المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن فى غزوة الخندق وما ورد فى تفسير ذلك - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ١٧

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء السابع عشر

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌[تتمة الباب الأول من القسم الخامس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله]

- ‌ذكر غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر أوّل لواء عقده صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر سرية عبيدة بن الحارث بن المطّلب إلى بطن رابغ

- ‌ذكر سريّة سعد بن أبى وقّاص إلى الخرّار

- ‌ذكر غزوة الأبواء

- ‌ذكر غزوة بواط

- ‌ذكر غزوة بدر الأولى

- ‌ذكر غزوة ذى العشيرة

- ‌ذكر سرّية عبد الله بن جحش الأسدى إلى نخلة

- ‌ذكر غزوة بدر الكبرى

- ‌ذكر رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب وخروج قريش إلى بدر

- ‌ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين إلى بدر

- ‌ذكر تسمية من شهد بدرا من المهاجرين والأنصار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر تسمية من استشهد من المسلمين فى غزاة بدر

- ‌ذكر تسمية من قتل من المشركين فى غزوة بدر

- ‌ذكر تسمية من أسر من المشركين فى غزوة بدر

- ‌ذكر خبر أسارى بدر وما كان من فدائهم، ومن منّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأطلقه منهم) ، ومن أسلم بسبب ذلك

- ‌ذكر خبر أبى سفيان فى أسر ابنه عمرو بن أبى سفيان وإطلاقه

- ‌ذكر خبر أبى العاص بن الربيع فى فدائه

- ‌ذكر خبر الوليد بن الوليد بن المغيرة

- ‌ذكر من منّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسارى بدر وأطلقه بغير فداء

- ‌ذكر سرية عمير بن عدىّ بن خرشة الخطمىّ إلى عصماء بنت مروان من بنى أميّة بن زيد

- ‌ذكر سريّة سالم بن عمير العمرىّ إلى أبى عفك اليهودىّ

- ‌ذكر غزوة بنى قينقاع

- ‌ذكر غزوة السّويق

- ‌ذكر غزوة قرقرة الكدر ويقال قرارة الكدر وهى غزوة بنى سليم

- ‌ذكر مقتل كعب بن الأشرف اليهودىّ وخبر سريّته

- ‌ذكر غزوة بنى سليم بجران

- ‌ذكر سريّة زيد بن حارثة إلى القردة

- ‌ذكر غزوة أحد

- ‌ذكر تسمية من قتل من المشركين يوم أحد

- ‌ذكر غزوة حمراء الأسد

- ‌ذكر سريّة أبى سلمة بن عبد الأسد المخزومى

- ‌ذكر سريّة عبد الله بن أنيس إلى سفيان بن خالد الهذلى

- ‌ذكر سرية المنذر بن عمرو السّاعدى إلى بئر معونة

- ‌ذكر سريّة مرثد بن أبى مرثد الغنوى إلى الرّجيع

- ‌ذكر غزوة بنى النّضير

- ‌ذكر قصة برصيصا

- ‌ذكر غزوة بدر الموعد

- ‌ذكر خبر جابر بن عبد الله فى جمله، واستغفار النبىّ صلى الله عليه وسلم لأبيه

- ‌ذكر غزوة دومة الجندل

- ‌ذكر غزوات الخندق، وهى غزوة الأحزاب

- ‌ذكر تسمية من استشهد من المسلمين فى غزوة الخندق ومن قتل من المشركين

- ‌ذكر ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن فى غزوة الخندق وما ورد فى تفسير ذلك

- ‌ذكر غزوة بنى قريظة

- ‌ذكر نزول بنى قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسؤال الأوس فيهم؛ وتحكيم سعد بن معاذ وحكمه فيهم بحكم الله تعالى وقتلهم

- ‌ذكر سرية عبد الله بن عتيك إلى أبى رافع سلّام ابن أبى الحقيق النضرىّ بخيبر

- ‌ذكر سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء، وهم بنو قرط وقريط من بنى كلاب

- ‌ذكر غزوة بنى لحيان بناحية عسفان

- ‌ذكر سرية محمد بن مسلمة إلى بنى ثعلبة بذى القصّة

- ‌ذكر سرية أبى عبيدة بن الجرّاح إلى ذى القصّة

- ‌ذكر سرية زيد بن حارثة إلى بنى سليم بالجموم

- ‌ذكر سرية زيد بن حارثة إلى العيص لعير قريش

- ‌ذكر سرية زيد بن حارثة إلى الطّرف إلى بنى ثعلبة

- ‌ذكر سرية زيد بن حارثة إلى حسمى، وهى وراء وادى القرى

- ‌ذكر سرية على بن أبى طالب رضى الله عنه إلى بنى سعد بن بكر بفدك

- ‌ذكر سريّة زيد بن حارثة إلى وادى القرى وقتل أم قرفة

- ‌ذكر سريّة كرز بن جابر الفهرى إلى العرنيّين

- ‌ذكر سرية عمرو بن أمية الضّمرىّ وسلمة بن أسلم إلى أبى سفيان بن حرب بمكة

- ‌ذكر بيعة الرّضوان

- ‌ذكر هدنة قريش وما وقع فيها من الشروط

- ‌ذكر رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ونزول سورة الفتح

- ‌ذكر خبر أبى بصير ومن لحق به وانضم إليه

- ‌ذكر غزوة خيبر وفتحها وما يتصل بذلك

- ‌ذكر تسمية من استشهد من المسلمين فى غزوة خيبر

- ‌ذكر قسم غنائم خيبر

- ‌ذكر تسمية من قسم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتيبة التى خرجت للخمس وما أعطاهم منها

- ‌ذكر خبر الحجاج بن علاط وما أوصله إلى أهل مكة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استوفى أمواله

- ‌ذكر انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خيبر إلى وادى القرى، ونومهم عن صلاة الصبح

- ‌ذكر سريّة عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى تربة

- ‌ذكر سرية أبى بكر الصديق رضى الله عنه إلى بنى كلاب بنجد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شعبان سنة سبع من مهاجره

- ‌ذكر سريّة بشير بن سعد الأنصارى إلى فدك

- ‌ذكر سريّة غالب بن عبد الله الليثى إلى الميفعة

- ‌ذكر سريّة ابن أبى العوجاء السّلمىّ إلى بنى سليم

- ‌ذكر سريّة غالب بن عبد الله الليثىّ إلى بنى الملوح بالكديد

- ‌ذكر سريّة غالب بن عبد الله الّليثى أيضا إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك

- ‌ذكر سريّة شجاع بن وهب الأسدىّ إلى بنى عامر بالسّىّ

- ‌ذكر سريّة كعب بن عمير الغفارىّ إلى ذات أطلاح

- ‌ذكر سريّة مؤتة

- ‌ذكر تسمية من استشهد من المسلمين يوم مؤتة

- ‌ذكر سريّة عمرو بن العاص إلى ذات السّلاسل

- ‌ذكر سريّة أبى عبيدة بن الجرّاح، وهى سريّة الخبط

- ‌ذكر سريّة أبى قتادة بن ربعىّ الأنصارىّ إلى خضرة وهى أرض محارب بنجد

- ‌ذكر سريّة أبى قتادة بن ربعىّ الأنصارىّ إلى بطن إضم

- ‌ذكر غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح والسبب الّذى أوجب نقض العهد وفسخ الهدنة

- ‌ذكر خبر حاطب بن أبى بلتعة فى كتابه إلى أهل مكّة، وإعلام الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وسلم بذلك، وأخذه الكتاب، وما أنزل الله عز وجل فى ذلك من القرآن

- ‌ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكّة، ومن جاءه فى طريقه قبل دخوله مكّة

- ‌ذكر مجىء العبّاس بأبى سفيان بن حرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإسلام أبى سفيان، وخبر الفتح

- ‌ذكر دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكّة شرّفها الله تعالى صلحا، ودخول خالد بن الوليد ومن معه من القبائل عنوة

- ‌ذكر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلهم يوم فتح مكّة وسبب ذلك، ومن قتل منهم، ومن نجا بإسلامه

- ‌ذكر إسلام أبى قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كعب

- ‌ذكر دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، وطوافه بالبيت ودخوله الكعبة، وما فعل بالأصنام

- ‌ذكر سريّة خالد بن الوليد إلى العزّى وهدمها

- ‌ذكر سريّة عمرو بن العاص إلى سواع وكسره

- ‌ذكر سريّة سعد بن زيد الأشهلىّ إلى مناة

- ‌ذكر سريّة خالد بن الوليد إلى بنى جذيمة بن عامر ابن عبد مناة بن كنانة، وهو يوم الغميصاء

- ‌ذكر غزوة حنين، وهى إلى هوازن وثقيف

- ‌ذكر سرية الطّفيل بن عمرو الدّوسىّ إلى ذى الكفّين

- ‌ذكر غزوة الطائف

- ‌ذكر مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجعرانة وقسم مغانم حنين، وما أعطاه المؤلّفة

- ‌ذكر قدوم وفد هوازن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسلامهم وردّ السبايا إليهم

- ‌ذكر تسمية من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش وغيرها عند قسم مغانم حنين

- ‌ذكر مقالة الأنصار فى أمر قسم الفىء، وما أجابهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضّاهم به

- ‌ذكر استخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم عتّاب بن أسيد على مكّة ورجوعه إلى المدينة

- ‌ذكر سريّة عيينة بن حصن الفزارىّ إلى بنى تميم

- ‌ذكر خبر الوليد بن عقبة بن أبى معيط مع بنى المصطلق

- ‌ذكر سريّة قطبة بن عامر بن حديدة إلى خثعم

- ‌ذكر سريّة الضحّاك بن سفيان الكلابىّ إلى بنى كلاب كانت فى شهر ربيع الأوّل سنة تسع من الهجرة

- ‌ذكر سريّة علقمة بن مجزّز المدلجىّ إلى الحبشة

- ‌ذكر سريّة علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه إلى الفلس صنم طيئ

- ‌ذكر سريّة عكّاشة بن محصن الأسدى إلى الجناب

- ‌ذكر غزوة تبوك

- ‌ذكر سريّة خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك

- ‌ذكر خبر مرور رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر وما قاله لأصحابه

- ‌ذكر أخبار المنافقين وما تكلّموا به فى غزوة تبوك وما أنزل الله عز وجل فيهم من القرآن

- ‌ذكر خبر الثلاثة الذين خلّفوا، وما أنزل فيهم وفى المعذّرين من الأعراب

- ‌ذكر سريّة خالد بن الوليد إلى بنى عبد المدان بنجران

- ‌ذكر سريّة على بن أبى طالب رضى الله عنه إلى اليمن

- ‌ذكر حجّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره

- ‌ذكر الخطبة التى خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌وأمّا عمره صلى الله عليه وسلم

- ‌وأمّا عمرة القضاء

- ‌[صورة ما جاء فى آخر هذا الجزء بنسخة ا]

- ‌[صورة ما جاء فى آخر هذا الجزء أيضا بنسخة ج]

- ‌فهرس المراجع

- ‌استدراك

الفصل: ‌ذكر ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن فى غزوة الخندق وما ورد فى تفسير ذلك

من بنى دينار، قتله ضرار بن الخطّاب. وسعد «1» بن معاذ مات من جراحة بعد بنى قريظة، والطّفيل بن النعمان بن جشم.

وقتل من المشركين أربعة نفروهم: عثمان بن أمية بن منبّه بن عبيد بن السبّاق من بنى عبد الدار بن قصىّ، ونوفل بن عبد الله بن المغيرة، وعمرو بن عبد ودّ، ويقال: وابنه حسل بن عمرو، قتلهما على بن أبى طالب رضى الله عنه.

‌ذكر ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن فى غزوة الخندق وما ورد فى تفسير ذلك

أنزل الله عز وجل على رسوله- صلى الله عليه وسلم فى أمر الخندق والأحزاب قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً)

قال أبو إسحاق أحمد ابن محمد بن إبراهيم الثعلبى رحمه الله: قوله: ( «إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ» )

يعنى الأحزاب:

قريش وغطفان ويهود قريظة والنّضير. ( «فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً» ) *

قال: وهى الصّبا «2» .

قال عكرمة: قالت الجنوب للشّمال ليلة الأحزاب: انطلقى بنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت الشّمال: إن الحرّة «3» لا تسرى بالليل؛ وكانت الريح التى أرسلت

ص: 179

عليهم الصّبا، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم:«نصرت بالصّبا وأهلكت عاد بالدّبور» . قوله: «وجنودا لم تروها» هى الملائكة، ولم تقاتل يومئذ، قال المفسرون: بعث الله تعالى عليهم باللّيل ريحا باردة، وبعث الملائكة فقلعت الأوتاد، وقطّعت أطناب الفساطيط، وأطفأت النيران، وأكفأت القدور، وجالت الخيل بعضها فى بعض، وأرسل الله عليهم الرعب، وكثر تكبير الملائكة فى جوانب عسكرهم حتى كان سيد كلّ حىّ يقول: يا بنى فلان، هلّم [إلى؛ فإذا اجتمعوا عنده قال: النّجاء النّجاء، أتيتم. لما بعث الله عليهم من الرعب، فانهزموا من غير قتال «1» ] .

قوله تعالى: (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا)

قال: قوله: ( «إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ» )

يعنى من فوق الوادى من قبل المشرق، عليهم مالك بن عوف النّصرىّ، وعيينة ابن حصن الفزارى فى ألف من غطفان، ومعهم طليحة بن خويلد الأسدى فى بنى أسد، وحيّى بن أخطب فى يهود بنى قريظة. ( «وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ» )

يعنى من بطن الوادى من قبل المغرب، وهو أبو سفيان بن حرب فى قريش ومن تبعه، وأبو الأعور السّلمى من قبل الخندق. وقال ابن إسحاق: الذين جاءوا من فوقهم بنو قريظة، والذين جاءوا من أسفل منهم قريش وغطفان. ( «وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ» )

أى مالت وشخصت ( «وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ» )

زالت عن أماكنها حتى بلغت الحلوق من الفزع. ( «وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا» )

قال: أما المنافقون فظنوا أن محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه سيغلبون ويستأصلون، وأما المؤمنون فأيقنوا أن ما وعدهم الله حقّ، وأنه سيظهر دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون.

ص: 180

قوله تعالى: (هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً)

قال: أى اختبروا ومحّصوا، ليعرف المؤمن من المنافق «وزلزلوا» : حرّكوا وخوّفوا «زلزالا» تحريكا «شديدا» .

قوله تعالى: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً)

قال: يعنى معتّب بن قشير وأصحابه ( «وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» ) *

أى شكّ وضعف اعتقاد. وقد قدّمنا فى أخبار المنافقين ما تكلم به معتّب بن قشير فى هذه الغزوة.

قوله تعالى: (وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً)

. ( «قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ» )

أى من المنافقين: وهم أوس بن قيظىّ وأصحابه؛ قال مقاتل: هم بنو سالم. قال ابن عباس رضى الله عنهما: قالت اليهود لعبد الله بن أبىّ وأصحابه من المنافقين: ما الذى يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبى سفيان وأصحابه! فارجعوا إلى المدينة. (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ)

فى الرجوع إلى منازلهم بالمدينة، وهم بنو حارثة بن الحارث (يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ)

أى خالية ضائعة، وهى مما يلى العدوّ، وإنا لنخشى عليها العدوّ والسّرّاق، قال: وقرأ ابن عباس وأبو رجاء العطاردىّ «عورة» بكسر الواو، يعنى قصيرة الجدران فيها خلل وفرجة. وأخبر تعالى أنها ليست بعورة، إن يريدون إلا الفرار.

قوله تعالى: (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها «1» وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً)

قال: يقول: لو دخل عليهم هؤلاء الجيوش الذين يريدون قتالهم المدينة (مِنْ أَقْطارِها)

جوانبها ونواحيها (ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ)

الشرك «لأتوها» أى لجاءوها وفعلوها ورجعوا عن الإسلام وكفروا (وَما تَلَبَّثُوا)

وما احتبسوا

ص: 181

عن الفتنة (إِلَّا يَسِيراً)

ولأسرعوا إلى الإجابة إليها طيبة بها أنفسهم، قال: هذا قول أكثر المفسرين.

وقال الحسن والفرّاء: وما أقاموا بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلا قليلا حتى هلكوا.

قوله تعالى: (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا)

قال: (عاهَدُوا اللَّهَ) *

أى من قبل غزوة الخندق «لا يولّون» عدوّهم «الأدبار» قال يزيد بن رومان: هم بنو حارثة همّوا يوم أحد أن يفشلوا مع بنى سلمة، فلما نزل فيهم ما نزل عاهدوا الله ألّا يعودوا لمثلها، فذكر الله لهم الذى أعطوه من أنفسهم.

وقال قتادة: هم ناس كانوا قد غابوا عن وقعة بدر، ورأوا ما أعطى الله تعالى أهل بدر من الكرامة والفضيلة، فقالوا: لئن أشهدنا الله قتالا لنقاتلنّ. فساق الله تعالى ذلك إليهم فى ناحية المدينة.

وقال مقاتل والكلبى: هم السبعون رجلا الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة وقالوا له: اشترط لربك ولنفسك ما شئت؛ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: «اشترط لربى أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسى أن تمنعونى مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأولادكم وأموالكم» . قالوا: فإذا فعلنا ذلك فما لنا يا رسول الله؟ قال: «لكم النصر فى الدنيا والجنة فى الآخرة» . قالوا: قد فعلنا.

فذلك عهدهم (وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا)

أى عنه.

قوله تعالى: (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا)

قال «1» : أى الذى كتب عليكم «2» (وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا)

إلى آجالكم، والدنيا كلّها قليل.

ص: 182

قوله تعالى: (قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً)

أى نصرة (وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) *.

قوله تعالى: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا)

قال: «المعوّقين» المثبطين منكم للناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «والقائلين لإخوانهم هلمّ إلينا) ودعوا محمدا فلا تشهدوا معه الحرب فإنا نخاف عليكم الهلاك (وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ)

الحرب (إِلَّا قَلِيلًا) *

دفعا وتعذيرا.

قال قتادة: هؤلاء ناس من المنافقين كانوا يقولون لإخوانهم: ما محمد وأصحابه إلا أكلة «1» رأس، ولو كانوا لحما لألتهمهم أبو سفيان وأصحابه، دعوا هذا الرجل فإنه هالك. وقال مقاتل: نزلت فى المنافقين، وذلك أن اليهود أرسلوا إلى المنافقين وقالوا: ما الذى يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبى سفيان ومن معه! فإنهم إن قدروا عليكم هذه المرة لم يستبقوا منكم أحدا، وإنا لنشفق عليكم، أنتم إخواننا وجيراننا، هلمّ إلينا. فأقبل عبد الله بن أبىّ وأصحابه على المؤمنين يعوّقونهم ويخوّفونهم بأبى سفيان ومن معه، وقالوا: ما ترجون من محمد؟ فو الله ما يرفدنا «2» بخير، وما عنده خير، ما هو إلا [أن «3» ] يقتلنا هاهنا، انطلقوا إلى إخواننا وأصحابنا. يعنى اليهود، فلم يزدد «4» المؤمنون بقول المنافقين إلا إيمانا واحتسابا.

وقال ابن زيد: لما كان يوم الأحزاب انطلق رجل من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد أخاه، بين يديه شواء ورغيف ونبيذ، فقال: أنت هاهنا فى الشواء والرغيف والنبيذ ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرماح والسيوف! فقال: هلم إلى هذا، والذى يحلف به لا يستقبلها محمد أبدا؛ فقال: كذبت والذى

ص: 183

يحلف به- وكان أخاه من أبيه وأمه- أما والله لأخبرن النبىّ صلى الله عليه وسلم أمرك. فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره، فوجده قد نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية.

قوله تعالى: (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً)

قال: «أشحّة» بخلاء «عليكم» بالخير والنفقة فى سبيل الله، وصفهم الله تعالى بالجبن والبخل (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ)

في رءوسهم من الخوف والجبن، أى كدوران [أعين «1» ] الذى يغشى عليه من الموت (فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ)

أى عضوكم ورموكم بألسنة حداد ذربة «2» ، وأصل السلق: الضرب.

قال قتادة: يعنى بسطوا ألسنتهم فيكم وقت قسم الغنيمة، يقولون: أعطونا أعطونا، فإنا قد شهدنا معكم القتال، ولستم بأحق بالغنيمة منا؛ وأما عند الغنيمة فأشحّ قوم وأسوأ مقاسمة، وأما عند البأس فأجبن قوم وأخذله للحق. (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ)

يعنى الغنيمة (أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا) .

قوله تعالى: (يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا)

يعنى هؤلاء يحسبون الجماعات لم ينصرفوا عن قتالهم، وقد انصرفوا جبنا منهم وفرقا (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ)

أى يرجعوا إليهم كرّة ثانية (يَوَدُّوا)

من الخوف والجبن (لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ)

أى خارجون إلى البادية (فِي الْأَعْرابِ)

أى معهم (يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ)

أى يسأل بعضهم بعضا عن أخباركم، وما آل إليه أمركم (وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا)

يعنى رياء من غير حسبة، ولو كان ذلك القليل لله تعالى لكان كثيرا.

ص: 184

ثم قال تعالى مشيرا إلى المؤمنين: (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً. وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً)

قال:

قوله: (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) *

أى سنّة صالحة، [أن «1» ] تنصروه وتؤازروه، ولا تتخلّفوا عنه، ولا ترغبوا بأنفسكم عن نفسه وعن مكان نصرته كما فعل هو، إذ كسرت رباعيته وجرح، وقتل عمّه حمزة، وأوذى بضروب الأذى، فواساكم مع ذلك بنفسه، فافعلوا أنتم أيضا كذلك، واستنّوا «2» بسنّته (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)

أى فى الرخاء والبلاء، ثم ذكر المؤمنين بوعود الله تعالى، فقال:(وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ)

الآية، قال: ووعد الله إيّاهم قوله: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) .

قوله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)

قال: قوله: «صدقوا» أى وفوا به.

(فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ)

يعنى فرغ من نذره ووفى بعهده وصبر على الجهاد حتى استشهد. والنحب: النذر، والنحب أيضا: الموت، قال ذو الرمّة:

عشيّة فرّ الحارثيّون بعد ما

قضى نحبه فى ملتقى القوم هوبر «3»

ص: 185