الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكما من أحكامها، معلنا أو مسرّا، محتالا او متأولا، أو زغت عن السبيل التى يسلكها من لا يحتقر الأمانة، ولا يستحلّ الغدر والخيانة، ولا يستجيز حلّ العقود والعهود، فكلّ ما تملكه من عين أو ورق، أو آنية أو عقار أو سائمة أو زرع أو ضرع أو غير ذلك من صنوف الأملاك المعتقدة، والأموال المدّخرة، صدقة على المساكين، يحرّم عليك أن ترجع شيئا من ذلك الى مالك، بحيلة من الحيل، على وجه من الوجوه، أو سبب من الأسباب، أو مخرج من مخارج الإيمان، فكلّ ما تفيده عمرك من مال يقلّ خطره أو يجلّ فتلك سبيله الى أن تتوفاك [منيتك، أو يأتيك «1» أجلك، وكل مملوك لك اليوم من ذكر وأنثى أو تملكه الى آخر أيامك أحرار سائبون لوجه الله تعالى، ونساؤك يوم يلزمك الحنث وما تتزوّج بعدهن مدة بقائك طوالق ثلاثا، طلاق الحرج والسنّة لا مثنويّة فيها ولا رجعة، وعليك المشى الى بيت الله الحرام، ثلاثين حجّة حافيا راجلا، لا يرضى الله منك إلا بالوفاء بها، ولا يقبل الله صرفا ولا عدلا، وخذلك يوم تحتاج اليه، وبرّأك من حوله وقوّته، وألجأك الى حولك وقوّتك والله عزوجلّ بذلك شهيد (وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً) *
وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ.
ذكر ما قيل في التواضع
قال الله تبارك وتعالى: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)
. وقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ)
. وقال قتادة في تفسير قوله تعالى:
(وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ)
قال: هم المتواضعون. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل على الأرض متواضعا.
وقال أنس بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المريض ويتبع الجنائز ويجيب دعوة المملوك ويركب الحمار، ولقد رأيته يوم حنين على حمار، خطامه ليف. وقال صلى الله عليه وسلم:«إن العفو لا يزيد العبد إلا عزّا فاعفوا يعزّكم الله، وإن التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة فتواضعوا يرفعكم الله، وإن الصدقة لا تزيد المال إلا نماء فتصدّقوا يزدكم الله» . وقال عروة ابن الزبير: التواضع أحد مصايد الشرف، وفي لفظ «سلّم الشرف» . وقال جعفر بن محمد: رأس الخير التواضع، فقيل له: وما التواضع؟ فقال: أن ترضى من المجلس بدون شرفك وأن تسلّم على من لقيت، وأن تترك المراء وإن كنت محقّا.
وعن على رضى الله تعالى عنه ولم يذكر المراء فيه وزاد فيه: وتكره الرياء والسمعة. وقيل: ثمرة القناعة الراحة، وثمرة التواضع المحبة، وقيل: التواضع نعمة لا يفطن لها الحاسد، وقيل: التواضع كالوهدة يجتمع فيها قطرها وقطر غيرها.
وقال عبد الله بن المعتز: متواضع العلماء أكثرهم علما، كما أن المكان المنخفض أكثر الاماكن ماء.
وكان يحيى بن خالد يقول: لست أرى أحدا تواضع في إمارة إلا وهو في نفسه اكبر مما نال من سلطانه.
ومن التواضع المأثور ما روى: أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه مرّ ويده على المعلّى بن الجارود فلقيته امرأة من قريش، فقالت له: يا عمر، فوقف لها، فقالت له: كنا نعرفك مرّة عميرا ثم صرت بعد عمير عمر ثم صرت بعد عمر أمير المؤمنين فاتق الله يابن الخطّاب، فانظر في أمور الناس، فإنّه من خاف الوعيد، قرب عليه
البعيد، ومن خاف الموت، خشى الفوت، فقال لها المعلّى، إيّها، إليك يا أمة الله لقد ابكيت أمير المؤمنين، فقال له عمر أتدرى من هذه؟ ويحك! هذه خولة بنت حكيم التى سمع الله قولها من سمائه، فعمر أحرى أن يسمع قولها ويقتدى به. وقال عدىّ بن أرطاة لإياس بن معاوية: إنك لسريع المشية، قال: ذلك أبعد من الكبر وأسرع الى الحاجة. وقال عمر رضى الله عنه وقد قيل له مثل هذا: أنجح للحاجة وأبعد من الكبر. أما سمعت قوله عزوجل؟ (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) .
وقد مدح الشعراء أهل التواضع، فمن ذلك قول أبى تمّام حبيب
متبذّل في القوم وهو مبجّل
…
متواضع في الحىّ وهو معظّم
وقال آخر
متواضع والنّبل يحرس قدره
…
وأخو النباهة بالنباهة ينبل
وقال البحترىّ
دنوت تواضعا وعلوت مجدا
…
فشأناك انحدار وارتفاع
كذاك الشمس تبعد أن تسامى
…
ويدنو الضوء منها والشّعاع
وقال أبو محمد التيمىّ
تواضع لما زاده الله رفعة
…
وكلّ رفيع قدره متواضع
وقال آخر
دنوت تواضعا وعلوت قدرا
…
ففيك تواضع وعلوّ شان