الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن عمرو، ومن بنى سلمة «1» ثم من بنى حرام أربعة نفر، وهم: عبد الله بن عمرو ابن حرام، وعمرو بن الجموح بن زيد بن حرام، وخلّاد بن عمرو بن الجموح، وأبو أيمن «2» مولى عمرو بن الجموح. ومن بنى سواد بن غنم ثلاثة نفر، وهم:
سليم بن عمرو بن حديدة، ومولاه عنترة، وسهل «3» بن قيس بن أبى كعب بن القين. ومن بنى زريق [بن عامر «4» ] رجلان، وهما: ذكوان «5» بن عبد قيس، وعبيد بن المعلّى بن لوذان. ومن بنى خطمة من الأوس: الحارث بن عدىّ بن خرشة بن أمية. ومن بنى سالم «6» بن عوف: عمرو بن إياس.
ذكر تسمية من قتل من المشركين يوم أحد
قتل من المشركين يوم أحد اثنان وعشرون رجلا: من بنى عبد الدار بن قصىّ أحد عشر رجلا- وهم أصحاب اللواء- طلحة بن أبى طلحة، قتله على بن أبى طالب، وأبو سعيد بن أبى طلحة، قتله سعد بن أبى وقّاص، ويقال: على، وعثمان بن أبى طلحة، قتله حمزة بن عبد المطلب، ومسافع بن طلحة «7» بن أبى طلحة، قتله عاصم ابن ثابت بسهم، والجلاس بن طلحة، قتله عاصم أيضا كما تقدّم، وكلاب بن طلحة والحارث بن طلحة، قتلهما قزمان حليف لبنى ظفر، وأرطاة بن عبد بن شرحبيل ابن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، قتله حمزة، ويقال: قتله على، وأبو زيد «8» ابن عمير بن هاشم، قتله قزمان، وصؤاب غلام لهم حبشىّ، قتله قزمان، والقاسط
ابن شريح بن هاشم، قتله قزمان. ومن بنى أسد بن عبد العزّى بن قصىّ: عبد الله ابن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد: قتله على بن أبى طالب. ومن بنى زهرة ابن كلاب رجلان، وهما. أبو الحكم بن الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفى، حليف لهم، قتله على بن أبى طالب، وسبّاع بن عبد العزّى- واسم عبد العزى عمرو بن نضلة بن غبشان- حليف لهم من خزاعة، قتله حمزة كما تقدم.
ومن بنى مخزوم أربعة نفر، وهم: هشام بن أبى أمية بن المغيرة، قتله قزمان، والوليد ابن العاص بن المغيرة، قتله قزمان أيضا، وأبو أمية بن أبى حذيفة بن المغيرة، قتله على بن أبى طالب، وخالد بن الأعلم حليف لهم، قتله قزمان. ومن بنى جمح رجلان، وهما: عمرو بن عبد الله بن عمير بن وهب بن حذافة بن جمح، وهو أبو عزّة، قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم صبرا- وكان قد أسر يوم بدر، فمنّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطلقه كما ذكرنا، فقال: لا أكثر عليك جمعا؛ فلم يف، وخرج يوم أحد مع المشركين فأسر، ولم يؤسر يومئذ غيره، فقال: منّ علىّ يا محمد؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المؤمن لا يلدغ من حجر مرتين، لا ترجع إلى مكة تمسح عارضيك، تقول: سحرت «1» محمدا مرتين، ثم أمر عاصم بن ثابت ابن الأفلح فضرب عنقه- وأبىّ بن خلف بن حذافة بن جمح، قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده كما تقدم. ومن بنى عامر بن لؤى رجلان، وهما: عبيدة «2» بن جابر وشيبة بن مالك بن المضرب، قتلهما قزمان، ويقال: قتل «3» عبيدة بن جابر عبد الله بن مسعود.
قال محمد بن سعد فى طبقاته: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ من أحد، فصلى المغرب بالمدينة، وشمت عبد الله بن أبىّ بن سلول والمنافقون بما نيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نفسه وأصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن ينالوا منّا مثل هذا اليوم حتى نستلم الرّكن. قال: وبكت الأنصار على قتلاهم، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم البكاء فبكى، وقال:
لكنّ حمزة لا بواكى له، فلما رجع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير إلى دار بنى عبد الأشهل أمرا نساءهم أن يتحزّمن، ثم يذهبن فيبكين على عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بكاءهنّ على حمزة خرج عليهنّ وهنّ على باب مسجده يبكين، فقال: ارجعن يرحمكنّ الله، فقد آسيتنّ بأنفسكن.
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم [يومئذ «1» ] عن النوح.
وروى عن سعد بن أبى وقّاص رضى الله عنه، قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بنى دينار، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد، فلما نعوا لها قالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خيرا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبيّن؛ قالت: أرونيه حتى أنظر إليه؛ قال: فأشير لها إليه صلى الله عليه وسلم، حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل؛ رضى الله عنها.
ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كانت فاطمة- رضى الله عنها- تغسل جرحه؛ وعلىّ يسكب الماء عليها بالمجن، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدّم إلا كثرة، عمدت إلى قطعة من حصير فأحرقتها، وألصقت ذلك على الجرح فاستمسك الدّم، ولم يبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة إلا تلك.
الليلة، ثم أصبح فخرج فى طلب العدوّ إلى حمراء الأسد، على ما نذكره إن شاء الله.
ولنصل غزوة أحد بتفسير ما أنزل الله تعالى فيها من القرآن.
ذكر ما أنزل «1» على رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن فى غزوة أحد، وما ورد فى تفسير ذلك
قال محمد بن إسحاق، رحمه الله: وكان مما أنزل الله تعالى فى غزوة أحد من القرآن ستون آية من سورة آل عمران، أول ذلك قوله تعالى:(وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ «2» الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
قال أبو إسحاق «3» أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبى النيسابورى- رحمه الله فى تفسيره المترجم بالكشف والبيان عن تفسير القرآن: إن المشركين أقاموا بأحد يوم الأربعاء والخميس والجمعة، وذكر نحو ما قدمناه من خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة السبت للنصف من شوّال، وأنه صلى الله عليه وسلم جعل يصفّ أصحابه للقتال كما يقوم القدح، إذا رأى صدرا خارجا قال: تأخّر، فذلك قوله تعالى:(وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ)
الآية «4» ، وقوله تعالى:(إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)
تفشلا، أى تجبنا وتضعفا ومتخلّفا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما بنو سلمة بن الخزرج، وبنو حارثة بن الأوس،
وكانا جناحى العسكر، وذلك أن عبد الله بن [أبىّ بن سلول «1» ] لما انخزل بثلث الناس كما قدمنا وقال هو ومن وافقه من أصحابه:(لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ)
؛ همّ «2» بنو سلمة وبنو حارثة بالانصراف معه، فعصمهم الله تعالى فلم ينصرفوا، ومضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكّرهم الله تعالى عظيم نعمته، فقال:(وَاللَّهُ وَلِيُّهُما)
أى ناصرهما وحافظهما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ*
ثم ذكّرهم الله منّته عليهم إذا نصرهم «3» ببدر، فقال:(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ)
إلى قوله:
(وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)
قوله: (لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ)
. «ليقطع طرفا» أى يهلك طائفة «أو يكبتهم» أى يهزمهم «فينقلبوا خائبين» أى لم ينالوا شيئا مما كانوا يرجون من الظفر بكم.
قوله تعالى: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ) .
اختلف العلماء فى سبب نزول هذه الآية، فقال عبد الله بن مسعود: أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو على المنهزمين عنه من أصحابه يوم أحد، وكان عثمان بن عفان منهم، فنهاه الله تعالى عن ذلك، وتاب عليهم، وأنزل هذه الآية. وقال عكرمة، وقتادة، ومقسم: أدمى رجل من هذيل يقال له: عبد الله ابن قمئة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان حتفه أن سلّط الله عليه تيسا فنطحه حتى قتله، وشجّ عتبة بن أبى وقاص رأسه وكسر رباعيته صلى الله عليه وسلم، فدعا عليه وقال: اللهم
لا يحل «1» عليه الحول حتى يموت كافرا [قال: «2» فما حال الحول حتى مات كافرا] فأنزل الله تعالى عليه «3» هذه الآية. وقال الربيع والكلبىّ: نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وقد شجّ فى وجهه وأصيبت رباعيته، فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلعن المشركين ويدعو عليهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، لعلمه فيهم أن كثيرا منهم سيؤمنون.
قوله تعالى: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ)
قيل: أمثال. وقيل: أمم.
والسّنّة الأمّة، قال الشاعر:
ما عاين الناس من فضل كفضلهم
…
ولا رأوا مثلهم فى سالف السّنن
وقيل: أهل سنن؛ وقيل: أهل شرائع؛ قال: معنى الآية: قد مضت وسلفت منّى فيمن قبلكم من الأمم الماضية المكذّبة الكافرة سنن بإمهالى واستدراجى إيّاهم حتى بلغ الكتاب فيهم أجلى الذى أجلت- لإدالة «4» أنبيائى- وأهلكتهم.
(فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) *
أى منهم، فأنا أمهلهم وأستدرجهم حتى يبلغ الكتاب أجلى الذى أجّلت فى نصرة النبىّ وأوليائه وهلاك أعدائه.
قوله تعالى: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
قال:
هذه الآية «5» تعزية من الله تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين على ما أصابهم من القتل والجرح يوم أحد، وحثّ منه إيّاهم على قتال عدوّهم، ونهى عن العجز
والفشل، فقال تعالى:«ولا تهنوا» أى لا تضعفوا ولا تجبنوا من جهاد أعدائكم [بما «1» نالكم يوم أحد من القتل والقرح. «ولا تحزنوا» على ظهور أعدائكم] ولا على ما أصابكم من الهزيمة والمصيبة «وأنتم الأعلون» أى لكم تكون العاقبة بالنصر «2» والظفر «إن كنتم مؤمنين» .
قوله تعالى: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ)
أى جرح يوم أحد فقد مسّ القوم جرح مثله يوم بدر. (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)
يعنى إنما كانت هذه المداولة ليرى الله الذين آمنوا- يعنى منكم- ممن نافق، فيميز بعضهم من بعض.
وقيل: المعنى «وليعلم الله الّذين آمنوا» بأفعالهم موجودة كما علمها منهم قبل أن كلّفهم.
«ويتّخذ منكم شهدآء» يكرم أقواما بالشهادة، وذلك أن المسلمين قالوا: أرنا يوما كيوم بدر نقاتل فيه المشركين ونلتمس الشهادة. فلقوا المشركين يوم أحد، فاتّخذ الله منهم شهداء.
قوله تعالى: (وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ)
يعنى يطهّر الذين آمنوا من ذنوبهم «ويمحق الكافرين» يفنيهم ويهلكهم وينقصهم. ثم عزّاهم الله تعالى فقال: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) .
قوله تعالى: (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)
وذلك أنه لما قتل عبد الله بن قمئة مصعب بن عمير، وصرخ صارخ- يقال: هو إبليس، لعنه الله- ألا إن محمدا قد قتل. وانهزم الناس، فقال بعض المسلمين: ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبىّ فيأخذ لنا أمانا من بنى أبى سفيان. وجلس بعض الصحابة وألقوا «1» بأيديهم. وقال أناس من أهل النفاق: إن كان محمد قد قتل فالحقوا بدينكم الأوّل. فقال أنس بن النضر: يا قوم، إن كان قد قتل محمد فإن ربّ محمد لم يقتل، وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله؟ فقاتلوا على ما قاتل عليه، وموتوا على ما مات عليه؛ ثم قال: اللهم إنى أعتذر إليك مما قال «2» هؤلاء- يعنى المسلمين- وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء- يعنى المنافقين- ثم قاتل حتى قتل. ثم إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم انطلق إلى الصخرة، وهو يدعو الناس، فانحدر إليه طائفة من أصحابه، فلامهم صلى الله عليه وسلم على الفرار، فقالوا: يا نبىّ الله، فديناك بآبائنا وأمهاتنا أتانا الخبر بأنك قتلت فرعبت «3» قلوبنا فولّينا مدبرين. فأنزل الله تعالى:«وما محمد إلّا رسول قد خلت من قبله الرّسل أفإن مات» أى على فراشه «أو قتل انقلبتم على أعقابكم» أى رجعتم إلى دينكم الأوّل الكفر «ومن ينقلب على عقبيه» فيرتدّ عن دينه «فلن يضرّ الله شيئا» بارتداده، وإنما يضرّ نفسه «وسيجزى الله الشّاكرين» أى المؤمنين.
قوله تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ))
قيل: الربّيّون الألوف والرّبّة «4» الواحدة عشرة آلاف. وقيل: الربّيون العلماء والفقهاء. وقيل: الأتباع
وقيل: الرّبانيون الولاة، والربّيون الرعيّة. وقيل: الرّبيّون الذين يعبدون الرّب تعالى. قال: ومعنى الآية، فما ضعفوا عن الجهاد «لما أصابهم فى سبيل الله» لما نالهم من الجراح وقتل الأصحاب، وما عجزوا بقتل نبيهم «وما ضعفوا وما استكانوا» قال قتادة والربيع: يعنى وما ارتدوا عن بصيرتهم»
ودينهم، ولكنهم قاتلوا على ما قاتل عليه نبيّهم حتى لحقوا بالله تعالى. قال السّدّى: وما ذلّوا.
وقال عطاء: وما تضرّعوا. وقال مقاتل: وما استسلموا وما خضعوا لعدوّهم، ولكنّهم صبروا على أمر ربّهم، وطاعة نبيّهم، وجهاد عدوّهم «والله يحبّ الصّابرين» .
قوله تعالى: (وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ))
[قال «2» : معنى الآية، «قولهم» عند قتل نبيهم «إلّا أن قالوا ربّنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا» يعنى خطايانا «وثبّت أقدامنا» لئلا تزول «وانصرنا على القوم الكافرين» ] .
قوله تعالى: (فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا))
يعنى النصر والغنيمة (وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ))
الجنّة «3» (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) *.
قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا))
قال علىّ، رضى الله عنه: يعنى المنافقين فى قولهم للمؤمنين عند الهزيمة: ارجعوا إلى إخوانكم، وادخلوا فى دينكم. (يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ))
أى ترجعوا على أوّل أمركم الشّرك (فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ)) *
أى فتصيروا مغبونين (بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ))
أى ناصركم وحافظكم على دينكم (وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ)) .
قوله تعالى: (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ))
قال السدّى: لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين نحو مكة انطلقوا حتى بلغوا بعض الطريق ثم إنهم ندموا، وقالوا: بئس ما صنعنا، قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلا الشّريد تركناهم، ارجعوا فاستأصلوهم؛ فلما عزموا على ذلك ألقى الله تعالى «1» في قلوبهم الرعب، حتى رجعوا عما همّوا به، فأنزل الله تعالى:«سنلقى فى قلوب الّذين كفروا الرّعب» يعنى الخوف (بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً))
أى حجة وبيانا وعذرا وبرهانا، ثم أخبر الله «2» تعالى عن مصيرهم، فقال:(وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ))
أى مقام الكافرين.
قوله تعالى: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ))
قال محمد بن كعب القرظىّ: لما رجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، وقد أصابهم ما أصابهم بأحد، قال ناس من أصحابه: من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر؟ [فأنزل «3» الله تعالى «ولقد صدقكم الله وعده» أى الذى وعد بالنصر] والظفر، وهو قوله تعالى:
«بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا» )
الآية. وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم [للرّماة «4» ] :
«لا تبرحوا مكانكم فلن تزال غالبين ما ثبتم مكانكم» وقوله [تعالى «5» ] : (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ))
أى تقتلونهم قتلا ذريعا شديدا، وذلك عند هزيمتهم كما تقدّم. قوله:
(حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ))
«فشلتم» : أى جبنتم وضعفتم «وتنازعتم» أى اختلفتم. وهو ما وقع بين الرّماة، ونزول أكثرهم لتحصيل الغنيمة كما تقدّم، فكانت الهزيمة بسبب ذلك. قوله:(مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ))
وهو الظفر والغنيمة. قوله: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا «1» )
يعنى الذين تركوا المركز وأقبلوا على النهب (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ)
يعنى الذين ثبتوا مع عبد الله بن جبير أمير الرماة حتى قتلوا. قوله: (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ)
أى ردّكم عنهم بالهزيمة (لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ)
أى فلم يستأصلكم بعد المعصية والمخالفة (وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) .
قوله تعالى: (إِذْ تُصْعِدُونَ)
يعنى ولقد عفا عنكم إذ تصعدون هاربين (وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ)
. ثم رجع إلى الخطاب، فقال:(وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ)
قال يقال: أصعدت إذا مضيت حيال وجهك، وصعدت إذا ارتقيت فى جبل أو غيره، والإصعاد: السير فى مستوى الأرض وبطون الأودية والشّعاب، والصعود: الارتفاع على الجبال وغيرها. وقال المبرد: أصعد إذا أبعد فى الذهاب.
قال الشاعر:
ألا أيّهذا السائلى أين أصعدت «2»
…
فإن لها فى أهل يثرب موعدا
وقال الفرّاء: الإصعاد الابتداء فى كل سفر، والانحدار الرجوع منه. وقوله:
«ولا تلوون على أحد» يعنى ولا تعرجون ولا تقيمون على أحد منكم، ولا يلتفت بعضكم إلى بعض هربا وفرارا، قال الكلبى:«على أحد» يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم.
(وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ)
يعنى فى آخركم ومن ورائكم: إلىّ عباد الله، إلىّ عباد الله، فأنا رسول الله، من يكرّ فله الجنة. (فَأَثابَكُمْ)
أى فجازاكم؛ جعل الإثابة بمعنى العقاب، كقوله:«فبشّرهم بعذاب أليم» ؛ معنى الآية: أى جعل مكان الثواب الذى كنتم ترجون (غَمًّا بِغَمٍّ)
قال الحسن: يعنى بغمّ المشركين يوم بدر. وقال غيره: غما على غمّ. وقيل: غما متصلا بغم، فالغم الأوّل «3» ما فاتهم من الغنيمة
والظفر، والغم الثانى ما نالهم من القتل والهزيمة. وقيل: الغم الأوّل ما أصابهم من القتل والجراح، والغم الثانى ما سمعوا أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد قتل، فأنساهم الغم الأوّل. وقيل: غير هذه الأقوال. والله أعلم. قوله تعالى: (لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ)
أى من الفتح والغنيمة (وَلا ما أَصابَكُمْ)
من القتل والهزيمة؛ هذا أنساكم ذلك الغمّ، وهمّكم ما أنتم فيه عما كان قد أصابكم قبل. وقال المفضّل:«لا» صلة. معناه: لكى تحزنوا على ما فاتكم وما أصابكم عقوبة لكم فى خلافكم إياه، وترككم المركز (وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) *.
قوله: (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) .
روى عن عبد الله بن الزبير عن أبيه، رضى الله عنهما، قال: لقد رأيتنى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتدّ الخوف علينا أرسل الله تعالى علينا النوم، والله إنّى لأسمع قول معتّب بن قشير والنّعاس يغشانى ما أسمعه إلا كالحلم يقول:
لو كان لنا من الأمر شىء ما قتلنا هاهنا، فأنزل الله عز وجل الآية. وقال عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما. أمنهم يومئذ بنعاس يغشاهم بعد خوف، وإنما ينعس من يأمن والخائف لا ينام. وعن أنس عن أبى طلحة قال: رفعت رأسى
يوم أحد ما أرى أحدا من القوم إلا وهو يميد تحت حجفته «1» من النعاس. قال أبو طلحة: وكنت ممن ألقى الله «2» تعالى عليه النعاس يومئذ، فكان السيف يسقط من يدى فآخذه، ثم يسقط السوط من يدى فآخذه من النوم. «وطائفة» يعنى المنافقين [معتب «3» بن قشير وأصحابه]«قد أهمّتهم أنفسهم» أى حملتهم على الهمّ «يظنّون بالله غير الحقّ» أى لا ينصر محمدا، وقيل: ظنوا أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد قتل. «ظنّ الجاهليّة» أى كظن أهل الجاهلية والشّرك «يقولون هل لنا» أى ما لنا، لفظه استفهام ومعناه جحد «من الأمر من شىء» يعنى التّصرف «قل إنّ الأمر كلّه لله» وذلك أن المنافقين قال بعضهم لبعض: لو كانت لنا عقول لم نخرج مع محمد إلى قتال أهل مكة، ولم يقتل رؤساؤنا. فذلك قوله تعالى:(يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا» )
فقال الله تعالى لنبيه- صلى الله عليه وسلم قل لهم (لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ» )
أى لخرج «الّذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم» أى مصارعهم «وليبتلى الله» أى ليختبر الله «ما فى صدوركم وليمحّص» أى يخرج ويظهر (ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» )
أى بما فى القلوب من خير أو شر «4» .
قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ)
أى انهزموا منكم يا معشر المؤمنين (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) *
جمع المسلمين وجمع المشركين (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ)
أى
حملهم على الزّلل. وقال الكلبى: زين لهم أعمالهم بِبَعْضِ ما كَسَبُوا)
أى بشؤم ذنوبهم. قال المفسرون: بتركهم المركز. وقال الحسن: بما كسبوا قبولهم من إبليس ما وسوس إليهم من الهزيمة. (وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) .
قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا)
يعنى المنافقين عبد الله بن أبىّ وأصحابه (وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ)
في النفاق، وقيل: فى النسب.
(إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ)
ساروا وسافروا فيها للتجارة أو غيرها فماتوا (أَوْ كانُوا غُزًّى)
غزاة فقتلوا (لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ)
يعنى قولهم وظنّهم (حَسْرَةً) *
وحزنا (فِي قُلُوبِهِمْ) *
والحسرة: الاغتمام «1» على فائت كان يقدر «2» بلوغه.
قال الشاعر:
فوا حسرتى لم أقض منك لبانتى
…
ولم نتمتّع بالجور وبالقرب «3»
ثم أخبر تعالى أن الموت والحياة إلى الله، سبحانه، لا يتقدمان لسفر ولا يتأخران لحضر فقال عز وجل:(وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) .
قوله تعالى: (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ)
أى فى العاقبة (وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)
أى من الغنائم (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ)
أى فى العاقبة.
قوله تعالى: (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ)
أى سهلت لهم أخلاقك، وكثرة احتمالك فلم تسرع إليهم فيما كان منهم يوم أحد (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا)
أى جافيا سيّىء الخلق قليل الاحتمال. (غَلِيظَ الْقَلْبِ)
قال الكلبى: فظّا فى القول، غليظ
القلب فى الفعل (لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)
أى لتفرّقوا عنك، وأصل الفضّ الكسر، ومنه قولهم: لا يفضض الله فاك. قال أهل الإشارة فى هذه الآية: منه العطاء ومنه الثناء «1» . (فَاعْفُ عَنْهُمْ) *
أى عمّا أتوا يوم أحد (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) *
حتى أشفعك فيهم (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)
أى استخرج آراءهم، واعلم ما عندهم، وهو مأخوذ من قول العرب: شرت الدابّة وشوّرتها إذا استخرجت جريها، وعلمت خبرها، قال: ومعنى الآية وشاورهم فيما ليس عندك فيه من الله عهد، ويدل عليه قراءة ابن عباس «وشاورهم فى بعض الأمر» . قال الكلبى: يعنى فأظهرهم فى لقاء العدوّ، ومكايدة الحرب عند الغزوة. روى عن ابن عباس رضى الله عنهما فى قوله:
«وشاورهم فى الأمر» قال أبو بكر وعمر رضى الله عنهما، وقال مقاتل وقتادة والربيع: كانت سادات العرب إذا لم يشاوروا فى الأمر شقّ عليهم، فأمر الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يشاورهم فى الأمر، فإن ذلك أعطف لهم عليه، وأذهب لأضغانهم، وأطيب لأنفسهم، فإذا شاورهم عليه السلام عرفوا إكرامه لهم. قال:
(فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)
أى لا على مشاورتهم. وقرأ جعفر الصادق، وجابر ابن زيد، «فإذا عزمت» بضم التاء، أى عزمت لك ووفقتك وأرشدتك فتوكّل على الله (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) .
قوله تعالى: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ)
أى يعنكم ويمنعكم من عدوّكم (فَلا غالِبَ لَكُمْ)
مثل يوم بدر (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ)
أى يترككم ولا ينصركم، والخذلان القعود عن النصر، والإسلام «2» للهلكة والمكروه، قال: وقرأ عبيد بن عمير «وإن يخذلكم» بضم الياء وكسر الذال، أى يجعلكم مخذولين، ويحملكم على الخذلان والتخاذل،
كما فعلتم بأحد (فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ)
أى من بعد خذلانه (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) *.
قوله تعالى: (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ)
أى بأحد (قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها)
ببدر، وذلك أن المشركين قتلوا من المسلمين يوم أحد سبعين رجلا، وقتل المسلمون منهم يوم بدر سبعين، وأسروا سبعين (قُلْتُمْ أَنَّى هذا)
أى من أين لنا هذا القتل والهزيمة، ونحن مسلمون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا، والوحى ينزل عليه، وهم مشركون؟ وقد تقدّم فى قصة أسارى بدر خبر التخيير قتلهم أو مفاداتهم، ويقتل منهم مثلهم فى العام القابل، واختيارهم الفداء، وذلك قوله:(قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ)
أى بأخذكم الفداء واختياركم القتل، (إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) *.
قوله تعالى: (وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ)
أى بأحد من القتل والجرح والهزيمة والمصيبة (فَبِإِذْنِ اللَّهِ) *
أى بقضائه وقدره وعلمه (وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا)
أى ليميز، وقيل: ليرى. وقيل: لتعلموا أنتم أن الله قد علم نفاقهم، وأنتم لم [تكونوا «1» ] تعلمون ذلك. (وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
أى لأجل دين الله وطاعته (أَوِ ادْفَعُوا)
أى عن أهلكم وبلدكم وحريمكم، وقيل: أى كثّروا سواد المسلمين ورابطوا إن لم تقاتلوا، ليكون ذلك دفعا وقمعا للعدوّ (قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ)
وهو قول عبد الله بن أبىّ وأصحابه الذين انصرفوا معه، كما تقدّم من خبرهم عند اتباع عبد الله بن عمرو بن حرام أخو بنى سلمة لهم ومناشدته لهم فى الرجوع. قال الله تعالى:(هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ)
وذلك أنهم كانوا يظهرون الإيمان ويضمرون الكفر، فبين الله تعالى نفاقهم (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ) .
قوله تعالى: (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ)
قيل: فى النسب لا فى الدين، وهم شهداء أحد. (وَقَعَدُوا)
يعنى وقعد هؤلاء القائلون عن الجهاد (لَوْ أَطاعُونا)
وانصرفوا عن محمد، وقعدوا فى بيوتهم (ما قُتِلُوا)
قال تعالى: (قُلْ)
لهم يا محمد (فَادْرَؤُا)
أى فادفعوا (عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)
أن الحذر لا يغنى عن القدر.
قوله تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ)
روى عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أصيب إخوانكم يوم أحد جعل الله أرواحهم فى أجواف طيور «1» خضر، ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها، وتسرح من الجنة حيث شاءت، وتأوى إلى قناديل من ذهب تحت العرش، فلما رأوا طيب مقيلهم ومطعمهم ومشربهم، ورأوا ما أعدّ الله لهم من الكرامة، قالوا: يا ليت قومنا يعلمون ما نحن فيه من النعيم، وما صنع الله عز وجل بنا، كى يرغبوا فى الجهاد ولا ينكلوا عنه. فقال «2» عز وجل: أنا مخبر عنكم ومبلغ إخوانكم. ففرحوا بذلك واستبشروا، فأنزل الله تعالى:(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
الآيات، [إلى «3» ] قوله «أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ» ) .
وقال قتادة والربيع: ذكر لنا أن رجالا من أصحاب رسول الله «4» صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا ليتنا نعلم ما فعل إخواننا الذين قتلوا بأحد؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وعن مسروق قال: سألنا عبد الله بن مسعود عن هذه الآية، فقال: جعل الله تعالى أرواح شهداء أحد فى أجواف طير خضر، تسرح فى الجنة حيث شاءت، وتأوى إلى قناديل معلقة بالعرش، فاطّلع الله عز وجل إليهم اطّلاعة فقال: هل تشتهون شيئا فأزيدكموه؟ قالوا: ربنا، ألسنا نسرح فى الجنة فى أيها شئنا؛ ثم اطلع إليهم الثانية، فقال: هل تشتهون من شىء فأزيدكموه؟ فقالوا: ربنا، ألسنا نسرح فى الجنة فى أيها شئنا؛ ثم اطلع إليهم الثالثة، فقال: هل تشتهون من شىء فأزيدكموه؟ فقالوا: ليس فوق ما أعطيتنا شىء إلا أنا أحب أن تعيدنا أحياء، ونرجع إلى الدنيا فنقاتل فى سبيلك، فنقتل مرة أخرى فيك؛ قال: لا؛ قالوا:
فتقرئ نبيّنا منا السلام، وتخبره بأن قد رضينا، ورضى عنا؛ فأنزل الله، عز وجل هذه الآية.
وعن جابر بن عبد الله الأنصارى قال: قتل أبى يوم أحد، وترك علىّ بنات، فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أبشرك يا جابر؟ قلت: بلى يا رسول «1» الله؛ قال: إن أباك حيث أصيب بأحد أحياه الله تعالى وكلّمه كفاحا «2» ؛ فقال: يا عبد الله سلنى ما شئت؛ فقال: أسألك أن تعيدنى إلى الدنيا فأقتل فيك ثانيا؛ فقال:
يا عبد الله، إنى قضيت ألا أعيد إلى الدنيا خليقة قبضتها؛ قال: يا رب، فمن يبلغ قومى ما أنا فيه من الكرامة؟ قال الله تعالى: أنا؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقد روى أن هذه الآية نزلت فى أصحاب بئر معونة؛ وقيل: فى شهداء بدر.
والأحاديث الواردة والأخبار تدل على أنها فى شهداء أحد، والله أعلم.