الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سريّة علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه إلى الفلس صنم طيئ
بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شهر ربيع الآخر سنة تسع فى خمسين ومائة رجل من الأنصار إلى الفلس (صنم طيئ) ليهدمه- (والفلس بضم الفاء وسكون اللام) - بعثهم على مائة بعير وخمسين فرسا، ومعه راية سوداء ولواء أبيض، فشنّوا الغارة على محلّة آل حاتم مع الفجر، فهدموا الفلس وخرّبوه وملأوا أيديهم من السّبى والنّعم والشاء، وفى السبى أخت عدىّ بن حاتم، وهرب عدىّ إلى الشام؛ وكان من خبره ما نذكره إن شاء الله فى أخبار الوفود. قال:
ووجدوا فى خزانة الفلس ثلاثة أسياف: رسوب، والمخذم، واليمان؛ وثلاثة أدرع، فلمّا نزلوا ركك «1» اقتسموا الغنائم، وعزل لرسول الله صلى الله عليه وسلم صفيّة «2» : رسوب، والمخذم، ثم صار له بعد السيف الآخر، وعزل الخمس وعزل آل حاتم فلم يقسمهم، حتى قدم بهم المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر سريّة عكّاشة بن محصن الأسدى إلى الجناب
بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شهر ربيع الآخر سنة تسع من مهاجره إلى الجناب، أرض عذرة وبلىّ، ولم يذكر ابن سعد من خبره غير ذلك.
ذكر غزوة تبوك
كانت غزوة تبوك فى شهر رجب سنة تسع من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان سببها أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أنّ الروم قد جمعت جموعا كثيرة بالشام، وأنّ هرقل قد رزق أصحابه لسنة، وأجلبت معه لحم،
وجدام، وعاملة، وغسان، وقدّموا مقدّماتهم إلى البلقاء، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى الخروج، وأعلمهم المكان الذى يريد ليتأهّبوا لذلك، وبعث إلى مكّة وإلى قبائل العرب يستنفرهم، وذلك فى حرّ شديد، وأمرهم بالصدقة، فحملوا صدقات كثيرة، وقووا فى سبيل الله.
قال ابن هشام: أنفق عثمان بن عفّان رضى الله عنه فى جيش العسرة فى غزوة تبوك ألف دينار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اللهم ارض عن عثمان فإنّى عنه راض» .
وجاء البكاءون وهم سبعة: سالم بن عمير، وهرمىّ بن عبد الله أخو بنى واقف، وعلبة بن زيد أخو بنى حارثة، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب المازنىّ، وعمرو بن عنمة، وسلمة بن صخر، والعرباض بن سارية الفزارىّ.
قال: وفى بعض الرّواة من يقول: إنّ فيهم عبد الله بن مغفّل المزنىّ، ومعقل ابن يسار، وبعضهم يقول: البكاءون بنو مقرّن السبعة، وهم من مزينة، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحملونه، فقال:«لا أجد ما أحملكم عليه» ؛ فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألّا يجدوا ما ينفقون، فعذرهم الله تعالى.
قال: وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ ناسا من المنافقين يجتمعون فى بيت سويلم اليهودىّ، يثبّطون الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم طلحة بن عبيد الله فى نفر من أصحابه، وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم، ففعل طلحة، فاقتحم الضّحاك بن خليفة من ظهر البيت، فانكسرت رجله، واقتحم أصحابه فأفلتوا، فقال الضحّاك فى ذلك:
كادت وبيت الله نار محمّد
…
يشيط بها الضحّاك وابن أبيرق
فظلت وقد طبّقت كبس سويلم
…
أنوء على رجلى كسيرا ومرفقى «1»
سلام عليكم لا أعود لمثلها
…
أخاف، ومن تشمل به النار يحرق
وجاء ناس من المنافقين يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم فى التخلّف من غير علّة، فأذن لهم، وهم بضعة وثمانون رجلا.
وجاء المعذّرون من الأعراب ليؤذن لهم، فاعتذروا إليه، فلم يعذرهم، وهم اثنان وثمانون رجلا؛ ذكر أنهم نفر من بنى غفار، وكان عبد الله بن أبىّ بن سلول قد عسكر على ثنيّة الوداع فى حلفائه من اليهود والمنافقين، فكان يقال: ليس عسكره بأقلّ العسكرين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخلف على عسكره أبا بكر الصدّيق رضى الله عنه، فصلّى بالناس، واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة، فلمّا سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلّف عبد الله بن أبىّ، ومن كان معه، وتخلّف نفر من المسلمين من غير شكّ ولا ارتياب، منهم كعب بن مالك، وهلال بن أميّة، ومرارة بن الرّبيع، وأبو خيثمة مالك بن قيس السّالمى، وأبو ذرّ الغفارىّ؛ وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كلّ بطن من الأنصار والقبائل من العرب أن يتّخذوا لواء أو راية، ومضى صلى الله عليه وسلم لوجهه يسير بأصحابه حتى قدم تبوك فى ثلاثين ألفا من الناس، والخيل عشرة آلاف فرس، فأقام بها عشرين ليلة يصلّى ركعتين ركعتين، ولحقه بها أبو خيثمة وأبو ذرّ.
قال محمد بن إسحاق فى سبب مسير أبى خيثمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه جاء يوما إلى أهله بعد أن سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّاما فى يوم
حارّ، فوجد امرأتين له فى عريشين «1» لهما فى حائطه، قد رشّت كلّ واحدة منهما عريشها وبردّت له فيه ماء، وهيّأت طعاما، فلمّا دخل قام على باب العريش، فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له، فقال: رسول الله فى الضّحّ «2» والرّيح والحرّ، وأبو خيثمة فى ظلّ بارد، وطعام مهيّأ، وامرأة حسناء، فى ماله مقيم، ما هذا بالنّصف! ثم قال: والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهيّأ لى زادا، ففعلتا، ثم قدّم ناضحه «3» فارتحله، ثم خرج فى طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه حين نزل تبوك.
قال: ولمّا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الناس: هذا راكب على الطريق مقبل؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كن أبا خيثمة» ؛ قالوا: يا رسول الله، هو والله أبو خيثمة؛ فلمّا أناخ أقبل فسلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:«أولى لك يا أبا خيثمة» !، ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فقال: خيرا ودعا له.
وأما أبو ذرّ الغفارىّ، فإنه أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أثناء الطريق، وكان بعيره قد أبطأ عليه، فحمل متاعه على ظهره، ثم خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى أدركه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«رحم الله أبا ذرّ، يمشى وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده» فكان كذلك.
قال: وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك وهرقل يومئذ بحمص، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أكيدر.