الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أى مات، قال مقاتل: قضى نحبه، أى أجله، فقتل على الوفاء، يعنى حمزة وأصحابه الذين استشهدوا بأحد، رضوان الله عليهم. وقيل: قضى نحبه، أى بذل جهده فى الوفاء بعهده، من قول العرب: نحب فلان فى سيره يومه وليلته؛ إذ مدّ فلم ينزل، قال جرير:
بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا
…
عشيّة بسطام جرين على نحب «1»
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ)
قال ابن إسحاق: ينتظر ما وعد الله به من نصره، والشهادة على [ما «2» ] مضى عليه أصحابه. (وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)
أى ما شكّوا وما تردّوا فى دينهم، وما استبدلوا به غيره.
ثم قال تعالى: (لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً. وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً)
يعنى قريشا وغطفان (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ)
أى بالملائكة والريح (وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً)
، وبيده الفضل والمنة.
ذكر غزوة بنى قريظة
غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذى القعدة سنة خمس من مهاجره.
وقال ابن إسحاق: فى شوّال منها.
قال محمد بن إسحاق، ومحمد بن سعد، دخل حديث بعضهما فى بعض، قالا:
لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق إلى المدينة هو والمسلمون،
ووضعوا السلاح، فلما كانت الظهر أتى جبريل- عليه السلام النبىّ صلى الله عليه وسلم معتجرا «1» بعمامة من إستبرق، على بغلة عليها رحالة «2» عليها قطيفة من ديباج، فقال:
أو قد وضعت السلاح يا رسول الله؟ قال: نعم؛ قال جبريل: فما وضعت الملائكة السلاح بعد، وما رجعت إلا من طلب القوم: إن الله عز وجل يأمرك يا محمد بالمسير «3» إلى بنى قريظة، فإنى عامد إليهم فمزلزل بهم. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأذّن فى الناس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم ألّا تصلّوا العصر إلّا فى بنى قريظة. واستعمل على المدينة ابن أمّ مكتوم، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّا، فأعطاه لواءه، وقدّمه إلى بنى قريظة، فسار [علىّ «4» ] حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجع حتى لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريق، فقال: يا رسول الله، لا عليك ألا تدنو من هؤلاء الأخابث؛ قال: أظنّك سمعت منهم لى أذى؛ قال: نعم يا رسول الله؛ قال: لو رأونى لم يقولوا من ذلك شيئا. فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم قال لهم: يا إخوان القردة، هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته؟
قالوا: يا أبا القاسم، ما كنت جهولا. ثم نزل صلى الله عليه وسلم على بئر من آبار بنى قريظة من ناحية أموالهم يقال لها: بئر أنّا؛ ويقال: بئر أنّى «5» ؛ وتلاحق به الناس، فأتى رجال من بعد العشاء «6» الآخرة لم يصلّوا العصر لقول رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم. لا يصلّين أحد العصر إلا ببنى قريظة. فشغلهم ما لم يكن منه بدّ فى حربهم وأبوا أن يصلّوا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتوا بنى قريظة، فصلوا العصر بها بعد العشاء الآخرة، وتخوّف ناس فوت الصلاة فصلّوا، فما عنّف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من الفريقين، ولا عابهم الله تعالى فى كتابه.
قال: وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فى المسلمين، وهم ثلاثة آلاف والخيل ستة وثلاثون فرسا، فحاصرهم خمسة عشر يوما. قاله ابن سعد.
وقال ابن إسحاق: خمسا وعشرين ليلة أشد حصار حتى جهدهم الحصار، وقذف الله فى قلوبهم الرعب. وكان حيىّ بن أخطب دخل مع بنى قريظة فى حصنهم، حين رجعت عنهم قريش وغطفان وفاء لكعب بن أسد، فلما أيقنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم، قال كعب بن أسد لهم:
يا معشر يهود، قد نزل بكم ما ترون، وإنى عارض عليكم خلالا ثلاثا، فخذوا أيّها شئتم، قالوا: وما هى؟ قال: نتابع هذا الرجل [و «1» ] نصدّقه، وفو الله لقد تبين لكم أنه نبىّ مرسل، وأنه الذى تجدونه فى كتابكم، فتأمنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم؛ قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبدا، ولا نستبدل به غيره؛ قال: فإذا أبيتم هذه فهلمّ فلنقتل أبناءنا ونساءنا، ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالا مصلتين السيوف، لم نترك وراءنا ثقلا حتى يحكم الله بيننا وبينه، فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه، وإن نظهر فلعمرى لنجدنّ النساء والأبناء؛ قالوا:
نقتل هؤلاء المساكين! فما خير العيش «2» بعدهم؟ قال: فإذا أبيتم علىّ هذه فإن الليلة ليلة السبت، وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها، فانزلوا لعلّنا نصيب من محمد وأصحابه غرّة؛ قالوا: تفسد علينا سبتنا، وتحدث فيه ما لم يحدث
من كان قبلنا إلا من قد علمت، فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ؛ قال: ما بات منكم رجل منذ ولدته أمّه ليلة [واحدة «1» ] من الدهر حازما. ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث إلينا أبا لبابة «2» بن عبد المنذر لنستشيره فى أمرنا؛ فأرسله إليهم، فلما رأوه قام إليه الرجال، وجهش «3» إليه النساء والصبيان يبكون فى وجهه، فرقّ لهم وقالوا له: يا أبا لبابة، أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم. وأشار بيده إلى حلقه، أى إنه الذبح، قال أبو لبابة: فو الله ما زلّت «4» قدماى من مكانهما حتى عرفت أنى قد خنت الله ورسوله. ثم انطلق أبو لبابة على وجهه، ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتبط فى المسجد إلى عمود من عمده، وقال:
لا أبرح مكانى هذا حتى يتوب الله علىّ. قال: فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وكان قد استبطأه قال: أما لو كان جاءنى لأستغفرت له، فأما إذ قد فعل ما فعل فما أنا بالذى أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه. فأنزل الله تعالى فيه:(وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
. قالت أم سلمة رضى الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السّحر وهو يضحك، فقلت: ممّ تضحك أضحك الله سنك يا رسول الله؟.
قال: تيب على أبى لبابة. قالت: فقلت: أفلا أبّشره يا رسول الله؟ قال:
بلى، إن شئت. فقامت على باب حجرتها، وذلك قبل أن يضرب عليهنّ الحجاب، فقالت: يا أبا لبابة، أبشر فقد تاب الله عليك. قالت: فثار الناس إليه ليطلقوه فقال: لا والله، حتى يكون رسول الله هو الذى يطلقنى بيده؛ فلما مرّ عليه خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه.