عدمي، فإن لم يكن علة، فقد [انتقض الدوران] أو علة، فقد بطل دليل نفي العلة عنه، وبطل- أيضا- الدوران.
وقوله: (لا يكون العدم جزء العلة وإلا لكان علة للعلية):
الكلام عليه من أوجه:
الأول: أنه استدلال بالدوران بالتفسير الثاني، وسنبطله.
الثاني: أنه اعترف أنه إنما يدل بشرط عدم دليل يدل على أنه ليس بعلة، فقد يساعدنا في هذا المقام على قيام الدليل على امتناع كون العدم علة.
الثالث: أنه منقوض بجزء الماهية وبجزء الجملة؛ فإنه ليس علة للماهية، والجملة مع التوقف عليه.
الرابع: أن العلم حاصل بأن العلية حكم مجموع أجزاء الماهية، لا حكم ذلك الجزء العدمي.
الخامس: أن ما ذكره من الدوران وإن دل على لزوم كون ذلك العدم علة العلية،
لكنه معارض [بلزوم] استحالة اجتماع علل على حكم واحد؛ فإن الدوران قائم بالنسبة إلى كل جزء كان عدما أو وجودا.
ثم إنه اعتراف بقصور الدوران عن إفادة ظن العلية؛ لأنه قدر مشترك بين المدار الوجودي والعدمي، ولم يفد في العدمي مع وصف الصلاحية، فلا يكون هو المفيد في الوجودي، والفائت في العدمي هو صلاحية العلية، فإذا الدوران مع وصف صلاحية المدار دليل العلية؛ فإن [عدم] الصلاحية لا يمكن أن يكون مانعا من الإفادة؛ فإن المانع علة المنع، والعدم لا [يصح] أن يكون علة، فعلى هذا الدوران مع صلاحية الوصف دليل [العلية]، ولا يلزم من مجرد الوجود الصلاحية؛ لانقسام الوجودي للمصالح وغير المصالح، فإذا لابد من التعرض لمزيد، وفيه ترك طريقة الدوران بالكلية.
وأما مسلكه الثاني، فنقول- امتحانا للبيان لا اعتقادا-: لا نسلم أن دورانا [ما] يفيد ظن العلية، وفي الصورة المفروضة نعارضه بمعنى في الاسم صورة [أو] معنى، أو بمعنى في ضمير الداعي، أو اختلال في المدعو، فإن لم يفرض شيء من ذلك منعنا حصول الغضب، فضلا عن ظن الإسناد إليه.
وقد يدل على صحة المعارضة أمران:
أحدهما: أن عاقلا ما لو دعي بذلك الاسم لم يغلب على الظن غضبه، ولو غضب لوبخ، ولو ثبتت [عليته] للغضب، لوجب أن يفيد وجوده حصول الغضب، وأن يستحسن ذلك من العقلاء.
الثاني: هو أنه إذا دعى به غيره لم يغضب، [وإذا] دعي هو غضب، فدار الغضب عند الدعاء بذلك الاسم عند خصوص ذلك الشخص وجودا عدما، والدوران دليل العلية على زعمهم، فيكون خصوص ذلك الشخص علة علية الدعاء بذلك الاسم المغضب للغضب.
وقوله: (إن أخبر العاقل عن إسناد حصول ظنه إليه لم يستقبح):
قلنا: إن صح ذلك دل على ترشيح إفادة الدوران ظن العلية، وهو أمر كلي، فأي حاجة إلى المقدمة الثانية؟
وثانيا: لم قال: إن كل دوران يجب أن يكون كذلك؟
وأما التمسك بالآية، ففي غاية الضعف، ولولا صدوره عن مثله، وولوع أبناء الزمان بأمثاله، لكان الإعراض عنه أولى من الاعتراض عليه؛ إذ يعز على أهل النظر الشديد صرف الزمان إلى ما بيده العاقل فساده.
لكني أقول مكرها لا بطلا: تفسير العدل بالتسوية المطلقة ظلم؛ لأنه يلزم منه جهل كل إنسان، وحمارية كل حيوان، وإمكان كل معلوم، ووقع كل ممكن، ونبوة كل متحد، وكذب كل مدع، وحل كل مأكول، وإباحة كل قتل، وجسمية كل صانع، وبطلان كل دين، وقدم كل موجود، إلى غير ذلك مما لا يعد كثرة لأن بعضها كذلك عملا بالآية، ثم يؤدي إلى التناقض؛ لأن جزئيات مطلق الأجناس متناقضة الأحكام والخصائص، فيلزم أن يحكم على كل واحد من الدائرين أنه علة للآخر عملا بالتسوية بينهما، وتوهم أن هذا من قبيل تخصيص العموم من أفسد الخيالات، ثم هو معارض بحد آخر، وهو إقامة الحق، والعمل بالواجب، وهو أولى؛ فإن من سوى بين الحق والباطل في جواز الفعل لا يسمى عادلا، بل حائرا، وإن وجدت منه التسوية.
ومن وجد منه التفرقة بين المحسن والمسيء في المجازاة، والعالم والجاهل في الإكرام، والحق والباطل في التمكن، سمي عادلا، وإن لم يسو بين هذه الأمور.
وثالثا: إن التسوية بين الدورانات حقيقة [في نفس الأمر ليس من فعل
البشر، فلا يرد به الأمر، واعتقاد التسوية لازم الحقيقة]، يستحيل التكليف به بتقدير الوجود والعدم.
ورابعا: إن بعض الدورانات لا يفيد ظن العلية؛ عملا بالنقوض التي ذكرها، فوجب أن يكون الكل كذلك عملا بالآية.
وقوله: (الدوران من حيث هو هو لا يفيد ظن العلية):
ممنوع بل يفيد، ولكن في بعض المواطن قام مانع من حصول الظن كسائر العلل الشرعية، والطبيعية، والعرفية.
وما التزمه هو لا يصح؛ لأنه التزام لأحد قسمي الإشكال؛ لأن معنى قولنا: الدوران وحده لا يفيد ظن العلية، هو معنى قولنا: إن العلية موقوفة على أمر وراء القدر المشترك، وما أجاب عنه بشيء.
ثم على هذا عدم ما يقدح يكون علة لعلية الدوران، أو جزء العلة في إفادة الظن، وقد بني تقرير الدوران على أن العدم لا يجوز أن يكون علة ولا جزءها، ومقتضى كلامه يلزم أن يكون معلوم دليل وعلة لكل معلوم، بشرط عدم المانع في كونه دليلا، ولا يخفى فساده.
وأما البحث على وجه النظر فوجهان:
أحدهما: أنه [إذا ثبت] بهذه الصورة تعدد جهات الملازمة والدوران، فتعيين جهة العلة يحتاج إلى دليل؛ لأن الدليل لابد وأن يكون له اختصاص بالمدلول؛ إذ ليس كون الدوران دليلا على بعض هذه الجهات بأولى من كونه دليلا على غيره.
الثاني: أن جهة العلية أخص من مسمى الدوران، والاستدلال بالأعم على الأخص ينافي كونه أعم، ولا يرد شيء من ذلك على طريقتنا؛ لوجهين:
أحدهما: أنا ندعي الدوران على لغلبة الظن بوجود أحدهما عند وجود الآخر، وهذا لا نقض عليه.
الثاني: أنا نعني بكونه علة المعرف لثبوته، سواء كان بجهة العلة أو بجهة ملازمة العلة، وهو أيضا مطرد.
قلت: وفي كلامه مواضع فأتكلم عليها.
الأول: قوله: (الذهن سباق لفهم الملزوم من اللزوم):
يريد بالملزوم العلية، ولا شك أن الملازمة إذا حصل في الفعل العلم بها، لزم منها العلم باللازم، والملزوم تصورهما لا وقوع واحد منهما في الوجود، والعلم بحصول اللازم لا يوجب العلم بحصول الملزوم.
وأما العلم بحصول الملزوم، فلا سبيل إليه من الملازمة، بل بدليل منفصل، ومراده- هاهنا- حصول الملزوم، ووجوده في الصورة المعينة، فلا يتم كلامه حتى يغير العبارة، ويجعل العلية لازمة للدوران، والدوران ملزوم لها، فإذا حصل العلم بالملزوم، الذي هو الدوران، حصل العلم باللازم، الذي هو العلية، فيتم حينئذ الكلام.
وأما جعلها ملزوما فلا فإنه لا يلزم من وجود الملازمة ولا اللازم، حصول الملزوم باتفاق العقلاء.
الثاني: قوله: (إذا اعتقدنا الوصف الآخر ضميمة للعلة فلا يلزم):
[و] تقريره: أن الوصف المدعى عدمه لا يلزم من وجوده قبل الحكم تخلف الحكم عن علته إذا كان جزء العلة؛ لأن التخلف عن الجزء ليس تخلفا عن العلة.
الثالث: قوله: (كيف تكون الإضافة [إلى] المحل عدمية، وظهور أثر العلة في المحل يتوقف عليه، فهو من أجزاء العلة، أو علة علية العلة.
قلت: الحصر غير ثابت، فقد يكون المتوقف عليه شرطا.
الرابع: قوله: (العلية حكم مجموع أجزاء الماهية لا حكم ذلك الجزء العدمي) لا يتم؛ لأن المركب من الوجودي والعدمي عدمي، فصارت العلية وصفا للعدمي، وإن لم تكن من أحكام ذلك الجزء العدمي.
الخامس: قوله: (أقول مكرها لا بطل):
هذا مثل أصله أن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنه ألزم خروج شخص لقتال علي- رضي الله عنه فلما برز لقتاله خشى أن عليا يقتله، فألقى بنفسه، وقال لعلي- رضي الله عنه:(مكره أخوك لا بطل) فترك علي- رضي الله عنه قصده بالقتل والقتال، فصار مثلا.
السادس: قوله: (ما ذكره ينتقض بجهل كل إنسان) وما ذكره من الصور لا يلزم؛ لأن العام المخصوص حجة بعض التخصيص، ولو عظمت صور التخصيص كثيرة.
وقوله: (يوهم أنه من تخصيص العموم) فاسد ممنوع، بل (العدل) مفرد معرف بلام التعريف، فيكون عامل دخله التخصيص بما ذكره من الصور.
السابع: قوله: (قام المانع كما في العلل الشرعية والطبيعية).
قلنا: يلزم منه التعارض بين المانع والمقتضي، والتعارض خلاف الأصل، وما ذكره المصنف لا يلزم منه التعارض، فكان أرجح؛ ولأن القاعدة أن إحالة عدم الحكم على عدم المقتضى أولى من إحالته على قيام المانع؛ لئلا يلزم التعارض.
الثامن: قوله: (المدعي كون الدوران علة لغلبة الظن بوجود أحدهما عند وجود الآخر، وهذا لا نقض عليه):
قلنا: ممنوع، بل النقوض التي ذكرها المصنف كلها ترد على هذا المدعي؛ لوجوده فيها.
وكذلك قوله: (إنه معرف لثبوته [سواء] كان بجهة العلة أو ملازمتها وأنه مطرد) ليس كذلك، بل قد عرت النقوض المذكورة عن العلة وملازمتها، فتكون نقضا على الدوران؛ لوجوده بدون المدعى، ولا نعني بالنص وعدم الاطراد إلا ذلك.
* * *