الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاحتملته الرّيح حتى طرحته بجبل طيئ، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال:«ألم أنهكم ألّا يخرج منكم أحد إلّا ومعه صاحبه» ! ثم دعا الّذى أصيب «1» فشفى، وأمّا الآخر فإن طيّئا أهدته لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة.
قال ابن هشام: بلغنى عن الزّهرىّ أنه قال: لما مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر سجّى «2» ثوبه على وجهه، واستحثّ راحلته، ثم قال:«لا تدخلوا بيوت الّذين ظلموا إلّا وأنتم باكون خوفا أن يصيبكم مثل ما أصابهم» .
قال ابن إسحاق: لمّا أصبح الناس ولا ماء معهم شكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا، فأرسل لله تعالى سحابة فأمطرت حتّى ارتوى الناس واحتملوا حاجتهم من الماء.
وفى هذه الغزوة ضلّت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال زيد بن لصيب «3» ما قال، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال، فأخبر بشأنها، ووجدت كما وصف صلى الله عليه وسلم على ما قدّمنا ذلك فى أخبار المنافقين.
ذكر أخبار المنافقين وما تكلّموا به فى غزوة تبوك وما أنزل الله عز وجل فيهم من القرآن
كان ممّن أنزل الله عز وجل فيه من القرآن ما أنزل فى غزوة تبوك الجدّ ابن قيس، وهو الذى قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ائذن لى ولا تفتنّى؛ وقد تقدّم خبره مع أخبار المنافقين.
وقال قوم منهم: لا تنفروا فى الحرّ زهادة فى الجهاد؛ فأنزل الله عز وجل فيهم:
(وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ. فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)
«1» ، وقال رهط من المنافقين: منهم وديعة ابن ثابت أخو بنى عمرو بن عوف، ورجل من أشجع، حليف لبنى سلمة يقال له:
مخشّ بن حميّر- وقيل: مخشىّ «2» - وغيرهما بعضهم لبعض: أتحسبون جلاد بنى الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا، والله لكأنكم غدا بهم مقرّنين فى الحبال، يقولون ذلك إرجافا وترهيبا للمؤمنين.
فقال مخشىّ: والله لوددت أن أقاضى على أن يضرب كلّ رجل منّا مائة جلدة، وأنا ننفلت أو ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر:«أدرك القوم فإنهم قد احترقوا، فاسألهم عما قالوا، فإن أنكروا فقل لهم: بلى قد قلتم كذا وكذا» ، فانطلق إليهم عمّار، فقال ذلك لهم، فأتوا رسول الله صلّى الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه، فقال وديعة بن ثابت: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب.
وقال مخشىّ: يا رسول الله، قعد بى اسمى واسم أبى، فأنزل الله تعالى قوله:
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ. لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ)
«3» . فكان مخشىّ بن حمير ممن عفى عنه، فتسمى عبد الرحمن، وسأل الله أن يقتل شهيدا لا يعلم مكانه، فقتل يوم اليمامة، ولم يوجد له أثر. والله الموفق للصواب.