المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر غزوة بدر الموعد - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ١٧

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء السابع عشر

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌[تتمة الباب الأول من القسم الخامس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله]

- ‌ذكر غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر أوّل لواء عقده صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر سرية عبيدة بن الحارث بن المطّلب إلى بطن رابغ

- ‌ذكر سريّة سعد بن أبى وقّاص إلى الخرّار

- ‌ذكر غزوة الأبواء

- ‌ذكر غزوة بواط

- ‌ذكر غزوة بدر الأولى

- ‌ذكر غزوة ذى العشيرة

- ‌ذكر سرّية عبد الله بن جحش الأسدى إلى نخلة

- ‌ذكر غزوة بدر الكبرى

- ‌ذكر رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب وخروج قريش إلى بدر

- ‌ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين إلى بدر

- ‌ذكر تسمية من شهد بدرا من المهاجرين والأنصار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر تسمية من استشهد من المسلمين فى غزاة بدر

- ‌ذكر تسمية من قتل من المشركين فى غزوة بدر

- ‌ذكر تسمية من أسر من المشركين فى غزوة بدر

- ‌ذكر خبر أسارى بدر وما كان من فدائهم، ومن منّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأطلقه منهم) ، ومن أسلم بسبب ذلك

- ‌ذكر خبر أبى سفيان فى أسر ابنه عمرو بن أبى سفيان وإطلاقه

- ‌ذكر خبر أبى العاص بن الربيع فى فدائه

- ‌ذكر خبر الوليد بن الوليد بن المغيرة

- ‌ذكر من منّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسارى بدر وأطلقه بغير فداء

- ‌ذكر سرية عمير بن عدىّ بن خرشة الخطمىّ إلى عصماء بنت مروان من بنى أميّة بن زيد

- ‌ذكر سريّة سالم بن عمير العمرىّ إلى أبى عفك اليهودىّ

- ‌ذكر غزوة بنى قينقاع

- ‌ذكر غزوة السّويق

- ‌ذكر غزوة قرقرة الكدر ويقال قرارة الكدر وهى غزوة بنى سليم

- ‌ذكر مقتل كعب بن الأشرف اليهودىّ وخبر سريّته

- ‌ذكر غزوة بنى سليم بجران

- ‌ذكر سريّة زيد بن حارثة إلى القردة

- ‌ذكر غزوة أحد

- ‌ذكر تسمية من قتل من المشركين يوم أحد

- ‌ذكر غزوة حمراء الأسد

- ‌ذكر سريّة أبى سلمة بن عبد الأسد المخزومى

- ‌ذكر سريّة عبد الله بن أنيس إلى سفيان بن خالد الهذلى

- ‌ذكر سرية المنذر بن عمرو السّاعدى إلى بئر معونة

- ‌ذكر سريّة مرثد بن أبى مرثد الغنوى إلى الرّجيع

- ‌ذكر غزوة بنى النّضير

- ‌ذكر قصة برصيصا

- ‌ذكر غزوة بدر الموعد

- ‌ذكر خبر جابر بن عبد الله فى جمله، واستغفار النبىّ صلى الله عليه وسلم لأبيه

- ‌ذكر غزوة دومة الجندل

- ‌ذكر غزوات الخندق، وهى غزوة الأحزاب

- ‌ذكر تسمية من استشهد من المسلمين فى غزوة الخندق ومن قتل من المشركين

- ‌ذكر ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن فى غزوة الخندق وما ورد فى تفسير ذلك

- ‌ذكر غزوة بنى قريظة

- ‌ذكر نزول بنى قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسؤال الأوس فيهم؛ وتحكيم سعد بن معاذ وحكمه فيهم بحكم الله تعالى وقتلهم

- ‌ذكر سرية عبد الله بن عتيك إلى أبى رافع سلّام ابن أبى الحقيق النضرىّ بخيبر

- ‌ذكر سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء، وهم بنو قرط وقريط من بنى كلاب

- ‌ذكر غزوة بنى لحيان بناحية عسفان

- ‌ذكر سرية محمد بن مسلمة إلى بنى ثعلبة بذى القصّة

- ‌ذكر سرية أبى عبيدة بن الجرّاح إلى ذى القصّة

- ‌ذكر سرية زيد بن حارثة إلى بنى سليم بالجموم

- ‌ذكر سرية زيد بن حارثة إلى العيص لعير قريش

- ‌ذكر سرية زيد بن حارثة إلى الطّرف إلى بنى ثعلبة

- ‌ذكر سرية زيد بن حارثة إلى حسمى، وهى وراء وادى القرى

- ‌ذكر سرية على بن أبى طالب رضى الله عنه إلى بنى سعد بن بكر بفدك

- ‌ذكر سريّة زيد بن حارثة إلى وادى القرى وقتل أم قرفة

- ‌ذكر سريّة كرز بن جابر الفهرى إلى العرنيّين

- ‌ذكر سرية عمرو بن أمية الضّمرىّ وسلمة بن أسلم إلى أبى سفيان بن حرب بمكة

- ‌ذكر بيعة الرّضوان

- ‌ذكر هدنة قريش وما وقع فيها من الشروط

- ‌ذكر رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ونزول سورة الفتح

- ‌ذكر خبر أبى بصير ومن لحق به وانضم إليه

- ‌ذكر غزوة خيبر وفتحها وما يتصل بذلك

- ‌ذكر تسمية من استشهد من المسلمين فى غزوة خيبر

- ‌ذكر قسم غنائم خيبر

- ‌ذكر تسمية من قسم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتيبة التى خرجت للخمس وما أعطاهم منها

- ‌ذكر خبر الحجاج بن علاط وما أوصله إلى أهل مكة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استوفى أمواله

- ‌ذكر انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خيبر إلى وادى القرى، ونومهم عن صلاة الصبح

- ‌ذكر سريّة عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى تربة

- ‌ذكر سرية أبى بكر الصديق رضى الله عنه إلى بنى كلاب بنجد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شعبان سنة سبع من مهاجره

- ‌ذكر سريّة بشير بن سعد الأنصارى إلى فدك

- ‌ذكر سريّة غالب بن عبد الله الليثى إلى الميفعة

- ‌ذكر سريّة ابن أبى العوجاء السّلمىّ إلى بنى سليم

- ‌ذكر سريّة غالب بن عبد الله الليثىّ إلى بنى الملوح بالكديد

- ‌ذكر سريّة غالب بن عبد الله الّليثى أيضا إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك

- ‌ذكر سريّة شجاع بن وهب الأسدىّ إلى بنى عامر بالسّىّ

- ‌ذكر سريّة كعب بن عمير الغفارىّ إلى ذات أطلاح

- ‌ذكر سريّة مؤتة

- ‌ذكر تسمية من استشهد من المسلمين يوم مؤتة

- ‌ذكر سريّة عمرو بن العاص إلى ذات السّلاسل

- ‌ذكر سريّة أبى عبيدة بن الجرّاح، وهى سريّة الخبط

- ‌ذكر سريّة أبى قتادة بن ربعىّ الأنصارىّ إلى خضرة وهى أرض محارب بنجد

- ‌ذكر سريّة أبى قتادة بن ربعىّ الأنصارىّ إلى بطن إضم

- ‌ذكر غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح والسبب الّذى أوجب نقض العهد وفسخ الهدنة

- ‌ذكر خبر حاطب بن أبى بلتعة فى كتابه إلى أهل مكّة، وإعلام الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وسلم بذلك، وأخذه الكتاب، وما أنزل الله عز وجل فى ذلك من القرآن

- ‌ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكّة، ومن جاءه فى طريقه قبل دخوله مكّة

- ‌ذكر مجىء العبّاس بأبى سفيان بن حرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإسلام أبى سفيان، وخبر الفتح

- ‌ذكر دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكّة شرّفها الله تعالى صلحا، ودخول خالد بن الوليد ومن معه من القبائل عنوة

- ‌ذكر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلهم يوم فتح مكّة وسبب ذلك، ومن قتل منهم، ومن نجا بإسلامه

- ‌ذكر إسلام أبى قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كعب

- ‌ذكر دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، وطوافه بالبيت ودخوله الكعبة، وما فعل بالأصنام

- ‌ذكر سريّة خالد بن الوليد إلى العزّى وهدمها

- ‌ذكر سريّة عمرو بن العاص إلى سواع وكسره

- ‌ذكر سريّة سعد بن زيد الأشهلىّ إلى مناة

- ‌ذكر سريّة خالد بن الوليد إلى بنى جذيمة بن عامر ابن عبد مناة بن كنانة، وهو يوم الغميصاء

- ‌ذكر غزوة حنين، وهى إلى هوازن وثقيف

- ‌ذكر سرية الطّفيل بن عمرو الدّوسىّ إلى ذى الكفّين

- ‌ذكر غزوة الطائف

- ‌ذكر مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجعرانة وقسم مغانم حنين، وما أعطاه المؤلّفة

- ‌ذكر قدوم وفد هوازن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسلامهم وردّ السبايا إليهم

- ‌ذكر تسمية من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش وغيرها عند قسم مغانم حنين

- ‌ذكر مقالة الأنصار فى أمر قسم الفىء، وما أجابهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضّاهم به

- ‌ذكر استخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم عتّاب بن أسيد على مكّة ورجوعه إلى المدينة

- ‌ذكر سريّة عيينة بن حصن الفزارىّ إلى بنى تميم

- ‌ذكر خبر الوليد بن عقبة بن أبى معيط مع بنى المصطلق

- ‌ذكر سريّة قطبة بن عامر بن حديدة إلى خثعم

- ‌ذكر سريّة الضحّاك بن سفيان الكلابىّ إلى بنى كلاب كانت فى شهر ربيع الأوّل سنة تسع من الهجرة

- ‌ذكر سريّة علقمة بن مجزّز المدلجىّ إلى الحبشة

- ‌ذكر سريّة علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه إلى الفلس صنم طيئ

- ‌ذكر سريّة عكّاشة بن محصن الأسدى إلى الجناب

- ‌ذكر غزوة تبوك

- ‌ذكر سريّة خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك

- ‌ذكر خبر مرور رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر وما قاله لأصحابه

- ‌ذكر أخبار المنافقين وما تكلّموا به فى غزوة تبوك وما أنزل الله عز وجل فيهم من القرآن

- ‌ذكر خبر الثلاثة الذين خلّفوا، وما أنزل فيهم وفى المعذّرين من الأعراب

- ‌ذكر سريّة خالد بن الوليد إلى بنى عبد المدان بنجران

- ‌ذكر سريّة على بن أبى طالب رضى الله عنه إلى اليمن

- ‌ذكر حجّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره

- ‌ذكر الخطبة التى خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌وأمّا عمره صلى الله عليه وسلم

- ‌وأمّا عمرة القضاء

- ‌[صورة ما جاء فى آخر هذا الجزء بنسخة ا]

- ‌[صورة ما جاء فى آخر هذا الجزء أيضا بنسخة ج]

- ‌فهرس المراجع

- ‌استدراك

الفصل: ‌ذكر غزوة بدر الموعد

قوله: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ)

(نَسُوا اللَّهَ) *

أى نسوا حق الله وتركوا أوامره (فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ)

[يعنى «1» حظ أنفسهم] أن يقدموا لها خيرا (أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ. لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) .

فقد أتينا- أكرمك الله- على تفسير ما أنزل من القرآن فى شأن بنى النضير مما يتعلق بشرح أخبارهم خاصة على حكم الاختصار، ولم نتعرض إلى ما سوى ذلك من التفسير.

‌ذكر غزوة بدر الموعد

غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لهلال ذى القعدة، على رأس خمسة وأربعين شهرا من مهاجره صلى الله عليه وسلم. حكاه محمد بن سعد.

وقال محمد بن إسحاق: كانت فى شعبان. وجعلها بعد غزوة ذات الرقاع، فتكون على رأس اثنين وأربعين شهرا من الهجرة، والأشبه ما قاله ابن سعد، لأن الميعاد كان على «2» رأس الحول من غزوة أحد، وغزوة أحد كانت فى شوّال على ما اتفقا عليه، ولم يتخلفا فى الشهر وإنما فى أيام ذكرناها هناك.

قال محمد بن سعد: لما دنا الموعد كره أبو سفيان الخروج، وقدم نعيم بن مسعود الأشجعى مكة، فقال له أبو سفيان: إنى قد واعدت محمدا وأصحابه أن نلتقى ببدر، وقد جاء ذلك الوقت، وهذا عام جدب، وإنما يصلحنا عام خصب غيداق «3» ، وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج فيجترئ علينا، فنجعل لك عشرين فريضة «4» يضمنها «5»

ص: 154

إليك سهيل بن عمرو على أن تقدم المدينة فتخذل أصحاب محمد. قال: نعم.

فحملوه على بعير، فأسرع السير حتى قدم المدينة، فأخبرهم بجمع أبى سفيان [لهم «1» ] وما معه من العدّة والسلاح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذى نفسى بيده لأخرجنّ وإن لم يخرج معى أحد.

واستخلف على المدينة عبد الله بن رواحة، وسار بالمسلمين وهم ألف وخمسمائة، والخيل عشرة أفراس، وحمل لواءه على بن أبى طالب، وخرج المسلمون ببضائع وتجارات لهم، وكانت بدر الصغرى مجتمعا يجتمع فيه العرب، وسوقا تقوم لهلال ذى القعدة إلى ثمان تخلو منه، ثم يتفرّق الناس إلى بلادهم.

فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى بدر ليلة هلال ذى القعدة؛ وقامت السوق صبيحة الهلال فأقاموا بها ثمانية أيام، وباعوا ما خرجوا به من التجارات، فربحوا للدرهم درهما، وانصرفوا، وقد سمع الناس بمسيرهم، وخرج أبو سفيان بن حرب من مكة فى قريش، وهم ألفان ومعهم خمسون فرسا حتى انتهوا إلى مجنّة- وهى «2» مرّ الظهران- ومنهم من يقول: بلغوا عسفان «3» . ثم قال: ارجعوا فإنه لا يصلحنا إلا عام خصب غيداق، نرعى فيه الشجر ونشرب اللبن، وعامكم هذا عام جدب، وإنى راجع فارجعوا. فسمى أهل مكة هذا الجيش جيش السّويق، يقولون: خرجوا يشربون السويق. قال: وقدم معبد ابن أبى معبد الخزاعى مكة بخبر مسير رسول الله- صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال صفوان بن أمية لأبى سفيان: قد نهيتك يومئذ أن تعد القوم وقد اجترءوا علينا ورأوا أن قد أخلفناهم.

ص: 155

وقال عبد الله بن رواحة:

وعدنا أبا سفيان وعدا «1» فلم نجد

لميعاده صدقا وما كان وافيا

فأقسم لو وافيتنا فلقيتنا

لأبت ذميما وافتقدت المواليا «2»

تركنا به أوصال عتبة وابنه

وعمرا أبا جهل تركناه ثاويا «3»

عصيتم رسول الله أفّ لدينكم

وأمركم السّىء «4» الذى كان غاويا

فإنى وإن عنّفتمونى لقائل

فدى لرسول الله أهلى وماليا

أطعناه لم نعد له فينا بغيره

شهابا لنا فى ظلمة الليل هاديا

وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، ورجعوا إلى المدينة.

وأنزل الله عز وجل فى شأن هذه الغزوة قوله تعالى: (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) .

قال السّدّى: لما تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه للمسير إلى بدر لميعاد أبى سفيان أتاهم المنافقون فقالوا: نحن أصحابكم الذين نهيناكم عن الخروج إليهم فعصيتمونا، وقد أتوكم فى دياركم [فقاتلوكم «5» ] وظفروا، فإن أتيتموهم فى ديارهم لا يرجع منكم أحد. فقالوا:(حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)

. فالناس فى هذه الآية أولئك المنافقون. وقال أبو معشر: دخل ناس من هذيل من أهل تهامة المدينة، فسألهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبى سفيان، فقالوا: قد جمعوا لكم جموعا.

ص: 156

كثيرة فاخشوهم؛ فقالوا: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)

. فأنزل الله عز وجل (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ)

يعنى أبا سفيان وأصحابه (قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ)

فخافوهم واحذروهم فإنه لا طاقة لكم بهم (فَزادَهُمْ «1» إِيماناً

يعنى تصديقا ويقينا وجرأة وقوّة. وقوله: «فانقلبوا» فانصرفوا ورجعوا «بنعمة من الله» أى بعافية لم يلقوا بها عدوا، وبرأت جراحتهم «وفضل» أى ربح وتجارة، وهو «2» ما أصابوا من السوق فربحوا (لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ)

لم يصبهم قتل ولا جرح ولم ينلهم «3» أذى ولا مكروه (وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ)

في طاعة الله وطاعة رسوله «4» صلى الله عليه وسلم، وذلك أنهم قالوا: هل يكون هذا غزوا؟ فأعطاهم الله تعالى ثواب الغزو ورضى عنهم. (وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) .

[ثم «5» ] قال تعالى: (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)

يعنى ذلك الذى قال لكم: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم؛ من فعل الشيطان ألقى فى أفواهم لترهبوهم وتجبنوا عنهم «يخوّف أولياءه» أى يخوفكم «6» بأوليائه، يعنى يخوف المؤمنين بالكافرين، قال السدّى: يعظم أولياءه فى صدوركم لتخافوهم. وقرأ عبد الله بن مسعود «يخوّفكم أولياءه» قال: وكان أبىّ بن كعب [يقرأ «7» ]«يخوّفكم بأوليائه» «فلا تخافوهم وخافون» فى ترك أمرى «إن كنتم مؤمنين» مصدقين بوعدى فإنى متكفل لكم بالنصر والظفر.

ص: 157

ذكر غزوة ذات الرّقاع «1» ، وخبر صلاة الخوف وقصة غورث بن الحارث المحاربى، وخبر جابر بن عبد الله

واختلف فى تسمية ذات الرقاع، فقيل: جبل فيه بقع حمر وبيض وسود.

وقيل: لأنهم رقعوا راياتهم. وقيل: ذات الرقاع، شجرة بذلك الموضع. وفى صحيح البخارى أنهم نقبت «2» أقدامهم، فلفّوا عليها الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع.

والله أعلم.

قال محمد بن سعد: كانت فى المحرم على رأس سبعة وأربعين شهرا من مهاجره صلى الله عليه وسلم. وقال ابن إسحاق: كانت غزوة ذات الرقاع بعد غزوة بنى النضير فى الجمادى الأولى، فتكرن على رأس تسعة وثلاثين شهرا من الهجرة، واستعمل على المدينة أبا ذرّ الغفارىّ، ويقال: عثمان بن عفان. ولم يقل ابن سعد غير «3» عثمان رضى الله عنه.

وذلك أن قادما قدم المدينة يجلب «4» ، فأخبر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أنمارا وثعلبة قد جمعوا لهم الجموع. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج ليلة السبت لعشر خلون من المحرم فى أربعمائة، ويقال: سبعمائة من أصحابه؛ فمضى حتى أتى محالّهم بذات الرقاع- وهو جبل فيه بقع فيها حمرة وسواد وبياض- فلم يجد فى محالّهم أحدا إلا نسوة، فأخذهن وفيهن جارية وضيئة، وهربت الأعراب إلى رءوس الجبال، وحضرت الصلاة، فخاف المسلمون أن يغيروا عليهم، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف.

ص: 158

روى أبو محمد عبد الملك بن هشام بسنده إلى جابر بن عبد الله، قال: صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطائفة ركعتين، ثم سلّم، وطائفة مقبلون على العدوّ، فجاءوا فصلى بهم ركعتين أخريين، ثم سلّم. وروى عنه أيضا من طريق آخر، قال:

صفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صفين، فركع بنا جميعا، ثم سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم جميعا، ثم سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد الذين يلونه معه، الصف الأوّل وتقدّم الصف الآخر حتى قاموا مقامهم، ثم ركع النبى صلى الله عليه وسلم جميعا، ثم سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد الذين يلونه معه، فلما رفعوا رءوسهم سجد الآخرون بأنفسهم سجدتين، وركع النبى صلى الله عليه وسلم بهم جميعا، وسجد كل واحد منهما بأنفسهم سجدتين. هكذا روى عن جابر في صلاة الخوف بذات الرقاع.

وروى ابن هشام أيضا بسنده إلى عبد الله بن عمر، رضى الله عنهما، فى صلاة الخوف، ولم يذكر ذات الرقاع، قال: يقوم الإمام وتقوم معه طائفة، وطائفة مما يلى عدوهم، فيركع بهم الإمام ويسجد بهم، ثم يتأخرون فيكونون مما بلى العدوّ، ويتقدّم الآخرون فيركع بهم الإمام ركعة ويسجد بهم، ثم تصلى كل طائفة بأنفسهم ركعة، فكانت لهم مع الإمام ركعة ركعة وصلوا بأنفسهم ركعة ركعة.

ذكر خبر غورث «1» بن الحارث المحاربىّ

لما أراد أن يفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم فحماه الله منه وأمكن نبيه صلى الله عليه وسلم من عدوّه وعفوه عنه وكان من خبر غورث بن الحارث أنه قال لقومه من غطفان ومحارب:

ألا أقتل لكم محمدا؟ قالوا: بلى، وكيف تقتله؟ قال: أفتك به. وكان رسول

ص: 159