الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر قدوم وفد هوازن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسلامهم وردّ السبايا إليهم
قال: وقدم وفد هوازن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أربعة عشر رجلا، ورأسهم زهير بن صرد، وفيهم أبو برقان عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، فسألوه أن يمنّ عليهم بالسّبى.
قال ابن إسحاق بسنده إلى عبد الله بن عمرو: إنّ وفد هوازن وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسلموا، فقالوا: يا رسول الله، إنّا أصل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك، فامنن علينا.
قال: وقام رجل من هوازن، أحد بنى سعد بن بكر يقال له: زهير، يكنى بأبى صرد، فقال: يا رسول الله، إنما فى الحظائر «1» عمّاتك وخالاتك وحواضنك اللّاتى كنّ معك يكفلنك، ولو أنا ملحنا «2» للحارث بن أبى شمر أو للنعمان بن المنذر ثم نزل منا بمثل الذى نزلت به، رجونا عطفه وعائدته علينا، وأنت خير المكفولين.
وحكى أبو عمر بن عبد البرّ أن أبا صرد زهير بن صرد أنشد عند ذلك:
امنن علينا رسول الله فى كرم
…
فإنّك المرء نرجوه وننتظر «3»
امنن على بيضة قد عاقها قدر
…
ممزّق شملها، فى دهرها غير «4»
يا خير طفل ومولود ومنتجب
…
فى العالمين إذا ما حصّل البشر
إن لم تداركهم نعماء تنشرها
…
يا أرجح الناس حلما حين يختبر
فامنن على نسوة قد كنت ترضعها
…
إذ فوك يملؤه من محضها درر
إذ كنت طفلا صغيرا كنت ترضعها
…
وإذ يزينك ما تأتى وما تذر
لا تجعلّنا كمن شالت نعامته «1»
…
واستبق منّا فإنّا معشر زهر
يا خير من مرحت كمت الجياد به
…
عند الهياج إذا ما استوقد الشرر
إنا لنشكر آلاء وإن كفرت
…
وعندنا بعد هذا اليوم مدّخر
إنّا نؤمّل عفوا منك تلبسه
…
هذى البريّة إذ تعفو وتنتصر
فاغفر عفا الله عما أنت واهبه
…
يوم القيامة إذ يهدى لك الظّفر
قال ابن إسحاق: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبناؤكم ونساؤكم أحبّ إليكم أم أموالكم» ؟ فقالوا: يا رسول الله، خيّرتنا بين أموالنا وأحسابنا، فردّ إلينا أبناءنا ونساءنا فهو أحبّ إلينا؛ فقال لهم:«أمّا ما كان لى ولبنى عبد المطلب فهو لكم، وإذا أنا صلّيت الظهر فقوموا فقولوا: إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله فى أبناءنا ونسائنا؛ فسأعطيكم عند ذلك وأسأل لكم» ، ففعلوا ما أمرهم به؛ فقال:«أمّا ما كان لى ولبنى عبد المطّلب فهو لكم» ، وقال المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وقالت الأنصار مثل ذلك؛ فقال الأقرع بن حابس: أمّا أنا وبنو تميم فلا، وقال عيينة بن حصن: أمّا أنا وبنو فزارة فلا، وقال عباس بن مرداس: أمّا أنا وبنو سليم فلا، فقالت بنو سليم: بلى، ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: يقول عباس لبنى سليم: وهّنتمونى «2» ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إنّ هؤلاء القوم جاءوا مسلمين، وقد كنت استأنيت بسببهم، وخيّرتهم فلم يعدلوا بالأبناء والنساء شيئا، فمن كان عنده منهم شىء فطابت نفسه أن يردّه فسبيل ذلك، ومن أبى فليردّ عليهم، وليكن ذلك قرضا علينا، فله بكل إنسان ستّ فرائض من أوّل ما يفىء الله علينا» قالوا: رضينا وسلّمنا، فردّوا عليهم نساءهم وأبناءهم، ولم يتخلّف منهم أحد غير عيينة بن حصن، فإنّه أبى أن يردّ عجوزا صارت فى يده منهم، ثم ردّها بعد ذلك.
وقد حكى محمد بن إسحاق سبب تمسّك عيينة بها وردّها، قال: فقال حين أخذها: أرى عجوزا إنى لأحسب لها فى الحىّ نسبا، وعسى أن يعظم فداؤها؛ فلما ردّ الناس السّبايا بستّ فرائض أبى أن يردّها، فقال له زهير بن صرد: خذها عنك، فو الله ما فوها ببارد، ولا ثديها بناهد، ولا بطنها بوالد، ولا زوجها بواجد ولا درّها بماكد «1» ؛ فردّها بستّ فرائض حين قال له زهير ما قال. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كسا السبى قبطيّة قبطيّة، والقباطى: ثياب بيض تتّخذ من الكتّان بمصر.
وحكى محمد بن سعد فى طبقاته الكبرى فى ترجمة عيينة بن حصن فى هذه القصة قال: لمّا قدم وفد هوازن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وردّ عليهم السبى، كان عيينة قد أخذ رأسها منهم، فنظر إلى عجوز كبيرة فقال: هذه أمّ الحىّ، لعلّهم أن يغلوا بفدائها، وعسى أن يكون لها فى الحىّ نسب. فجاء ابنها إلى عيينة فقال:
هل لك فى مائة من الإبل؟ قال: لا، فرجع عنه، فتركه ساعة، وجعلت العجوز تقول لابنها: ما إربك فىّ بعد مائة ناقة، اتركه فما أسرع ما يتركنى بغير فداء؛
فلما سمعها عيينة قال: ما رأيت كاليوم خدعة، والله ما أنا من هذه إلا فى غرور؛ ولا جرم والله لأبعدنّ أثرك منّى؛ قال: ثم مرّ به ابنها فقال له عيينة: هل لك فيما دعوتنى إليه؟ فقال: لا أزيدك على خمسين؛ فقال عيينة: لا أفعل؛ ثم لبث ساعة، فمرّ به وهو معرض عنه، فقال له عيينة: هل لك فى الذى بذلت لى؟، قال له الفتى: لا أزيدك على خمس وعشرين فريضة؛ قال عيينة: والله لا أفعل، فلما تخوّف عيينة أن يتفرق الناس ويرتحلوا قال: هل لك إلى ما دعوتنى إليه إن شئت؟: فقال الفتى: هل لك إلى عشر فرائض؟ قال: لا أفعل؛ فلما رحل الناس ناداه عيينة: هل لك إلى ما دعوتنى إليه إن شئت؟ قال الفتى: أرسلها وأحمدك، قال: لا والله ما لى حاجة بحمدك؛ فأقبل عيينة على نفسه لائما لها ويقول: ما رأيت كاليوم أمر أنكد، قال الفتى: أنت صنعت هذا بنفسك، عمدت إلى عجوز كبيرة، والله ما ثديها بناهد، ولا بطنها بوالد، ولا فوها ببارد ولا صاحبها بواجد، فأخذتها من بين من ترى؛ فقال له عيينة: خذها لا بارك الله لك فيها؛ قال: فيقول الفتى: يا عيينة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كسا السبى فأخطأها من بينهم الكسوة، فهل أنت كاسيها ثوبا؟ قال: لا، والله ما لها ذاك عندى، قال: لا تفعل؛ فما فارقه حتى أخذ منه سمل ثوب، ثم ولّى الفتى وهو يقول: إنك لغير بصير بالفرض، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كسا السبى قبطيّة قبطية، والقباطى: ثياب بيض تتّخذ من الكنّان بمصر.
قال محمد بن إسحاق: وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد هوازن عن مالك بن عوف ما فعل؟ فقالوا: هو بالطائف مع ثقيف؛ فقال: «أخبروا مالكا إن هو أتانى مسلما رددت إليه أهله وماله، وأعطيته مائة من الإبل» ، فأخبر بذلك،