الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيقولون: يوم الحجّ الأكبر؛ قال: فيقول: «قل لهم: إن الله قد حرّم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربّكم كحرمة يومكم هذا» .
وعن عمرو بن خارجة قال: بعثنى عتّاب بن أسيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حاجة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة، فبلغته، ثم وقفت تحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنّ لغامها «1» ليقع على رأسى، فسمعته وهو يقول:«أيها الناس؛ إن الله قد أدى إلى كل ذى حقّ حقّه، وإنه لا تجوز وصيّته لوارث، والولد للفراش، وللعاهر الحجر، ومن ادّعى إلى غير أبيه، أو تولّى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا» .
وأمّا عمره صلى الله عليه وسلم
فقد روى عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما، قال: اعتمر النبىّ صلى الله عليه وسلم أربع عمر: عمرة الحديبية، وهى عمرة الحصر، وعمرة القضاء من قابل، وعمرة الجعرانة، والرابعة التى مع حجّته.
وعن قتادة: قلت لأنس بن مالك: كم اعتمر النبىّ صلى الله عليه وسلم؟ قال:
أربعا، عدّ منها عمرته مع حجّته، وقد قدّمنا ذكر عمرة الحديبية مع الغزوات، وذكرنا عمرة الجعرّانة عند ذكرنا لقسم مغانم حنين، وعمرته مع حجّته قد اختلف فيها.
وأمّا عمرة القضاء
فقد أوردها بعض أهل السّير فى الغزوات، وترجم عليها:«عمرة القضيّة» ، وحجّة من أوردها فى الغزوات أنه صلى الله عليه وسلم خرج معه السلاح، ولم يخرج به
صلى الله عليه وسلّم لقصد الغزاة، وإنما خرج به احتياطا. وكان من خبر هذه العمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما استهل هلال ذى القعدة سنة سبع من مهاجره أمر أصحابه أن يعتمروا قضاء لعمرتهم التى صدّهم المشركون عنها بالحديبية، وألا يتخلف أحد ممن شهد الحديبية، فلم يتخلف منها إلا من مات أو قتل بخيبر، وخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم من المسلمين عمّارا ممن لم يشهدا الحديبية، فكانوا فى عمرة القضيّة ألفين، واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا ذر الغفارىّ، حكاه ابن سعد- وقال ابن إسحاق:
عويف بن الأضبط الدّيلىّ- وساق صلى الله عليه وسلم ستّين بدنة، وجعل على هدية ناجية بن جندب الأسلمىّ.
قال ابن سعد: وحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم السلاح والبيض والدّروع والرماح، وقاد مائة فرس، فلما انتهى إلى ذى الحليفة، قدّم الخيل أمامه، عليها محمد بن مسلمة، وقدم السلاح، واستعمل عليه بشير بن سعد، وأحرم صلى الله عليه وسلم من باب المسجد، ولبّى والمسلمون معه يلبّون. ومضى محمد بن مسلمة فى الخيل إلى مرّ الظّهران فوجد بها نفرا من قريش، فسألوه، فقال: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبّح هذا المنزل غدا إن شاء الله، فأتوا قريشا بالخبر، ففزعوا، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرّ الظهران، وقدّم السلاح إلى بطن يأحج حيث [ينظر «1» ] إلى أنصاب الحرم، وخلّف عليه أوس بن خولىّ الأنصارى فى مائتى رجل، وخرجت قريش من مكة إلى رءوس الجبال، فقدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدى أمامه، فحبس بذى طوى، وخرج على راحلته القصواء
والمسلمون متوشّحون السيوف، محدقون به صلى الله عليه وسلم يلبّون، فدخل على الثنية التى تطلعه على الحجون، وعبد الله بن رواحة آخذ بزمام راحلته وهو يقول:
خلّوا بنى الكفّار عن سبيله
…
خلّوا فكلّ الخير فى رسوله
يا ربّ إنّى مؤمن بقيله
…
أعرف حقّ الله فى قبوله
نحن قتلناكم «1» على تأويله
…
كما قتلناكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله
…
ويذهل الخليل عن خليله
قال ابن هشام: قوله «نحن قتلناكم على تأويله» إلى آخر الأبيات، لعمّار بن ياسر فى غير هذا اليوم.
قال ابن سعد: ولما ارتجز ابن رواحة قال له عمر بن الخطّاب: إيّها «2» يابن رواحة! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عمر، إنى أسمع» ؛ فأسكت عمر، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إيها «3» يابن رواحة!، قل لا إله إلا الله وحده، نصر عبده، وأعزّ جنده، وهزم الأحزاب وحده» ، فقالها ابن رواحة. ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبى حتى استلم الركن بمحجنه مضطبعا بثوبه، وطاف على راحلته، والمسلمون يطوفون معه وقد اضطبعوا بثيابهم، ثم طاف بين الصفا والمروة على راحلته، فلما كان الطواف السابع عند فراغه وقد وقف الهدى عند المروة قال:«هذا المنحر، وكلّ فجاج مكّة منحر» ، فنحر عند المروة، وحلق هناك، وكذلك فعل المسلمون، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا منهم أن يذهبوا إلى أصحابهم ببطن يأجج فيقيموا على السلاح، ويأتى الآخرون فيقضوا نسكهم؛ ففعلوا، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثا. وتزوج ميمونة بنت الحارث الهلاليّة، فلما كان عند الظهر من اليوم الرابع أتاه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزّى
فقالا: قد انقضى أجلك، فاخرج عنّا، فأمر أبا رافع فنادى بالرحيل وقال: لا يمسينّ بها أحد من المسلمين، وأخرج عمارة بنت حمزة بن عبد المطلب من مكة، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل سرف وتتامّ الناس إليه، وأقام أبو رافع بمكة حتى أمسى، فحمل إليه ميمونة، فبنى عليها صلى الله عليه وسلم بسرف، ثم أدلج فسار حتى قدم المدينة، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا.
كمل الجزء السابع عشر من كتاب «نهاية الأرب فى فنون الأدب» للتويرىّ رحمه الله. ويليه الجزء الثامن عشر وأوّله: (وفادات العرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .