الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فى المهاجرين والأنصار، فقال: ما لأحد بهؤلاء من قبل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما. قلت: ويحك! إنها النبوّة، قال: فنعم إذا، ثم قلت: النّجاة «1» إلى قومك، فسار حتى إذا جاءهم صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبى سفيان فهو آمن، فقامت إليه هند بنت عتبة فأخذت بشار به، فقالت:
اقتلوا الحميت «2» الدّسم الأحمس، قبح من طليعة قوم! قال: ويلكم! لا تغرنّكم هذه من أنفسكم، فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به، فمن دخل دارى فهو آمن، قالوا:
قاتلك الله! وما تغنى عنّا دارك؟ قال: ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن. فتفرّق الناس إلى دورهم وإلى المسجد. والله يؤيّد بنصره من يشاء.
ذكر دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكّة شرّفها الله تعالى صلحا، ودخول خالد بن الوليد ومن معه من القبائل عنوة
قال: ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذى طوى «3» ، وقف على راحلته معتجرا «4» بشقّة برد حبرة حمراء وإنه ليضع رأسه تواضعا لله تعالى حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح، حتى إنّ عثنونه ليكاد يمسّ واسط الرحل، ثم فرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيش من ذى طوى، وكانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ مع سعد بن عبادة رضى الله عنه، فأمر رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم الزبير بن العوّام، وكان على المجنّبة اليسرى أن يدخل فى بعض الناس من كدى «1» ، وأمر سعد بن عبادة أن يدخل ببعض الناس من كدء «2» ، فلمّا وجّه سعد للدخول قال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحلّ الحرمة، وفى رواية تستحلّ الكعبة؛ فسمعها عمر بن الخطّاب رضى الله عنه فقال: يا رسول الله، اسمع ما قال سعد بن عبادة، ما نأمن أن يكون له فى قريش صولة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلىّ بن أبى طالب:«أدركه فخذ الراية منه، فادخل أنت بها» . حكاه ابن إسحاق.
وقال محمد بن سعد: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الراية من سعد ودفعها لابنه قيس بن سعد.
وذكر يحيى بن سعد الأموىّ فى السّير: أن سعد بن عبادة لمّا أخذ الراية مرّ على أبى سفيان، فقال سعد إذ نظر إليه: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحلّ الحرمة، اليوم أذلّ الله قريشا، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كتيبة الأنصار حتّى إذا حاذى أبا سفيان ناداه: يا رسول الله، أمرت بقتل قومك؟
فإنه زعم سعد ومن معه حين مرّ بنا أنه قاتلنا، وقال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحلّ الحرمة، اليوم أذلّ الله قريشا؛ وإنى أنشدك الله فى قومك، فأنت أبرّ الناس وأوصلهم وأرحمهم.
وقال عثمان وعبد الرحمن بن عوف: يا رسول الله، والله ما نأمن سعدا أن تكون منه فى قريش صولة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يا أبا سفيان، اليوم يوم المرحمة، اليوم أعزّ الله فيه قريشا» . وقال ضرار بن الخطّاب الفهرىّ يومئذ:
يا نبىّ الهدى إليك لجا «1» حىّ قريش ولات حين لجاء
حين ضاقت عليهم سعة الأر
…
ض وعاداهم إله السّماء
والتقت حلقتا البطان على القوم
…
ونودوا بالصيلم الصّلعاء «2»
إنّ سعدا يريد قاصمة الظهر
…
بأهل الحجون والبطحاء
خزرجىّ لو يستطيع من الغيظ
…
رمانا بالنّسر والعوّاء «3»
وغر الصّدر لايهمّ بشىء
…
غير سفك الدّما وهتك النساء
قد تلظّى على البطاح وجاءت
…
عنه هند بالسّوءة السّوآء
إذ ينادى بذلّ حىّ قريش
…
وآبن حرب بدا من الشّهداء
فائن أقحم اللواء ونادى
…
يا حماة اللّواء أهل اللّواء
ثم ثابت إليه من بهم الخز
…
رج والأوس أنجم الهيجاء
لتكوننّ بالبطاح قريش
…
فقعة القاع فى أكفّ الإماء «4»
فانهينه فإنّه أسد الأس
…
د لدى الغاب والغ فى الدماء
إنّه مطرق يريد لنا الأم
…
ر سكوتا كالحيّة الصّمّاء «5»
قال: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن عبادة فنزع اللواء من يده، وجعله بيد قيس ابنه، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اللواء لم يخرج
عنه إذ صار إلى ابنه، وأبى سعد أن يسلّم اللواء إلّا بأمارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمامته، فعرفها سعد، فدفع اللواء إلى ابنه قيس.
قال: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد، وكان على المجنّبة اليمنى، أن يدخل ببعض الناس من اللّيط أسفل مكّة، وكان معه: أسلم، وسليم وغفار، ومزينة، وجهينة، وقبائل من العرب، وأقبل أبو عبيدة بن الجرّاح بالصفّ من المسلمين ينصبّ لمكّة بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذاخر «1» ، حتى نزل بأعلى مكة، وضربت له هناك قبّة، ونهى عن القتال، وعبر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأماكن التى أمرهم صلى الله عليه وسلم أن يدخلوا منها، لم يلقوا كيدا، إلّا خالد بن الوليد فإن صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبى جهل، وسهيل بن عمرو جمعوا جمعا من قريش، ووقفوا بالخندمة «2» ليقاتلوا خالد بن الوليد، ويمنعوه من الدخول، وشهروا السلاح وروموا بالنّبل، فصاح خالد فى أصحابه وقاتلهم، فقتل أربعة وعشرون رجلا من قريش، وأربعة نفر من هذيل، وانهزموا أقبح هزيمة، فلما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثنيّة أذاخر رأى البارقة «3» فقال:«ألم أنه عن القتال» ؟ فقيل:
يا رسول الله، إنّ خالد بن الوليد قوتل فقاتل؛ فقال:«قضاء الله خير» ، وقتل من المسلمين رجلان كانا سلكا طريقا غير طريق خالد فقتلا، وهما كرز بن جابر الفهرىّ، وحبيش «4» بن خالد الخزاعىّ. قاله محمد بن سعد.
وقال ابن إسحاق: قتل من المشركين يومئذ اثنا عشر أو ثلاثة عشر رجلا. وقال:
وقد كان حماس بن قيس بن خالد أخو بنى بكر يعدّ سلاحا ويصلح منه قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت له امرأته: لماذا تعدّ ما أرى؟ قال:
لمحمد وأصحابه، قالت: والله ما أراه يقوم لمحمّد وأصحابه شىء؛ قال: والله إنى لأرجو أن أخدمك بعضهم، ثم قال:
إن يقبلوا اليوم فمالى علّه
…
هذا سلاح كامل وألّه «1»
وذو غرارين سريع السّلّة «2»
ثم شهد يوم الخندمة، فلما انهزم القوم دخل على امرأته وقال: أغلقى علىّ بابى؛ قالت: فأين الذى كنت تقول؟ فقال:
إنّك لو شهدت يوم الخندمة
…
إذ فرّ صفوان وفرّ عكرمة
وأبو يزيد قائم كالمؤتمة «3»
…
واستقبلتهم بالسيوف المسلمه
يقطعن كلّ ساعد وجمجمة
…
ضربا فلا تسمع إلا غمغمه «4»
لهم نهيت خلفنا وهمهمه
…
لا تنطقى فى اللّوم أدنى كلمه «5»
قال ابن هشام: ويروى للرعّاش الهذلىّ.