الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتضرب صدرها؛ فقال السادن: مناة دونك بعض غضباتك؛ ويضربها سعد بن زيد فيقتلها، ويقبل إلى الصنم معه أصحابه، ولم يجدوا فى خزانتها شيئا، وانصرف راجعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك لست بقين من شهر رمضان.
ذكر سريّة خالد بن الوليد إلى بنى جذيمة بن عامر ابن عبد مناة بن كنانة، وهو يوم الغميصاء
قالوا: لما رجع خالد بن الوليد من هدم العزّى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم بمكة، بعثه فى شوّال إلى بنى جذيمة بن عامر، وكانوا أسفل مكة على ليلة منها بناحية يلملم؛ داعيا إلى الإسلام، ولم يبعثه مقاتلا، فخرج فى ثلاثمائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار وبنى سليم، فانتهى إليهم خالد بن الوليد، فقال: ما أنتم؟
قالوا: مسلمون، قد صلّينا وصدّقنا بمحمد، وبنينا المساجد فى ساحاتنا، وأذّنّا فيها؛ قال: فما بال السلاح عليكم؟ فقالوا: إنّ بيننا وبين بعض العرب عداوة، فخفنا أن تكونوا هم، فأخذنا السلاح؛ قال: فضعوا السلاح؛ قال:
فوضعوه، فقال لهم: استأسروا؛ فاستأسر القوم، فأمر بعضهم فكتف بعض وفرّقهم فى أصحابه، فلما كان فى السّحر نادى خالد: من كان معه أسير فليدافّه؛ أى فليجهز عليه بالسيف.
فأمّا بنو سليم فقتلوا من كان فى أيديهم، وأمّا المهاجرون والأنصار فأرسلوا أساراهم، فبلغ النبىّ صلى الله عليه وسلم ما صنع خالد، فقال:«اللهم إنى أبرأ إليك مما صنع خالد» ؛ وبعث علىّ بن أبى طالب فودى «1» لهم قتلاهم وما ذهب منهم.
وقد حكى أبو الفرج على بن الحسين الأصفهانى «1» ، خبر هذه السريّة فى قصة عبد الله بن علقمة أحد بنى عامر بن عبد مناة بن كنانة وخبر مقتله، وذكر خبره مع حبيشة، فروى بسند رفعه إلى ابن دأب قال: كان من حديث عبد الله بن علقمة أنه خرج مع أمه وهو إذ ذاك يفعة: دون المحتلم، لتزور جارة لها، وكانت لها بنت يقال لها: حبيشة إحدى بنات عامر بن عبد مناة، فلما رآها عبد الله بن علقمة أعجبته ووقعت فى نفسه؛ فانصرف وترك أمّه عند جارتها، فبقيت عندها يومين، ثم أتاها ليرجعها إلى منزله، فوجد حبيشة قد زيّنت لأمر كان فى الحىّ، فازداد بها عجبا، وانصرف بأمّه فى غداة تمطر، فمشى معها وجعل يقول:
فما أدرى بلى إنّى لأدرى
…
أصوب القطر أحسن أم حبيش
حبيشة والذى خلق الهدايا
…
وما إن عندها للصبّ عيش «2»
قال: فسمعت ذلك حبيشة، فتغافلت عنه، وكرهت قوله، ثم مشى مليّا فإذا هو بظبى على ربوة من الأرض، فقال:
يا أمّتا خبّرينى غير كاذبة
…
وما يريد مسول الحق بالكذب
أأنت أحسن أم ظبى برابية
…
لابل حبيشة فى عينى وفى أربى
قال: فزجرته أمّه، وقالت: ما أنت وهذا، أنا مزوّجتك بنت عمّك، فهى أجمل من تلك، وأتت امرأة عمّه فأخبرتها خبره وقالت: زيّنى ابنتك له، ففعلت وأدخلتها عليه، فلما رآها أطرق، فقالت له أمّه: أيهما الآن أحسن؟
فقال:
إذا غيّبت عنّى حبيشه مرّة
…
من الدهر لم أملك عزاء ولا صبرا
كأنّ الحشا حرّ السعير يحشّه «1»
…
وقود الغضى فالقلب مضطرم جمرا
قال: وجعل يراسل الجارية وتراسله، حتى علقته كما علقها، وكثر قوله الشعر فيها، فمن ذلك قوله «2» :
حبيشة هل جدّى وجدّك جامع
…
بشملكم شملى وأهلكم أهلى؟
وهل أنا ملتّف بثوبك مرّة
…
بصحراء بين الأيكتين إلى النّخل؟
ومرتشف من ريق ثغرك مرّة
…
كراح ومسك خالطا عسل النّحل
فلما بلغ أهلها خبره، حجبوها عنه مدّة، وهو يزيد غراما بها، ويكثر قوله الشعر فيها، فأتوها فقالوا لها: عديه السّرحة، فإذا أتاك فقولى له: نشدتك الله إن أحببتنى فما على الأرض شىء أبغض إلىّ منك، ونحن قريب نسمع ما تقولين؛ فواعدته، وجلسوا قريبا يسمعون، وجلست عند السرحة، وأقبل عبد الله لموعدها، فلمّا دنا منها دمعت عينها، والتفتت حيث أهلها جلوس، فعرف أنهم قريب، فرجع، وبلغه ما أمروها به أن تقوله، فأنشأ يقول:
فلو قلت ما قالوا لزدت جوى جو «3»
…
على أنه لم يبق ستر ولا صبر
ولم يك حبّى عن نوال بذلته
…
فيسلينى عنك التجلّد والهجر «4»
وما أنس م الأشياء لم أنس دمعها
…
ونظرتها حتى يغيّبنى القبر
قال: وبعث النبىّ صلى الله عليه وسلم على أثر ذلك خالد بن الوليد إنى بنى عامر، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلّا قاتلهم، فصبحهم خالد بالغميصاء وقد علموا به وخافوه، وكانوا قد قتلوا الفاكه بن الوليد وعمّه الفاكه بن المغيرة فى الجاهلية، فلمّا صبحهم خالد ومعه بنو سليم وهم يطلبونهم بمالك ابن خالد بن صخهر بن الشريد، وإخوته كرز وعمرو والحارث، وكانوا قتلوهم فى موطن واحد. فلما صبحهم خالد ورأوا معه بنى سليم زادهم ذلك نفورا، فقال لهم خالد: أسلموا، فقالوا: نحن مسلمون؛ قال: فألقوا سلاحكم وانزلوا، قالوا: لا والله؛ فقال لهم حذيم «1» بن الحارث أحد بنى أقرم: يا قوم، لا تلقوا سلاحكم، فو الله ما بعد وضع السلاح إلّا القتل؛ قالوا: والله لا نلقى سلاحنا ولا ننزل، فما نحن لك ولا لمن معك بآمنين؛ قال خالد: فلا أمان لكم؛ فنزلت فرقة منهم فأسروهم، وتفرّق بقيّة القوم فرقتين؛ فأصعدت فرقة وسفلت أخرى.
قال ابن دأب: فأخبرنى من لا أتّهم عن عبيد الله بن أبى حدود الأسلمىّ قال: كنت يومئذ فى جند خالد، فبعثنا فى إثر ظعن مصعدة يسوق بها فتية، فقال:
أدركوا أولئك؛ فخرجنا فى أثرهم حتى أدركناهم، فمضوا ووقف لنا غلام على الطريق، فلما انتهينا إليه جعل يقاتلنا ويرتجز ويقول:
أرخين أطراف الذّيول وارتعن «2»
…
مشى حييّات كأن لم يفزعن
إن يمنع اليوم نساء تمنعن
فقاتلنا طويلا، فقتلناه ومضينا، حتى لحقنا الظّعن، فخرج إلينا غلام كأنه الأوّل، فجعل يقاتلنا ويقول:
أقسم ما إن خادر ذو لبدة «1»
…
يرزم «2» بين أيكة ووهده
يفرس ثنيان الرجال وحده
…
بأصدق الغمداة منّى نجده
فقاتلناه حتى قتلناه، وأدركنا الظّعن، وإذا فيهن غلام وضىء به صفرة فى لونه كالمنهوك، فربطناه بحبل، وقدّمناه لنقتله، فقال: هل لكم فى خير؟ قلنا:
ما هو؟ قال: تدركون بى الظعن أسفل الوادى ثم تقتلوننى؛ قلنا: نفعل؛ فخرجنا حتى نعارض الظّعن بأسفل الوادى، فلمّا كان بحيث يسمعون الصوت، نادى بأعلى صوته: اسلمى حبيش، عند فقد العيش؛ فأقبلت إليه جارية بيضاء حسناء؛ فقالت: وأنت فأسلم على كثرة الأعداء، وشدّة البلاء؛ قال: سلام عليك دهرا، وإن بقيت عصرا؛ فقالت: وأنت سلام عليك عشرا، وشفعا ووترا، وثلاثة تترى؛ فقال:
إن يقتلونى يا حبيش فلم يدع
…
هواك لهم منّى سوى غلّة الصدر
فأنت الّتى أخليت لحمى من دمى
…
وعظمى وأسبلت الدموع على نحرى
فقالت له:
ونحن بكينا من فراقك مرّة
…
وأخرى وآسيناك فى العسر واليسر
وأنت فلا تبعد فنعم فتى الهوى
…
جميل العفاف والمودّة فى ستر
فقال لها:
أريتك إن طالبتكم فوجدتكم
…
بحرّة «3» أو أدركتكم بالخوانق «4»
ألم يك حقّا أن ينوّل عاشق
…
تكلّف إدلاج السّرى والودائق»
فقالت: بلى والله، فقال:
فلا ذنب لى قد قلت إذ نحن جيرة
…
أثيبى بودّ قبل إحدى الصّفائق «1»
أثيبى بودّ قبل أن تشحط النّوى
…
وينأى الخليط بالحبيب المفارق
قال ابن أبى حدود: فقدّمناه فضربنا عنقه، فاقتحمت الجارية من خدرها حتى أهوت نحوه، فالتقمت فاه، فنزعنا منها رأسه، وإنها لتتبّع نفسها «2» حتى ماتت مكانها، وأفلت من القوم غلام من بنى أقرم يقال له السّميدع حتى اقتحم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره ما صنع خالد وشكاه. قال ابن دأب:
فأخبرنى صالح بن كيسان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هل أنكر عليه أحد ما صنع» ؟ قال: نعم، رجل أصفر «3» ربعة، ورجل طويل أحمر؛ فقال عمر رضى الله عنه: أنا والله يا رسول الله أعرفها، أمّا الأوّل فهو ابنى، وأمّا الآخر فمولى أبى حذيفة، وكان خالد قد أمر كلّ من أسر أسيرا أن يقتله، فأطلق عبد الله بن عمر وسالم مولى أبى حذيفة أسيرين كانا معهما، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علىّ بن أبى طالب بعد فراغه من حنين، وبعث معه بإبل وورق، وأمره أن يديهم، فوادهم. ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله، فقال:
قدمت عليهم فقلت لهم: هل لكم أن تقبلوا هذا بما أصيب منكم من القتلى والجرحى، وتحلّلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ممّا علم وممّا لم يعلم؟، فقالوا:
نعم، قال: فدفعته إليهم، وجعلت أديهم حتى إنّى لأدى ميلغ «4» الكلب،
وفضلت فضلة فدفعتها إليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أقبلوها» ؟
قلت: نعم؛ قال: «فو الذى أنا عبده لذاك أحبّ إلىّ من حمر النّعم» .
وروى أبو الفرج أيضا «1» بسند رفعه إلى عمر بن شبّة، قال: قالوا: يروى أن خالدا أتى النبىّ صلى الله عليه وسلم فسئل عن غزاته بنى جذيمة، فقال:
إن أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدّثت، فقال:«تحدّث» ، فقال:
لقيناهم بالغميصاء بعد وجه الصبح، فقاتلناهم حتى كاد قرن الشمس يغيب، فمنحنا الله عز وجل أكتافهم، فاتبعناهم نطلبهم، فإذا غلام له ذوائب على فرس فى أخريات الناس، فبوّأت «2» له الرمح فوضعته بين كتفيه. فقال: لا إله، فقبضت الرمح، فقال: إلّا اللّات أحسنت أو أساءت، فهشمته هشمة أرديته بها، ثم أخذته أسيرا، فشددته وثاقا، ثم كلّمته فلم يكلّمنى، واستخبرته فلم يخبرنى؛ فلما كان ببعض الطريق رأى نسوة من بنى جذيمة يسوق بهنّ المسلمون، فقال:
يا خالد، فقلت: ما تشاء؟ فقال: هل أنت واقفى «3» على هذه النسوة؟ فأبيت، فآلى «4» علىّ أصحابى، ففعلت، وفيهنّ جارية تدعى حبيشة، فقال: لها: ناولينى يدك، فناولته يدها فى ثوبها، فقال: اسلمى حبيش. قبل نفاد العيش. فقالت: حييّت عشرا، وتسعا تترى، وثمانيا أخرى، فقال:
أريتك إذ طالبتكم فوجدتكم
…
بنخلة «5» أو أدركتكم بالخوانق
ألم يك حقّا أن ينوّل عاشق
…
تكلّف إدلاج السّرى والودائق