الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن أكّال، أخو بنى عمرو بن عوف معتمرا، وكان شيخا مسلما، فى غنم له بالبقيع «1» ، وقد «2» كانت قريش عهدوا أنهم لا يعرضون لحاج أو معتمر إلا بخير، فعدا عليه أبو سفيان بمكة فحبسه بابنه عمرو، ثم قال أبو سفيان:
أرهط ابن أكّال أجيبوا دعاءه
…
تفاقدتم «3» لا تسلموا السيّد الكهلا
فإنّ بنى عمرو لئام أذلّة
…
إذا لم يفكّوا عن أسيرهم الكبلا «4»
قال: فمشى بنو عمرو بن عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه خبره، وسألوه أن يعطيهم عمرو بن أبى سفيان فيفتكّوا به صاحبهم، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعثوا به إلى أبى سفيان، فحلّى سبيل سعد ابن النعمان.
ذكر خبر أبى العاص بن الربيع فى فدائه
وإرساله «5» زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكّة إلى المدينة وإسلامه بعد ذلك، وردّ زينب عليه بغير نكاح جديد.
قال ابن إسحاق: وكان فى الأسارى أبو العاص بن الربيع بن عبد العزّى ابن عبد شمس، ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوج ابنته زينب. أسره خراش بن الصّمة، أحد بنى حرام.
وكان أبو العاص من رجال مكة المعدودين مالا وأمانة وتجارة، وكان لهالة بنت خويلد أخت خديجة، فسألت خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوجه زينب، فزوجه بها، وذلك قبل أن ينزل الوحى على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فكان معها وهو على شركه وهى مسلمة.
فلما بعث أهل مكة فى فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى فداء أبى العاص [بمال، وبعثت «1» فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبى العاص] فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رقّ لها رقّة شديدة وقال: «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردّوا عليها [مالها «2» ] فافعلوا» . قالوا: نعم يا رسول الله. فأطلقوه وردّوا عليها الذى بعثت به، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه أن يخلّى سبيل زينب، ولم يظهر ذلك، ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار، فقال:«كونا ببطن يأجج «3» حتى تمرّ بكما زينب، فتصحباها حتى تأتيانى بها» . فخرجا وذلك بعد بدر بشهر، فلما قدم أبو العاص مكة أمرها باللحوق بأبيها، فتجهّزت لذلك، وقدّم لها حموها كنانة بن الربيع أخو زوجها بعيرا فركبته، وأخذ قوسه وكنانته، ثم خرج بها نهارا يقود بها، وهى فى هودج لها، وتحدّث بذلك رجال قريش، فخرجوا فى طلبها، حتى أدركوها بذى طوى «4» ، فكان أوّل من سبق إليها هبّار بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزّى الفهرىّ، فروّعها بالرمح وهى فى هودجها، وكانت حاملا فطرحت، فنثر حموها كنانته ثم قال: والله لا يدنو منى
رجل إلا وضعت فيه سهما، فتكركر «1» الناس عنه. ثم جاء أبو سفيان بن حرب فى جلّة [من «2» ] قريش فقال: أيها الرجل، كفّ عنا نبلك حتى نكلّمك. فكفّ، فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه فقال: إنك لم تصب، خرجت بالمرأة على رءوس الناس علانية، وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا، وما دخل علينا من محمد، فيظن الناس إذا خرجت له ببنته علانية على رءوس الناس من بين أظهرنا أن ذلك على ذلّ أصابنا عن مصيبتنا التى كانت، وأن ذلك منا ضعف ووهن، ولعمرى ما لنا بحبسها عن أبيها من حاجة، وما لنا فى ذلك من ثؤرة «3» ، ولكن ارجع بالمرأة حتى إذا هدأت الأصوات وتحدّث الناس أن قد رددناها فسلّها سرا وألحقها بأبيها. قال: ففعل.
فأقامت ليالى حتى إذا هدأت الأصوات خرج بها ليلا حتى أسلمها إلى زيد بن حارثة وصاحبه، فقدما بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقامت عنده بالمدينة وفرّق بينهما الإسلام، حتى إذا كان قبيل الفتح خرج أبو العاص تاجرا إلى الشام- وكان رجلا مأمونا- بمال له وأموال رجال من قريش، فلما فرغ من تجارته وأقبل قافلا لقيته سريّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابوا ما معه وأعجزهم هاربا، فلما قدمت السرية بما أصابوا من ماله أقبل أبو العاص تحت الليل حتى دخل على زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستجار بها، فأجارته، وجاء فى طلب ماله، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة الصبح وكبّر وكبر الناس معه خرجت «4» زينب من صفّة النساء [وقالت] : أيها الناس، إنى قد أجرت أبا العاص ابن الربيع. فلمّا سلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة أقبل على الناس فقال:
«أيها الناس، هل سمعتم ما سمعت» ؟ فقالوا: نعم، قال: «أما والذى نفس محمد بيده
ما علمت بشىء حتى سمعت ما سمعتم، إنه يجير على المسلمين أدناهم» . ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل على ابنته وقال:«أى بنيّة، أكرمى مثواه، ولا يخلص إليك فإنك لا تحلّين له» .
قال: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السريّة الذين أصابوا مال أبى العاص فقال لهم: «إن هذا الرجل منّا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالا، فإن تحسنوا وتردّوا عليه الذى له فإنّا نحب ذلك، وإن أبيتم فهو فىء الله الذى أفاء عليكم، فأنتم أحقّ به» . قالوا: يا رسول الله، بل نردّه عليه، فردّوه عليه، حتى إنّ الرجل ليأتى بالدّلو، ويأتى الرجل بالشّتّة «1» والإداوة «2» ، حتى إنّ أحدهم ليأتى بالشّظاظ «3» ، حتى ردّوا عليه ماله بأسره لم يفقد منه شيئا، ثم احتمل إلى مكة، فأدّى إلى كلّ ذى مال من قريش ماله، ثم قال: يا معشر قريش، هل بقى لأحد منكم عندى مال لم يأخذه؟ قالوا: لا، فجزاك الله خيرا، فقد وجدناك وفيّا كريما؛ قال: فإنى أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، ما منعنى من الإسلام عنده إلا تخوّف أن يظنّوا أنى إنما أردت أن آكل أموالكم، فلما أدّاها الله إليكم وفرغت منها أسلمت. ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فردّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب على النكاح «4» الأوّل، ولم يحدث شيئا.