المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

خلا به أهله فقلت: أين الناس؟ فقيل: فى سقيفة بنى - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٣

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌القسم الثانى من الفن الثانى في الأمثال المشهورة

- ‌الباب الأوّل من هذا القسم (فى الأمثال)

- ‌وأوّل ما نبدأ به من ذلك ما تمثّل به من أقوال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ومن كلام أبى بكر الصدّيق رضى الله عنه

- ‌ومن كلام عمر بن الخطاب رضى الله عنه

- ‌ومن كلام عثمان بن عفان رضى الله عنه

- ‌ومن كلام علىّ بن أبى طالب كرم الله وجهه

- ‌ومن كلام عبد الله بن عباس رضى الله عنهما

- ‌ومن أمثال العرب ما نقلته من كتاب «الأمثال» للميدانىّ

- ‌حرف الهمزة

- ‌حرف الباء

- ‌حرف التاء

- ‌حرف الثاء

- ‌حرف الجيم

- ‌حرف الحاء

- ‌حرف الخاء

- ‌حرف الدال

- ‌حرف الذال

- ‌حرف الراء

- ‌حرف الزاى

- ‌حرف السين

- ‌حرف الشين

- ‌حرف الصاد

- ‌حرف الضاد

- ‌حرف الطاء

- ‌حرف الظاء

- ‌حرف العين

- ‌حرف الغين

- ‌حرف الفاء

- ‌حرف القاف

- ‌حرف الكاف

- ‌حرف اللام

- ‌حرف الميم

- ‌حرف النون

- ‌حرف الهاء

- ‌حرف الواو

- ‌ما جاء في ما أوّله (لا)

- ‌حرف الياء

- ‌ومما يتمثل به من أشعار الجاهلية

- ‌امرؤ القيس بن حجر:

- ‌زهير بن أبى سلمى

- ‌النابغة الذّبيانى:

- ‌طرفة بن العبد

- ‌أوس بن حجر

- ‌بشر بن أبى خازم

- ‌المتلمس

- ‌الأفوه الأودىّ

- ‌تميم بن أبى مقبل

- ‌حميد بن ثور

- ‌عدى بن زيد

- ‌الأسود بن يعفر

- ‌علقمة بن عبدة

- ‌عمرو بن كلثوم

- ‌الحارث بن حلّزة

- ‌حاتم الطائىّ

- ‌المرقّش الأصغر

- ‌النمر بن تولب

- ‌مهلهل بن ربيعة، واسمه عدىّ

- ‌طفيل الغنوىّ

- ‌عروة بن الورد

- ‌الأعشى:

- ‌لقيط بن معبد

- ‌تأبط شرّا:

- ‌المثقّب العبدىّ

- ‌الممرّق العبدىّ

- ‌أفنون التغلبىّ

- ‌الأضبط بن قريع السّعدىّ

- ‌سويد بن أبى كاهل

- ‌ومما يتمثل به من أشعار المخضرمين

- ‌منهم لبيد بن ربيعة

- ‌كعب بن زهير

- ‌النابغة الجعدىّ:

- ‌أميّة بن أبى الصّلت الثقفى

- ‌حسّان بن ثابت

- ‌الحطيئة:

- ‌متمم بن نويرة

- ‌أبو ذؤيب الهذلىّ

- ‌الخنساء:

- ‌عمرو بن معديكرب

- ‌معن بن أوس

- ‌زياد بن زيد

- ‌أيمن بن خزيم بن فاتك الأسدىّ

- ‌ومما يتمثل به من أشعار المتقدّمين في صدر الإسلام

- ‌القطامىّ:

- ‌الطّرمّاح بن حكيم بن الحكم

- ‌الكميت بن زيد الأسدىّ

- ‌المساور بن هند

- ‌عدىّ بن الرقاع

- ‌الفرزدق

- ‌جرير:

- ‌الأخطل:

- ‌الصّلتان العبدىّ

- ‌كثيّر عزة:

- ‌جميل

- ‌عمر بن عبد الله بن أبى ربيعة

- ‌ومما يتمثّل به من أشعار المحدثين

- ‌منهم إبراهيم بن هرمة

- ‌بشّار بن برد

- ‌أبو العتاهية

- ‌سلم بن عمرو الخاسر:

- ‌صالح بن عبد القدّوس

- ‌ابن ميّادة:

- ‌أبو نواس الحسن بن هانئ

- ‌أبو عيينة المهلّبىّ

- ‌عبد الله بن أبى عتبة المهلّبى

- ‌العبّاس بن الأحنف

- ‌مسلم بن الوليد:

- ‌منصور النمرىّ:

- ‌العتّابىّ:

- ‌أشجع السّلمىّ:

- ‌الجرهمىّ

- ‌محمود الورّاق:

- ‌محمود بن حازم الباهلىّ

- ‌السّموءل بن عادياء

- ‌محمد بن أبى زرعة الدّمشقى

- ‌أبو الشيص:

- ‌علىّ بن جبلة بن عبد الرحمن الأنبارىّ

- ‌اللجلاج الحارثىّ

- ‌عبد الصمد بن المعذّل

- ‌الحمدونىّ

- ‌العتبى

- ‌أبو سعيد المخزومى:

- ‌دعبل بن علىّ الخزاعىّ:

- ‌إسحاق بن إبراهيم الموصلىّ

- ‌المؤمل بن أميل

- ‌إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول مولى يزيد بن المهلّب يكنى أبا إسحاق

- ‌أبو علىّ البصير:

- ‌سعيد بن حميد

- ‌علىّ بن الجهم

- ‌ابن أبى فنن:

- ‌يزيد بن محمد المهلبىّ

- ‌عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير

- ‌أحمد بن أبى طاهر

- ‌أبو تمام حبيب بن أوس الطائى

- ‌أبو عبادة البحترىّ

- ‌ابن الرومىّ

- ‌عبد الله بن المعتزّ

- ‌عبيد بن عبد الله بن طاهر

- ‌ابن طباطبا العلوىّ:

- ‌منصور الفقيه المقرىء

- ‌ابن بسّام:

- ‌جحظة:

- ‌الصنوبرىّ

- ‌أبو الفتح كشاجم:

- ‌ومما يتمثّل به من أشعار المولّدين:

- ‌منهم أبو فراس الحمدانىّ

- ‌أبو الطيب المتنبّى يقول

- ‌السرىّ بن أحمد بن السرىّ الموصلىّ

- ‌أبو بكر محمّد بن هاشم الخالدىّ

- ‌أبو عثمان سعيد بن هاشم الخالدىّ [أخوه]

- ‌الخبّاز البلدىّ:

- ‌أبو إسحاق الصابىء

- ‌عبد العزيز عمر بن نباته

- ‌ابن لنكك البصرىّ:

- ‌أبو الحسن عبد الله بن محمد بن محمد السلامىّ

- ‌أبو الفرج الببّغا

- ‌ابن سكّرة الهاشمىّ:

- ‌ابن الحجّاج:

- ‌أبو الحسن الموسوىّ النقيب:

- ‌أبو طالب المأمونىّ

- ‌ابن العميد:

- ‌الصاحب بن عبّاد:

- ‌الحسن بن علىّ بن عبد العزيز القاضى

- ‌أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمىّ

- ‌بديع الزمان أبو الفضل الهمذانىّ، أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد

- ‌إسماعيل الناشىء

- ‌أبو الفتح علىّ بن محمد البستىّ

- ‌الباب الثانى من القسم الثانى من الفن الثانى فى أوابد العرب

- ‌البحيرة:

- ‌الوصيلة:

- ‌السائبة:

- ‌الحامى:

- ‌الأزلام:

- ‌الميسر:

- ‌ومنها: نكاح المقت:

- ‌ومنها: رمى البعرة:

- ‌ومنها: ذبح العتائر:

- ‌ومنها: حبس البلايا:

- ‌ومنها: إغلاق الظهر:

- ‌ومنها: التعمية والتفقئة:

- ‌ومنها: بكاء المقتول:

- ‌ومنها: رمى السنّ في الشمس:

- ‌ومنها: خضاب النحر:

- ‌ومنها: التصفيق:

- ‌ومنها: جز النواصى

- ‌ومنها: كىّ السليم عن الجرب:

- ‌ومنها: ضرب الثور:

- ‌ومنها: كعب الأرنب:

- ‌ومنها: حيض السّمرة:

- ‌ومنها: الطارف والمطروف:

- ‌ومنها: وطء المقاليت:

- ‌ومنها: تعليق الحلى على السليم:

- ‌ومنها: ذهاب الخدر:

- ‌ومنها: الحلأ:

- ‌ومنها: التعشير:

- ‌ومنها: عقد الرّتم:

- ‌ومنها: دائرة المهقوع:

- ‌ومنها: شقّ الرداء والبرقع:

- ‌ومنها: نوء السماك:

- ‌ومنها: النسيء:

- ‌ومنها: وأد البنات:

- ‌الباب الثالث من القسم الثانى من الفن الثانى فى‌‌ أخبار الكهنةويتصل به الزجر والفأل والطّيرة والفراسة والذكاء

- ‌ أخبار الكهنة

- ‌فمن أخبار الكهنة، خبر سطيح الكاهن

- ‌ومن أخبارهم:

- ‌ومنها

- ‌ومنها

- ‌ومنها:

- ‌الزّجر

- ‌الفأل والطّيرة

- ‌الفراسة والذكاء

- ‌الباب الرابع من القسم الثانى من الفن الثانى فى الكنايات والتعريض

- ‌الباب الخامس من القسم الثانى من الفن الثانى فى الألغاز والأحاجىّ

- ‌ومما يتصل بهذا الباب مسائل العويص

- ‌القسم الثالث من الفنّ الثانى فى المدح، والهجو، والمجون، والفكاهات، والملح، والخمر، والمعاقرة، والنّدمان، والقيان، ووصف آلات الطّرب

- ‌الباب الأوّل من هذا القسم فى المدح

- ‌فأمّا حقيقية المدح

- ‌ذكر ما قيل في الافتخار

- ‌ذكر ما قيل في الجود والكرم وأخبار الكرام

- ‌ذكر من انتهى اليهم الجود في الجاهلية وذكر شىء من أخبارهم

- ‌ذكر ما قيل في الإعطاء قبل السؤال

- ‌ذكر ما قيل في الشجاعة والصبر والإقدام

- ‌ومما قيل في الصبر والإقدام

- ‌ذكر ما قيل في وفور العقل

- ‌ذكر ما قيل في حدّ العقل وماهيّته وما وصف به

- ‌ذكر ما قيل في الصدق

- ‌ذكر ما قيل في الوفاء والمحافظة والأمانة

- ‌ذكر ما قيل في التواضع

- ‌ذكر ما قيل في القناعة والنزاهة

- ‌ذكر ما قيل في الشكر والثناء

- ‌ذكر ما قيل في الوعد والإنجاز

- ‌ذكر ما قيل في الشفاعة

- ‌ذكر ما قيل في الاعتذار والاستعطاف

- ‌الباب الثانى من القسم الثالث من الفن الثانى فى الهجاء

- ‌ذكر ما قيل في الهجاء ومن يستحقه

- ‌ومما قيل في الهجاء من النظم

- ‌ومما هجى به أهل الوقت على الإطلاق، فمن ذلك قول أبى هلال العسكرىّ

- ‌ومما قيل في هجاء بعض العشيرة ومدح بعضهم

- ‌ذكر ما قيل في الحسد

- ‌ومما قيل من الشعر في تفضيل المحسود ومدحه، وهجاء الحاسد وذمّه

- ‌ذكر ما قيل في السّعاية والبغى والغيبة والنّميمة

- ‌ومما قيل في الغيبة والنّميمة

- ‌ذكر ما قيل في البخل واللؤم

- ‌ومن أخبار البخلاء:

- ‌احتجاج البخلاء وتحسينهم للبخل على قبحه

- ‌ذكر ما قيل في التطفيل ويتصل به أخبار الأكلة والمؤاكلة

- ‌ذكر آداب الأكل والمؤاكلة

- ‌ذكر الاقتصاد في المطاعم والعفّة عنها

- ‌ذكر أخبار الأكلة

- ‌ذكر ما قيل في الجبن والفرار

- ‌ومن أخبار الفرّارين الذين حسّنوا الفرار على قبحه

- ‌ذكر ما قيل في الحمق والجهل

- ‌ذكر ما قيل في الكذب

- ‌ذكر ما قيل في الغدر والخيانة

- ‌ذكر أخبار أهل الغدر وغدراتهم المشهورة

- ‌ذكر ما قيل في الكبر والعجب

- ‌ومما هجى به أهل التكبّر

- ‌ذكر ما قيل في الحرص والطمع

- ‌ذكر ما قيل في الوعد والمطل

- ‌ذكر ما قيل في العىّ والحصر

الفصل: خلا به أهله فقلت: أين الناس؟ فقيل: فى سقيفة بنى

خلا به أهله فقلت: أين الناس؟ فقيل: فى سقيفة بنى ساعدة صاروا الى الأنصار فجئت السقيفة فوجدت أبا بكر، وعمر رضى الله عنهما، وأبا عبيدة، وسالما، وجماعة من قريش ورأيت الأنصار فيهم سعد بن عبادة ومعهم شعراؤهم وأمامهم حسّان بن ثابت، وكعب في ملإ منهم فأويت الى الأنصار فتكلموا فأكثروا وتكلّم أبو بكر فلله من رجل لا يطيل الكلام ويعلم مواضع الفصل، والله لتكلّم بكلام لم يسمعه سامع إلّا انقاد له ومال اليه، وتكلم بعده عمر رضى الله عنه بكلام دون كلامه، ومدّ يده فبايعه، ورجع أبو بكر رضى الله عنه ورجعت معه، فشهدت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهدت دفنه قال: ولقد بايع الناس من أبى بكر رجلا حلّ قداماها ولم يركب ذنابابها وانصرف أبو ذؤيب الى باديته وثبت على إسلامه.

ومنه: ما روى عن مصعب بن عبد الله الزّبيرىّ أنه حدّث عن رجل قال:

شردت لنا إبل فأتيت حليسا الأسدىّ فسألته عنها فقال لبنت له: خطّى، فخطّت ونظرت ثمّ انقبضت وقامت منصرفة فنظر حليس في خطّها فضحك وقال: أتدرى لم قامت؟

قلت: لا، قال: رأت أنك تجد إبلك وأنّك تتزوّجها فاستحيت فقامت، فخرجت فأصبت إبلى ثمّ تزوجتها بعد.

‌الفأل والطّيرة

حكى أنه لما ولد لسعيد بن العاص عنبسة قال سعيد لابنه يحيى: أىّ شىء تجلّه؟

قال: دجاجة بفراريجها، وإنما أراد احتقاره بذلك لأن أمّه كانت أمة فقال سعيد:

إن صدق الطير ليكوننّ أكثركم ولدا فكان كذلك.

ص: 143

لما طلب عامر بن إسماعيل مروان بن محمد اعترضه بالفيّوم قوم من العرب فسأل رجلا: ما اسمك؟ فقال منصور بن سعد: وأنا من سعد العشيرة، فتبسم تفاؤلا به وتيمّنا واستصحبه فظفر بمروان تلك الليلة.

ومن الطّيرة: ما حكى عن بعضهم قال: حضرت الموقف مع عمر بن الخطاب رضى الله عنه فصاح به رجل من خلفه: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال:

يا أمير المؤمنين! فقال رجل من خلفه: دعاه باسم ميت! مات والله أمير المؤمنين، ولا يقف هذا الموقف أبدا! فالتفت اليه فاذا هو اللهبىّ؛ فقتل عمر قبل الحول.

وحكى أنّ عمر رضى الله عنه خرج الى حرّة واقم فلقى رجلا من جهينة فقال له:

ما اسمك؟ قال: شهاب، قال: ابن من؟ قال: ابن جمرة! قال: وممن أنت؟

قال: من الحرقة! قال: ثم ممن؟ قال: من بنى ضرام! قال: وأين منزلك؟

قال: بحرّة ليلى! قال: وأين تريد؟ قال: لظى وهو موضع! فقال عمر:

أدرك أهلك، فما أراك تدركهم إلا وقد احترقوا، قال: فأدركهم، وقد أحاطت بهم النار.

وقال المداينىّ: وقع الطاعون بمصر في ولاية عبد العزيز بن مروان فخرج هاربا منه فنزل قرية من الصعيد يقال لها: شكر، فقدم عليه حين نزلها رسول لعبد الملك فقال له عبد العزيز: ما اسمك؟ قال طالب بن مدرك! فقال: أوّه! ما أرانى راجعا الى الفسطاط أبدا؛ ومات في تلك القرية.

وقيل: بينا مروان بن محمد في إيوان له ينفّذ الأمور، فانصدعت زجاجة الأموال، فوقعت الشمس منها على منكب مروان وكان هناك عياف فقال: صدع الزّجاج

ص: 144

أمر منكر على أمير المؤمنين، ثم قام فاتّبعه ثوبان مولى مروان. فقال له: ويحك! ما قلت؟ قال. قلت: صدع الزجاج صدع السلطان، ستذهب الشمس بملك مروان، بقوم من الترك أو خراسان، ذلك عندى واضح البرهان! قال: فما ورد لذلك شهران حتّى ورد خبر أبى مسلم.

وقال إبراهيم بن المهدىّ: أرسل الىّ محمد الأمين في ليلة مقمرة من ليالى الصيف فقال: يا عمّى! إن الحرب بينى وبين طاهر قد سكنت فصر الىّ فإنى اليك مشتاق فجئته وقد بسط له على سطح، وعنده سليمان بن جعفر، وعليه كساء روذبارىّ، وقلنسوة طويلة، وجواريه بين يديه وضعف جاريته عنده. فقال لها: غنّينى فقد سررت بعمومتى فاندفعت تغنّيه

هم قتلوه كى يكونوا مكانه

كما فعلت يوما بكسرى مرازبه!

بنى هاشم كيف التّواصل بيننا

وعند أخيه سيفه ونجائبه؟

هكذا غنته، وإنما هو

وعند علىّ سيعه ونجائبه

فغضب وتطيّر، وقال: ما قصّتك؟ ويحك! غنينى ما يسرّنى، فغنّت

هذا مقام مطرّد

هدمت منازله ودوره!

فازداد تطيّرا، ثم قال: ويحك! انتهى وغنّى غير هذا فغنّت

كليب لعمرى كان أكثر ناصرا

وأيسر جرما منك ضرّج بالدّم

فقال لها: قومى الى لعنة الله، فوثبت؛ وكان بين يديه قدح بلّور وكان لحبه إيّاه يسمّيه محمدا باسمه، فأصابه طرف ذيلها فسقط على بعض الصوانى فانكسر،

ص: 145

فأقبل علىّ وقال: أرى والله يا عمّ أن هذا آخر أمرنا، فقلت: كلّا! بل يبقيك الله يا أمير المؤمنين ويسرّك، قال: ودجلة والله هادئة ما فيها صوت مجداف، ولا أحد يتحرّك؛ فسمعت هاتفا يهتف:(قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ)

قال فقال لى:

سمعت يا عمّ؟ فقلت: وما هو؟ وقد والله سمعته، فاذا الصوت قد عاد فقال: انصرف بيتك الله بخير فمحال أن لا تكون الآن قد سمعت ما سمعت، فانصرفت وكان آخر العهد به.

وشبيه بهذا ما حكى عن علّوية المغنىّ قال: كنت مع المأمون لما خرج الى الشام، فدخلنا دمشق فطفنا فيها، وجعل يطوف على قصور بنى أميّة، ويتتبّع آثارهم، فدخلنا صحنا من صحونهم، مفروشا بالرخام الأخضر، وفيه بركة ماء فيها سمك، وأمامها بستان، فاستحسن ذلك وعزم على الصّبوح ودعا بالطعام والشراب، وأقبل علىّ فقال: غنّنى ونشّطنى، فكأنّ الله تعالى أنسانى الغناء كله إلا هذا الصوت من شعر عبد الله بن قيس الرّقيّات

لو كان حولى بنو أمية لم

تنطق رجال أراهم نطقوا

من كلّ قرم محض ضرائبه

عن منكبيه القميص ينخرق

قال: فنظر الىّ مغضبا، وقال: عليك وعلى بنى أميّة لعنة الله، ويلك! أقلت لك سرّنى أو سؤنى؟ ألم يكن لك وقت تذكر فيه بنى أميّة إلا هذا الوقت تعرّض بى؟ فتجلّدت عليه وعلمت أنّى قد أخطأت، فقلت: أتلومنى على أن أذكر بنى أميّة؟ هذا مولاكم زرياب عندهم يركب في مائتى غلام مملوك له، ويملك ثلاثمائة ألف دينار [وهبوها له سوى الخيل والضياع والرّقيق «1» ] : وأنا عندكم أموت

ص: 146

جوعا، فقال: أو لم يكن لك شىء تذكّرنى به نفسك غير هذا؟ فقلت: هكذا حضرنى حين ذكرتهم، فقال: أعرض وتنبّه على إرادتى وغنّ فأنسانى الله كلّ شىء أحسنه إلا هذا الصوت

الحين ساق الى دمشق وما

كانت دمشق لأهلنا بلدا

قادتك نفسك فاستقدت لها

وأرتك أمر غواية رشدا

فرمانى بالقدح فأخطأنى وانكسر القدح، وقال: قم الى لعنة الله وحرّ سقر! فركب، وكانت تلك الحال آخر عهدى به حتى مرض ومات بعد ذلك بقليل.

ومثل ذلك ما حكى في قتلة المتوكل، وذلك أنه جلس يوم الأربعاء لأيام خلون من شوّال سنة تسع وأربعين ومائتين وقال للفتح بن خاقان: أحبّ أن نصطبح؛ فأحضر المغنّين وفيهم أحمد بن أبى العلاء فقال له: غنّ فغنّى

يا عاذلىّ من الملام دعانى

إنّ البليّة فوق ما تصفان

زعمت بثينة أنّ فرقتنا غدا

لا مرحبا بغد فقد أبكانى

فتطّير المتوكّل منه، وقال: أحمد! كيف وقع لك أن تغنّى بهذا الشعر، قال:

فشغل قلب ابن أبى العلاء لما أنكر عليه، ثم ذهب ليغنّى غيره، فغنّاه ثانية، فقال المتوكّل: نسأل الله خير هذا اليوم، وصرف المغنّين وقام لصلاة الظهر، فلمّا فرغ قال له الفتح: يا سيّدى أتمم يومك، فدعا بالشراب وقال: أين ابن أبى العلاء؟ فأحضر فقال له: غنّ، فأغمى عليه فأعاد البيتين فاغتمّ المتوكّل غاية الغمّ وقتل في الليلة الآتية من ذلك اليوم.

قال القاضى أبو على الجوينىّ: حضرت بين يدى سيف الدولة أبى الحسن صدقة ابن منصور بن دبيس، وابنه أبو المكارم محمد إذ ذاك مريض مرضه الذى مات فيه

ص: 147

وقد أتى بديوان أبى نصر بن نباته فتصفّحه فوقع بيده وقال: يعزّى سيف الدولة أبا الحسن ويرثى ابنه أبا المكارم محمد، فأخذت المجلّد وأطبقته فعاد فتصفّحه فخرج ذلك، ومن القصيدة التى عناها قوله

فإنّ بميّا فارقين حفيرة

تركنا عليها ناظر الجود داميا

تضمّنها أيدى فتى ثكلت به

غداة ثوى أمالنا والأمانيا

ولمّا عدمنا الصبر بعد محمد

أتينا أباه نستفيد التعازيا

حكى: أنّ أبا الشمقمق شخص مع خالد بن يزيد بن مزيد وقد تقلّد الموصل، فلما أراد الدخول اليها اندقّ لواؤه في أوّل درب منها، فتطيّر من ذلك وعظم عليه، فقال أبو الشمقمق

ما كان مندقّ اللواء لريبة

تخشى ولا أمر يكون مبذّلا

لكنّ هذا الرمح ضعّف متنه

صغر الولاية فاستقلّ الموصلا

فسرّى عن خالد، وكتب صاحب البريد بذلك الى المأمون، فزاده ديار ربيعة وكتب اليه: هذا التضعيف الموصل متن رمحك، فأعطى خالد أبا الشمقمق عشرة آلاف درهم.

وقيل: لمّا توجّه المسترشد للقاء السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه السلجلقىّ، وقع على الشمسية التى ترفع على رأسه طائر من الجوارح وألحّ، كلما نفّر عاد، فتفاعل الناس له بذلك وسرّ هو به، فقال إنسان يعرف بملكدار: هذا جارح ومنقبض الكفّ وليس فيه بشرى بل ضدّها، وأقبل السلطان في جيشه فكانت الكسرة وقبض على المسترشد وقتل من بعد.

ص: 148