المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ما قيل في الهجاء ومن يستحقه - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٣

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌القسم الثانى من الفن الثانى في الأمثال المشهورة

- ‌الباب الأوّل من هذا القسم (فى الأمثال)

- ‌وأوّل ما نبدأ به من ذلك ما تمثّل به من أقوال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ومن كلام أبى بكر الصدّيق رضى الله عنه

- ‌ومن كلام عمر بن الخطاب رضى الله عنه

- ‌ومن كلام عثمان بن عفان رضى الله عنه

- ‌ومن كلام علىّ بن أبى طالب كرم الله وجهه

- ‌ومن كلام عبد الله بن عباس رضى الله عنهما

- ‌ومن أمثال العرب ما نقلته من كتاب «الأمثال» للميدانىّ

- ‌حرف الهمزة

- ‌حرف الباء

- ‌حرف التاء

- ‌حرف الثاء

- ‌حرف الجيم

- ‌حرف الحاء

- ‌حرف الخاء

- ‌حرف الدال

- ‌حرف الذال

- ‌حرف الراء

- ‌حرف الزاى

- ‌حرف السين

- ‌حرف الشين

- ‌حرف الصاد

- ‌حرف الضاد

- ‌حرف الطاء

- ‌حرف الظاء

- ‌حرف العين

- ‌حرف الغين

- ‌حرف الفاء

- ‌حرف القاف

- ‌حرف الكاف

- ‌حرف اللام

- ‌حرف الميم

- ‌حرف النون

- ‌حرف الهاء

- ‌حرف الواو

- ‌ما جاء في ما أوّله (لا)

- ‌حرف الياء

- ‌ومما يتمثل به من أشعار الجاهلية

- ‌امرؤ القيس بن حجر:

- ‌زهير بن أبى سلمى

- ‌النابغة الذّبيانى:

- ‌طرفة بن العبد

- ‌أوس بن حجر

- ‌بشر بن أبى خازم

- ‌المتلمس

- ‌الأفوه الأودىّ

- ‌تميم بن أبى مقبل

- ‌حميد بن ثور

- ‌عدى بن زيد

- ‌الأسود بن يعفر

- ‌علقمة بن عبدة

- ‌عمرو بن كلثوم

- ‌الحارث بن حلّزة

- ‌حاتم الطائىّ

- ‌المرقّش الأصغر

- ‌النمر بن تولب

- ‌مهلهل بن ربيعة، واسمه عدىّ

- ‌طفيل الغنوىّ

- ‌عروة بن الورد

- ‌الأعشى:

- ‌لقيط بن معبد

- ‌تأبط شرّا:

- ‌المثقّب العبدىّ

- ‌الممرّق العبدىّ

- ‌أفنون التغلبىّ

- ‌الأضبط بن قريع السّعدىّ

- ‌سويد بن أبى كاهل

- ‌ومما يتمثل به من أشعار المخضرمين

- ‌منهم لبيد بن ربيعة

- ‌كعب بن زهير

- ‌النابغة الجعدىّ:

- ‌أميّة بن أبى الصّلت الثقفى

- ‌حسّان بن ثابت

- ‌الحطيئة:

- ‌متمم بن نويرة

- ‌أبو ذؤيب الهذلىّ

- ‌الخنساء:

- ‌عمرو بن معديكرب

- ‌معن بن أوس

- ‌زياد بن زيد

- ‌أيمن بن خزيم بن فاتك الأسدىّ

- ‌ومما يتمثل به من أشعار المتقدّمين في صدر الإسلام

- ‌القطامىّ:

- ‌الطّرمّاح بن حكيم بن الحكم

- ‌الكميت بن زيد الأسدىّ

- ‌المساور بن هند

- ‌عدىّ بن الرقاع

- ‌الفرزدق

- ‌جرير:

- ‌الأخطل:

- ‌الصّلتان العبدىّ

- ‌كثيّر عزة:

- ‌جميل

- ‌عمر بن عبد الله بن أبى ربيعة

- ‌ومما يتمثّل به من أشعار المحدثين

- ‌منهم إبراهيم بن هرمة

- ‌بشّار بن برد

- ‌أبو العتاهية

- ‌سلم بن عمرو الخاسر:

- ‌صالح بن عبد القدّوس

- ‌ابن ميّادة:

- ‌أبو نواس الحسن بن هانئ

- ‌أبو عيينة المهلّبىّ

- ‌عبد الله بن أبى عتبة المهلّبى

- ‌العبّاس بن الأحنف

- ‌مسلم بن الوليد:

- ‌منصور النمرىّ:

- ‌العتّابىّ:

- ‌أشجع السّلمىّ:

- ‌الجرهمىّ

- ‌محمود الورّاق:

- ‌محمود بن حازم الباهلىّ

- ‌السّموءل بن عادياء

- ‌محمد بن أبى زرعة الدّمشقى

- ‌أبو الشيص:

- ‌علىّ بن جبلة بن عبد الرحمن الأنبارىّ

- ‌اللجلاج الحارثىّ

- ‌عبد الصمد بن المعذّل

- ‌الحمدونىّ

- ‌العتبى

- ‌أبو سعيد المخزومى:

- ‌دعبل بن علىّ الخزاعىّ:

- ‌إسحاق بن إبراهيم الموصلىّ

- ‌المؤمل بن أميل

- ‌إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول مولى يزيد بن المهلّب يكنى أبا إسحاق

- ‌أبو علىّ البصير:

- ‌سعيد بن حميد

- ‌علىّ بن الجهم

- ‌ابن أبى فنن:

- ‌يزيد بن محمد المهلبىّ

- ‌عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير

- ‌أحمد بن أبى طاهر

- ‌أبو تمام حبيب بن أوس الطائى

- ‌أبو عبادة البحترىّ

- ‌ابن الرومىّ

- ‌عبد الله بن المعتزّ

- ‌عبيد بن عبد الله بن طاهر

- ‌ابن طباطبا العلوىّ:

- ‌منصور الفقيه المقرىء

- ‌ابن بسّام:

- ‌جحظة:

- ‌الصنوبرىّ

- ‌أبو الفتح كشاجم:

- ‌ومما يتمثّل به من أشعار المولّدين:

- ‌منهم أبو فراس الحمدانىّ

- ‌أبو الطيب المتنبّى يقول

- ‌السرىّ بن أحمد بن السرىّ الموصلىّ

- ‌أبو بكر محمّد بن هاشم الخالدىّ

- ‌أبو عثمان سعيد بن هاشم الخالدىّ [أخوه]

- ‌الخبّاز البلدىّ:

- ‌أبو إسحاق الصابىء

- ‌عبد العزيز عمر بن نباته

- ‌ابن لنكك البصرىّ:

- ‌أبو الحسن عبد الله بن محمد بن محمد السلامىّ

- ‌أبو الفرج الببّغا

- ‌ابن سكّرة الهاشمىّ:

- ‌ابن الحجّاج:

- ‌أبو الحسن الموسوىّ النقيب:

- ‌أبو طالب المأمونىّ

- ‌ابن العميد:

- ‌الصاحب بن عبّاد:

- ‌الحسن بن علىّ بن عبد العزيز القاضى

- ‌أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمىّ

- ‌بديع الزمان أبو الفضل الهمذانىّ، أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد

- ‌إسماعيل الناشىء

- ‌أبو الفتح علىّ بن محمد البستىّ

- ‌الباب الثانى من القسم الثانى من الفن الثانى فى أوابد العرب

- ‌البحيرة:

- ‌الوصيلة:

- ‌السائبة:

- ‌الحامى:

- ‌الأزلام:

- ‌الميسر:

- ‌ومنها: نكاح المقت:

- ‌ومنها: رمى البعرة:

- ‌ومنها: ذبح العتائر:

- ‌ومنها: حبس البلايا:

- ‌ومنها: إغلاق الظهر:

- ‌ومنها: التعمية والتفقئة:

- ‌ومنها: بكاء المقتول:

- ‌ومنها: رمى السنّ في الشمس:

- ‌ومنها: خضاب النحر:

- ‌ومنها: التصفيق:

- ‌ومنها: جز النواصى

- ‌ومنها: كىّ السليم عن الجرب:

- ‌ومنها: ضرب الثور:

- ‌ومنها: كعب الأرنب:

- ‌ومنها: حيض السّمرة:

- ‌ومنها: الطارف والمطروف:

- ‌ومنها: وطء المقاليت:

- ‌ومنها: تعليق الحلى على السليم:

- ‌ومنها: ذهاب الخدر:

- ‌ومنها: الحلأ:

- ‌ومنها: التعشير:

- ‌ومنها: عقد الرّتم:

- ‌ومنها: دائرة المهقوع:

- ‌ومنها: شقّ الرداء والبرقع:

- ‌ومنها: نوء السماك:

- ‌ومنها: النسيء:

- ‌ومنها: وأد البنات:

- ‌الباب الثالث من القسم الثانى من الفن الثانى فى‌‌ أخبار الكهنةويتصل به الزجر والفأل والطّيرة والفراسة والذكاء

- ‌ أخبار الكهنة

- ‌فمن أخبار الكهنة، خبر سطيح الكاهن

- ‌ومن أخبارهم:

- ‌ومنها

- ‌ومنها

- ‌ومنها:

- ‌الزّجر

- ‌الفأل والطّيرة

- ‌الفراسة والذكاء

- ‌الباب الرابع من القسم الثانى من الفن الثانى فى الكنايات والتعريض

- ‌الباب الخامس من القسم الثانى من الفن الثانى فى الألغاز والأحاجىّ

- ‌ومما يتصل بهذا الباب مسائل العويص

- ‌القسم الثالث من الفنّ الثانى فى المدح، والهجو، والمجون، والفكاهات، والملح، والخمر، والمعاقرة، والنّدمان، والقيان، ووصف آلات الطّرب

- ‌الباب الأوّل من هذا القسم فى المدح

- ‌فأمّا حقيقية المدح

- ‌ذكر ما قيل في الافتخار

- ‌ذكر ما قيل في الجود والكرم وأخبار الكرام

- ‌ذكر من انتهى اليهم الجود في الجاهلية وذكر شىء من أخبارهم

- ‌ذكر ما قيل في الإعطاء قبل السؤال

- ‌ذكر ما قيل في الشجاعة والصبر والإقدام

- ‌ومما قيل في الصبر والإقدام

- ‌ذكر ما قيل في وفور العقل

- ‌ذكر ما قيل في حدّ العقل وماهيّته وما وصف به

- ‌ذكر ما قيل في الصدق

- ‌ذكر ما قيل في الوفاء والمحافظة والأمانة

- ‌ذكر ما قيل في التواضع

- ‌ذكر ما قيل في القناعة والنزاهة

- ‌ذكر ما قيل في الشكر والثناء

- ‌ذكر ما قيل في الوعد والإنجاز

- ‌ذكر ما قيل في الشفاعة

- ‌ذكر ما قيل في الاعتذار والاستعطاف

- ‌الباب الثانى من القسم الثالث من الفن الثانى فى الهجاء

- ‌ذكر ما قيل في الهجاء ومن يستحقه

- ‌ومما قيل في الهجاء من النظم

- ‌ومما هجى به أهل الوقت على الإطلاق، فمن ذلك قول أبى هلال العسكرىّ

- ‌ومما قيل في هجاء بعض العشيرة ومدح بعضهم

- ‌ذكر ما قيل في الحسد

- ‌ومما قيل من الشعر في تفضيل المحسود ومدحه، وهجاء الحاسد وذمّه

- ‌ذكر ما قيل في السّعاية والبغى والغيبة والنّميمة

- ‌ومما قيل في الغيبة والنّميمة

- ‌ذكر ما قيل في البخل واللؤم

- ‌ومن أخبار البخلاء:

- ‌احتجاج البخلاء وتحسينهم للبخل على قبحه

- ‌ذكر ما قيل في التطفيل ويتصل به أخبار الأكلة والمؤاكلة

- ‌ذكر آداب الأكل والمؤاكلة

- ‌ذكر الاقتصاد في المطاعم والعفّة عنها

- ‌ذكر أخبار الأكلة

- ‌ذكر ما قيل في الجبن والفرار

- ‌ومن أخبار الفرّارين الذين حسّنوا الفرار على قبحه

- ‌ذكر ما قيل في الحمق والجهل

- ‌ذكر ما قيل في الكذب

- ‌ذكر ما قيل في الغدر والخيانة

- ‌ذكر أخبار أهل الغدر وغدراتهم المشهورة

- ‌ذكر ما قيل في الكبر والعجب

- ‌ومما هجى به أهل التكبّر

- ‌ذكر ما قيل في الحرص والطمع

- ‌ذكر ما قيل في الوعد والمطل

- ‌ذكر ما قيل في العىّ والحصر

الفصل: ‌ذكر ما قيل في الهجاء ومن يستحقه

ما قيل في التطفيل ويتّصل به أخبار الأكلة والمؤاكلة.

ما قيل في الجبن والفرار.

ما قيل في الحمق والجهل.

ما قيل في الكذب.

ما قيل في الغدر والخيانة.

ما قيل في الكبر والعجب.

ما قيل في الحرص والطمع.

ما قيل في الوعد والمطل.

ما قيل في العىّ والحصر.

‌ذكر ما قيل في الهجاء ومن يستحقه

قال الله تعالى: (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)

فهذه رخصة لمن ظلم فى الانتصار.

وقال حسّان بن ثابت الأنصارىّ يردّ على أبى سفيان بن الحارث

ألا أبلغ أبا سفيان عنى

مغلغلة «1» فقد برح الخفاء

هجوت محمّد، فأجبت عنه،

وعند الله في ذاك الجزاء

أتهجوه ولست له بكفء

فشرّكما لخيركما الفداء

ص: 266

لنا في كلّ يوم من معدّ

سباب أو قتال أو هجاء

لسانى صارم لا عيب فيه

وبحرى لا تكدّره الدّلاء

فإنّ أبى ووالدتى وعرضى

لعرض محمّد منكم وقاء

ويستحقّ الهجاء من اتصف بسوء الخصال، واتسم بأخلاق الأرذال والأنذال، وجعل اللؤم جلبابه وشعاره، والبخل وطاءه ودثاره، وسأذكر جماع ما اتصفوا به من سوء الفعال، وأسّسوا بنيانهم عليه من قبح الخلال.

قال بعض الحكماء: أربعة من علامات اللؤم: إفشاء السرّ، واعتقاد الغدر، وغيبة الأحرار، وإساءة الجوار.

وسأل عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف عن خلقه، فتلكأ عليه وأبى أن يخبره فأقسم عليه فقال: حسود، كنود، حقود، فقال عبد الملك: ما في إبليس شرّ من هذه الخلال؛ فبلغ ذلك خالد بن صفوان فقال: لقد انتحل الشرّ بحذافيره، ومرق من جميع خلال الخير، وتأنق في ذمّ نفسه، وتجرّد في الدلالة على لؤم طبعه، وأفرط في إقامة الحجّة على كفره، وخرج من الخلال الموجبة رضى ربّه.

قال أبو تمام

تأنّست بذميم الفعل طلعته

تأنّس المقلة الرمداء بالظلم

وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أربعة، من كنّ فيه فهو منافق، من اذا حدّث كذب، واذا وعد أخلف، واذا عاهد غدر، واذا أؤتمن خان» .

وقالوا: اللئيم كذوب الوعد، خؤون العهد، قليل الرفد، وقالوا: اللئيم اذا استغنى بطر، واذا افتقر قنط، واذا قال أفحش، واذا سئل بخل، وإن سأل ألحّ، وإن

ص: 267

أسدى اليه صنيع أخفاه، وإن استكتم سرّا أفشاه، فصديقه منه على حذر، وعدوّه منه على غرر «1» .

وإنّ للشعراء والبلغاء في الذّم والهجاء نظما ونثرا سنورد منه طرفا، ونشرح ما يجعل ضوء النهار على المقول فيه سدفا «2» .

فمن ذلك ما قاله أحمد بن يوسف الكاتب في بنى سعيد بن مسلم بن قتيبة: محاسنهم مساوىء السّفل، ومساوئهم فضائح الأمم، وألسنتهم معقودة بالعىّ، وأيديهم معقولة بالبخل، وأعراضهم أعراض الذمّ؛ فهم كما قيل

لا يكثرون وإن طالت حياتهم

ولا تبيد مخازيهم وإن بادوا

وذمّ أعرابى قوما فقال هم أقلّ الناس ذنوبا الى أعدائهم، وأكثرهم تجرؤا على أصدقائهم، يصومون عن المعروف، ويفطرون على الفحشاء.

وذمّ أعرابىّ قوما فقال: قوم سلخت أقفاؤهم بالهجاء، وذبغت جلودهم باللؤم، فلباسهم في الدنيا الملامة، وفي الآخرة الندامة.

وكان عيسى بن فرخان شاه يتيه على أبى العيناء حال وزارته، فلما صرف عن الوزارة لقى أبا العيناء في بعض السكك فسلّم عليه سلاما خفيفا، فقال أبو العيناء لقائده: من هذا؟ قال: أبو موسى، فدنا منه حتّى أخذ بعنان بغلته وقال: لقد كنت أقنع بإيمائك دون بنانك، وبلحظك دون لفظك، الحمد لله على ما آلت اليه حالك، فلئن كانت أخطأت فيك النعمة، لقد أصابت فيك النقمة؛ ولئن كانت الدنيا أبدت صفحاتها بالإقبال عليك، لقد أظهرت محاسنها بالإدبار عنك، ولله المنّة

ص: 268

إذ أغنانا عن الكذب عليك، ونزّهنا عن قول الزور فيك، وقد والله أسأت حمل النعمة، وما شكرت حقّ المنعم؛ ثم أطلق يده من عنانه، ورجع الى مكانه فقيل له:

يا أبا عبد الله! لقد بالغت في السّبّ؛ فما كان الذنب؟ قال: سألته في حاجة أقلّ من قيمته، فردّنى عنها بأقبح من خلقته.

قال بعض الأعراب: نزلت بذاك الوادى فإذا ثياب أحرار على أجسام عبيد، إقبال حظهم، إدبار حظ الكرام؛ ألمّ بهذا المعنى شاعر فقال

أرى حللا تصان على رجال

وأعراضا تذال ولا تصان

يقولون الزمان به فساد

وهم فسدوا وما فسد الزمان

وسئل بعض البلغاء عن رجل فقال: هو صغير القدر، قصير الشّبر، ضيّق الصدر، لئيم النّجر «1» ، عظيم الكبر، كثير الفخر.

وذمّ أعرابىّ رجلا فقال: هو عبد البدن، حرّ الثياب، عظيم الرّواق، صغير الأخلاق، الدهر يرفعه، ونفسه تضعه.

وقال آخر: فلان غثّ في دينه، قذر في دنياه، رثّ في مروءته، سمج في هيئته، منقطع الى نفسه، راض عن عقله، بخيل بما أنعم الله عليه، كتوم لما آتاه الله من فضله، حلّاف لجوج، إن سأل ألحف، وإن وعد أخلف، لا ينصف الأصاغر، ولا يعرف حقّ الأكابر.

وترجم الفتح بن عبد الله القيسىّ صاحب قلائد العقيان في كتابه عن أبى بكر بن ماجة المعروف بابن الصائغ فقال: هو رمد جفن الدّين، وكمد نفوس المهتدين، اشتهر سخفا وجنونا، وهجر مفروضا ومسنونا، فما يشرع، ولا يأخذ في غير الأضاليل ولا

ص: 269

يشرع، ناهيك به من رجل ما تطهّر من جنابه، ولا أظهر مخيلة إنابه، ولا استنجى من حدث، ولا أسجى فؤاده موارى في جدث، ولا أقرّ ببارئه ومصوّره، ولافرّ عن تباريه في ميدان تهوّره، الإساءة اليه أجدى من الإحسان، والبهيمة أهدى عنده من الإنسان، نظر في تلك التعاليم، وفكّر في أجرام الأفلاك وحدود الأقاليم، ورفض كتاب الله الحكيم العليم، ونبذه وراء ظهره، ثانى عطفه، وأراد إبطال ما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، واقتصر على الهيئة، وأنكر أن يكون له عند الله تبارك وتعالى فيئة، وحكم للكواكب بالتدبير، واجترم على الله اللطيف الخبير، واجترأ عند سماع النهى والإيعاد، واستهزأ بقوله تعالى:(إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ)

فهو يعتقد أن الزمان دور، وأن الإنسان نبات له نور، حمامة تمامه، واختلافه فطامه، قد محى الإيمان من قلبه فما له فيه رسم، ونسى الرحمن لسانه فما يمرّ له عليه اسم، وانتمت نفسه للضلال وانتسبت، ونفت يوما تجزى فيه كلّ نفس بما كسبت، فقصر عمره على طرب ولهو، واستشعر كل كبر وزهو، وهو يعكف على سماع التلاحين، ويقف عليها كلّ حين، يعلن بذلك الاعتقاد، ولا يؤمن بشىء قادنا الى الله فى أسلس مقاد، مع منشإ وخيم، ولؤم أصل وخيم «1» ، وصورة شوّهها الله وقبحها، وطلعة لو رآها كلب لنبحها، وقدارة يؤذى البلاد نفسها، ووضارة يحكى الحداد دنسها وفند لا يعمر إلا كنفه، ولدد لا يقوّم إلا الصّفاد جنفه «2» .

وكتب أحمد بن يوسف: أما بعد فإنى لا أعرف للمعروف طريقا أوعر من طريقه إليك، لأنه يحصل منك بين حسب دنىء، ولسان بذىء، وجهل قد ملك عليك طباعك، فالمعروف لديك ضائع، والشكر عندك مهجور، وإنما غايتك في المعروف أن تحوّره، وفي وليّه أن تكفّره.

ص: 270