الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما قيل في التطفيل ويتّصل به أخبار الأكلة والمؤاكلة.
ما قيل في الجبن والفرار.
ما قيل في الحمق والجهل.
ما قيل في الكذب.
ما قيل في الغدر والخيانة.
ما قيل في الكبر والعجب.
ما قيل في الحرص والطمع.
ما قيل في الوعد والمطل.
ما قيل في العىّ والحصر.
ذكر ما قيل في الهجاء ومن يستحقه
قال الله تعالى: (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)
فهذه رخصة لمن ظلم فى الانتصار.
وقال حسّان بن ثابت الأنصارىّ يردّ على أبى سفيان بن الحارث
ألا أبلغ أبا سفيان عنى
…
مغلغلة «1» فقد برح الخفاء
هجوت محمّد، فأجبت عنه،
…
وعند الله في ذاك الجزاء
أتهجوه ولست له بكفء
…
فشرّكما لخيركما الفداء
لنا في كلّ يوم من معدّ
…
سباب أو قتال أو هجاء
لسانى صارم لا عيب فيه
…
وبحرى لا تكدّره الدّلاء
فإنّ أبى ووالدتى وعرضى
…
لعرض محمّد منكم وقاء
ويستحقّ الهجاء من اتصف بسوء الخصال، واتسم بأخلاق الأرذال والأنذال، وجعل اللؤم جلبابه وشعاره، والبخل وطاءه ودثاره، وسأذكر جماع ما اتصفوا به من سوء الفعال، وأسّسوا بنيانهم عليه من قبح الخلال.
قال بعض الحكماء: أربعة من علامات اللؤم: إفشاء السرّ، واعتقاد الغدر، وغيبة الأحرار، وإساءة الجوار.
وسأل عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف عن خلقه، فتلكأ عليه وأبى أن يخبره فأقسم عليه فقال: حسود، كنود، حقود، فقال عبد الملك: ما في إبليس شرّ من هذه الخلال؛ فبلغ ذلك خالد بن صفوان فقال: لقد انتحل الشرّ بحذافيره، ومرق من جميع خلال الخير، وتأنق في ذمّ نفسه، وتجرّد في الدلالة على لؤم طبعه، وأفرط في إقامة الحجّة على كفره، وخرج من الخلال الموجبة رضى ربّه.
قال أبو تمام
تأنّست بذميم الفعل طلعته
…
تأنّس المقلة الرمداء بالظلم
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أربعة، من كنّ فيه فهو منافق، من اذا حدّث كذب، واذا وعد أخلف، واذا عاهد غدر، واذا أؤتمن خان» .
وقالوا: اللئيم كذوب الوعد، خؤون العهد، قليل الرفد، وقالوا: اللئيم اذا استغنى بطر، واذا افتقر قنط، واذا قال أفحش، واذا سئل بخل، وإن سأل ألحّ، وإن
أسدى اليه صنيع أخفاه، وإن استكتم سرّا أفشاه، فصديقه منه على حذر، وعدوّه منه على غرر «1» .
وإنّ للشعراء والبلغاء في الذّم والهجاء نظما ونثرا سنورد منه طرفا، ونشرح ما يجعل ضوء النهار على المقول فيه سدفا «2» .
فمن ذلك ما قاله أحمد بن يوسف الكاتب في بنى سعيد بن مسلم بن قتيبة: محاسنهم مساوىء السّفل، ومساوئهم فضائح الأمم، وألسنتهم معقودة بالعىّ، وأيديهم معقولة بالبخل، وأعراضهم أعراض الذمّ؛ فهم كما قيل
لا يكثرون وإن طالت حياتهم
…
ولا تبيد مخازيهم وإن بادوا
وذمّ أعرابى قوما فقال هم أقلّ الناس ذنوبا الى أعدائهم، وأكثرهم تجرؤا على أصدقائهم، يصومون عن المعروف، ويفطرون على الفحشاء.
وذمّ أعرابىّ قوما فقال: قوم سلخت أقفاؤهم بالهجاء، وذبغت جلودهم باللؤم، فلباسهم في الدنيا الملامة، وفي الآخرة الندامة.
وكان عيسى بن فرخان شاه يتيه على أبى العيناء حال وزارته، فلما صرف عن الوزارة لقى أبا العيناء في بعض السكك فسلّم عليه سلاما خفيفا، فقال أبو العيناء لقائده: من هذا؟ قال: أبو موسى، فدنا منه حتّى أخذ بعنان بغلته وقال: لقد كنت أقنع بإيمائك دون بنانك، وبلحظك دون لفظك، الحمد لله على ما آلت اليه حالك، فلئن كانت أخطأت فيك النعمة، لقد أصابت فيك النقمة؛ ولئن كانت الدنيا أبدت صفحاتها بالإقبال عليك، لقد أظهرت محاسنها بالإدبار عنك، ولله المنّة
إذ أغنانا عن الكذب عليك، ونزّهنا عن قول الزور فيك، وقد والله أسأت حمل النعمة، وما شكرت حقّ المنعم؛ ثم أطلق يده من عنانه، ورجع الى مكانه فقيل له:
يا أبا عبد الله! لقد بالغت في السّبّ؛ فما كان الذنب؟ قال: سألته في حاجة أقلّ من قيمته، فردّنى عنها بأقبح من خلقته.
قال بعض الأعراب: نزلت بذاك الوادى فإذا ثياب أحرار على أجسام عبيد، إقبال حظهم، إدبار حظ الكرام؛ ألمّ بهذا المعنى شاعر فقال
أرى حللا تصان على رجال
…
وأعراضا تذال ولا تصان
يقولون الزمان به فساد
…
وهم فسدوا وما فسد الزمان
وسئل بعض البلغاء عن رجل فقال: هو صغير القدر، قصير الشّبر، ضيّق الصدر، لئيم النّجر «1» ، عظيم الكبر، كثير الفخر.
وذمّ أعرابىّ رجلا فقال: هو عبد البدن، حرّ الثياب، عظيم الرّواق، صغير الأخلاق، الدهر يرفعه، ونفسه تضعه.
وقال آخر: فلان غثّ في دينه، قذر في دنياه، رثّ في مروءته، سمج في هيئته، منقطع الى نفسه، راض عن عقله، بخيل بما أنعم الله عليه، كتوم لما آتاه الله من فضله، حلّاف لجوج، إن سأل ألحف، وإن وعد أخلف، لا ينصف الأصاغر، ولا يعرف حقّ الأكابر.
وترجم الفتح بن عبد الله القيسىّ صاحب قلائد العقيان في كتابه عن أبى بكر بن ماجة المعروف بابن الصائغ فقال: هو رمد جفن الدّين، وكمد نفوس المهتدين، اشتهر سخفا وجنونا، وهجر مفروضا ومسنونا، فما يشرع، ولا يأخذ في غير الأضاليل ولا
يشرع، ناهيك به من رجل ما تطهّر من جنابه، ولا أظهر مخيلة إنابه، ولا استنجى من حدث، ولا أسجى فؤاده موارى في جدث، ولا أقرّ ببارئه ومصوّره، ولافرّ عن تباريه في ميدان تهوّره، الإساءة اليه أجدى من الإحسان، والبهيمة أهدى عنده من الإنسان، نظر في تلك التعاليم، وفكّر في أجرام الأفلاك وحدود الأقاليم، ورفض كتاب الله الحكيم العليم، ونبذه وراء ظهره، ثانى عطفه، وأراد إبطال ما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، واقتصر على الهيئة، وأنكر أن يكون له عند الله تبارك وتعالى فيئة، وحكم للكواكب بالتدبير، واجترم على الله اللطيف الخبير، واجترأ عند سماع النهى والإيعاد، واستهزأ بقوله تعالى:(إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ)
فهو يعتقد أن الزمان دور، وأن الإنسان نبات له نور، حمامة تمامه، واختلافه فطامه، قد محى الإيمان من قلبه فما له فيه رسم، ونسى الرحمن لسانه فما يمرّ له عليه اسم، وانتمت نفسه للضلال وانتسبت، ونفت يوما تجزى فيه كلّ نفس بما كسبت، فقصر عمره على طرب ولهو، واستشعر كل كبر وزهو، وهو يعكف على سماع التلاحين، ويقف عليها كلّ حين، يعلن بذلك الاعتقاد، ولا يؤمن بشىء قادنا الى الله فى أسلس مقاد، مع منشإ وخيم، ولؤم أصل وخيم «1» ، وصورة شوّهها الله وقبحها، وطلعة لو رآها كلب لنبحها، وقدارة يؤذى البلاد نفسها، ووضارة يحكى الحداد دنسها وفند لا يعمر إلا كنفه، ولدد لا يقوّم إلا الصّفاد جنفه «2» .
وكتب أحمد بن يوسف: أما بعد فإنى لا أعرف للمعروف طريقا أوعر من طريقه إليك، لأنه يحصل منك بين حسب دنىء، ولسان بذىء، وجهل قد ملك عليك طباعك، فالمعروف لديك ضائع، والشكر عندك مهجور، وإنما غايتك في المعروف أن تحوّره، وفي وليّه أن تكفّره.