المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر سرية خالد بن الوليد إلى بنى جذيمة بن عامر ابن عبد مناة بن كنانة، وهو يوم الغميصاء - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ١٧

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء السابع عشر

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌[تتمة الباب الأول من القسم الخامس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله]

- ‌ذكر غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر أوّل لواء عقده صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر سرية عبيدة بن الحارث بن المطّلب إلى بطن رابغ

- ‌ذكر سريّة سعد بن أبى وقّاص إلى الخرّار

- ‌ذكر غزوة الأبواء

- ‌ذكر غزوة بواط

- ‌ذكر غزوة بدر الأولى

- ‌ذكر غزوة ذى العشيرة

- ‌ذكر سرّية عبد الله بن جحش الأسدى إلى نخلة

- ‌ذكر غزوة بدر الكبرى

- ‌ذكر رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب وخروج قريش إلى بدر

- ‌ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين إلى بدر

- ‌ذكر تسمية من شهد بدرا من المهاجرين والأنصار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر تسمية من استشهد من المسلمين فى غزاة بدر

- ‌ذكر تسمية من قتل من المشركين فى غزوة بدر

- ‌ذكر تسمية من أسر من المشركين فى غزوة بدر

- ‌ذكر خبر أسارى بدر وما كان من فدائهم، ومن منّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأطلقه منهم) ، ومن أسلم بسبب ذلك

- ‌ذكر خبر أبى سفيان فى أسر ابنه عمرو بن أبى سفيان وإطلاقه

- ‌ذكر خبر أبى العاص بن الربيع فى فدائه

- ‌ذكر خبر الوليد بن الوليد بن المغيرة

- ‌ذكر من منّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسارى بدر وأطلقه بغير فداء

- ‌ذكر سرية عمير بن عدىّ بن خرشة الخطمىّ إلى عصماء بنت مروان من بنى أميّة بن زيد

- ‌ذكر سريّة سالم بن عمير العمرىّ إلى أبى عفك اليهودىّ

- ‌ذكر غزوة بنى قينقاع

- ‌ذكر غزوة السّويق

- ‌ذكر غزوة قرقرة الكدر ويقال قرارة الكدر وهى غزوة بنى سليم

- ‌ذكر مقتل كعب بن الأشرف اليهودىّ وخبر سريّته

- ‌ذكر غزوة بنى سليم بجران

- ‌ذكر سريّة زيد بن حارثة إلى القردة

- ‌ذكر غزوة أحد

- ‌ذكر تسمية من قتل من المشركين يوم أحد

- ‌ذكر غزوة حمراء الأسد

- ‌ذكر سريّة أبى سلمة بن عبد الأسد المخزومى

- ‌ذكر سريّة عبد الله بن أنيس إلى سفيان بن خالد الهذلى

- ‌ذكر سرية المنذر بن عمرو السّاعدى إلى بئر معونة

- ‌ذكر سريّة مرثد بن أبى مرثد الغنوى إلى الرّجيع

- ‌ذكر غزوة بنى النّضير

- ‌ذكر قصة برصيصا

- ‌ذكر غزوة بدر الموعد

- ‌ذكر خبر جابر بن عبد الله فى جمله، واستغفار النبىّ صلى الله عليه وسلم لأبيه

- ‌ذكر غزوة دومة الجندل

- ‌ذكر غزوات الخندق، وهى غزوة الأحزاب

- ‌ذكر تسمية من استشهد من المسلمين فى غزوة الخندق ومن قتل من المشركين

- ‌ذكر ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن فى غزوة الخندق وما ورد فى تفسير ذلك

- ‌ذكر غزوة بنى قريظة

- ‌ذكر نزول بنى قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسؤال الأوس فيهم؛ وتحكيم سعد بن معاذ وحكمه فيهم بحكم الله تعالى وقتلهم

- ‌ذكر سرية عبد الله بن عتيك إلى أبى رافع سلّام ابن أبى الحقيق النضرىّ بخيبر

- ‌ذكر سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء، وهم بنو قرط وقريط من بنى كلاب

- ‌ذكر غزوة بنى لحيان بناحية عسفان

- ‌ذكر سرية محمد بن مسلمة إلى بنى ثعلبة بذى القصّة

- ‌ذكر سرية أبى عبيدة بن الجرّاح إلى ذى القصّة

- ‌ذكر سرية زيد بن حارثة إلى بنى سليم بالجموم

- ‌ذكر سرية زيد بن حارثة إلى العيص لعير قريش

- ‌ذكر سرية زيد بن حارثة إلى الطّرف إلى بنى ثعلبة

- ‌ذكر سرية زيد بن حارثة إلى حسمى، وهى وراء وادى القرى

- ‌ذكر سرية على بن أبى طالب رضى الله عنه إلى بنى سعد بن بكر بفدك

- ‌ذكر سريّة زيد بن حارثة إلى وادى القرى وقتل أم قرفة

- ‌ذكر سريّة كرز بن جابر الفهرى إلى العرنيّين

- ‌ذكر سرية عمرو بن أمية الضّمرىّ وسلمة بن أسلم إلى أبى سفيان بن حرب بمكة

- ‌ذكر بيعة الرّضوان

- ‌ذكر هدنة قريش وما وقع فيها من الشروط

- ‌ذكر رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ونزول سورة الفتح

- ‌ذكر خبر أبى بصير ومن لحق به وانضم إليه

- ‌ذكر غزوة خيبر وفتحها وما يتصل بذلك

- ‌ذكر تسمية من استشهد من المسلمين فى غزوة خيبر

- ‌ذكر قسم غنائم خيبر

- ‌ذكر تسمية من قسم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتيبة التى خرجت للخمس وما أعطاهم منها

- ‌ذكر خبر الحجاج بن علاط وما أوصله إلى أهل مكة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استوفى أمواله

- ‌ذكر انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خيبر إلى وادى القرى، ونومهم عن صلاة الصبح

- ‌ذكر سريّة عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى تربة

- ‌ذكر سرية أبى بكر الصديق رضى الله عنه إلى بنى كلاب بنجد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شعبان سنة سبع من مهاجره

- ‌ذكر سريّة بشير بن سعد الأنصارى إلى فدك

- ‌ذكر سريّة غالب بن عبد الله الليثى إلى الميفعة

- ‌ذكر سريّة ابن أبى العوجاء السّلمىّ إلى بنى سليم

- ‌ذكر سريّة غالب بن عبد الله الليثىّ إلى بنى الملوح بالكديد

- ‌ذكر سريّة غالب بن عبد الله الّليثى أيضا إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك

- ‌ذكر سريّة شجاع بن وهب الأسدىّ إلى بنى عامر بالسّىّ

- ‌ذكر سريّة كعب بن عمير الغفارىّ إلى ذات أطلاح

- ‌ذكر سريّة مؤتة

- ‌ذكر تسمية من استشهد من المسلمين يوم مؤتة

- ‌ذكر سريّة عمرو بن العاص إلى ذات السّلاسل

- ‌ذكر سريّة أبى عبيدة بن الجرّاح، وهى سريّة الخبط

- ‌ذكر سريّة أبى قتادة بن ربعىّ الأنصارىّ إلى خضرة وهى أرض محارب بنجد

- ‌ذكر سريّة أبى قتادة بن ربعىّ الأنصارىّ إلى بطن إضم

- ‌ذكر غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح والسبب الّذى أوجب نقض العهد وفسخ الهدنة

- ‌ذكر خبر حاطب بن أبى بلتعة فى كتابه إلى أهل مكّة، وإعلام الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وسلم بذلك، وأخذه الكتاب، وما أنزل الله عز وجل فى ذلك من القرآن

- ‌ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكّة، ومن جاءه فى طريقه قبل دخوله مكّة

- ‌ذكر مجىء العبّاس بأبى سفيان بن حرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإسلام أبى سفيان، وخبر الفتح

- ‌ذكر دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكّة شرّفها الله تعالى صلحا، ودخول خالد بن الوليد ومن معه من القبائل عنوة

- ‌ذكر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلهم يوم فتح مكّة وسبب ذلك، ومن قتل منهم، ومن نجا بإسلامه

- ‌ذكر إسلام أبى قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كعب

- ‌ذكر دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، وطوافه بالبيت ودخوله الكعبة، وما فعل بالأصنام

- ‌ذكر سريّة خالد بن الوليد إلى العزّى وهدمها

- ‌ذكر سريّة عمرو بن العاص إلى سواع وكسره

- ‌ذكر سريّة سعد بن زيد الأشهلىّ إلى مناة

- ‌ذكر سريّة خالد بن الوليد إلى بنى جذيمة بن عامر ابن عبد مناة بن كنانة، وهو يوم الغميصاء

- ‌ذكر غزوة حنين، وهى إلى هوازن وثقيف

- ‌ذكر سرية الطّفيل بن عمرو الدّوسىّ إلى ذى الكفّين

- ‌ذكر غزوة الطائف

- ‌ذكر مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجعرانة وقسم مغانم حنين، وما أعطاه المؤلّفة

- ‌ذكر قدوم وفد هوازن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسلامهم وردّ السبايا إليهم

- ‌ذكر تسمية من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش وغيرها عند قسم مغانم حنين

- ‌ذكر مقالة الأنصار فى أمر قسم الفىء، وما أجابهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضّاهم به

- ‌ذكر استخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم عتّاب بن أسيد على مكّة ورجوعه إلى المدينة

- ‌ذكر سريّة عيينة بن حصن الفزارىّ إلى بنى تميم

- ‌ذكر خبر الوليد بن عقبة بن أبى معيط مع بنى المصطلق

- ‌ذكر سريّة قطبة بن عامر بن حديدة إلى خثعم

- ‌ذكر سريّة الضحّاك بن سفيان الكلابىّ إلى بنى كلاب كانت فى شهر ربيع الأوّل سنة تسع من الهجرة

- ‌ذكر سريّة علقمة بن مجزّز المدلجىّ إلى الحبشة

- ‌ذكر سريّة علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه إلى الفلس صنم طيئ

- ‌ذكر سريّة عكّاشة بن محصن الأسدى إلى الجناب

- ‌ذكر غزوة تبوك

- ‌ذكر سريّة خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك

- ‌ذكر خبر مرور رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر وما قاله لأصحابه

- ‌ذكر أخبار المنافقين وما تكلّموا به فى غزوة تبوك وما أنزل الله عز وجل فيهم من القرآن

- ‌ذكر خبر الثلاثة الذين خلّفوا، وما أنزل فيهم وفى المعذّرين من الأعراب

- ‌ذكر سريّة خالد بن الوليد إلى بنى عبد المدان بنجران

- ‌ذكر سريّة على بن أبى طالب رضى الله عنه إلى اليمن

- ‌ذكر حجّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره

- ‌ذكر الخطبة التى خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌وأمّا عمره صلى الله عليه وسلم

- ‌وأمّا عمرة القضاء

- ‌[صورة ما جاء فى آخر هذا الجزء بنسخة ا]

- ‌[صورة ما جاء فى آخر هذا الجزء أيضا بنسخة ج]

- ‌فهرس المراجع

- ‌استدراك

الفصل: ‌ذكر سرية خالد بن الوليد إلى بنى جذيمة بن عامر ابن عبد مناة بن كنانة، وهو يوم الغميصاء

وتضرب صدرها؛ فقال السادن: مناة دونك بعض غضباتك؛ ويضربها سعد بن زيد فيقتلها، ويقبل إلى الصنم معه أصحابه، ولم يجدوا فى خزانتها شيئا، وانصرف راجعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك لست بقين من شهر رمضان.

‌ذكر سريّة خالد بن الوليد إلى بنى جذيمة بن عامر ابن عبد مناة بن كنانة، وهو يوم الغميصاء

قالوا: لما رجع خالد بن الوليد من هدم العزّى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم بمكة، بعثه فى شوّال إلى بنى جذيمة بن عامر، وكانوا أسفل مكة على ليلة منها بناحية يلملم؛ داعيا إلى الإسلام، ولم يبعثه مقاتلا، فخرج فى ثلاثمائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار وبنى سليم، فانتهى إليهم خالد بن الوليد، فقال: ما أنتم؟

قالوا: مسلمون، قد صلّينا وصدّقنا بمحمد، وبنينا المساجد فى ساحاتنا، وأذّنّا فيها؛ قال: فما بال السلاح عليكم؟ فقالوا: إنّ بيننا وبين بعض العرب عداوة، فخفنا أن تكونوا هم، فأخذنا السلاح؛ قال: فضعوا السلاح؛ قال:

فوضعوه، فقال لهم: استأسروا؛ فاستأسر القوم، فأمر بعضهم فكتف بعض وفرّقهم فى أصحابه، فلما كان فى السّحر نادى خالد: من كان معه أسير فليدافّه؛ أى فليجهز عليه بالسيف.

فأمّا بنو سليم فقتلوا من كان فى أيديهم، وأمّا المهاجرون والأنصار فأرسلوا أساراهم، فبلغ النبىّ صلى الله عليه وسلم ما صنع خالد، فقال:«اللهم إنى أبرأ إليك مما صنع خالد» ؛ وبعث علىّ بن أبى طالب فودى «1» لهم قتلاهم وما ذهب منهم.

ص: 316

وقد حكى أبو الفرج على بن الحسين الأصفهانى «1» ، خبر هذه السريّة فى قصة عبد الله بن علقمة أحد بنى عامر بن عبد مناة بن كنانة وخبر مقتله، وذكر خبره مع حبيشة، فروى بسند رفعه إلى ابن دأب قال: كان من حديث عبد الله بن علقمة أنه خرج مع أمه وهو إذ ذاك يفعة: دون المحتلم، لتزور جارة لها، وكانت لها بنت يقال لها: حبيشة إحدى بنات عامر بن عبد مناة، فلما رآها عبد الله بن علقمة أعجبته ووقعت فى نفسه؛ فانصرف وترك أمّه عند جارتها، فبقيت عندها يومين، ثم أتاها ليرجعها إلى منزله، فوجد حبيشة قد زيّنت لأمر كان فى الحىّ، فازداد بها عجبا، وانصرف بأمّه فى غداة تمطر، فمشى معها وجعل يقول:

فما أدرى بلى إنّى لأدرى

أصوب القطر أحسن أم حبيش

حبيشة والذى خلق الهدايا

وما إن عندها للصبّ عيش «2»

قال: فسمعت ذلك حبيشة، فتغافلت عنه، وكرهت قوله، ثم مشى مليّا فإذا هو بظبى على ربوة من الأرض، فقال:

يا أمّتا خبّرينى غير كاذبة

وما يريد مسول الحق بالكذب

أأنت أحسن أم ظبى برابية

لابل حبيشة فى عينى وفى أربى

قال: فزجرته أمّه، وقالت: ما أنت وهذا، أنا مزوّجتك بنت عمّك، فهى أجمل من تلك، وأتت امرأة عمّه فأخبرتها خبره وقالت: زيّنى ابنتك له، ففعلت وأدخلتها عليه، فلما رآها أطرق، فقالت له أمّه: أيهما الآن أحسن؟

فقال:

ص: 317

إذا غيّبت عنّى حبيشه مرّة

من الدهر لم أملك عزاء ولا صبرا

كأنّ الحشا حرّ السعير يحشّه «1»

وقود الغضى فالقلب مضطرم جمرا

قال: وجعل يراسل الجارية وتراسله، حتى علقته كما علقها، وكثر قوله الشعر فيها، فمن ذلك قوله «2» :

حبيشة هل جدّى وجدّك جامع

بشملكم شملى وأهلكم أهلى؟

وهل أنا ملتّف بثوبك مرّة

بصحراء بين الأيكتين إلى النّخل؟

ومرتشف من ريق ثغرك مرّة

كراح ومسك خالطا عسل النّحل

فلما بلغ أهلها خبره، حجبوها عنه مدّة، وهو يزيد غراما بها، ويكثر قوله الشعر فيها، فأتوها فقالوا لها: عديه السّرحة، فإذا أتاك فقولى له: نشدتك الله إن أحببتنى فما على الأرض شىء أبغض إلىّ منك، ونحن قريب نسمع ما تقولين؛ فواعدته، وجلسوا قريبا يسمعون، وجلست عند السرحة، وأقبل عبد الله لموعدها، فلمّا دنا منها دمعت عينها، والتفتت حيث أهلها جلوس، فعرف أنهم قريب، فرجع، وبلغه ما أمروها به أن تقوله، فأنشأ يقول:

فلو قلت ما قالوا لزدت جوى جو «3»

على أنه لم يبق ستر ولا صبر

ولم يك حبّى عن نوال بذلته

فيسلينى عنك التجلّد والهجر «4»

وما أنس م الأشياء لم أنس دمعها

ونظرتها حتى يغيّبنى القبر

ص: 318

قال: وبعث النبىّ صلى الله عليه وسلم على أثر ذلك خالد بن الوليد إنى بنى عامر، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلّا قاتلهم، فصبحهم خالد بالغميصاء وقد علموا به وخافوه، وكانوا قد قتلوا الفاكه بن الوليد وعمّه الفاكه بن المغيرة فى الجاهلية، فلمّا صبحهم خالد ومعه بنو سليم وهم يطلبونهم بمالك ابن خالد بن صخهر بن الشريد، وإخوته كرز وعمرو والحارث، وكانوا قتلوهم فى موطن واحد. فلما صبحهم خالد ورأوا معه بنى سليم زادهم ذلك نفورا، فقال لهم خالد: أسلموا، فقالوا: نحن مسلمون؛ قال: فألقوا سلاحكم وانزلوا، قالوا: لا والله؛ فقال لهم حذيم «1» بن الحارث أحد بنى أقرم: يا قوم، لا تلقوا سلاحكم، فو الله ما بعد وضع السلاح إلّا القتل؛ قالوا: والله لا نلقى سلاحنا ولا ننزل، فما نحن لك ولا لمن معك بآمنين؛ قال خالد: فلا أمان لكم؛ فنزلت فرقة منهم فأسروهم، وتفرّق بقيّة القوم فرقتين؛ فأصعدت فرقة وسفلت أخرى.

قال ابن دأب: فأخبرنى من لا أتّهم عن عبيد الله بن أبى حدود الأسلمىّ قال: كنت يومئذ فى جند خالد، فبعثنا فى إثر ظعن مصعدة يسوق بها فتية، فقال:

أدركوا أولئك؛ فخرجنا فى أثرهم حتى أدركناهم، فمضوا ووقف لنا غلام على الطريق، فلما انتهينا إليه جعل يقاتلنا ويرتجز ويقول:

أرخين أطراف الذّيول وارتعن «2»

مشى حييّات كأن لم يفزعن

إن يمنع اليوم نساء تمنعن

فقاتلنا طويلا، فقتلناه ومضينا، حتى لحقنا الظّعن، فخرج إلينا غلام كأنه الأوّل، فجعل يقاتلنا ويقول:

ص: 319

أقسم ما إن خادر ذو لبدة «1»

يرزم «2» بين أيكة ووهده

يفرس ثنيان الرجال وحده

بأصدق الغمداة منّى نجده

فقاتلناه حتى قتلناه، وأدركنا الظّعن، وإذا فيهن غلام وضىء به صفرة فى لونه كالمنهوك، فربطناه بحبل، وقدّمناه لنقتله، فقال: هل لكم فى خير؟ قلنا:

ما هو؟ قال: تدركون بى الظعن أسفل الوادى ثم تقتلوننى؛ قلنا: نفعل؛ فخرجنا حتى نعارض الظّعن بأسفل الوادى، فلمّا كان بحيث يسمعون الصوت، نادى بأعلى صوته: اسلمى حبيش، عند فقد العيش؛ فأقبلت إليه جارية بيضاء حسناء؛ فقالت: وأنت فأسلم على كثرة الأعداء، وشدّة البلاء؛ قال: سلام عليك دهرا، وإن بقيت عصرا؛ فقالت: وأنت سلام عليك عشرا، وشفعا ووترا، وثلاثة تترى؛ فقال:

إن يقتلونى يا حبيش فلم يدع

هواك لهم منّى سوى غلّة الصدر

فأنت الّتى أخليت لحمى من دمى

وعظمى وأسبلت الدموع على نحرى

فقالت له:

ونحن بكينا من فراقك مرّة

وأخرى وآسيناك فى العسر واليسر

وأنت فلا تبعد فنعم فتى الهوى

جميل العفاف والمودّة فى ستر

فقال لها:

أريتك إن طالبتكم فوجدتكم

بحرّة «3» أو أدركتكم بالخوانق «4»

ألم يك حقّا أن ينوّل عاشق

تكلّف إدلاج السّرى والودائق»

ص: 320

فقالت: بلى والله، فقال:

فلا ذنب لى قد قلت إذ نحن جيرة

أثيبى بودّ قبل إحدى الصّفائق «1»

أثيبى بودّ قبل أن تشحط النّوى

وينأى الخليط بالحبيب المفارق

قال ابن أبى حدود: فقدّمناه فضربنا عنقه، فاقتحمت الجارية من خدرها حتى أهوت نحوه، فالتقمت فاه، فنزعنا منها رأسه، وإنها لتتبّع نفسها «2» حتى ماتت مكانها، وأفلت من القوم غلام من بنى أقرم يقال له السّميدع حتى اقتحم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره ما صنع خالد وشكاه. قال ابن دأب:

فأخبرنى صالح بن كيسان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هل أنكر عليه أحد ما صنع» ؟ قال: نعم، رجل أصفر «3» ربعة، ورجل طويل أحمر؛ فقال عمر رضى الله عنه: أنا والله يا رسول الله أعرفها، أمّا الأوّل فهو ابنى، وأمّا الآخر فمولى أبى حذيفة، وكان خالد قد أمر كلّ من أسر أسيرا أن يقتله، فأطلق عبد الله بن عمر وسالم مولى أبى حذيفة أسيرين كانا معهما، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علىّ بن أبى طالب بعد فراغه من حنين، وبعث معه بإبل وورق، وأمره أن يديهم، فوادهم. ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله، فقال:

قدمت عليهم فقلت لهم: هل لكم أن تقبلوا هذا بما أصيب منكم من القتلى والجرحى، وتحلّلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ممّا علم وممّا لم يعلم؟، فقالوا:

نعم، قال: فدفعته إليهم، وجعلت أديهم حتى إنّى لأدى ميلغ «4» الكلب،

ص: 321

وفضلت فضلة فدفعتها إليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أقبلوها» ؟

قلت: نعم؛ قال: «فو الذى أنا عبده لذاك أحبّ إلىّ من حمر النّعم» .

وروى أبو الفرج أيضا «1» بسند رفعه إلى عمر بن شبّة، قال: قالوا: يروى أن خالدا أتى النبىّ صلى الله عليه وسلم فسئل عن غزاته بنى جذيمة، فقال:

إن أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدّثت، فقال:«تحدّث» ، فقال:

لقيناهم بالغميصاء بعد وجه الصبح، فقاتلناهم حتى كاد قرن الشمس يغيب، فمنحنا الله عز وجل أكتافهم، فاتبعناهم نطلبهم، فإذا غلام له ذوائب على فرس فى أخريات الناس، فبوّأت «2» له الرمح فوضعته بين كتفيه. فقال: لا إله، فقبضت الرمح، فقال: إلّا اللّات أحسنت أو أساءت، فهشمته هشمة أرديته بها، ثم أخذته أسيرا، فشددته وثاقا، ثم كلّمته فلم يكلّمنى، واستخبرته فلم يخبرنى؛ فلما كان ببعض الطريق رأى نسوة من بنى جذيمة يسوق بهنّ المسلمون، فقال:

يا خالد، فقلت: ما تشاء؟ فقال: هل أنت واقفى «3» على هذه النسوة؟ فأبيت، فآلى «4» علىّ أصحابى، ففعلت، وفيهنّ جارية تدعى حبيشة، فقال: لها: ناولينى يدك، فناولته يدها فى ثوبها، فقال: اسلمى حبيش. قبل نفاد العيش. فقالت: حييّت عشرا، وتسعا تترى، وثمانيا أخرى، فقال:

أريتك إذ طالبتكم فوجدتكم

بنخلة «5» أو أدركتكم بالخوانق

ألم يك حقّا أن ينوّل عاشق

تكلّف إدلاج السّرى والودائق

ص: 322