الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع
(في السبر والتقسيم)
قال الرازي: التقسيم: إما أن يكون منحصرا بين النفي والإثبات، أو لا يكون:
فالأول: هو أن يقال: الحكم إما أن يكون معللا، أو لا يكون معللا، فإن كان معللا: فإما أن يكون معللا بالوصف الفلاني، أو بغيره، وبطل ألا يكون معللا، أو يكون معللا بغير ذلك الوصف؛ فتعين أن يكون معللا بذلك الوصف، وهذا الطريق عليه التعويل في معرفة العلل العقلية.
وقد يوجد ذلك في الشرعيات؛ كما يقال: (أجمعت الأمة على أن حرمة الربا في البر معللة، وأجمعوا على أن العلة: إما المال، أو القوت، أو الكيل، أو الطعم، وبطل التعليل بالثلاثة الأول؛ فتعين الرابع.
وكما يقال: أجمعت الأمة على أن ولاية الإجبار معللة: إما بالصغر، وإما بالبكارة: والأول باطل، وإلا لثبتت الولاية في الثيب الصغيرة؛ لكنها لا تثبت؛ لقوله- عليه الصلاة والسلام:(الثيب أحق بنفسها من وليها) فتعين التعليل بالبكارة.
وأما التقسيم المنتشر: فكما إذا لم ندع الإجماع؛ بل نقتصر على أن نقول: حرمة الربا في البر: إما أن تكون معللة بالطعم، أو الكيل، أو القوت، أو المال، والكل باطل إلا الطعم، فيتعين التعليل به.
فإن قيل: لا نسلم أن حرمة الربا معللة؛ فإن الأحكام، منها ما لا يعلل؛ بدليل أن علية العلة غير معللة، وإلا لزم التسلسل، وإذا ثبت هذا، فلم لا يجوز أن يقال: هذا من جملة ما لا يعلل؟.
سلمنا كونه معللا؛ فما الدليل على الحصر؟.
فإن قلت: لو وجد وصف آخر لعرفه الفقيه البحاث.
قلت: لعله عرفه، لكنه ستره، وأيضا: فعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، سلمنا الحصر؛ لكن لا نسلم فساد الأقسام.
سلمنا فساد المفردات؛ لكن لم لا يجوز أن يقال: مجموع وصفين أو ثلاثة منها علة واحدة.
سلمنا فساد سائر الأقسام مفردا ومركبا؛ لكن لم لا يجوز أن ينقسم هذه القسم الثاني إلى قسمين؛ فتكون العلة أحد قسميه فقط؟.
والجواب: لا نزاع في أن التقسيم المنتشر لا يفيد اليقين؛ لكنا ندعي أنه يفيد الظن.
أما قوله: (لم لا يجوز ألا يكون هذا الحكم معللا؟):
قلت: لما سبق في باب (المناسبة): أن الدلائل العقلية، والسمعية دلت على تعليل أحكام الله تعالى بالحكم والمصالح؛ فكان هذا الاحتمال مرجوحا.
قوله: (ما الدليل على الحصر؟):
قلنا: الجواب عنه من وجهين:
الأول: أن المناظر تلو الناظر، فلو اجتهد الناظر، وبحث عن الأوصاف، ولم يطلع إلا على القدر المذكور، ووقف على فساد كلها، إلا على الواحد- فلا شك أن حكم قلبه بربط ذلك الحكم بذلك الوصف أقوى من ربطه بغير ذلك الوصف، وإذا حصل الظن، وجب العمل به، وإذا ثبت ذلك في حق المجتهد، وجب أن يكون الأمر كذلك في حق الناظر؛ لأنه لا معنى للمناظرة إلا إظهار مأخذ الحكم.
الثاني: لو سلمنا أنه لابد من الدليل على الحصر، فنقول: لا شك أن جميع الأوصاف كانت معدومة، وكانت بحيث يصدق عليها: أنها لا توجب هذا الحكم، والأصل في كل أمر بقاؤه على ما كان، فهذا القدر يفيد ظن عدم سائر الأوصاف، فيحصل ظن الحصر، ومطلوبنا هاهنا هذا القدر.
قوله: (لا نسلم فساد سائر الأقسام):
قلنا: يمكن إفسادها بجميع المفسدات من النقض، وعدم التأثير، وأنواع الإيماءات؛ بلي لا يمكن إفسادها هاهنا بعدم المناسبة؛ لأنه حينئذ يحتاج إلى أن يبين خلو ما تدعيه علة عن هذا المفسد، وذلك لا يتم إلا ببيان مناسبته، ولو بين ذلك، لاستغني عن طريقة (السبر).
قوله: (لم لا يجوز أن يكون المجموع هو العلة):
قلنا: لانعقاد الإجماع على ثبوت الحكم حيث لم يوجد المجموع.
قوله: (لم لا يجوز أن تكون العلة طعما مخصوصا؟):
قلنا: لأن كل من اعتبر الطعم لم يعتبر طعما مخصوصا، فكان القول به خرقا للإجماع.
الفصل السابع
في السبر والتقسيم
قلت: السبر أصله الاختبار، ومنه السبار الذي يختبر به غور الجرح؛ ليقتص بمثله، وقولهم: بهذا الكلام يسبر العقل: أي يختبر.
فالسبر- هاهنا- اختبار الوصف بالقوانين الشرعية عل يصلح للعلية أم لا؟.
والتقسيم: هو قولنا: العلة إما كذا وكذا، ثم نقول: وكذا لا يصلح، فتعين الوصف الفلاني، فهذا الأخير هو السبر.