الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح والسبب الّذى أوجب نقض العهد وفسخ الهدنة
كانت هذه الغزوة فى شهر رمضان سنة ثمان من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى رأس اثنين وعشرين شهرا من صلح الحديبية.
وسبب ذلك أنّه لمّا دخل شعبان من هذه السنة كلّمت بنو نفاثة- وهم من بنى بكر- أشراف قريش أن يعينوهم على خزاعة بالرّجال والسلاح، وكانت خزاعة قد دخلت فى عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده يوم الحديبية كما قدّمنا ذكر ذلك، ودخلت بنو بكر فى عقد قريش وعهدها، قالوا: فلمّا سألوهم ذلك وعدوهم ووافوهم بالوتير «1» متنكّرين متنقّبين، فيهم صفوان بن أميّة، وحويطب بن عبد العزّى، ومكرز بن حفص بن الأخيف، فبيّتوا خزاعة ليلا، وهم غارّون «2» آمنون فقتلوا منهم عشرين رجلا، ثم ندمت قريش على ما صنعت، وعلموا أن هذا نقض للمدّة والعهد الّذى بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج عمرو بن سالم الخزاعىّ فى أربعين راكبا من خزاعة، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرونه بالّذى أصابهم ويستنصرونه.
قال ابن إسحاق: قدم عمرو بن سالم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فوقف ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فى المسجد بين ظهرانى الناس، فقال:
يا ربّ إنّى ناشد محمّدا
…
حلف أبينا وأبيه الأتلدا «3»
قد كنتم ولدا وكنّا والدا
…
ثمّت أسلمنا فلم ننزع يدا «4»
فانصر هداك الله نصرا أبدا «1»
…
وادع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجرّدا
…
إن سيم خسفا وجهه تربّدا «2»
فى فيلق «3» كالبحر يجرى مزبدا
…
إن قريشا أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكّدا
…
وجعلوا لى فى كداء رصّدا «4»
وزعموا أن لست أدعو أحدا
…
وهم أذلّ وأقلّ عددا
هم بيّتونا بالوتير هجّدا
…
وقتّلونا ركّعا وسجّدا «5»
يقول: قتلنا وقد أسلمنا، ويروى بدل قوله:
…
قد كنتم ولدا وكنّا والدا
نحن ولدناكم فكنت ولدا
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نصرت يا عمرو بن سالم» .
وروى محمد بن سعد فى طبقاته، قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجرّ رداءه ويقول: «لا نصرت إن لم أنصر بنى كعب ممّا أنصر منه نفسى» .
ثم عرض له سحاب، فقال: إن هذا السحاب ليستهلّ بنصر بنى كعب.
قال محمد بن إسحاق: وقدم بديل بن ورقاء فى نفر من خزاعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بما أصيب منهم، وبمظاهرة قريش بنى بكر عليهم
ثم انصرفوا راجعين إلى مكّة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:
«كأنّكم بأبى سفيان قد جاءكم ليشدّ العقد ويزيد فى المدّة» ، ومضى بديل بن ورقاء وأصحابه حتى لقوا أبا سفيان بن حرب بعسفان «1» ، قد بعثته قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشدّ العقد، ويزيد فى المدّة، فقال له أبو سفيان: من أين أقبلت يا بديل؟ قال: تسيّرت فى خزاعة فى هذا الساحل وفى بطن هذا الوادى؛ قال: أو ما جئت محمّدا؟ قال: لا، وفارقه، فقال أبو سفيان: لئن كان بديل جاء إلى يثرب لقد علف النوى بها، فأتى مبرك راحلته فأخذ من بعرها ففتّه، فرأى فيه النوى، فقال: أحلف بالله لقد جاء بديل محمّدا؛ ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على محمّد صلى الله عليه وسلم، فدخل على ابنته أمّ حبيبة، وذهب ليجلس على فراش النبىّ صلى الله عليه وسلم، فطوته، فقال: يا بنيّة، ما أدرى أرغبت بى عن هذا الفراش، أم رغبت به عنّى، قالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت رجل مشرك نجس، فلم أحبّ أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: والله لقد أصابك بعدى يا بنيّة شرّ، ثم خرج حتّى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلّمه، فلم يردّ عليه شيئا، ثم ذهب إلى أبى بكر وكلّمه أن يكلّم «2» رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما أنا بفاعل؛ ثم أتى عمر بن الخطّاب فكلّمه، فقال: أنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فو الله لو لم أجد إلّا الذّرّ لجاهدتكم به؛ ثم دخل على علىّ بن أبى طالب، وعنده فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندها الحسن ابنها غلام يدب بين يديها، فقال: يا علىّ،
إنّك أمسّ القوم بى رحما، وإنى قد جئت فى حاجة فلا أرجعنّ «1» كما جئت خائبا، فاشفع لى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ويحك يا أبا سفيان، والله لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلّمه فيه، فالتفت إلى فاطمة فقال: يا بنت محمّد، هل لك أن تأمرى بنيّك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر؟ قالت: والله ما بلغ بنىّ ذاك أن يجير بين الناس، وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: يا أبا الحسن، إنى أرى الأمور قد اشتدّت علىّ، فانصحنى، قال: والله ما أعلم شيئا يغنى عنك، ولكنّك سيّد بنى كنانة. فقم فأجر بين الناس، ثم الحق بأرضك، قال: أو ترى ذلك مغنيا عنّى شيئا؟ قال: لا والله، ما أظنّه، ولكن لا أجد لك غير ذلك، فقام أبو سفيان فى المسجد فقال: أيّها الناس، إنّى قد أجرت بين الناس، ثم ركب بعيره وانطلق، فلمّا قدم مكّة على قريش قالوا: ما وراءك؟ قال: جئت محمدا فكلّمته، فو الله ما ردّ علىّ شيئا، ثم جئت ابن أبى قحافة فلم أجد فيه خيرا، ثم جئت ابن الخطّاب فوجدته أعدى العدوّ، ثمّ جئت «2» عليّا فوجدته ألين القوم، وقد أشار علىّ بشىء صنعته، فو الله ما أدرى هل يغنى شيئا أم لا؟ قالوا: وبم أمرك؟ قال: أمرنى أن أجير بين الناس، ففعلت، قالوا: فهل أجاز ذلك محمد؟ قال: لا؛ قالوا:
ويلك، والله إن زاد الرجل على أن لعب منك «3» ، فما يغنى عنك ما فعلت «4» ، ثم تجهّز