الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة
قال الرازي: وهي مشتملة على فرعين من فروع تخصيص العلة:
الفرع الأول: إذا تخلف الحكم عن العلة، لا لمانع، فهل يقدح ذلك في صحة العلة أم لا؟.
قال قوم: لا يقدح؛ لأنا لم ندع في مثل هذه العلة كونها مستلزمة للحكم قطعا، بل ادعينا كونها مستلزمة للحكم ظاهرا، فتخلف الحكم عنها في بعض الصور لا يقدح في كونها مستلزمة له غالبا؛ فوجب ألا يكون مفسدا للعلة، والحق أنه مفسد للعلة؛ لأن ذات العلة: إما أن تكون مستلزمة للحكم، أو لا تكون:
فإن كانت مستلزمة له، وجب كونها كذلك أبدا، ولو كانت كذلك أبدا، لما زال هذا الحكم إلا لمزيل؛ وذلك المزيل هو المانع؛ فحيث زالت تلك المستلزمية، لا لمزيل، علمنا أن تلك الذات غير موصوفة بتلك المستلزمية؛ فوجب ألا تكون علة.
الفرع الثاني: المتمسك بالعلة المخصوصة، هل يجب عليه في ابتداء الدليل ذكر نفي المانع، أم لا؟ أما الذين قالوا: لا يجب ذكره في الابتداء قالوا: لأن المستدل مطالب بذكر ما يكون موجبا للحكم، ومؤثرا فيه، والموجب لذلك الحكم هو ذلك الوصف، وأما نفي المانع، فليس له دخل في التأثير، وإذا كان كذلك، لم يجب ذكره في الابتداء.
والذين قالوا: (يجب): احتجوا بأن المستدل مطالب بذكر ما يكون معرفا للحكم، والمعرف للحكم ليس تلك الأمارة فقط، بل تلك الأمارة، مع عدم المخصص؛ وإذا كان كذلك، وجب ذكرهما معا، فمقتضى هذا الدليل بيان نفي كل الموانع ابتداء، إلا أن إيجاب ذلك يفضي إلى العسر والمشقة، أما إيجاب نفي الموانع المتفق عليها، فلا يفضي إلى ذلك؛ فوجب أن يجب ذكره.
المسألة الثالثة
(فيها فرعان)
قال القرافي: قوله: (تخلف الحكم في بعض الصور لا يقدح في كونها مستلزمة له غالبا):
قلنا: بل يقدح، وما يعتمد عليه من أن القطر يتأخر عن السحاب في بعض الصور، ولا يقد ذلك فيه، وكذلك الإرواء عن الماء، والشبع عن الطعام، فلا مستند فيه؛ لأن التخلف في تلك الصور كلها لابد فيه من مرجح مناسب للتخلف، وإلا لزم الترجيح من غير مرجح، ونحن نتكلم في هذه المسألة على تقدير عدم المعاني الكلية، فلا يتجه إلا ما قاله الإمام- بعد هذا- أنه يدل على عدم الاستلزام بالكلية، غير أن المصنف ذكر دليلا مستقلا، ولم يبد وجه الطعن في حجة الخصم، وهذا وجه الطعن فيها.
* * *