الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله صلى الله عليه وسلم على قتلتهم بعد الركعة من الصبح، فقال:«اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم سنين كسنى يوسف، اللهم عليك ببنى لحيان وعضل والقارّة وزعب ورعل وذكوان وعصيّة، فإنهم عصوا الله ورسوله» «1» .
ذكر سريّة مرثد بن أبى مرثد الغنوى إلى الرّجيع
كانت فى صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذلك أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، رهط من عضل والقارة، وهم إلى الهون بن خزيمة، فقالوا: يا رسول الله، إن فينا إسلاما، فابعث معنا نفرا [من أصحابك «2» ] يفقّهونا ويقرئونا القرآن، ويعلمونا شرائع الاسلام. فبعث صلى الله عليه وسلم معهم عاصم بن ثابت بن أبى الأقلح، ومرثد بن أبى مرثد الغنوى، وخبيب بن عدىّ؛ وزيد بن الدّثنة «3» ، وخالد بن البكير «4» الليثى، وعبد الله بن طارق، ومعتّب بن عبيد أخو عبد الله «5» لأمّه. وأمّر عليهم عاصما، وقيل: مرثدا؛ فخرجوا مع القوم حتى إذا كانوا على الرجيع- وهو ماء لهذيل بناحية الحجاز- غدروا [بهم «6» ] واستصرخوا عليهم هذيلا، فلم يرع القوم، وهم فى رحالهم
إلا الرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم، فأخذوا أسيافهم ليقاتلوا، فقالوا:
إنا ما نريد قتلكم، ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة، ولكم عهد الله وميثاقه ألا نقتلكم. فأما مرثد بن أبى مرثد، وخالد بن البكير، وعاصم بن ثابت، ومعتّب بن عبيد؛ فقالوا: والله لا نقبل من مشرك عهدا ولا عقدا أبدا. وقاتلوا حتى قتلوا، رضى الله عنهم. وأما زيد بن الدّثنة وخبيب بن عدى، وعبد الله بن طارق، فرغبوا فى الحياة، فأعطوا بأيديهم فأسروهم، ثم خرجوا بهم إلى مكة ليبيعوهم بها، حتى إذا كانوا بمرّ «1» الظّهران انتزع عبد الله بن طارق يده من القرآن «2» ، ثم أخذ سيفه واستأخر عنه القوم، فرموه بالحجارة حتى قتلوه؛ فقبر هناك. وأما خبيب بن عدى وزيد بن الدّثنة فقدموا بهما مكة، فأباعوهما «3» من قريش بأسيرين من هذيل كانا بمكة، فابتاع خبيبا حجر «4» بن أبى إهاب التميمى، حليف بنى نوفل، لعقبة بن الحارث ابن عامر بن نوفل ليقتله بأبيه. وابتاع زيد بن الدّثنة صفوان بن أميّة، ليقتله بأبيه أمية بن خلف، وبعثه مع مولى له يقال له: نسطاس؛ إلى التّنعيم «5» ، فأخرجوه من الحرم ليقتله، واجتمع لذلك رهط من قريش، فيهم أبو سفيان بن حرب، فقال له أبو سفيان حين قدم ليقتل: أنشدك الله يا زيد، أتحب أن محمدا عندنا الآن «6» مكانك نضرب عنقه، وأنك فى أهلك؟ قال: والله ما أحب أن محمدا
الآن فى مكانه الذى هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وأنى جالس فى أهلى. فقال أبوسفيان:
ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا؛ ثم قتله نسطاس.
وأما خبيب بن عدى فروى عن ماوية «1» مولاة حجر بن أبى إهاب، وكانت قد أسلمت، قالت: كان خبيب قد حبس فى بيتى، فلقد اطلعت عليه يوما وإن فى يده لقطفا من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه، وما أعلم فى أرض الله عنبا يؤكل، قالت: وقال لى حين حضره القتل: ابعثى إلىّ بحديدة أتطهّر بها للقتل؛ فأعطيت غلاما من الحىّ الموسى، فقلت له: ادخل بها على هذا الرجل؛ قالت:
فو الله ما هو إلا أن قد ولّى الغلام بها إليه؛ فقلت: ما صنعت! أصاب والله الرجل ثأره بقتل «2» هذا الغلام، فيكون رجلا برجل؛ فلما ناوله الحديدة أخذها من يده ثم قال: لعمرك، ما خافت أمك غدرتى حتى بعثك بهذه الحديدة! ثم خلّى سبيله «3» .
ويقال: إن الغلام ابنها.
قال ابن إسحاق: ثم خرجوا بخبيب، حتى إذا جاءوا به التنعيم ليصلبوه قال: إن رأيتم أن تدعونى حتى أركع «4» ركعتين فافعلوا. قالوا: دونك فاركع ركعتين. [فركع «5» ركعتين] أتمهما وأحسنهما، ثم أقبل على القوم فقال: أما والله لولا أن تظنوا أنى إنما طوّلت جزعا من القتل لاستكثرت من الصلاة. فكان خبيب أول من سنّ هاتين الركعتين عند القتل للمسلمين. قال: ثم رفعوه على خشبته، فلما أوثقوه، قال:
اللهم إنا قد بلّغنا رسالة رسولك، فبلغه الغداة ما يصنع بنا؛ ثم قال: اللهم أحصهم «1» عددا، واقتلهم بددا «2» ، ولا تغادر منهم أحدا «3» . ثم قتلوه، رحمه الله ورضى عنه.
قال ابن «4» هشام: أقام خبيب فى أيديهم حتى انقضت الأشهر الحرم، ثم قتلوه.
وروى ابن إسحاق أنه قال حين صلب «5» :
لقد جمع الأحزاب حولى وألّبوا
…
قبائلهم واستجمعوا كل مجمع «6»
وقد قرّبوا «7» أبناءهم ونساءهم
…
وقرّبت من جذع طويل ممنّع
وكلّهم بيدى العداوة جاهدا
…
علىّ لأنى فى وثاق بمضيع «8»
إلى الله أشكو غربتى بعد كربتى
…
وما جمّع الأحزاب لى عند مصرعى
فذا العرش صبرنى على ما أصابنى
…
فقد بضّعوا لحمى وقد ضلّ مطمعى «9»