المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ونزول سورة الفتح - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ١٧

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء السابع عشر

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌[تتمة الباب الأول من القسم الخامس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله]

- ‌ذكر غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر أوّل لواء عقده صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر سرية عبيدة بن الحارث بن المطّلب إلى بطن رابغ

- ‌ذكر سريّة سعد بن أبى وقّاص إلى الخرّار

- ‌ذكر غزوة الأبواء

- ‌ذكر غزوة بواط

- ‌ذكر غزوة بدر الأولى

- ‌ذكر غزوة ذى العشيرة

- ‌ذكر سرّية عبد الله بن جحش الأسدى إلى نخلة

- ‌ذكر غزوة بدر الكبرى

- ‌ذكر رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب وخروج قريش إلى بدر

- ‌ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين إلى بدر

- ‌ذكر تسمية من شهد بدرا من المهاجرين والأنصار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر تسمية من استشهد من المسلمين فى غزاة بدر

- ‌ذكر تسمية من قتل من المشركين فى غزوة بدر

- ‌ذكر تسمية من أسر من المشركين فى غزوة بدر

- ‌ذكر خبر أسارى بدر وما كان من فدائهم، ومن منّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأطلقه منهم) ، ومن أسلم بسبب ذلك

- ‌ذكر خبر أبى سفيان فى أسر ابنه عمرو بن أبى سفيان وإطلاقه

- ‌ذكر خبر أبى العاص بن الربيع فى فدائه

- ‌ذكر خبر الوليد بن الوليد بن المغيرة

- ‌ذكر من منّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسارى بدر وأطلقه بغير فداء

- ‌ذكر سرية عمير بن عدىّ بن خرشة الخطمىّ إلى عصماء بنت مروان من بنى أميّة بن زيد

- ‌ذكر سريّة سالم بن عمير العمرىّ إلى أبى عفك اليهودىّ

- ‌ذكر غزوة بنى قينقاع

- ‌ذكر غزوة السّويق

- ‌ذكر غزوة قرقرة الكدر ويقال قرارة الكدر وهى غزوة بنى سليم

- ‌ذكر مقتل كعب بن الأشرف اليهودىّ وخبر سريّته

- ‌ذكر غزوة بنى سليم بجران

- ‌ذكر سريّة زيد بن حارثة إلى القردة

- ‌ذكر غزوة أحد

- ‌ذكر تسمية من قتل من المشركين يوم أحد

- ‌ذكر غزوة حمراء الأسد

- ‌ذكر سريّة أبى سلمة بن عبد الأسد المخزومى

- ‌ذكر سريّة عبد الله بن أنيس إلى سفيان بن خالد الهذلى

- ‌ذكر سرية المنذر بن عمرو السّاعدى إلى بئر معونة

- ‌ذكر سريّة مرثد بن أبى مرثد الغنوى إلى الرّجيع

- ‌ذكر غزوة بنى النّضير

- ‌ذكر قصة برصيصا

- ‌ذكر غزوة بدر الموعد

- ‌ذكر خبر جابر بن عبد الله فى جمله، واستغفار النبىّ صلى الله عليه وسلم لأبيه

- ‌ذكر غزوة دومة الجندل

- ‌ذكر غزوات الخندق، وهى غزوة الأحزاب

- ‌ذكر تسمية من استشهد من المسلمين فى غزوة الخندق ومن قتل من المشركين

- ‌ذكر ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن فى غزوة الخندق وما ورد فى تفسير ذلك

- ‌ذكر غزوة بنى قريظة

- ‌ذكر نزول بنى قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسؤال الأوس فيهم؛ وتحكيم سعد بن معاذ وحكمه فيهم بحكم الله تعالى وقتلهم

- ‌ذكر سرية عبد الله بن عتيك إلى أبى رافع سلّام ابن أبى الحقيق النضرىّ بخيبر

- ‌ذكر سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء، وهم بنو قرط وقريط من بنى كلاب

- ‌ذكر غزوة بنى لحيان بناحية عسفان

- ‌ذكر سرية محمد بن مسلمة إلى بنى ثعلبة بذى القصّة

- ‌ذكر سرية أبى عبيدة بن الجرّاح إلى ذى القصّة

- ‌ذكر سرية زيد بن حارثة إلى بنى سليم بالجموم

- ‌ذكر سرية زيد بن حارثة إلى العيص لعير قريش

- ‌ذكر سرية زيد بن حارثة إلى الطّرف إلى بنى ثعلبة

- ‌ذكر سرية زيد بن حارثة إلى حسمى، وهى وراء وادى القرى

- ‌ذكر سرية على بن أبى طالب رضى الله عنه إلى بنى سعد بن بكر بفدك

- ‌ذكر سريّة زيد بن حارثة إلى وادى القرى وقتل أم قرفة

- ‌ذكر سريّة كرز بن جابر الفهرى إلى العرنيّين

- ‌ذكر سرية عمرو بن أمية الضّمرىّ وسلمة بن أسلم إلى أبى سفيان بن حرب بمكة

- ‌ذكر بيعة الرّضوان

- ‌ذكر هدنة قريش وما وقع فيها من الشروط

- ‌ذكر رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ونزول سورة الفتح

- ‌ذكر خبر أبى بصير ومن لحق به وانضم إليه

- ‌ذكر غزوة خيبر وفتحها وما يتصل بذلك

- ‌ذكر تسمية من استشهد من المسلمين فى غزوة خيبر

- ‌ذكر قسم غنائم خيبر

- ‌ذكر تسمية من قسم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتيبة التى خرجت للخمس وما أعطاهم منها

- ‌ذكر خبر الحجاج بن علاط وما أوصله إلى أهل مكة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استوفى أمواله

- ‌ذكر انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خيبر إلى وادى القرى، ونومهم عن صلاة الصبح

- ‌ذكر سريّة عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى تربة

- ‌ذكر سرية أبى بكر الصديق رضى الله عنه إلى بنى كلاب بنجد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شعبان سنة سبع من مهاجره

- ‌ذكر سريّة بشير بن سعد الأنصارى إلى فدك

- ‌ذكر سريّة غالب بن عبد الله الليثى إلى الميفعة

- ‌ذكر سريّة ابن أبى العوجاء السّلمىّ إلى بنى سليم

- ‌ذكر سريّة غالب بن عبد الله الليثىّ إلى بنى الملوح بالكديد

- ‌ذكر سريّة غالب بن عبد الله الّليثى أيضا إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك

- ‌ذكر سريّة شجاع بن وهب الأسدىّ إلى بنى عامر بالسّىّ

- ‌ذكر سريّة كعب بن عمير الغفارىّ إلى ذات أطلاح

- ‌ذكر سريّة مؤتة

- ‌ذكر تسمية من استشهد من المسلمين يوم مؤتة

- ‌ذكر سريّة عمرو بن العاص إلى ذات السّلاسل

- ‌ذكر سريّة أبى عبيدة بن الجرّاح، وهى سريّة الخبط

- ‌ذكر سريّة أبى قتادة بن ربعىّ الأنصارىّ إلى خضرة وهى أرض محارب بنجد

- ‌ذكر سريّة أبى قتادة بن ربعىّ الأنصارىّ إلى بطن إضم

- ‌ذكر غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح والسبب الّذى أوجب نقض العهد وفسخ الهدنة

- ‌ذكر خبر حاطب بن أبى بلتعة فى كتابه إلى أهل مكّة، وإعلام الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وسلم بذلك، وأخذه الكتاب، وما أنزل الله عز وجل فى ذلك من القرآن

- ‌ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكّة، ومن جاءه فى طريقه قبل دخوله مكّة

- ‌ذكر مجىء العبّاس بأبى سفيان بن حرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإسلام أبى سفيان، وخبر الفتح

- ‌ذكر دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكّة شرّفها الله تعالى صلحا، ودخول خالد بن الوليد ومن معه من القبائل عنوة

- ‌ذكر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلهم يوم فتح مكّة وسبب ذلك، ومن قتل منهم، ومن نجا بإسلامه

- ‌ذكر إسلام أبى قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كعب

- ‌ذكر دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، وطوافه بالبيت ودخوله الكعبة، وما فعل بالأصنام

- ‌ذكر سريّة خالد بن الوليد إلى العزّى وهدمها

- ‌ذكر سريّة عمرو بن العاص إلى سواع وكسره

- ‌ذكر سريّة سعد بن زيد الأشهلىّ إلى مناة

- ‌ذكر سريّة خالد بن الوليد إلى بنى جذيمة بن عامر ابن عبد مناة بن كنانة، وهو يوم الغميصاء

- ‌ذكر غزوة حنين، وهى إلى هوازن وثقيف

- ‌ذكر سرية الطّفيل بن عمرو الدّوسىّ إلى ذى الكفّين

- ‌ذكر غزوة الطائف

- ‌ذكر مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجعرانة وقسم مغانم حنين، وما أعطاه المؤلّفة

- ‌ذكر قدوم وفد هوازن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسلامهم وردّ السبايا إليهم

- ‌ذكر تسمية من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش وغيرها عند قسم مغانم حنين

- ‌ذكر مقالة الأنصار فى أمر قسم الفىء، وما أجابهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضّاهم به

- ‌ذكر استخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم عتّاب بن أسيد على مكّة ورجوعه إلى المدينة

- ‌ذكر سريّة عيينة بن حصن الفزارىّ إلى بنى تميم

- ‌ذكر خبر الوليد بن عقبة بن أبى معيط مع بنى المصطلق

- ‌ذكر سريّة قطبة بن عامر بن حديدة إلى خثعم

- ‌ذكر سريّة الضحّاك بن سفيان الكلابىّ إلى بنى كلاب كانت فى شهر ربيع الأوّل سنة تسع من الهجرة

- ‌ذكر سريّة علقمة بن مجزّز المدلجىّ إلى الحبشة

- ‌ذكر سريّة علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه إلى الفلس صنم طيئ

- ‌ذكر سريّة عكّاشة بن محصن الأسدى إلى الجناب

- ‌ذكر غزوة تبوك

- ‌ذكر سريّة خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك

- ‌ذكر خبر مرور رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر وما قاله لأصحابه

- ‌ذكر أخبار المنافقين وما تكلّموا به فى غزوة تبوك وما أنزل الله عز وجل فيهم من القرآن

- ‌ذكر خبر الثلاثة الذين خلّفوا، وما أنزل فيهم وفى المعذّرين من الأعراب

- ‌ذكر سريّة خالد بن الوليد إلى بنى عبد المدان بنجران

- ‌ذكر سريّة على بن أبى طالب رضى الله عنه إلى اليمن

- ‌ذكر حجّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره

- ‌ذكر الخطبة التى خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌وأمّا عمره صلى الله عليه وسلم

- ‌وأمّا عمرة القضاء

- ‌[صورة ما جاء فى آخر هذا الجزء بنسخة ا]

- ‌[صورة ما جاء فى آخر هذا الجزء أيضا بنسخة ج]

- ‌فهرس المراجع

- ‌استدراك

الفصل: ‌ذكر رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ونزول سورة الفتح

‌ذكر رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ونزول سورة الفتح

قال الزّهرى: وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهه ذلك قافلا حتى كان بين مكّة والمدينة نزلت سورة الفتح: (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) .

روى قتادة، عن أنس قال: لما رجعنا من غزوة الحديبية قد حيل بيننا وبين نسكنا، فنحن بين الحزن والكآبة، فأنزل الله عز وجل:(إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)

الآية كلها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لقد أنزلت علىّ آية هى أحبّ إلىّ من الدنيا كلها) . وعن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير فى بعض أسفاره، وعمر بن الخطاب رضى الله عنه يسير معه ليلا، فسأله [عمر «1» ] عن شىء فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، قال عمر رضى الله عنه: فحركت بعيرى حتى تقدمت أمام الناس، وخشيت أن يكون نزل فىّ قرآن، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه، فقال:«لقد أنزلت علىّ الليلة آية لهى «2» أحب إلىّ مما طلعت عليه الشمس» . ثم قرأ: (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ)

. وقد اختلف فى الفتح، ما هو؟ فقال قتادة عن أنس:

فتح مكة، وقال مجاهد والعوفىّ: فتح خيبر، وقال آخرون: فتح الحديبية، ويدل عليه ما روى عن مجمّع بن جارية الأنصارى،- وكان أحد القراء الذين قرءوا القرآن- قال: شهدنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرفنا عنها إذا الناس يهزّون «3» الأباعر، فقال بعض الناس لبعض: ما بال الناس؟ قالوا: أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فخرجنا نوجف «4» ، فوجدنا النبى صلّى الله عليه وسلّم

ص: 234

واقفا على راحلته عند كراع الغميم «1» ، فلما اجتمع إليه الناس قرأ:(إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)

فقال عمر: أو فتح هو يا رسول الله؟ قال: «نعم، والذى نفسى بيده إنه لفتح» . وقال الشعبىّ رحمه الله: فتح الحديبية، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، واطعموا نخل خيبر، وبلغ «2» الهدى محلّه، وظهرت الروم على فارس، وفرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس. وقال مقاتل بن حيّان: يسّرنا لك يسرا بيّنا.

وقال مقاتل بن سليمان: لما نزل قوله تعالى: (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ)

فرح بذلك المشركون والمنافقون وقالوا: كيف نتبع رجلا لا يدرى ما يفعل به وبأصحابه، ما أمرنا وأمره إلا واحد؛ فأنزل الله عز وجل بعد ما رجع من الحديبية:

(إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)

أى قضينا لك قضاء بينا (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ)

فنسخت هذه الآية تلك. قال سفيان الثورى: (ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ)

ما عملت فى الجاهلية (وَما تَأَخَّرَ)

كل شىء لم يعمله. وقال عطاء بن أبى مسلم الخراسانى: (ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ)

يعنى ذنب أبويك آدم وحواء ببركتك (وَما تَأَخَّرَ)

ذنوب أمتك بدعوتك. وقال الزيادىّ: أى لو كان لك ذنب قديم أو حديث لغفرناه. (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) *

أى بالنبوة والحكمة (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً

أى ويثبتك عليه، وقيل: يهدى بك، (وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً)

غالبا، وقيل: معزّا.

قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ)

، قال الثعلبىّ: أى الرحمة والطمأنينة. قال ابن عباس رضى الله عنهما:

بعث الله عز وجل نبيّه عليه السلام بشهادة أن لا إله إلا الله، فلما صدّقوه زادهم

ص: 235

الصلاة، [فلما صدّقوه «1» زادهم الزكاة] ، الصيام، فلما صدّقوه زادهم الحجّ، ثم زادهم الجهاد، ثم أكمل لهم دينهم، فذلك قوله عز وجل:(لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ)

أى تصديقا بشرائع الإيمان مع تصديقهم بالإيمان. وقال الضحّاك: يقينا مع يقينهم. وقال الكلبى: هذا فى أمر الحديبية. وروى عن أنس بن مالك رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قرأ على الناس قوله: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ)

قالوا: هنيئا مريئا يا رسول الله، قد بين الله ما يفعل بك، فما يفعل بنا؟ فأنزل الله تعالى:(لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً)

ثم قال تعالى (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ)

إن لم ينصر محمد والمؤمنون (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) *

بالذلّ والعذاب (وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً)

إلى قوله: (وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)

ثم ذكر الله تعالى قصة البيعة، وقد تقدّمت.

ثم قال تعالى: (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً)

قال ابن عباس ومجاهد: يعنى أعراب غفار ومزينة وجهينة وأشجع وأسلم والدّيل، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمرا استنفر من حول المدينة من الأعراب وأهل البوادى، ليخرجوا معه حذرا من قريش

ص: 236

أن يعرضوا له بحرب أو يصدّوه عن البيت، وأحرم هو صلى الله عليه وسلم بالعمرة وساق معه الهدى، ليعلم الناس أنه لا يريد حربا، فتثاقل عنه كثير من الأعراب وقالوا: نذهب معه إلى قوم قد جاءوه فقتلوا أصحابه فنقاتلهم؟ فتخلفوا عنه واعتلوا بالشغل، فأنزل الله تعالى:(سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ)

، الآية. أى إذا انصرفت إليهم فعاتبتهم على التخلف عنك (شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا)

ثم كذبهم فى اعتذارهم واستغفارهم، وأخبر عن إسرارهم وإضمارهم، فقال:«يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم» .

قوله تعالى: (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً)

وذلك أنهم قالوا:

إن محمدا وأصحابه أكلة رأس، فلا يرجعون، فأين تذهبون؟ انتظروا ما يكون من أمرهم. (وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً)

أى هالكين فاسدين، لا تصلحون لشىء من الخير. قال تعالى:(وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً) .

قوله تعالى: (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا)

قال: (الْمُخَلَّفُونَ) *

أى عن الحديبية إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ)

يعنى غنائم خيبر (ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ)

أى إلى خيبر، فنشهد معكم قتال أهلها (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ)

معناه يريدون أن يغيّروا وعد الله الذى وعد أهل الحديبية، وذلك أن الله تعالى جعل لهم غنائم خيبر عوضا عن غنائم أهل مكة، إذا «1» انصرفوا عنها عن صلح ولم يصيبوا منها شيئا. وقال ابن زيد:

ص: 237

هو قوله عز وجل: (فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا)

قال: والأول أصوب، لأن قوله تعالى:(لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً)

نزلت فى غزوة تبوك. قال: (كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ)

أى من قبل مرجعنا إليكم: إن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ليس لغيرهم فيها نصيب: (فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا)

أى أن نصيب معكم من الغنائم.

قوله تعالى: (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ)

، قال ابن عباس وعطاء بن أبى رباح وعطاء الخراسانىّ وعبد الرحمن بن أبى ليلى ومجاهد: هم فارس. وقال كعب الأحبار: الروم.

وقال الحسن: فارس والروم. وقال عكرمة: هوازن. وقال سعيد بن جيبر:

هوازن وثقيف. وقال قتادة: هوازن وغطفان يوم حنين. وقال الزهرىّ ومقاتل:

بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة الكذاب. وقال رافع بن خديج: والله لقد كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى: (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ)

ولا نعلم من هم حتى دعا أبو بكر رضى الله عنه إلى قتال بنى حنيفة فعلمنا أنهم هم.

قوله تعالى: (فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً)

قال ابن عباس رضى الله عنهما: لما نزلت هذه الآية قال أهل الزّمانة: «1» فكيف بنا يا رسول الله؟ فأنزل الله عز وجل: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) *

يعنى عن التخلف عن الجهاد والقعود عن الغزو (وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) *

يعنى فى ذلك (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً) .

ص: 238

ثم أخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم برضاه عن أهل بيعة الرضوان، فقال تعالى:(لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)

، وقد تقدّم ذكر ذلك آنفا. ثم قال تعالى:(وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها)

. وهى الفتوح التى تفتح لهم إلى يوم القيامة (فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ)

يعنى خيبر. وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى عند ذكرنا لغزوة خيبر. ثم قال تعالى: (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً)

قال: معناه «1» ووعدكم الله بفتح بلدة أخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها لكم حتى يفتحها عليكم. واختلفوا فيها، فقال ابن عباس وعبد الرحمن بن أبى ليلى والحسن ومقاتل: هى فارس والروم، وقال الضحاك وابن زيد وابن إسحاق: هى خيبر، وعدها الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم قبل أن يصيبها، ولم يكونوا يذكرونها ولا يرجونها حتى أخبرهم الله بها. وهى رواية عطية وباذان عن ابن عباس. وقال قتادة: هى مكة. وقال مجاهد: ما فتحوا حتى اليوم.

قوله تعالى: (وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً)

، قال: يعنى أسدا وغطفان وأهل خيبر. وقال قتادة: يعنى كفار قريش، (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) .

وقوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً)

؛ واختلفوا فى هؤلاء، فقال أنس: إن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من جبل التنعيم «2» عند صلاة الفجر عام الحديبية ليقتلوهم، فأخذهم

ص: 239

رسول الله صلى الله عليه وسلم سلما «1» فأعتقهم، فأنزل الله عز وجل الآية. وقال عكرمة عن ابن عباس: إن قريشا كانوا بعثوا أربعين رجلا منهم أو خمسين، وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقد قدمنا ذكرهم.

وقال عبد الله بن مغفل: كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم بالحديبية فى أصل الشجرة، وعلى ظهره غصن من أغصان تلك الشجرة، فرفعته عن ظهره، وعلى بن أبى طالب رضى الله عنه بين يديه يكتب كتاب الصلح وسهيل بن عمرو، فخرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح، فثاروا فى وجوهنا، فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الله بأبصارهم، فقمنا إليهم فأخذناهم، فخلى عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل الآية. وقيل: غير ذلك. والله تعالى أعلم.

ثم قال تعالى: (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ)

الآية. وهى قصة الحديبية وقد تقدم شرحها. وقوله تعالى:

(وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً)

، قال: قوله: (أَنْ تَطَؤُهُمْ)

أى تقتلوهم (فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ)

، قال ابن زيد: إثم. وقال ابن إسحاق: غرم الدّية. وقيل: الكفارة، لأن الله عز وجل إنما أوجب على قاتل المؤمن فى دار الحرب إذا لم يكن هاجر منها ولم يعلم قاتله إيمانه الكفارة دون الدية. وقيل: هو أن المشركين يعيبونكم ويقولون: قتلوا أهل دينهم. والمعرّة المشقة، وأصلها من العرّ وهو الجرب. قال: فلولا ذلك لأذن لكم فى دخول مكة، ولكنه حال بينكم وبين ذلك. (لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ)

ص: 240

أى فى دين الإسلام «من يشاء» من أهل مكة قبل أن تدخلوها. قال: وقال بعض العلماء: قوله «لعذّبنا» جواب لكلامين أحدهما (وَلَوْلا رِجالٌ)

والثانى (لَوْ تَزَيَّلُوا)

أى تميّزوا. وقال قتادة فى قوله: (لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ)

أى أن الله يدفع بالمؤمنين عن الكفار كما دفع بالمستضعفين من المؤمنين عن مشركى مكة.

وعن على بن أبى طالب رضى الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل: (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً)

قال:

«هم المشركون من أجداد رسول الله صلى الله عليه وسلم وممن كان بعدهم فى عصره، كان فى أصلابهم المؤمنون، فلو تزيل المؤمنون عن أصلاب الكافرين لعذب الله الكافرين عذابا أليما» .

قوله تعالى: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ)

، قال ابن إسحاق: يعنى سهيل بن عمرو حين حمى «1» أن تكتب بسم الله الرحمن الرحيم.

وأن محمدا رسول الله. (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)

، قال: كلمة التقوى يعنى الإخلاص؛ وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فى قوله تعالى:

(وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى)

: «لا إله إلا الله» . وهو قول ابن عباس وعمرو بن ميمون ومجاهد وقتادة والضحاك وسلمة بن كهيل وعبيد بن عمير وعكرمة وطلحة بن مصرّف والربيع والسدّىّ وابن زيد. وقال عطاء الخراسانىّ: هى لا إله إلا الله محمد رسول الله.

وعن علىّ رضى الله عنه قال: كلمة التقوى: لا إله إلا الله والله أكبر، وهو قول ابن عمر. وقال عطاء بن أبى رباح: هى لا إله إلا الله وحده لا شريك له،

ص: 241

له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير. وعن الزهرىّ: كلمة التقوى هى بسم الله الرحمن الرحيم.

قوله تعالى: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً)

، قال: الرؤيا التى أراها إياه فى مخرجه إلى الحديبية أنه يدخل هو وأصحابه المسجد الحرام. قوله: (فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا)

أى أن الصلاح كان فى الصلح. (فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً)

قيل: صلح الحديبية.

ثم قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً)

أى أنك نبىّ صادق فيما تخبر.

ثم وصف تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)

. قال الثعلبىّ رحمه الله تعالى: قوله: «محمّد رسول الله» تم الكلام هاهنا، يعنى الكلام الأوّل، ثم قال مبتدئا:(وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ)

أى غلاظ لا تأخذهم فيهم رأفة. (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ)

أى متعاطفون متوادّون بعضهم على بعض. (يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ) *

أى يدخلهم جنّته.

«ورضوانا» يرضى عنهم. «سيماهم» علامتهم. (فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)

واختلف العلماء فى هذه السيماء، فقال قوم: هو نور وبياض فى وجوههم يوم

ص: 242

القيامة، يعرفون بتلك العلامة أنهم سجدوا فى الدنيا؛ وهى رواية العوفى عن ابن عباس. وقال عطاء بن أبى رباح والربيع بن أنس: استنارت وجوههم من كثرة ما صلّوا. وقال شهر بن حوشب: يكون موضع السجود من وجوههم كالقمر ليلة البدر. وقال آخرون: هو السّمت الحسن والخشوع والتواضع. وقال منصور:

سألت مجاهدا عن قوله تعالى: (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ)

أهو الأثر يكون بين عينى الرجل؟ قال: لا، ربما يكون بين عينى الرجل مثل ركبة البعير، وهو أقسى قلبا من الحجارة، ولكنه نور فى وجوههم من الخشوع. وقال ابن جريح: هو الوقار والبهاء. وقال شمر بن عطية: هو التهيّج وصفرة الوجه وأثر السهر. وقال الحسن:

إذا رأيتهم حسبتهم مرضى، وما هم بمرضى. وقال عكرمة وسعيد بن جبير:

هو أثر التراب فى جباههم. وقال عطية الخراسانىّ: دخل فى هذه الاية كل من حافظ على الصلوات الخمس. (ذلِكَ مَثَلُهُمْ)

أى ذلك الذى ذكرت «مثلهم» صفتهم (فِي التَّوْراةِ) *

قال: وهاهنا تم الكلام. ثم قال: (وَمِثْلَهُمْ) *

صفتهم (فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ)

؛ قال أنس: «شطأه» نباته. وقال ابن عباس:

سنبله. وقال مجاهد والضحاك: ما يخرج تحت الحلقة «1» فينمو ويتم. وقال مقاتل:

هو نبت واحد، فإذا خرج ما بعده فقد شطأه. وقال السدّى: هو أن يخرج معه الطاقة الأخرى. وقال الفراء: الأشطأ: الزرع إذا نبت سبعا أو ثمانيا أو عشرا.

وقال الأخفش: فراخه، يقال: أشطأ الزرع فهو مشطئ إذا فرّخ، قال الشاعر:

أخرج الشطء على وجه الثرى

ومن الأشجار أفنان الثمر

قال: وهذا مثل ضربه الله تعالى لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، يعنى أنهم كانوا يكونون قليلا، ثم يزدادون ويكثرون ويقوون. قال قتادة: مثل أصحاب

ص: 243