الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه الصلاحية الخاصة هي الذمة، وهي صفة شرعية يقدرها الشارع في محل دون محل، ويقضي بارتفاعها بعد ثبوتها في الميت ونحوه.
(سؤال)
قال النقشواني: الملك في العرف، والشرع
.
أما الأول: فيقولون: هذا ملك فلان؛ فيتصرف فيه، ويعللون عدم التصرف بعدم الملك؛ فيقولون: باع ما لم يملك، ويقولون: عقد صدر من أهله في محله؛ فيفيد الملك، ويقولون: تصرف صادف ملك الغير بغير إذنه؛ فلا ينفذ وعكسه.
ويقولون: ثبت ملكه؛ فحل له التصرف، وزال ملكه؛ فمنع، ومثاله لا يحصى في ألسنة العلماء، والمناظرين.
وأما الثاني: فلقوله تعالى: {إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك} [الأحزاب: 50]، وأمثال ذلك كثير في الكتاب والسنة.
وإذا عرفنا الشارع حل التصرف بملك اليمين، فلا بد أن يكون الملك مغايرا لجواز التصرف؛ ولأن الملك ثبت للمحجور، وليس له تصرف، وثبت التصرف بدون الملك كالإمام، والحاكم، والولي، والوكيل.
(تنبيه)
زاد سراج الدين فقال: لقائل أن يقول: لما فسرت الوجوب بتعلق الخطاب، وقد اعترفت أول الكتاب بحدوثه- افتقر إلى سبب حادث
، وكون الحكمة مؤثرة في الحكم لا ينافي كون الوصف مؤثرا لما قاله، [وكون] التقدير على وفق الواقع، وليس معناه أن [المقدر] يعطي حكمه لو كان موجودا، بل معناه أنه يعطي حكم مؤثر موجود.
قال التبريزي: الحكم الشرعي قد يرجع إلى معنى يقدر صفة للمحل، كالعصمة، والملك، والنجاسة، والطهارة، فإذا جوزنا التعليل بالحكم الشرعي دخل فيه هذا القبيل.
وأنكر جماعة التقدير في الشرع تصورا، فضلا عن التعليل به.
والممارس للشريعة والقواعد السمعية لا يقدر على دفع الحال، وعموم المعاني وكليتها، ويدل عليه أمور:
الأول: أنه لا سبيل إلى إنكار الرق، والحرية، والعصمة، والملك، والحقوق كحق الشفعة والخيار، ولا يمكن تفسيرها بنفس الأغراض والثمرات، ولا بالأسباب كالبيع والنكاح؛ إذ هي صفات المحل حقيقة، وأما الثمرات؛ فلأوجه ثلاثة:
الأول: أنها معللة بها؛ فيقال: مملوك؛ فيجوز الانتفاع به، ومعصوم؛ فيضمن، ونجس؛ فلا يجوز بيعه، وحر؛ فتقبل شهادته، وينفذ أمانه، وتنعقد به الجمعة.
الثاني: أن الثمرات قد تختلف، وتنتفي بالكلية مع بقاء الملك، كما في الجحش الصغير، والمطعوم، والمرهون، والعبد الآبق، والدرة الملقاة في البحر.
فإن قيل: غرضية الانتفاع حاصلة، والسبب قائم، فقد يكبر الجحش، وينفك الرهن، وتعود الدرة والعبد، كيف والجحش يباع والآبق يعتق؟:
قلنا: غرضية الانتفاع إما أن تكون هي الاستعداد، فلا وجود له في الجحش، والدرة، والمرهون والآبق أمر حقيقي، لا حكم شرعي.
وإن كانت عبارة عن توقع الانتفاع، فلينقل لفظ الانتفاع إلى الملك، فنقول: ليس بمملوك في الحال، وإنما يملك في ثاني الحال، ولا شك أن هذا خلف في موقع الغرض، ثم الفرضية متحققة في الخمر، وجلد الميتة، وفي الصيد قبل التعقل، وذرارى الكفار قبل الاستيلاء، وهو أقرب من توقع عود الدرة من البحر، ولا يطلق عليها اسم الملك، وأما صحة البيع ونفوذ العتق، فلا يجوز [تفسير] الملك بها؛ فإن الإجماع منعقد على توقف نفوذ البيع والعتق على الملك؛ فيتمانعان.
الوجه الثالث: أم الانتفاع بجهة التوسل لا يجوز أن يكون من مسمى الملك، والانتفاع بالعين قد يتوقف على الموصى له بمنافع الدار والدابة على وجه اللزوم في مدة بقاء المحل دون الورثة، والملك في الدار مضاف للورثة دون الموصى عليه.
وأما التفسير بالأسباب فلوجهين:
أحدهما: أن الملك معلل بتلك الأسباب، فيقال: ملك بالبيع، ملك بالهبة، ملك بالوصية.
الثاني: أن الأسباب ذواتها أمور حسية، واعتبارها إن رجع إلى مجرد ترتيب الآثار لم يكن أمرا ثالثا.
وإن رجع إلى أمر آخر، فنقول: هو أمر محصل أم لا؟ والثاني ليس بثابت، وإن كان محصلا، فليس حقيقيا، فليزم بالضرورة أن يكون شرعيا، فيكون مقدرا، ثم الاعتبار أمر مضاف، فما الذب اعتبر فيه السبب:
فإن كان نفس الثمرات، فقد بينا بطلانه طردا وعكسا.
أو أمر آخر، فهو الذي نعني بالملك، وليس بمحقق، فيلزم أن يكون مقدرا.
الأمر الثاني: هو أن المسلم فيه، والدين المؤجل، إما أن يكون شيئا مستحقا أو لا، فإن لم يكن فقد خرج عقد المعاوضة عن العوض، ثم يلزم ألا يصح الإبراء منه، ولا الاعتياض عنه، وهو خلاف الإجماع، أو شيئا مستحقا، فاستحقاقه إما أن يكون ثابتا في الحال، أو في المال، والثاني باطل لوجهين:
أحدهما: لزوم تعليق حكم المعاوضة.
الثاني: ألا ينفذ الإبراء عنه، أو يخرج على قولي الإبراء عما جرى سبب
ثبوته، ولم يثبت، ثم لا يجري فيما إذا قال: أبرأتك عما هو مستحق لي عليك، ثم لو فرض فالاستحقاق المتأخر يثبت حالة الحلول، أو حالة التسليم.
حالة التسليم باطل لوجهين:
أحدهما: أنها مجهولة، والسلم لا يقبل الأجل المجهول.
الثاني: أنه يلزم منه ألا يطالب بشيء قبل التسليم؛ فإنه ما استحق عليه شيء.
وأما حالة الحلول: فقد تخلو عن التسليم، فبأي شيء يتعلق الاستحقاق؟ ولا خلاف في أنه [لم] يثبت في عين من الأعيان [على الوجه الموصوف]، [فإن ثبت في الموصوف فهو المقدر، فإن قيل: الحكم هو وجوب تسليم عين من الأعيان على الوجه الموصوف].
قلنا: ما توجبون تسليمه هل يثبت استحقاقه أم لا؟ فإن لم يثبت لم يجب تسليمه؛ فأن تسليم ما ليس بمستحق ليس بواجب، وإن ثبت استحقاقه، فمتعلقه هو العين التي يقع فيها التسليم أم أمر أعم؟ الأول: باطل؛ لأنه مجهول حالة العقد؛ ولأنه لم يتناوله العقد بالإضافة، ولهذا كان يجوز له ألا [يسلمه] ذلك بعينه.
وإن كان أمرا أعم على ما هو المذكور عند العقد، فلا شك في أنه لم يثبت استحقاقه في شيء من الأعيان، وهو لا يقوم بنفسه، فيكون مقدرا، وإذا بطل تأخر الاستحقاق المتأخر، فيجب أن يتعلق بالموصوف المقدر، ثم الاستحقاق على هذا لا يمكن أن يكون إيجابا؛ فإنه لا يتعلق بالذوات بل بأفعال المكلفين، ثم لا خلاف في انتفائه، فيتعين أن يكون معنى شرعيا مقدرا، ولا بد للمستحق من محل يقوم به؛ فإنه لا يقوم بنفسه، وهو الذمة، وهو أيضا أمر مقدر عرفي قدره [الشرع].
والأمر الثالث: الأخبار، فمنها قوله- عليه السلام:(من ترك حقا أو مالا فلورثته)، الحديث أضاف الترك إلى الحق المقدر إضافته إلى المال المحقق، فيستدعي وجودا، وليس بمحقق؛ فيكون مقدرا، ولا يمكن حمل الترك- ها هنا- على عدم الفعل؛ فإن ترك بهذا التفسير ليس مجرد الإرث إجماعا كتمليك المباحات، وتطليق الزوجات، وإنشاء العقود.
وقوله عليه السلام: (من ملك ذا رحم محرم عتق عليه) فإنه يدل على أن الملك معنى مقدر؛ فإن جواز الانتفاع هو المحذور الذي شرع العتق لنفيه بإسقاط مبناه، ولم يترتب على شراء القريب أصلا بالإجماع، ومع جعله الملك شرط العتق.
وقوله عليه السلام: (النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته).
فإنه يدل على أن النكاح معنى يقوم بالمرأة على مثال قيام الرق بالعبد؛ إذ لا يمكن إطلاق الرق على العقد، ولا [على] الوطء وحله.
الرابع: الأحكام منها: اختلاف العلماء في أن الفسخ رقع للعقد من أصله أو حينه، ولا معنى للانتفاء [بينهما] إلا بتقدير أحدهما عند الآخر، ثم المرتفع هو العقد المحقق أو المقدر، لا سبيل إلى الأول، فإن ما وجد من المحقق لا يمكن أن يقال: ما وجد لا وجود له حقيقة في الدوام ليرتفع.
ومنها: اتفاقهم على تقدير النية عند انعقاد الصوم، واختلفوا في أن جهة تقدير بقاء المحققة استصحابا، أو فرض وجودها ابتداء عند الصوم؛ لينبني عليه إمكان التصحيح بنية من النهار.
ومنها تقدير المنافع حالة عقد الإجازة؛ ليرد عليها العقد؛ إذ لا بد من معوض يستحق قبالة الأجرة، إذ لا يمكن أن يكون حكمها ملك [العين]، ولا [بالاستعدادات]؛ لأنه ينافيه التأقيت، والانفساخ بعد التسليم، ولا جواز صرف إذا استوفيت إلى المستأجر، بل إلى مالك العين، كما في بدل الوطء بالشبهة.
ومنها: إجماعهم على تقدير ملك الأب في الجارية المملوكة للابن قبل العلوق أو مع الوطء؛ ليظهر أثره في نفي المهر أيضا.
ومنها: تقدير ملك الابن فيما يمهر عنه الأب، حتى لو عاد بفسخ، أو طلاق بعد الكبر عاد إلى ملك الأب.
ومنها: تقدير الملك في المعجل زكاة عن أربعين حتى تصور وقوعه زكاة، وقوله:(الخطاب قديم يستغنى في تعلقه عن توسط حادث)، فقد بينا أن ذلك التعلق غير كاف في تحقيق حكم الشرائع، وإنما يرجع إلى مجرد صلاحية الكلام القديم المتعلق بالأفعال الحادثة، فهو كتعلق القدرة القديمة بسائر الممكنات في الأزل، وذلك غير كاف في وقوع الحوادث، بل لا بد من تعلق أخص من ذلك في تنجز الأحكام الشرعية، ولهذا انتظم أن نقول: لا حكم للأفعال قيل ورود الشرع، وأن تحريم الخمر حكم حادث، لا بد له من سبب حادث ونحو ذلك، ثم إذا حصرنا الأحكام الشرعية في التكاليف، فلو زوج الجد أحد حفيديه بالآخر، فما حكم هذا العقد؟ والصبي ليس أهلا لتعلق الخطاب بفعله، ولا يتعلق بالولي غير وجوب النفقة، وربما لا تجب النفقة في مثل هذا النكاح، ثم إن لم نفرض سابقة استحقاق على
الصبي في ماله كيف نتصور ابتداء إيجاب إخراج مال الصبي على الولي؟ فإذا لا حكم لهذا العقد في الحال، والنكاح لا يقبل التعليق لينعقد مفيدا لجواز الوطء بعد البلوغ، ثم يلزم منه ألا يتوارثا قبل البلوغ، وألا تحرم الصغيرة على أب الصغير إذا مات قبل نفوذ النكاح.
فإن قيل: ما أثبتموه من المعاني المقدرة إن كانت نفيا محضا، فليست بشيء.
أو ثبوتيا، فهل هو معلوم محقق أو متخيل موهوم؟
فإن كان الأول: فقد تجدد في المحل صفة حقيقة معقولة، وهو معلوم البطلان بالضرورة.
وإن كان الثاني: فو وهم كاذب، وفتح هذا يؤدي إلى التشكيك في الضروريات.
قلنا: المقدر ينقسم إلى: ما سبق العلم به قبل التقدير، وما لم يسبق العلم به.
والذي يسبق العلم به ينقسم إلى: ما يحس به، وما لا يحس به.
والأول ينقسم إلى: الأجسام، والأعراض.
أم الأجسام: فكالمبيع المقدر بقاؤه بعد تلفه قبل القبض، والنصاب المقدر بقاؤه بعد الإتلاف عند الحنفي.
[وأما] الأعراض: فكالأقوال، وعقود التصرفات، والنية المستصحبة في العبادات.
فأما ما لا يحس، فينقسم إلى: معقول، ومشروع.
فالمعقول: كالحياة المقدرة في النطفة، والموت المقدر في المرتد.
والمشروع: كتقدير بقاء الملك في معجل الزكاة، فهو تقدير مقدر في
نفسه، وتقدير الدراهم دينا هل هو تصور حقائقها لتعلق الاستحقاق بها؛ فيكون من المعقول؟ أو تقدير أعيانها؛ فيكون من المحسوس؟ فيه خلاف، وأما ما لم يسبق العلم به قبل التقدير، فكثبوت الملك، والاستحقاق، والتخصيصات، وسائر أحكام الشرع من الطهارة، والنجاسة، والزوجية، والعصمة، والمقصود أن ما يرجع إلى ما سبق العلم به، فحاصل تقديره يرجع إلى تصوير حقيقته حال عدمه في بناء أحكامه عليه، وليس ذلك وهما كاذبا، فإن الوهم هو الذي يغالط فيه قوة الوهم قوة العقل مع شعوره بعدمها لا الوهم، وصور المعقولات لا ينكر خطورها للنفس، ولكن قد تقتضي المحبة أو التعظيم تأثر النفس بتصورها حسب تأثيرها بتحققها، فكذلك في الشرع مثلا خلوص النية حال تحققها يشعر بالاستمرار، والتجديد في كل لحظة، لولا العجز البشري والغفلة المستولية، فراعي الشارع ذلك الإخلاص في مقتضاه بتصويره على الدوام، حتى يرتب عليه حكمه، ويتصل بمقصوده.
وأما ما يرجع إلى ما لم يسبق العلم به قبله، فهو إثبات حالة مضاهية في العقل للعالمية والقادرية، وكون الجوهر متحيزا، وفي العرف يضاهي الجهة والعظمة، والوقار، والمهانة، والحقارة، ولا شك أن لها أسبابا وآثارا، وهي وسائط بين الآثار والأسباب، وليست عين السبب، ولا عين الأثر، والمنكر للمعاني إذا نظر في مناظر العقل بعين الإمكان، بنبغي أن يطالب بتطبيقها على [الأحوال التي هي أحكام المعاني، لا] نفس المعاني؛ فإن ذلك صول، بل إذا أرسلنا طلاب الحقاق في مجاري ضيق العبارة، قلنا لهم: ما معني التعلق الذي جعلتموه جزء ماهية الحكم؟
أهو ثبوتي زائد على نفس الفعل والخطاب أم لا؟
فإن كان، فهل له تعلق بهما أو بأحدهما؟
فإن لم يكن، فليس بمؤثر فيهما.
وإن كان، فهو إذا صفة حقيقة ثابتة للفعل من الخطاب، أو الخطاب من الفعل، أولهما، وإن لم يكن ثبوتيا، فهو وهم كاذب.
قلت: التعلق من باب النسب والإضافات التي لا وجود لها في الأعيان، وهو حكم ثابت قطعا، كالحكم بالبنوة والأبوة، والتقدم والتأخر في بعض الحقائق، وإن كانت نسبة عدمية.
وقوله قبل: (هذا الكلام متعلق بالقوة كالقدرة) لا يصح، بل بالفعل كالعلم، وكما يخيل العقل ف الأزل علما بلا معلوم، يخيل أمرا بلا مأمور، ونهيا بلا منهي.
وكما أن تعلق العلم في الأزل فعلي، فكذلك أنواع الكلام، وقد تقدم تقريره.
***