الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نرجع إلى تتمة أخبار أسارى بدر:
ذكر خبر الوليد بن الوليد بن المغيرة
قد تقدّم أنه كان ممن أسر يوم بدر، وكان الذى أسره عبد الله بن جحش ويقال: أسره سليط بن قيس المازنىّ الأنصارىّ، فقدم فى فدائه أخواه: خالد وهشام، فتمنّع عبد الله بن جحش حتى افتكّاه بأربعة آلاف درهم. فجعل خالد يريد ألا يبلغ ذلك، فقال هشام لخالد: إنه ليس بابن أمّك، والله لو أبى فيه إلا كذا وكذا لفعلت. ويقال: إن النبى صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن جحش:
لا تقبل فى فدائه إلا شكّة أبيه الوليد- وكانت درعا فضفاضة وسيفا وبيضة- فأبى ذلك خالد وأطاع هشام لأنه أخوه لأبويه، فأقيمت الشكة بمائة دينار، فطاعا بها وسلّماها إلى عبد الله، فلما افتدى أسلم، فقيل له: هلّا أسلمت قبل أن تفتدى وأنت مع المسلمين؟ قال: كرهت أن تظنوا أنى جزعت من الإسار.
فحبسوه بمكة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو له فيمن دعا له من مستضعفى المؤمنين، ثم أفلت ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد عمرة القضيّة «1» . حكاه ابن عبد البرّ.
ذكر من منّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسارى بدر وأطلقه بغير فداء
قال ابن إسحاق: وكان ممن منّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير فداء:
أبو العاص بن الربيع هذا الذى تقدّم خبره. والمطّلب بن حنطب «2» بن الحارث
ابن عبيد المخزومىّ، وكان لبعض بنى الحارث بن الخزرج، فترك فى أيديهم حتى خلّوا سبيله، فلحق بقومه، وصيفىّ بن أبى رفاعة المخزومىّ، ترك فى يد أصحابه فلم يأت أحد فى فدائه، فأخذوا عليه العهد ليبعثنّ إليهم بفدائه وخلّوا سبيله، فلم يف لهم بشىء، وأبو عزّة عمرو بن عبد الله بن عثمان بن وهب بن حذافة بن جمح كان محتاجا ذا بنات فقال: يا رسول الله، لقد عرفت مالى من مال، وإنى لذو حاجة وذو عيال، فامنن علىّ، فمنّ عليه وأخذ عليه ألّا يظاهر عليه أحدا؛ فقال أبو عزّة فى ذلك:
من مبلغ عنّى الرسول محمدا
…
فإنك حقّ والمليك حميد
وأنت امرؤ تدعو إلى الحقّ والهدى
…
عليك من الله العظيم شهيد
وأنت امرؤ بوّئت فينا مباءة
…
لها درجات سهلة وصعود «1»
فإنك من حاربته لمحارب
…
شقىّ ومن سالمته لسعيد
ولكن إذا ذكّرت بدرا وأهله
…
تأوّب ما بى حسرة وقعود «2»
ومنهم وهب بن عمير الجمحى، ولإطلاقه سبب نذكره.
ذكر خبر عمير بن وهب وإسلامه، وإطلاق ولده وهب بن عمير.
قال ابن إسحق فى سبب إطلاق وهب بن عمير: إنّ أباه عمير بن وهب بن خلف بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب جلس مع صفوان بن أميّة فى الحجر بعد مصاب أهل بدر بيسير- قال: وكان عمير بن وهب شيطانا من شياطين قريش، ممن كان يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويلقون منه عناء وهو بمكة- فذكر أصحاب القليب «3» ومصابهم. فقال صفوان: والله إن
فى العيش بعدهم خير، فقال عمير: صدقت والله، أما والله لولا دين علىّ ليس له [عندى «1» ] قضاء، وعيال أخشى عليهم الضّيعة «2» بعدى، لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لى قبلهم علة؛ ابنى أسير فى أيديهم. فاغتنمها صفوان فقال: علىّ دينك، أنا أقصيه عنك، وعيالك مع عيالى أواسيهم ما بقوا لا يسعنى «3» شىء ويعجز عنهم؛ قال له عمير: فاكتم علىّ شأنى وشأنك؛ قال: أفعل.
ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له، ثم سمّ، ثم انطلق حتى قدم المدينة، فبينما عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى نفر من المسلمين يتحدّثون عن يوم بدر، ويذكرون ما أكرمهم الله به، إذ نظر إلى عمير حين أناخ على باب المسجد متوشّحا السيف، فقال عمر: هذا الكلب عدوّ الله عمير بن وهب ما جاء إلا لشرّ، وهذا الذى حرّش «4» بيننا وحرزنا «5» للقوم يوم بدر. ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبىّ الله، هذا عدوّ الله عمير بن وهب قد جاء متوشّحا بسيفه، قال:
فأدخله علىّ، فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه فى عنقه فلبّبه بها، وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار: ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده، واحذروا عليه هذا الخبيث، فإنه غير مأمون؛ ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رآه قال: أرسله يا عمر، ادن يا عمير؛ فدنا ثم قال: انعموا صباحا- وكانت تحيّة أهل الجاهلية بينهم- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أكرمنا الله بتحيّة خير من تحيّتك يا عمير، بالسلام تحيّة أهل الجنة؛ قال: أما والله إن كنت يا محمد بها لحديث عهد؛ قال: فما جاء بك يا عمير؟ قال: جئت لهذا الأسير
الذى فى أيديكم فأحسنوا فيه؛ قال: فما بال السيف فى عنقك؟ قال: قبحها الله من سيوف! وهل أغنت شيئا! قال: اصدقنى، ما الذى جئت له؟ قال: ما جئت إلا لذلك؛ قال: بل قعدت أنت وصفوان بن أميّة فى الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت: لولا دين علىّ وعيال عندى لخرجت حتى أقتل محمدا، فتحمّل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلنى له، والله حائل بينك وبين ذلك.
قال عمير: أشهد أنك رسول الله، قد كنا يا رسول الله نكذّبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحى، وهذا أمر لم يحضره «1» إلا أنا وصفوان فو الله إنى لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذى هدانى للإسلام، وساقنى هذا المساق، ثم شهد شهادة الحقّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فقّهوا أخاكم فى دينه، وأقرئوه القرآن، وأطلقوا له أسيره» ، ففعلوا.
ثم قال: يا رسول الله، إنى كنت جاهدا على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله، وأنا أحبّ أن تأذن لى فأقدم مكة، فأدعوهم إلى الله، وإلى رسوله، وإلى الإسلام، لعل الله يهديهم، وإلا آذيتهم فى دينهم كما كنت أوذى أصحابك فى دينهم. قال: فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلحق بمكة.
وكان صفوان بن أمية يقول لقريش: أبشروا بوقعة تأتيكم الآن فى أيام، تنسيكم وقعة بدر، وكان يسأل عنه الرّكبان حتى قدم راكب فأخبره بإسلامه، فحلف ألا يكلمه أبدا، ولا ينفعه بنفع.
فلما قدم عمير مكة أقام بها يدعو إلى الإسلام، ويؤذى من خالفه أذّى شديدا، فأسلم على يديه ناس كثير.