الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلا به أهله فقلت: أين الناس؟ فقيل: فى سقيفة بنى ساعدة صاروا الى الأنصار فجئت السقيفة فوجدت أبا بكر، وعمر رضى الله عنهما، وأبا عبيدة، وسالما، وجماعة من قريش ورأيت الأنصار فيهم سعد بن عبادة ومعهم شعراؤهم وأمامهم حسّان بن ثابت، وكعب في ملإ منهم فأويت الى الأنصار فتكلموا فأكثروا وتكلّم أبو بكر فلله من رجل لا يطيل الكلام ويعلم مواضع الفصل، والله لتكلّم بكلام لم يسمعه سامع إلّا انقاد له ومال اليه، وتكلم بعده عمر رضى الله عنه بكلام دون كلامه، ومدّ يده فبايعه، ورجع أبو بكر رضى الله عنه ورجعت معه، فشهدت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهدت دفنه قال: ولقد بايع الناس من أبى بكر رجلا حلّ قداماها ولم يركب ذنابابها وانصرف أبو ذؤيب الى باديته وثبت على إسلامه.
ومنه: ما روى عن مصعب بن عبد الله الزّبيرىّ أنه حدّث عن رجل قال:
شردت لنا إبل فأتيت حليسا الأسدىّ فسألته عنها فقال لبنت له: خطّى، فخطّت ونظرت ثمّ انقبضت وقامت منصرفة فنظر حليس في خطّها فضحك وقال: أتدرى لم قامت؟
قلت: لا، قال: رأت أنك تجد إبلك وأنّك تتزوّجها فاستحيت فقامت، فخرجت فأصبت إبلى ثمّ تزوجتها بعد.
الفأل والطّيرة
حكى أنه لما ولد لسعيد بن العاص عنبسة قال سعيد لابنه يحيى: أىّ شىء تجلّه؟
قال: دجاجة بفراريجها، وإنما أراد احتقاره بذلك لأن أمّه كانت أمة فقال سعيد:
إن صدق الطير ليكوننّ أكثركم ولدا فكان كذلك.
لما طلب عامر بن إسماعيل مروان بن محمد اعترضه بالفيّوم قوم من العرب فسأل رجلا: ما اسمك؟ فقال منصور بن سعد: وأنا من سعد العشيرة، فتبسم تفاؤلا به وتيمّنا واستصحبه فظفر بمروان تلك الليلة.
ومن الطّيرة: ما حكى عن بعضهم قال: حضرت الموقف مع عمر بن الخطاب رضى الله عنه فصاح به رجل من خلفه: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال:
يا أمير المؤمنين! فقال رجل من خلفه: دعاه باسم ميت! مات والله أمير المؤمنين، ولا يقف هذا الموقف أبدا! فالتفت اليه فاذا هو اللهبىّ؛ فقتل عمر قبل الحول.
وحكى أنّ عمر رضى الله عنه خرج الى حرّة واقم فلقى رجلا من جهينة فقال له:
ما اسمك؟ قال: شهاب، قال: ابن من؟ قال: ابن جمرة! قال: وممن أنت؟
قال: من الحرقة! قال: ثم ممن؟ قال: من بنى ضرام! قال: وأين منزلك؟
قال: بحرّة ليلى! قال: وأين تريد؟ قال: لظى وهو موضع! فقال عمر:
أدرك أهلك، فما أراك تدركهم إلا وقد احترقوا، قال: فأدركهم، وقد أحاطت بهم النار.
وقال المداينىّ: وقع الطاعون بمصر في ولاية عبد العزيز بن مروان فخرج هاربا منه فنزل قرية من الصعيد يقال لها: شكر، فقدم عليه حين نزلها رسول لعبد الملك فقال له عبد العزيز: ما اسمك؟ قال طالب بن مدرك! فقال: أوّه! ما أرانى راجعا الى الفسطاط أبدا؛ ومات في تلك القرية.
وقيل: بينا مروان بن محمد في إيوان له ينفّذ الأمور، فانصدعت زجاجة الأموال، فوقعت الشمس منها على منكب مروان وكان هناك عياف فقال: صدع الزّجاج
أمر منكر على أمير المؤمنين، ثم قام فاتّبعه ثوبان مولى مروان. فقال له: ويحك! ما قلت؟ قال. قلت: صدع الزجاج صدع السلطان، ستذهب الشمس بملك مروان، بقوم من الترك أو خراسان، ذلك عندى واضح البرهان! قال: فما ورد لذلك شهران حتّى ورد خبر أبى مسلم.
وقال إبراهيم بن المهدىّ: أرسل الىّ محمد الأمين في ليلة مقمرة من ليالى الصيف فقال: يا عمّى! إن الحرب بينى وبين طاهر قد سكنت فصر الىّ فإنى اليك مشتاق فجئته وقد بسط له على سطح، وعنده سليمان بن جعفر، وعليه كساء روذبارىّ، وقلنسوة طويلة، وجواريه بين يديه وضعف جاريته عنده. فقال لها: غنّينى فقد سررت بعمومتى فاندفعت تغنّيه
هم قتلوه كى يكونوا مكانه
…
كما فعلت يوما بكسرى مرازبه!
بنى هاشم كيف التّواصل بيننا
…
وعند أخيه سيفه ونجائبه؟
هكذا غنته، وإنما هو
وعند علىّ سيعه ونجائبه
فغضب وتطيّر، وقال: ما قصّتك؟ ويحك! غنينى ما يسرّنى، فغنّت
هذا مقام مطرّد
…
هدمت منازله ودوره!
فازداد تطيّرا، ثم قال: ويحك! انتهى وغنّى غير هذا فغنّت
كليب لعمرى كان أكثر ناصرا
…
وأيسر جرما منك ضرّج بالدّم
فقال لها: قومى الى لعنة الله، فوثبت؛ وكان بين يديه قدح بلّور وكان لحبه إيّاه يسمّيه محمدا باسمه، فأصابه طرف ذيلها فسقط على بعض الصوانى فانكسر،
فأقبل علىّ وقال: أرى والله يا عمّ أن هذا آخر أمرنا، فقلت: كلّا! بل يبقيك الله يا أمير المؤمنين ويسرّك، قال: ودجلة والله هادئة ما فيها صوت مجداف، ولا أحد يتحرّك؛ فسمعت هاتفا يهتف:(قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ)
قال فقال لى:
سمعت يا عمّ؟ فقلت: وما هو؟ وقد والله سمعته، فاذا الصوت قد عاد فقال: انصرف بيتك الله بخير فمحال أن لا تكون الآن قد سمعت ما سمعت، فانصرفت وكان آخر العهد به.
وشبيه بهذا ما حكى عن علّوية المغنىّ قال: كنت مع المأمون لما خرج الى الشام، فدخلنا دمشق فطفنا فيها، وجعل يطوف على قصور بنى أميّة، ويتتبّع آثارهم، فدخلنا صحنا من صحونهم، مفروشا بالرخام الأخضر، وفيه بركة ماء فيها سمك، وأمامها بستان، فاستحسن ذلك وعزم على الصّبوح ودعا بالطعام والشراب، وأقبل علىّ فقال: غنّنى ونشّطنى، فكأنّ الله تعالى أنسانى الغناء كله إلا هذا الصوت من شعر عبد الله بن قيس الرّقيّات
لو كان حولى بنو أمية لم
…
تنطق رجال أراهم نطقوا
من كلّ قرم محض ضرائبه
…
عن منكبيه القميص ينخرق
قال: فنظر الىّ مغضبا، وقال: عليك وعلى بنى أميّة لعنة الله، ويلك! أقلت لك سرّنى أو سؤنى؟ ألم يكن لك وقت تذكر فيه بنى أميّة إلا هذا الوقت تعرّض بى؟ فتجلّدت عليه وعلمت أنّى قد أخطأت، فقلت: أتلومنى على أن أذكر بنى أميّة؟ هذا مولاكم زرياب عندهم يركب في مائتى غلام مملوك له، ويملك ثلاثمائة ألف دينار [وهبوها له سوى الخيل والضياع والرّقيق «1» ] : وأنا عندكم أموت
جوعا، فقال: أو لم يكن لك شىء تذكّرنى به نفسك غير هذا؟ فقلت: هكذا حضرنى حين ذكرتهم، فقال: أعرض وتنبّه على إرادتى وغنّ فأنسانى الله كلّ شىء أحسنه إلا هذا الصوت
الحين ساق الى دمشق وما
…
كانت دمشق لأهلنا بلدا
قادتك نفسك فاستقدت لها
…
وأرتك أمر غواية رشدا
فرمانى بالقدح فأخطأنى وانكسر القدح، وقال: قم الى لعنة الله وحرّ سقر! فركب، وكانت تلك الحال آخر عهدى به حتى مرض ومات بعد ذلك بقليل.
ومثل ذلك ما حكى في قتلة المتوكل، وذلك أنه جلس يوم الأربعاء لأيام خلون من شوّال سنة تسع وأربعين ومائتين وقال للفتح بن خاقان: أحبّ أن نصطبح؛ فأحضر المغنّين وفيهم أحمد بن أبى العلاء فقال له: غنّ فغنّى
يا عاذلىّ من الملام دعانى
…
إنّ البليّة فوق ما تصفان
زعمت بثينة أنّ فرقتنا غدا
…
لا مرحبا بغد فقد أبكانى
فتطّير المتوكّل منه، وقال: أحمد! كيف وقع لك أن تغنّى بهذا الشعر، قال:
فشغل قلب ابن أبى العلاء لما أنكر عليه، ثم ذهب ليغنّى غيره، فغنّاه ثانية، فقال المتوكّل: نسأل الله خير هذا اليوم، وصرف المغنّين وقام لصلاة الظهر، فلمّا فرغ قال له الفتح: يا سيّدى أتمم يومك، فدعا بالشراب وقال: أين ابن أبى العلاء؟ فأحضر فقال له: غنّ، فأغمى عليه فأعاد البيتين فاغتمّ المتوكّل غاية الغمّ وقتل في الليلة الآتية من ذلك اليوم.
قال القاضى أبو على الجوينىّ: حضرت بين يدى سيف الدولة أبى الحسن صدقة ابن منصور بن دبيس، وابنه أبو المكارم محمد إذ ذاك مريض مرضه الذى مات فيه
وقد أتى بديوان أبى نصر بن نباته فتصفّحه فوقع بيده وقال: يعزّى سيف الدولة أبا الحسن ويرثى ابنه أبا المكارم محمد، فأخذت المجلّد وأطبقته فعاد فتصفّحه فخرج ذلك، ومن القصيدة التى عناها قوله
فإنّ بميّا فارقين حفيرة
…
تركنا عليها ناظر الجود داميا
تضمّنها أيدى فتى ثكلت به
…
غداة ثوى أمالنا والأمانيا
ولمّا عدمنا الصبر بعد محمد
…
أتينا أباه نستفيد التعازيا
حكى: أنّ أبا الشمقمق شخص مع خالد بن يزيد بن مزيد وقد تقلّد الموصل، فلما أراد الدخول اليها اندقّ لواؤه في أوّل درب منها، فتطيّر من ذلك وعظم عليه، فقال أبو الشمقمق
ما كان مندقّ اللواء لريبة
…
تخشى ولا أمر يكون مبذّلا
لكنّ هذا الرمح ضعّف متنه
…
صغر الولاية فاستقلّ الموصلا
فسرّى عن خالد، وكتب صاحب البريد بذلك الى المأمون، فزاده ديار ربيعة وكتب اليه: هذا التضعيف الموصل متن رمحك، فأعطى خالد أبا الشمقمق عشرة آلاف درهم.
وقيل: لمّا توجّه المسترشد للقاء السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه السلجلقىّ، وقع على الشمسية التى ترفع على رأسه طائر من الجوارح وألحّ، كلما نفّر عاد، فتفاعل الناس له بذلك وسرّ هو به، فقال إنسان يعرف بملكدار: هذا جارح ومنقبض الكفّ وليس فيه بشرى بل ضدّها، وأقبل السلطان في جيشه فكانت الكسرة وقبض على المسترشد وقتل من بعد.