الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وخرج فى خمسين ومائة، ويقال فى مائتين من المهاجرين ممن انتدب، ولم يكره أحدا على الخروج، وخرجوا على ثلاثين بعيرا يعتقبونها «1» ، وخرج يعترض لعير قريش حين ابتدأت إلى الشام، فبلغ ذا العشيرة، وهى لبنى مدلج بناحية ينبع، فوجد العير التى خرج لها قد مضت قبل ذلك بأيام، وهى العير التى خرج أيضا يريدها حين رجعت من الشام، فكانت فيها وقعة بدر الكبرى.
وفى هذه الغزاة وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى مدلج وحلفاءهم من بنى ضمرة. وفيها كنّى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا رضى الله عنه أبا تراب «2» ، وقيل فى غيرها.
ذكر سرّية عبد الله بن جحش الأسدى إلى نخلة
بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شهر رجب على رأس سبعة عشر شهرا من مهاجره فى اثنى عشر رجلا من المهاجرين، كل اثنين يعتقبان بعيرا.
قال ابن إسحاق: وكتب [له «3» ] رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا، وأمره ألا ينظر فيه حتى يسير يومين، ثم ينظر فيه، ويمضى لما أمره به، ولا يستكره أحدا من أصحابه.
قال: وكان معه أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وعكّاشة بن محصن، وعتبة ابن غزوان بن جابر، وسعد بن أبى وقّاص، وعامر بن ربيعة، وواقد بن عبد الله التّميمىّ، وخالد بن البكير أحد بنى سعد بن ليث، وسهيل بن بيضاء.
هؤلاء الذين عدّهم ابن إسحاق؛ وكان معهم المقداد بن عمرو، حكاه محمد بن سعد.
قال ابن إسحاق: فلما سار عبد الله بن جحش يومين فتح الكتاب فإذا فيه:
«إذا نظرت فى كتابى هذا فأمض حتى تنزل نخلة، بين مكة والطائف، فترصّد بها قريشا، وتعلّم لنا من أخبارهم» . فلما نظر عبد الله فى الكتاب قال: سمع وطاعة.
ثم ذكر ذلك لأصحابه وقال لهم: قد نهانى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أستكره أحدا منكم، فمن كان يريد الشّهادة ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع، فأما أنا فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمضوا كلّهم، وسلك على الحجاز حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له بحران، أضلّ سعد بن أبى وقّاص وعتبة بن غزوان بعيرهما، فتخلّفا فى طلبه، ومضى عبد الله وبقية أصحابه حتى نزل بنخلة، فمرّت به عير لقريش تحمل زبيبا وأدما «1» وتجارة من تجارة قريش- قال ابن سعد: وخمرا- وفيها عمرو بن الحضرمىّ، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة، وأخوه نوفل، والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة.
فلما رآهم القوم هابوهم؛ وكان عكّاشة حلق رأسه ليطمئن «2» القوم؛ فأمنوا.
وقال لهم «3» عثمان: لا بأس عليكم منهم. قال: فسّرحوا ركابهم، وصنعوا طعاما.
قال: فتشاور القوم فيهم، وذلك آخر يوم من شهر رجب، فقالوا: والله لئن
تركتموهم فى هذه الليلة ليدخلنّ الحرم فليمتنعنّ منكم به، وإن قتلتموهم لتقتلنّهم فى الشهر الحرام. فتردّد القوم وهابوا الإقدام عليهم، ثم شجّعوا أنفسهم وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم وأخذ ما معهم؛ فخرج واقد بن عبد الله يقدم المسلمين، فرمى عمرو بن الحضرمىّ بسهم فقتله، واستأسر عثمان بن عبد الله، والحكم بن كيسان، وأفلت نوفل «1» بن عبد الله فأعجزهم. وأقبل عبد الله وأصحابه بالعير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما قدموا عليه قال: ما أمرتكم بقتال فى الشهر الحرام. ووقّف العير والأسيرين، وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا؛ فأسقط «2» في يد القوم، وظنوا أنهم قد هلكوا، وعنّفهم المسلمون فيما صنعوا.
وقالت قريش: قد استحلّ محمد وأصحابه الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدّم، وأخذوا فيه الأموال «3» ، وأسروا الرجال؛ وأكثر الناس فى ذلك، فأنزل الله تعالى:
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ، قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ)
أى إن كنتم قتلتم فى الشهر الحرام فقد صدّوكم عن سبيل الله وعن المسجد الحرام، وإخراجكم منه وأنتم أهله أكبر عند الله من قتل من قتلتم منهم. (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ)
؛ أى قد كانوا يفتنون المسلمين فى دينهم حتى يردّوهم إلى الكفر بعد إيمانهم، فذاك أكبر عند الله من القتل.
قال: فلما نزلت الآيات قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسيرين، وبعثت إليه قريش فى فدائهما، فقال: لا. حتى يقدم صاحبانا، يعنى سعد ابن أبى وقّاص، وعتبة بن غزوان، فإنّا نخشاكم عليهما، فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم. فقدم سعد وعتبة، فأفداهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأما الحكم بن كيسان فأسلم وحسن إسلامه، وأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا، وأما عثمان فلحق بمكة، فكان بها حتى مات كافرا.
قال: فلما تجلّى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه طمعوا فى الأجر، فقالوا: يا رسول الله، أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها اجر المجاهدين؟ فأنزل الله تعالى فيهم:(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
، قال: وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الفىء فجعل أربعة أخماسه لمن أفاءه، وخمسه إلى الله ورسوله.
قال ابن هشام: وهى أوّل غنيمة غنمها المسلمون، وعمرو بن الحضرمىّ أول من قتل المسلمون، وعثمان والحكم أول من أسر المسلمون. وفى هذه السريّة سمى عبد الله بن جحش أمير المؤمنين.
وقال عبد الله بن جحش فى هذه الواقعة، ويقال إنها لأبى بكر الصدّيق رضى الله عنه؛ والذى صحّحه ابن هشام أنها لعبد الله بن جحش، أبياتا يخاطب بها قريشا:
تعدّون قتلا فى الحرام عظيمة
…
وأعظم منه لو يرى الرّشد راشد
صدودكم عمّا يقول محمد
…
وكفر به والله راء وشاهد