الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبا جندل من أبيه بعد القضية أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لهم فيما أحبوا وكرهوا. وحكى البيهقى: أن هؤلاء هم الذين مرّ بهم أبو العاص بن الربيع فأخذوا ما معه، فلما بلغهم ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلقوا من أسروا من أصحاب أبى العاص، وردّوا إليهم جميع ما أخذوه حتى العقال، وقد تقدم خبر أبى العاص، وقيل: إنما أخذ فى غير هذه السّريّة. والله أعلم.
قال: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا إلى أبى بصير وأبى جندل يأمرهما أن يقدما عليه، ويأمر من معهما ممن اتبعهما من المسلمين أن يرجعوا إلى بلادهم وأهليهم، ولا يعترضوا لأحد مرّ بهم من قريش وعيراتهم. فقدم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبى جندل وأبى بصير، وأبو بصير قد أشرف على الموت، فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى يده يقرؤه، فدفنه أبو جندل مكانه، وجعل عند قبره مسجدا، وقدم أبو جندل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ناس من أصحابه، ورجع سائرهم إلى أهليهم، وأمنت عيرات قريش.
ذكر غزوة خيبر وفتحها وما يتصل بذلك
قال محمد بن سعد: غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى جمادى الأولى سنة سبع من مهاجره. وقال محمد بن إسحاق وأبو بكر أحمد بن الحسين البيهقى:
فى المحرم من السنة. وخيبر على ثمانية برد من المدينة.
قالوا: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتهيؤ لغزاة خيبر، واجلب «1» من حوله يريدون الغزاة معه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يخرجنّ معنا
إلا راغب فى الجهاد» ، وشقّ ذلك على من بقى بالمدينة من اليهود، فخرج واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفارىّ، قاله ابن سعد والبيهقى. وقال ابن إسحاق:
استخلف نميلة بن عبد الله الليثى؛ وأخرج معه من أزواجه أم سلمة رضى الله عنها.
قال ابن إسحاق: لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر قال فى مسيره لعامر بن الأكوع- وهو عم سلمة بن عمرو بن الأكوع، واسم الأكوع سنان-:
«انزل يابن الأكوع، فخذ لنا من هناتك «1» » ، فنزل يرتجز برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
والله لولا الله ما اهتدينا
…
ولا تصدّقنا ولا صلّينا
إنا إذا قوم بغوا علينا
…
وإن أرادوا فتنة أبينا
فأنزلن سكينة علينا
…
وثبّت الأقدام إن لاقينا «2»
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحمك ربّك» . ومن رواية البيهقى:
«غفر لك ربّك» . قال: وما خص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا قط إلا استشهد. قال ابن إسحاق: فقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: وجبت والله يا رسول الله، لو متّعتنا بعامر؛ فقتل يوم خيبر شهيدا، رجع سيفه عليه وهو يقاتل، فكلمه كلما شديدا فمات.
قال: ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة سلك على عصر «1» فبنى له فيه «2» مسجدا، ثم على الصهباء «3» ، ثم أقبل بجيشه حتى نزل بواد يقال له: الرّجيع، فنزل بينهم وبين غطفان ليحول بينهم وبين أن يمدّوا أهل خيبر، وكانوا لهم مظاهرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فلما سمعت غطفان بمنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر جمعوا، ثم خرجوا ليظاهروا يهود عليه، حتى إذا ساروا منقلة «4» سمعوا خلفهم فى أموالهم وأهليهم حسّا، وظنوا أن القوم قد خالفوا إليهم، فرجعوا على أعقابهم فأقاموا فى أهليهم وأموالهم، وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خيبر.
قال: ولما أشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيبر قال لأصحابه: «قفوا» فوقفوا، ثم قال:«اللهم ربّ السموات وما أظللن، وربّ الأرضين وما أقللن، وربّ الشياطين وما أظللن، وربّ الرياح وما ذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها، أقدموا بسم الله» .
قال: ولما نزل بساحتهم ولم يتحركوا تلك الليلة، ولم يصح لهم ديك حتى طلعت الشمس، وأصبحوا وأفئدتهم تخفق، وفتحوا حصونهم، وغدوا إلى أعمالهم، معهم المساحى «5» ، والكرازن- وهى الفئوس- والمكاتل- وهى الزنابيل- فلما نظروا إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: محمد والخميس «1» - يعنون الجيش- فولوا هاربين إلى حصونهم، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» ، ووعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، وفرّق بينهم الرايات، ولم تكن الرايات إلا يوم خيبر، إنما كانت الأولوية «2» ، فكانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم السوداء من برد لعائشة أم المؤمنين رضى الله عنها تدعى العقاب، ولواؤه أبيض، ودفعه إلى على بن أبى طالب، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سعد بن عبادة؛ وكان شعارهم:«يا منصور أمت» ، وكانت حصون خيبر حصونا ذوات عدد، منها النّطاة، وحصن الصّعب ابن معاذ، وحصن ناعم، وحصن قلعة الزّبير «3» ، هذه حصون النطاة. والشّقّ وبه حصون منها: حصن أبىّ، وحصن النّزار. وحصون الكتيبة منها: القموص، والوطيح، وسلالم. وسنذكر إن شاء الله فتحها حصنا حصنا. قال: وخرج مرحب اليهودىّ من حصنهم، قد جمع سلاحه وهو يقول:
قد علمت خيبر أنّى مرحب
…
شاكى «4» السلاح بطل مجرّب
أطعن أحيانا وحينا أضرب
…
إذا الليوث أقبلت تحرّب «5»
إن حماى للحمى لا يقرب
ثم يقول: هل من مبارز؟ فأجابه كعب بن مالك وهو يقول:
قد علمت خيبر أنى كعب
…
مفرّج الغمّى جرىء صلب
إذ شبّت الحرب تليها الحرب
…
معى حسام كالعقيق عضب «1»
نطاكم حتى يذال «2» الصعب
…
نعطى الجزاء أو يفىء النّهب «3»
بكفّ ماض ليس فيه «4» عتب
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لهذا» ؟ فقال محمد بن مسلمة: أنا له يا رسول الله، أنا والله الموتور الثائر، قتل أخى بالأمس؛ قال:«فقم إليه، اللهم أعنه عليه» . فخرج إليه حتى دنا منه، فحمل مرحب عليه فضربه، فاتّقاه بالدّرقة، فأمسكت سيفه، وضربه محمد بن مسلمة فقتله. وقد روى أن الذى قتل مرحبا على بن أبى طالب رضى الله عنه، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى اللواء عمر بن الخطاب رضى الله عنه، ونهض من نهض معه من الناس، فلقوا أهل خيبر، فانكشف عمر وأصحابه، فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجبنّه أصحابه ويجبنّهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذته الشقيقة «5» فلم يخرج إلى الناس، فأخذ أبو بكر رضى الله عنه راية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نهض فقاتل قتالا شديدا ثم رجع، فأخذها عمر رضى الله عنه فقاتل قتالا شديدا أشدّ من القتال الأوّل، ثم رجع، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال:«أما والله لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، يأخذها عنوة» . وفى رواية قال: «يفتح الله على
يديه» . فبات الناس يذكرون ليلتهم أيّهم يعظاها، فلما أصبحوا غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أين على بن أبى طالب» ؟ فقالوا: هو يا رسول الله يشتكى عينيه؛ قال: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه سلمة بن الأكوع فدعاه، فجاء على بعير له حتى أناخ قريبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أرمد، قد عصب عينيه بشقّة برد قطرىّ «1» ، قال سلمة: فجئت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«مالك؟» قال: رمدت؛ فقال: «ادن منى» فدنا منه فتفل فى عينيه، ودعا له فبرئ حتى كأن لم يكن به وجع، وما وجعهما حتى مضى لسبيله، ثم أعطاه الراية وقال:«امض حتى يفتح الله عليك» قال:
يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ قال:«انفذ على «2» رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله، فو الله لئن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النّعم» روى هذا الحديث أو نحوه أهل الصحة.
ومن رواية ابن إسحاق عن سلمة بن الأكوع قال: فنهض علىّ بالراية وعليه حلّة أرجوان حمراء، وقد أخرج خملها «3» ، فأتى مدينة خيبر، وخرج مرحب صاحب الحصن، وعليه مغفر معصفر، وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه، وهو يرتجز ويقول:
قد علمت خيبر أنى مرحب
…
شاكى السلاح بطل مجرّب
أطعن أحيانا وحينا أضرب
…
إذا الحروب أقبلت تلهّب
كان حماى كالحمى لا يقرب
فبرز له علىّ بن «1» أبى طالب فقال:
أنا الذى سمّتنى أمّى حيدرة «2»
…
كليث غابات شديد قسورة «3»
أكيلكم بالسّيف كيل السّندرة «4»
فاختلفا ضربتين، فبدره علىّ رضى الله عنه فضربه، فقدّ الحجر والمغفر وفلق رأسه، حتى أخذ السيف فى الأضراس. ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر، وهو يرتجز ويقول:
قد علمت خيبر أنى ياسر
…
شاكى السلاح بطل مغاور «5»
إذا الليوث أقبلت تبادر
…
إن حماى فيه موت حاضر
وهو يقول: هل من مبارز؟ فخرج إليه الزبير بن العوام رضى الله عنه، وهو يقول:
قد علمت خيبر أنى زبّار
…
قرم «6» لقوم غير نكس «7» فرّار
أين حماة المجد «8» ؟ أين الأخيار؟
…
ياسر، لا يغررك جمع الكفّار
فجمعهم مثل السّراب الختّار «9»
فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب: أيقتل ابنى يا رسول الله؟ قال: «بل ابنك يقتله إن شاء الله» ثم التقيا، فقتله الزبير. ومن رواية أخرى عن سلمة قال: فخرج
على رضى الله عنه يهرول هرولة وإنّا لخلفه نتبع أثره، حتى ركز رأيته فى رضم حجارة تحت الحصن، فاطّلع إليه يهودى من رأس الحصن فقال: من أنت؟ قال:
أنا علىّ بن أبى طالب؛ فقال اليهودىّ: علوتم وما أنزل الله على موسى. وقال ابن إسحاق أيضا من رواية أبى رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
خرجنا مع علىّ رضى الله عنه حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل من يهود فطرح ترسه من يده، فتناول علىّ بابا كان عند الحصن فترّس به عن نفسه، فلم يزل فى يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه، ثم ألقاه من يده حين فرغ، فلقد رأيتنى فى نفر معى سبعة، أنا ثامنهم»
، نجهد على أن نقلب ذلك الباب، فما نقلبه.
قال محمد بن إسحاق وأبو بكر البيهقى وغيرهما: إن بنى سهم من أسلم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، جهدنا وما بأيدينا من شىء؛ فلم يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا يعطيهم إياه؛ فقال:«اللهم وإنك قد عرفت حالهم، وأن ليست بهم قوّة، وأن ليس بيدى شىء أعطيهم إياه، فافتح عليهم أعظم حصونها غناء، وأكثرها طعاما وودكا «2» » ، فغدا الناس، ففتح الله عليهم حصن الصّعب بن معاذ، وما بخيبر حصن كان أكثر منه طعاما وودكا. قال البيهقى:
وافتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم حصن ناعم، فانتقل من كان من يهود بحصن مصعب بن معاذ وحصن ناعم إلى قلعة الزّبير، ويقال: حصن ناعم أوّل ما افتتح من حصونهم، وعنده قتل محمود بن مسلمة، ألقيت عليه رحى منه فمات. قال: وحصن
الزبير حصن منيع فى رأس «1» قلّة، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم به ثلاثة أيام، فجاءه رجل من اليهود يقال له: غزال؛ فقال: يا أبا القاسم، تؤمننى على أن أدلك على ما تستريح به من أهل النّطاة، وتخرج إلى أهل الشّق؟ فإن أهل الشق قد هلكوا رعبا منك، فأمّته رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله وماله، فقال اليهودى: إنك لو أقمت شهرا ما بالوا، لهم دبول «2» تحت الأرض، يخرجون بالليل فيشربون منها ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمتنعون منك، فإذا قطعت مشربهم عليهم أصحروا «3» لك. فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دبولهم فقطعها، فلما قطع عليهم مشاربهم خرجوا فقاتلوا أشدّ قتال، وقتل من المسلمين يومئذ نفر، وأصيب من يهود فى ذلك اليوم عشرة، وافتتحه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان آخر حصون النطاة؛ فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من النطاة تحوّل إلى أهل الشّق، وبه حصون، فكان أوّل حصن بدأ به صلى الله عليه وسلم حصن أبىّ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على قلعة يقال لها سموان؛ فقاتل عليها أهل الحصن قتالا شديدا، وخرج رجل من اليهود يقال له غزول؛ فدعا إلى البراز، فبرز له الحباب بن المنذر، فاختلفا ضربات، ثم حمل عليه الحباب فقطع يده اليمنى من نصف الذراع، فسقط السيف من يده وهرب إلى الحصن، فتبعه الحباب فقطع عرقوبيه، فوقع، فذفّف «4» عليه، فخرج آخر فصاح: من يبارز؟ فبرز له رجل
من المسلمين من آل جحش، فقتل الجحشىّ، وقام مكانه يدعو إلى البراز، فبرز له أبو دجانة، قد عصب رأسه بعصابة حمراء فوق المغفر، يختال فى مشيته، فبدره أبو دجانة فضربه فقطع رجليه، ثم ذفّف عليه وأخذ سلبه؛ درعه وسيفه: فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وأحجموا عن البراز، فكبّر المسلمون، ثم تحاملوا على الحصن فدخلوه، يقدمهم أبو دجانة الأنصارىّ، فوجدوا فيه أثاثا ومتاعا وغنما وطعاما، وهرب من كان فيه من المقاتلة، وتقحموا الجدر كأنهم الظّبىّ إلى حصن النّزار، فعلّقوه وامتنعوا فيه، وزحف رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أصحابه فقاتلهم، فكانوا أشدّ أهل الشّق رميا بالنبل والحجارة، حتى أصاب النبل ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلقت به، فأخذ النبل فجمعها، ثم أخذ كفّا من حصباء، فحصب به حصنهم فرجف الحصن بهم، ثم ساخ فى الأرض حتى جاء المسلمون، فأخذوا أهله أخذا، ثم تحوّل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الكتيبة، فافتتح القموص، حصن أبى الحقيق، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه بصفيّة بنت حيىّ بن أخطب.
قالوا: ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم ما افتتح، وحاز من الأموال ما حاز، انتهوا إلى حصنيهم: الوطيح والسّلالم، وكانا آخر حصون أهل خيبر افتتاحا، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة ليلة حتى إذا أيقنوا بالهلكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسيّرهم، وأن يحقن دماءهم. قال البيهقىّ: حصرهم أربعة عشر يوما وهم لا يطلعون من حصونهم، حتى همّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينصب المنجنيق «1» عليهم، فلما أيقنوا
بالهلكة سألوا الصلح، وأرسل ابن أبى الحقيق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أنزل فأكملك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم» ، فنزل كنانة بن الربيع ابن أبى الحقيق فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقن دماء من فى حصونهم من المقاتلة، وترك الذريّة لهم، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم، ويخلّون بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ما كان لهم من مال وأرض، وعلى الصفراء والبيضاء والكراع والحلقة «1» ، وعلى البزّ إلا ثوبا على ظهر إنسان؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«وبرئت منكم ذمّة الله وذمّة رسوله إن كتمتونى شيئا» فصالحوه على ذلك. وكان عند كنانة بن الربيع بن أبى الحقيق كنز بنى النضير، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، فجحد أن يكون يعلم مكانه، وقال: نفد فى النفقة والحروب؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان أكثر من ذلك» ، ثم جاء رجل من يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنى رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة:«أرأيت إن وجدناه عندك، أقتلك؟» قال: نعم؛ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخربة فحفرت، فأخرج منها بعض كنزهم، ثم سأله عما بقى، فأبى أن يؤدّيه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الزّبير بن العوام به، فقال:«عذّبه حتى تستأصل ما عنده» ، فكان الزبير يقدح بزند فى صدره حتى أشرف على نفسه، ثم دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى محمد بن مسلمة، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة. ويقال:
كان ذلك بعد فتح حصن القموص، وقبل فتح الوطيح والسّلالم.