الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن عمير- وهو أحد البكّائين «1» وقد شهد بدرا-: علىّ نذر أن أقتل أبا عفك أو أموت دونه؛ فجاء وقد نام أبو عفك بالفناء فى ليلة صائفة، فوضع السيف على كبده، ثم اعتمد عليه حتى خشّ فى الفراش، فصاح [عدوّ الله «2» ] ، فثار إليه ناس ممن هم على قوله، فأدخلوه منزله وقبروه.
ذكر غزوة بنى قينقاع
(وهى بضم النون وقيل بكسرها «3» ) غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى يوم السبت النصف من شوّال على رأس عشرين شهرا من مهاجره.
قال ابن سعد: وكانوا حلفاء عبد الله بن أبىّ بن سلول، وكانوا أشجع يهود، وكانوا صاغة، فوادعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كانت وقعة بدر أظهروا البغى والحسد، ونبذوا العهد والمدّة، فأنزل الله تعالى على نبيّه صلى الله عليه وسلم:(وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ)«4» .
وقال أبو عبد الله محمد بن إسحاق فى سبب غزوة بنى قينقاع: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم بسوق بنى قينقاع «5» ثم قال: يا معشر يهود، احذروا من الله
مثل ما نزل بقريش من النّقمة، وأسلموا، فإنكم قد عرفتم أنّى نبىّ مرسل، تجدون ذلك فى كتابكم وعهد الله إليكم؛ قالوا: يا محمد، لا يغرّنّك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة، إنّا والله لئن حاربناك لتعلمنّ أنّا نحن الناس.
فأنزل الله تعالى فيهم: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ. قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ «1» )
. حكاه ابن إسحاق بسند يرفعه إلى ابن عباس.
وقال ابن هشام فى سبب هذه الغزاة: إنّ امرأة من العرب حلّت بجلب «2» لها، فباعته بسوق بنى قينقاع، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوءتها، فضحكوا منها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وكان يهوديا، وشدّت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فأغضبهم، فوقع الشر بينهم وبين بنى قينقاع.
عدنا إلى مساق حديث ابن سعد؛ قال: فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب، وكان أبيض، واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر، ثم سار إليهم فحاصرهم خمس عشرة ليلة إلى هلال ذى القعدة، وكانوا أوّل من غدر من اليهود، وحاربوا وتحصّنوا فى حصنهم، فحاصرهم أشدّ الحصار، حتى قذف الله فى قلوبهم الرعب، ونزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أموالهم، وأن لهم النساء والذّرّيّة، فأمر
بهم فكتفوا، واستعمل على كتافهم المنذر بن قدامة السّلمى. فكلّم عبد الله بن أبىّ فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وألحّ عليه، فقال: خذهم، لعنهم الله «1» ؛ وتركهم من القتل، وأمر بهم أن يجلوا من المدينة، وولّى إخراجهم منها عبادة بن الصامت، فلحقوا بأذرعات «2» ، فما كان أقلّ بقاءهم فيها.
وقال ابن إسحاق فى خبر عبد الله بن أبىّ بن سلول: إنه قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمكنه الله من بنى قينقاع، فقال: يا محمد، أحسن فى موالىّ.
وكانوا حلفاء الخزرج، فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، أحسن فى موالىّ. قال: فأعرض عنه. قال: فأدخل يده فى جيب درع «3» النبى صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلنى، وغضب حتى ظهر ذلك فى وجهه، ثم قال: ويحك! أرسلنى؛ قال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن فى موالىّ، أربعمائة حاسر «4» وثلاثمائة دارع «5» ، قد منعونى من الأحمر والأسود، تحصدهم فى غداة واحدة، إنى والله امرؤ أخشى الدوائر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم لك.
وحكى أيضا قال: كان لبنى قينقاع من عبادة بن الصامت من الحلف مثل الذى لهم من عبد الله بن أبىّ، فمشى عبادة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرّأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم، وقال: أتولّى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم. فأنزل الله تعالى فيه وفى عبد الله بن أبىّ: