الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال العباس بن عبد المطلب: واصباح قريش، والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكّة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنّه لهلاك قريش إلى آخر الدهر.
قال العبّاس: فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء، فخرجت عليها حتى جئت الأراك «1» ، فقلت: لعلّى أجد بعض الحطّابة أو صاحب لبن، أو ذا حاجة يأتى مكّة، فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة.
ذكر مجىء العبّاس بأبى سفيان بن حرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإسلام أبى سفيان، وخبر الفتح
قال العباس بن عبد المطلب رضى الله عنه: وكان أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء قد خرجوا فى تلك الليالى يتحسّسون الأخبار، وينظرون هل يجدون خبرا أو يسمعون به، فو الله إنّى لأسير على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألتمس ما خرجت له، إذ سمعت كلام أبى سفيان وبديل ابن ورقاء وهما يتراجعان، وأبو سفيان يقول: ما رأيت كالليلة نيرانا قطّ ولا عسكرا، فيقول له بديل: هذه والله خزاعة قد حمستها «2» الحرب، فيقول أبو سفيان: خزاعة أذلّ وأقلّ أن تكون هذه نيرانها وعسكرها، قال العباس: فعرفت صوته، فقلت:
يا أبا حنظلة، فعرف صوتى، فقال: يا أبا الفضل، قلت: نعم، قال: مالك فداك أبى وأمّى! قلت: ويحك يا أبا سفيان! هذا رسول الله فى الناس، واصباح قريش والله!
قال: فما الحيلة فداك أبى وأمّى!، قال: قلت: والله لئن ظفر بك ليضربنّ عنقك، فاركب فى عجز هذه البغلة حتى آتى بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأمنه لك؛ قال: فركب خلفى، ورجع صاحباه؛ قال: فجئت به، كلّما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا: من هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عليها قالوا: عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته، حتى مررت بنار عمر ابن الخطّاب.
قال ابن سعد: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استعمل عمر تلك الليلة على الحرس؛ قال العباس: فقال عمر: من هذا؟ وقام إلىّ، فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابّة قال: أبو سفيان عدوّ الله! الحمد لله الذى أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتدّ نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وركضت البلغة فسبقته، فاقتحمت عن البلغة، ودخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عمر، فقال: يا رسول الله، هذا أبو سفيان قد أمكن منه بغير عقد ولا عهد، فدعنى أضرب عنقه. قال العبّاس، قلت: يا رسول الله، قد أجرته، ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذت برأسه وقلت: والله لا يناجيه الليلة رجل دونى، فلمّا أكثر عمر فى شأنه قلت: مهلا يا عمر، فو الله أن لو كان من رجال بنى عدىّ بن كعب ما قلت هذا، ولكنّك قد عرفت أنّه من رجال بنى عبد مناف؛ فقال عمر: مهلا يا عبّاس، فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحبّ إلىّ من إسلام الخطّاب لو أسلم، وما بى إلا أنى قد عرفت أن إسلامك كان أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب لو أسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اذهب به يا عبّاس إلى رحلك، فإذا أصبحت فأتنى به» ؛ قال: فذهبت به إلى رحلى، فبات عندى، فلما أصبح غدوت
به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمّا رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن «1» لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله» ، قال: بأبى أنت وأمّى! ما أحملك وأكرمك وأوصلك، والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى شيئا بعد؛ قال:«ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أنى رسول الله» ؟؛ قال: بأبى أنت وأمى! ما أحملك وأكرمك وأوصلك! أما والله هذه فإنّ فى النفس منها حتّى الآن شيئا؛ فقال له العبّاس: ويحك! أسلم واشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك؛ قال: فشهد شهادة الحقّ، فقلت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحبّ هذا الفخر، فاجعل له شيئا.
قال: «نعم، من دخل دار أبى سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن» ؛ فلمّا ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عبّاس، احتبسه بمضيق الوادى عند خطم الجبل «2» حتى تمرّ به جنود الله فيراها» . قال: فخرجت به حتى حبسته حيث أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحبسه؛ قال: ومرّت القبائل على راياتها كلّما مرّت قبيلة قال: يا عبّاس، من هذه؟. فأقول: سليم، فيقول: ما لى ولسليم، ثم تمرّ القبيلة، فيقول: من هذه؟
فأقول: مزينة، فيقول: ما لى ولمزينة، حتى مرّت القبائل، فما تمرّ قبيلة إلّا سألنى عنها، فإذا أخبرته بهم، قال: ما لى ولبنى فلان! حتى مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كتيته الخضراء، فيها المهاجرون والأنصار- وإنّما سمّيت بالخضراء لكثرة الحديد وظهوره فيها- وهم لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد، فقال:
سبحان الله يا عبّاس! من هؤلاء؟ قلت: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم