الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
تنبيه"
زاد التبريزي فقال: يشترط في القلب الرد إلى أقل المعلل
.
وقيل: لا يشترط؛ فإن وجه القدح به بيان عدم الاختصاص بالحكم المنوط [به]، وهو لا يتوقف على اتحاد الأصل.
وزاد في مثل قلب التسوية، فقال: إذا قال: ينتفض الوضوء بالخارج من غير السبيلين، كالخارج منهما.
يقول القالب: يل يستوي قليله وكثيره كالأصل.
قال: ويرجع قلب التسوية إلى إلزام الوفاء بتمام الحكم؛ لأنه المناط كما زعم؛ لأن حكم علة الأصل في البيع الانعقاد بوصف اللزوم، وإيجاب الخارج للوضوء وإن قل.
"
فائدة"
قال الباجي في "الفصول": "لا يصح قلب القلب
".
وقال بعض المالكية، وبعض الشافعية: يصح؛ لأن القلب نقض، والقض لا ينقض؛ ولأن القلب مفسد للعلة.
احتجوا: بأنه معارضة، والمعارضة تعارض، وهذا الخلاف لم يحكه المصنف.
"
فائدة"
قال سيف الدين: القلب قلبان:
قلب الدعوى، وقلب الدليل.
وقلب الدعوى ضربان؛ لأن الدعوى إما أن يكون الدليل مضمرا فيها، أو لا يكون.
فالأول: كقول الأشعري: "أعلم- بالضرورة- أن موجودا مرئي.
فهذه دعوى فيها الدليل مضمر، تقديره: لأنه موجود؛ لأن الوجود هو المصحح للرؤية عنده.
فيقول المعتزلى: أعلم- بالضرورة- أن كل ما ليس في جهة، لا يكون مرئيا.
فهذه الدعوى تقابل الأولى، من حيث إن الموجود ينقسم إلى: ما هو في جهة، وإلى ما ليس في جهة.
فالقول بأن ما ليس في جهة لا يكون مرئيا، يقابل قول القائل:"كل موجود مرئي"، ودليلها مضمر فيها، تقديره: أن انتفاء الجهة مانع من الرؤية.
وأما إن لم يكن الدليل مضمرا، فكما لو قال القائل في مسألة إفضاء النظر إلى العلم، أو مسألة التحسين والتقبيح: أعلم- ضرورة- أن النظر [لا] يفضى إلى العلم أو الكفر قبيح لعينه، والشكر حسن لعينه.
فيقول المعترض: أعلم- بالضرورة- أن النظر يفضى إلى العلم، وأن الكفر ليس قبيحا لعينه، [ولا الشكر حسنا لعينه].
فهذا عين مقابلة الفاسد بالفاسد، والمقصود منه استنطاق المدعى باستحالة دعوى الضرورة من جهة خصمه في محل الخلاف، فيقال: وهذا لازم لك أيضا.
وقد أورد الجدليون- أيضا- قلب الاستبعاد في الدعوى.
وذلك كما لو قال الشافعي- في إلحاق الولد بأحد الأبوين باختيار الولد له إذا تداعياه: ذاك تحكم بلا دليل.
فيقول الحنفي: تحكيمهم القائف فيه- أيضا- تحكم بلا دليل.
والمقصود- أيضا- استنطاق المدعى بأن ما ذكره ليس تحكما بل له مأخذ صحيح.
فيقول المعترض: فذلك ما ذكرته.
وهو في غاية البعد؛ فإنه إما أن يعترف المستدل بأن ما ذهب إليه تحكم، أو يبين مأخذه فيه.
فإن كان تحكما، فلا يعني معارضة المعترض بتحكمه [في] مذهبه في إبطال دعواه التحكم في مذهب خصمه.
وإن بين له مأخذا، فهو الجواب، ولا حاجة إلى القلب.
ثم قال: قول المستدل في اشتراط الصوم في الاعتكاف: "لبث محض؛ فلا يكون قربة بنفسه" ليس تعليلا بمناسب يقتضي نفي القربة، بل بانتفاء المناسب؛ لأن الليث المحض لا يناسب القربة.
وتعليل المعترض بقوله: "لبث محض، فلا يشترط الصوم [في صحته] كالوقوف بـ "عرفة"". تعليل بأمر طردي؛ فإنه لا مناسبة في أللبث المحض لنفي القوم، هذا هو التحقيق، ثم قال: أعلى أنواع القلب ما بين فيه انه يدل على المستدل، [و] لا [يدل] له.
ثم يليه: أن يبين أن يدل له وعليه.
وأعلى مراتب هذا النوع ما صرح في بإثبات مذهب المعترض، وهو القسم الأول منه.
ثم ما صرح فيه بإبطال مذهب المستدل؛ لأنه لا يلزم منه تصحيح مذهبه، فيكون دون الأول.
ثم ما بين فيه عدم الدلالة بطريق الالتزام؛ لأنه لم يقدح في دلالة المستدل، بل بين دلالة أخرى منه تدل على نقيض مطلوبه، فكان [شبيها] بالمعارضة، وإن فارقها من جهة أنه من نفس الدليل المستدل.
واختلفوا في قبول القلب مطلقا.
فقبله قوم من جهة أنه يشير إلى ضعف الدليل؛ لدلالته على نقيض مذهبه.
ومنعه آخرون، من جهة أن المعترض إما أن يتعرض في دليله لنقيض حكم المستدل، أو إلى غيره.
فإن كان الأول، فقد تعذر عليه القياس على أصل المستدل؛ لاستحالة اجتماع حكمين مجمع عليهما في صورة واحدة.
وإن كان الثاني، فلا يكون ذلك اعتراضا على الدليل.
قال: والحق في ذلك أنه إن تعرض في الدليل لحكم يقابل بحكم المستدل صريحا، فقد لا يمتنع الجمع بينهما في أصل واحد، كما تقدم في المثل.
قال إمام الحرمين في "البرهان": اختلفوا في القلب، [ومجوزوه] له عندهم مزية على المعارضة؛ لأن العلتين المتعارضتين تضاف كل علة منهما إلى أصل لا يشهد للعلة الأخرى، وفي القلب يتحد الأصل، فكان أبين في التناقض.
ثم قال: قول المستدل والمعترض في مسح الرأس: "عضو من أعضاء الوضوء" وصف طردي من الجانبين، وليس من باب تعارض الشبهين؛ لأن أعضاء الوضوء غير متشابهة في المقادير المفروضة، ولا في الكيفية.
قال: والذي اختاره وأقول به- في قبول القلب-: قول ثالث، وهو أنه إذا كان القلب في طرف لا يناسب العلة، بل اتفق مذهب الخصمين في
النفي والإثبات، ولا يمتنع إثبات ثالث دونهما، بل وقع الحصر اتفاقا، فهو قلب غير قادح، كما تقدم مثاله في قلب مسح الرأس، فإن كونه عضوا من أعضاء الوضوء لا يناسب الربع، ولا الاقتصار على ما أمكن، وإن كان له إحالة من وجه سمع، كقولهم:"مكث؛ فلا يشترط فيه الصوم" قدح؛ لأن المعلل ذكرا أمرا لا يستقل بإثبات مذهبه؛ لأنه لا يكتفي في أي عبادة إلى الاعتكاف، ولم يتأت له التصريح، فافهم مقصوده، بل أثبت طرفا من مذهبه تلويحا، فقدح القادح فيه تصريحا، فكان مقبولا.
ويؤكده أن الصوم عبادة مستقلة، فضمه لغيره خلاف الأصل، هذا هو القلب المصرح به.
والقلب المبهم ينقسم إلى: إبهام من غير تسوية، وإلى إبهام التسوية.
فالإبهام من غير تسوية، قول الحنفي: صلاة يشرع فيها الجماعة؛ فلا يثنى فيها الركوع في ركعة واحدة، كصلاة العيد، [فيقول] القالب:"فتختص بالزيادة، كصلاة العيد؛ لأن فيها تكبيرات زائدة" فهذا قلب مبهم، وقد أفتى القاضي ببطلانه، وقال: قلب القالب ينقلب عليه، فيقول الحنفي: فلا تختص بزيادة، هي ركوع كصلاة العيد.
قال الإمام: وقول القاضي لا يتجه؛ لأن [القلب]- ها هنا- إعادة للعبة لا زائد عليها، ولا قلب إلا وهو بهذه الصفة، وغرض القالب أن يورد ما يقتضي تعارضا، فإذا ذكر المعلل علته في معرض القلب، فهو مقدر لوجه التعارض، وهو القادح، وهو كما لو عورضت علة بعلة أخرى، وأعاد المجيب علته على [صيغة] المعارضة لما عورض به، فتم به اعترافه بتعارض العتلين.
وقال القاضي أيضا: الصريح مقدم على المبهم، فلو كان القلب معارضة لسقط؛ لترجح الصريح عليه.
قال الإمام: وهذا الترجيح معارض بأن رب مبهم أفقه من صريح، فلا يفتى بتقديم كل صريح على كل مبهم.
قلت: يؤخذ من هذا البحث مثار قلب القلب الذي أشار إليه- في "المحصول"- ولم يمثله، وأن فيه الخلاف، وهذا مدرك الخلاف.
قال الإمام: وقلب التسوية ما يذكره الحنفية في المكره.
قال: وهو مختلف فيه، وفيه البحث المتقدم لما فيه من الإبهام، بل بعض من قبل المبهم رد قلب التسوية؛ لمخالفة الأصل الفرع؛ لأن المختار ثبوت صرف، والمكره نفى صرف عند القادر.
وجوز الأستاذ قلب التسوية، وهو المختار عندنا.
قال: ولينظر الناظر في منازل القلب نظرا أوليا في الطرد والمناسبة، ثم ينظر ثانيا في التلاقي على التناقض، وعدم التلاقي، وهل هو من الشبه أم لا، أو مبهما، أو مصرحا؟
***