الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استنفر أصحابه لقصده، فحذر عند ذلك، واستأجر ضمضم بن عمرو الغفارىّ؛ فبعثه إلى مكة، وأمره أن يستنفر قريشا إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمدا قد عرض لها فى أصحابه؛ فأسرع ضمضم إلى مكة.
ذكر رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب وخروج قريش إلى بدر
قال محمد بن إسحاق رحمه الله بسنده إلى عبد الله بن عبّاس، وعروة بن الزبير رضى الله عنهم.
قالا: ورأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث رؤيا أفزعتها، فبعثت إلى أخيها العباس، فقالت له: والله لقد رأيت رؤيا أفظعتنى وتخوّفت أن يدخل على قومك منها شرّ أو مصيبة، فاكتم عنى ما أحدّثك به، قال:
وما رأيت؟ قالت: رأيت راكبا أقبل على بعير حتى وقف بالأبطح «1» ، ثم صرخ بأعلى صوته: ألا أنفروا يا آل غدر «2» ! لمصارعكم فى ثلاث، فأرى الناس اجتمعوا، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه، فبينماهم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة، ثم صرخ بمثلها: ألا انفروا يا آل غدر! لمصارعكم فى ثلاث، ثم مثل به بعيره على
رأس أبى قبيس «1» فصرخ بمثلها، ثم أخذ صخرة فأرسلها مكة «2» فلا دار منها إلا دخلتها منها فلقة؛ قال العباس: والله إنّ هذه لرؤيا! وأنت «3» فاكتميها.
ثم خرج العباس فلقى الوليد بن عتبه بن ربيعة، وكان صديقا له؛ فذكرها له واستكتمه إياها، فذكرها الوليد لأبيه عتبة؛ ففشا الحديث حتى تحدّثت به قريش.
قال العباس: فغدوت لأطوف بالبيت، وأبو جهل بن هشام فى رهط من قريش قعود يتحدّثون برؤيا عاتكة، فلما رآنى أبو جهل قال: يا أبا الفضل، إذا فرغت من طوافك فأت إلينا، فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم؛ فقال لى أبو جهل: يا بنى عبد المطلب، متى حدثت فيكم هذه النبيّة؟ قلت: وما ذاك؟
قال: تلك الرؤيا التى رأت عاتكة، فقلت: وما رأت؟ فقال: يا بنى عبد المطلب، أما رضيتم أن يتنبّأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم! فقد زعمت عاتكة فى رؤياها أنه قال:
انفروا فى ثلاث، فسنتربّص بكم هذه الثلاث، فإن يك حقا ما تقول فسيكون، وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شىء نكتب عليكم كتابا أنكم أكذب أهل بيت فى العرب؛ قال العباس: فو الله ما كان منى إليه كبير إلا أنّى جحدت ذلك، وأنكرت أن تكون رأت شيئا، قال: ثم تفرّقنا.
فلما أمسيت لم تبق امرأة من بنى عبد المطلب إلا أتتنى فقالت: أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع فى رجالكم، ثم قد تناول النساء وأنت تسمع؛ ثم لم تكن
عندك غيرة «1» لشىء مما سمعت! قال: قلت: قد والله فعلت، ما كان منّى إليه من كبير؛ وأيم الله لأتعرّضنّ له، فإن عاد لأكفينّكنّه.
قال: فغدوت فى اليوم الثالث من رؤيا عاتكة، وأنا حديد مغضب أرى أنى قد فاتنى منه أمر أحب أن أدركه منه، فدخلت المسجد فرأيته، فو الله إنى لأمشى نحوه أتعرض له ليعود لبعض ما قال، فأوقع به، إذ خرج نحو باب المسجد يشتدّ «2» ، فقلت فى نفسى: ما له لعنه الله! أكلّ هذا فرق منى أن أشاتمه! وإذا هو قد سمع ما لم أسمع؛ صوت ضمضم بن عمرو وهو يصرخ ببطن الوادى واقفا على بعيره، قد جدع «3» بعيره وحوّل رحله، وشقّ قميصه وهو يقول: يا معشر قريش، اللّطيمة «4» اللّطيمة! أموالكم مع أبى سفيان قد عرض لها محمد فى أصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث! قال العباس: فشغلنى عنه، وشغله عنّى ما جاء من الأمر.
فتجهّز الناس سراعا وقالوا: أيظنّ محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمىّ؟
كلّا! والله ليعلمنّ غير ذلك، فكانوا بين رجلين: إمّا خارج، وإما باعث رجلا مكانه، وأوعبت «5» قريش فلم يتخلّف من أشرافها أحد، إلا أن أبا لهب بن عبد المطلّب تخلّف، وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة، استأجره بأربعة آلاف درهم كانت لأبى لهب عليه، فخرج عنه.
وروى أبو الفرج علىّ بن الحسين الأصفهانىّ فى كتابه المترجم بالأغانى «6» بسند يرفعه إلى مصعب بن عبد الله قال:
قامر أبو لهب العاصى بن هشام فى عشرة من الإبل فقمره «1» ، ثم فى عشرة فقمره، [ثم فى عشرة فقمره «2» ] ، إلى أن خلعه من ماله فلم يبق له شيئا، فقال له:
إنى أرى القداح قد حالفتك يابن عبد المطلب، فهلّم أقامرك يابن عبد المطلب، فأيّنا غلب كان عبد الصاحبه. قال: افعل، ففعل. فقمره أبو لهب، فكره أن يسترقّه فتغضب بنو مخزوم، فمشى إليهم فقال: افتدوه منى بعشرة من الإبل.
فقالوا: لا والله ولا بوبرة. فاسترقّه، فكان يرعى له إبله إلى أن خرج المشركون إلى بدر. قال: وقال غير مصعب: فاسترقه واحتبسه قينا «3» يعمل [الحديد «4» ] . فلما خرج المشركون إلى بدر أخرجه أبو لهب عنه لأنه كان عليلا، على أنه إن عاد أعنقه، فقبل العاصى.
قال ابن اسحاق: وكان أميّة بن خلف قد أجمع القعود [وكان شيخا «5» جليلا جسيما ثقيلا] فأتاه عقبة بن أبى معيط وهو جالس فى المسجد بين قومه بمجمرة «6» ، فوضعها بين يديه، وقال: يا أبا علىّ، استجمر، فإنما أنت من النساء. فقال:
قبحك الله وقبح ما جئت به. ثم تجهّز وخرج مع الناس.
قال: ولما فرغوا من جهازهم، وأجمعوا المسير، ذكروا ما كان بينهم وبين بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب، فقالوا: إنا نخشى أن يأتونا من خلفنا.
فكادوا ينثنون؛ فتبدّى لهم إبليس فى صورة سراقة بن مالك المدلجىّ، وكان من أشراف كنانة، فقال: أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشىء مما تكرهونه فخرجوا سراعا.
هذا ما كان من أمر قريش.