الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ)
(نَسُوا اللَّهَ) *
أى نسوا حق الله وتركوا أوامره (فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ)
[يعنى «1» حظ أنفسهم] أن يقدموا لها خيرا (أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ. لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) .
فقد أتينا- أكرمك الله- على تفسير ما أنزل من القرآن فى شأن بنى النضير مما يتعلق بشرح أخبارهم خاصة على حكم الاختصار، ولم نتعرض إلى ما سوى ذلك من التفسير.
ذكر غزوة بدر الموعد
غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لهلال ذى القعدة، على رأس خمسة وأربعين شهرا من مهاجره صلى الله عليه وسلم. حكاه محمد بن سعد.
وقال محمد بن إسحاق: كانت فى شعبان. وجعلها بعد غزوة ذات الرقاع، فتكون على رأس اثنين وأربعين شهرا من الهجرة، والأشبه ما قاله ابن سعد، لأن الميعاد كان على «2» رأس الحول من غزوة أحد، وغزوة أحد كانت فى شوّال على ما اتفقا عليه، ولم يتخلفا فى الشهر وإنما فى أيام ذكرناها هناك.
قال محمد بن سعد: لما دنا الموعد كره أبو سفيان الخروج، وقدم نعيم بن مسعود الأشجعى مكة، فقال له أبو سفيان: إنى قد واعدت محمدا وأصحابه أن نلتقى ببدر، وقد جاء ذلك الوقت، وهذا عام جدب، وإنما يصلحنا عام خصب غيداق «3» ، وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج فيجترئ علينا، فنجعل لك عشرين فريضة «4» يضمنها «5»
إليك سهيل بن عمرو على أن تقدم المدينة فتخذل أصحاب محمد. قال: نعم.
فحملوه على بعير، فأسرع السير حتى قدم المدينة، فأخبرهم بجمع أبى سفيان [لهم «1» ] وما معه من العدّة والسلاح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذى نفسى بيده لأخرجنّ وإن لم يخرج معى أحد.
واستخلف على المدينة عبد الله بن رواحة، وسار بالمسلمين وهم ألف وخمسمائة، والخيل عشرة أفراس، وحمل لواءه على بن أبى طالب، وخرج المسلمون ببضائع وتجارات لهم، وكانت بدر الصغرى مجتمعا يجتمع فيه العرب، وسوقا تقوم لهلال ذى القعدة إلى ثمان تخلو منه، ثم يتفرّق الناس إلى بلادهم.
فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى بدر ليلة هلال ذى القعدة؛ وقامت السوق صبيحة الهلال فأقاموا بها ثمانية أيام، وباعوا ما خرجوا به من التجارات، فربحوا للدرهم درهما، وانصرفوا، وقد سمع الناس بمسيرهم، وخرج أبو سفيان بن حرب من مكة فى قريش، وهم ألفان ومعهم خمسون فرسا حتى انتهوا إلى مجنّة- وهى «2» مرّ الظهران- ومنهم من يقول: بلغوا عسفان «3» . ثم قال: ارجعوا فإنه لا يصلحنا إلا عام خصب غيداق، نرعى فيه الشجر ونشرب اللبن، وعامكم هذا عام جدب، وإنى راجع فارجعوا. فسمى أهل مكة هذا الجيش جيش السّويق، يقولون: خرجوا يشربون السويق. قال: وقدم معبد ابن أبى معبد الخزاعى مكة بخبر مسير رسول الله- صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال صفوان بن أمية لأبى سفيان: قد نهيتك يومئذ أن تعد القوم وقد اجترءوا علينا ورأوا أن قد أخلفناهم.
وقال عبد الله بن رواحة:
وعدنا أبا سفيان وعدا «1» فلم نجد
…
لميعاده صدقا وما كان وافيا
فأقسم لو وافيتنا فلقيتنا
…
لأبت ذميما وافتقدت المواليا «2»
تركنا به أوصال عتبة وابنه
…
وعمرا أبا جهل تركناه ثاويا «3»
عصيتم رسول الله أفّ لدينكم
…
وأمركم السّىء «4» الذى كان غاويا
فإنى وإن عنّفتمونى لقائل
…
فدى لرسول الله أهلى وماليا
أطعناه لم نعد له فينا بغيره
…
شهابا لنا فى ظلمة الليل هاديا
وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، ورجعوا إلى المدينة.
وأنزل الله عز وجل فى شأن هذه الغزوة قوله تعالى: (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) .
قال السّدّى: لما تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه للمسير إلى بدر لميعاد أبى سفيان أتاهم المنافقون فقالوا: نحن أصحابكم الذين نهيناكم عن الخروج إليهم فعصيتمونا، وقد أتوكم فى دياركم [فقاتلوكم «5» ] وظفروا، فإن أتيتموهم فى ديارهم لا يرجع منكم أحد. فقالوا:(حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)
. فالناس فى هذه الآية أولئك المنافقون. وقال أبو معشر: دخل ناس من هذيل من أهل تهامة المدينة، فسألهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبى سفيان، فقالوا: قد جمعوا لكم جموعا.
كثيرة فاخشوهم؛ فقالوا: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)
. فأنزل الله عز وجل (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ)
يعنى أبا سفيان وأصحابه (قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ)
فخافوهم واحذروهم فإنه لا طاقة لكم بهم (فَزادَهُمْ «1» إِيماناً
يعنى تصديقا ويقينا وجرأة وقوّة. وقوله: «فانقلبوا» فانصرفوا ورجعوا «بنعمة من الله» أى بعافية لم يلقوا بها عدوا، وبرأت جراحتهم «وفضل» أى ربح وتجارة، وهو «2» ما أصابوا من السوق فربحوا (لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ)
لم يصبهم قتل ولا جرح ولم ينلهم «3» أذى ولا مكروه (وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ)
في طاعة الله وطاعة رسوله «4» صلى الله عليه وسلم، وذلك أنهم قالوا: هل يكون هذا غزوا؟ فأعطاهم الله تعالى ثواب الغزو ورضى عنهم. (وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) .
[ثم «5» ] قال تعالى: (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
يعنى ذلك الذى قال لكم: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم؛ من فعل الشيطان ألقى فى أفواهم لترهبوهم وتجبنوا عنهم «يخوّف أولياءه» أى يخوفكم «6» بأوليائه، يعنى يخوف المؤمنين بالكافرين، قال السدّى: يعظم أولياءه فى صدوركم لتخافوهم. وقرأ عبد الله بن مسعود «يخوّفكم أولياءه» قال: وكان أبىّ بن كعب [يقرأ «7» ]«يخوّفكم بأوليائه» «فلا تخافوهم وخافون» فى ترك أمرى «إن كنتم مؤمنين» مصدقين بوعدى فإنى متكفل لكم بالنصر والظفر.
ذكر غزوة ذات الرّقاع «1» ، وخبر صلاة الخوف وقصة غورث بن الحارث المحاربى، وخبر جابر بن عبد الله
واختلف فى تسمية ذات الرقاع، فقيل: جبل فيه بقع حمر وبيض وسود.
وقيل: لأنهم رقعوا راياتهم. وقيل: ذات الرقاع، شجرة بذلك الموضع. وفى صحيح البخارى أنهم نقبت «2» أقدامهم، فلفّوا عليها الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع.
والله أعلم.
قال محمد بن سعد: كانت فى المحرم على رأس سبعة وأربعين شهرا من مهاجره صلى الله عليه وسلم. وقال ابن إسحاق: كانت غزوة ذات الرقاع بعد غزوة بنى النضير فى الجمادى الأولى، فتكرن على رأس تسعة وثلاثين شهرا من الهجرة، واستعمل على المدينة أبا ذرّ الغفارىّ، ويقال: عثمان بن عفان. ولم يقل ابن سعد غير «3» عثمان رضى الله عنه.
وذلك أن قادما قدم المدينة يجلب «4» ، فأخبر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أنمارا وثعلبة قد جمعوا لهم الجموع. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج ليلة السبت لعشر خلون من المحرم فى أربعمائة، ويقال: سبعمائة من أصحابه؛ فمضى حتى أتى محالّهم بذات الرقاع- وهو جبل فيه بقع فيها حمرة وسواد وبياض- فلم يجد فى محالّهم أحدا إلا نسوة، فأخذهن وفيهن جارية وضيئة، وهربت الأعراب إلى رءوس الجبال، وحضرت الصلاة، فخاف المسلمون أن يغيروا عليهم، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف.
روى أبو محمد عبد الملك بن هشام بسنده إلى جابر بن عبد الله، قال: صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطائفة ركعتين، ثم سلّم، وطائفة مقبلون على العدوّ، فجاءوا فصلى بهم ركعتين أخريين، ثم سلّم. وروى عنه أيضا من طريق آخر، قال:
صفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صفين، فركع بنا جميعا، ثم سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم جميعا، ثم سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد الذين يلونه معه، الصف الأوّل وتقدّم الصف الآخر حتى قاموا مقامهم، ثم ركع النبى صلى الله عليه وسلم جميعا، ثم سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد الذين يلونه معه، فلما رفعوا رءوسهم سجد الآخرون بأنفسهم سجدتين، وركع النبى صلى الله عليه وسلم بهم جميعا، وسجد كل واحد منهما بأنفسهم سجدتين. هكذا روى عن جابر في صلاة الخوف بذات الرقاع.
وروى ابن هشام أيضا بسنده إلى عبد الله بن عمر، رضى الله عنهما، فى صلاة الخوف، ولم يذكر ذات الرقاع، قال: يقوم الإمام وتقوم معه طائفة، وطائفة مما يلى عدوهم، فيركع بهم الإمام ويسجد بهم، ثم يتأخرون فيكونون مما بلى العدوّ، ويتقدّم الآخرون فيركع بهم الإمام ركعة ويسجد بهم، ثم تصلى كل طائفة بأنفسهم ركعة، فكانت لهم مع الإمام ركعة ركعة وصلوا بأنفسهم ركعة ركعة.
ذكر خبر غورث «1» بن الحارث المحاربىّ
لما أراد أن يفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم فحماه الله منه وأمكن نبيه صلى الله عليه وسلم من عدوّه وعفوه عنه وكان من خبر غورث بن الحارث أنه قال لقومه من غطفان ومحارب:
ألا أقتل لكم محمدا؟ قالوا: بلى، وكيف تقتله؟ قال: أفتك به. وكان رسول