المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الرابع من القسم الثانى من الفن الثانى فى الكنايات والتعريض - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٣

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌القسم الثانى من الفن الثانى في الأمثال المشهورة

- ‌الباب الأوّل من هذا القسم (فى الأمثال)

- ‌وأوّل ما نبدأ به من ذلك ما تمثّل به من أقوال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ومن كلام أبى بكر الصدّيق رضى الله عنه

- ‌ومن كلام عمر بن الخطاب رضى الله عنه

- ‌ومن كلام عثمان بن عفان رضى الله عنه

- ‌ومن كلام علىّ بن أبى طالب كرم الله وجهه

- ‌ومن كلام عبد الله بن عباس رضى الله عنهما

- ‌ومن أمثال العرب ما نقلته من كتاب «الأمثال» للميدانىّ

- ‌حرف الهمزة

- ‌حرف الباء

- ‌حرف التاء

- ‌حرف الثاء

- ‌حرف الجيم

- ‌حرف الحاء

- ‌حرف الخاء

- ‌حرف الدال

- ‌حرف الذال

- ‌حرف الراء

- ‌حرف الزاى

- ‌حرف السين

- ‌حرف الشين

- ‌حرف الصاد

- ‌حرف الضاد

- ‌حرف الطاء

- ‌حرف الظاء

- ‌حرف العين

- ‌حرف الغين

- ‌حرف الفاء

- ‌حرف القاف

- ‌حرف الكاف

- ‌حرف اللام

- ‌حرف الميم

- ‌حرف النون

- ‌حرف الهاء

- ‌حرف الواو

- ‌ما جاء في ما أوّله (لا)

- ‌حرف الياء

- ‌ومما يتمثل به من أشعار الجاهلية

- ‌امرؤ القيس بن حجر:

- ‌زهير بن أبى سلمى

- ‌النابغة الذّبيانى:

- ‌طرفة بن العبد

- ‌أوس بن حجر

- ‌بشر بن أبى خازم

- ‌المتلمس

- ‌الأفوه الأودىّ

- ‌تميم بن أبى مقبل

- ‌حميد بن ثور

- ‌عدى بن زيد

- ‌الأسود بن يعفر

- ‌علقمة بن عبدة

- ‌عمرو بن كلثوم

- ‌الحارث بن حلّزة

- ‌حاتم الطائىّ

- ‌المرقّش الأصغر

- ‌النمر بن تولب

- ‌مهلهل بن ربيعة، واسمه عدىّ

- ‌طفيل الغنوىّ

- ‌عروة بن الورد

- ‌الأعشى:

- ‌لقيط بن معبد

- ‌تأبط شرّا:

- ‌المثقّب العبدىّ

- ‌الممرّق العبدىّ

- ‌أفنون التغلبىّ

- ‌الأضبط بن قريع السّعدىّ

- ‌سويد بن أبى كاهل

- ‌ومما يتمثل به من أشعار المخضرمين

- ‌منهم لبيد بن ربيعة

- ‌كعب بن زهير

- ‌النابغة الجعدىّ:

- ‌أميّة بن أبى الصّلت الثقفى

- ‌حسّان بن ثابت

- ‌الحطيئة:

- ‌متمم بن نويرة

- ‌أبو ذؤيب الهذلىّ

- ‌الخنساء:

- ‌عمرو بن معديكرب

- ‌معن بن أوس

- ‌زياد بن زيد

- ‌أيمن بن خزيم بن فاتك الأسدىّ

- ‌ومما يتمثل به من أشعار المتقدّمين في صدر الإسلام

- ‌القطامىّ:

- ‌الطّرمّاح بن حكيم بن الحكم

- ‌الكميت بن زيد الأسدىّ

- ‌المساور بن هند

- ‌عدىّ بن الرقاع

- ‌الفرزدق

- ‌جرير:

- ‌الأخطل:

- ‌الصّلتان العبدىّ

- ‌كثيّر عزة:

- ‌جميل

- ‌عمر بن عبد الله بن أبى ربيعة

- ‌ومما يتمثّل به من أشعار المحدثين

- ‌منهم إبراهيم بن هرمة

- ‌بشّار بن برد

- ‌أبو العتاهية

- ‌سلم بن عمرو الخاسر:

- ‌صالح بن عبد القدّوس

- ‌ابن ميّادة:

- ‌أبو نواس الحسن بن هانئ

- ‌أبو عيينة المهلّبىّ

- ‌عبد الله بن أبى عتبة المهلّبى

- ‌العبّاس بن الأحنف

- ‌مسلم بن الوليد:

- ‌منصور النمرىّ:

- ‌العتّابىّ:

- ‌أشجع السّلمىّ:

- ‌الجرهمىّ

- ‌محمود الورّاق:

- ‌محمود بن حازم الباهلىّ

- ‌السّموءل بن عادياء

- ‌محمد بن أبى زرعة الدّمشقى

- ‌أبو الشيص:

- ‌علىّ بن جبلة بن عبد الرحمن الأنبارىّ

- ‌اللجلاج الحارثىّ

- ‌عبد الصمد بن المعذّل

- ‌الحمدونىّ

- ‌العتبى

- ‌أبو سعيد المخزومى:

- ‌دعبل بن علىّ الخزاعىّ:

- ‌إسحاق بن إبراهيم الموصلىّ

- ‌المؤمل بن أميل

- ‌إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول مولى يزيد بن المهلّب يكنى أبا إسحاق

- ‌أبو علىّ البصير:

- ‌سعيد بن حميد

- ‌علىّ بن الجهم

- ‌ابن أبى فنن:

- ‌يزيد بن محمد المهلبىّ

- ‌عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير

- ‌أحمد بن أبى طاهر

- ‌أبو تمام حبيب بن أوس الطائى

- ‌أبو عبادة البحترىّ

- ‌ابن الرومىّ

- ‌عبد الله بن المعتزّ

- ‌عبيد بن عبد الله بن طاهر

- ‌ابن طباطبا العلوىّ:

- ‌منصور الفقيه المقرىء

- ‌ابن بسّام:

- ‌جحظة:

- ‌الصنوبرىّ

- ‌أبو الفتح كشاجم:

- ‌ومما يتمثّل به من أشعار المولّدين:

- ‌منهم أبو فراس الحمدانىّ

- ‌أبو الطيب المتنبّى يقول

- ‌السرىّ بن أحمد بن السرىّ الموصلىّ

- ‌أبو بكر محمّد بن هاشم الخالدىّ

- ‌أبو عثمان سعيد بن هاشم الخالدىّ [أخوه]

- ‌الخبّاز البلدىّ:

- ‌أبو إسحاق الصابىء

- ‌عبد العزيز عمر بن نباته

- ‌ابن لنكك البصرىّ:

- ‌أبو الحسن عبد الله بن محمد بن محمد السلامىّ

- ‌أبو الفرج الببّغا

- ‌ابن سكّرة الهاشمىّ:

- ‌ابن الحجّاج:

- ‌أبو الحسن الموسوىّ النقيب:

- ‌أبو طالب المأمونىّ

- ‌ابن العميد:

- ‌الصاحب بن عبّاد:

- ‌الحسن بن علىّ بن عبد العزيز القاضى

- ‌أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمىّ

- ‌بديع الزمان أبو الفضل الهمذانىّ، أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد

- ‌إسماعيل الناشىء

- ‌أبو الفتح علىّ بن محمد البستىّ

- ‌الباب الثانى من القسم الثانى من الفن الثانى فى أوابد العرب

- ‌البحيرة:

- ‌الوصيلة:

- ‌السائبة:

- ‌الحامى:

- ‌الأزلام:

- ‌الميسر:

- ‌ومنها: نكاح المقت:

- ‌ومنها: رمى البعرة:

- ‌ومنها: ذبح العتائر:

- ‌ومنها: حبس البلايا:

- ‌ومنها: إغلاق الظهر:

- ‌ومنها: التعمية والتفقئة:

- ‌ومنها: بكاء المقتول:

- ‌ومنها: رمى السنّ في الشمس:

- ‌ومنها: خضاب النحر:

- ‌ومنها: التصفيق:

- ‌ومنها: جز النواصى

- ‌ومنها: كىّ السليم عن الجرب:

- ‌ومنها: ضرب الثور:

- ‌ومنها: كعب الأرنب:

- ‌ومنها: حيض السّمرة:

- ‌ومنها: الطارف والمطروف:

- ‌ومنها: وطء المقاليت:

- ‌ومنها: تعليق الحلى على السليم:

- ‌ومنها: ذهاب الخدر:

- ‌ومنها: الحلأ:

- ‌ومنها: التعشير:

- ‌ومنها: عقد الرّتم:

- ‌ومنها: دائرة المهقوع:

- ‌ومنها: شقّ الرداء والبرقع:

- ‌ومنها: نوء السماك:

- ‌ومنها: النسيء:

- ‌ومنها: وأد البنات:

- ‌الباب الثالث من القسم الثانى من الفن الثانى فى‌‌ أخبار الكهنةويتصل به الزجر والفأل والطّيرة والفراسة والذكاء

- ‌ أخبار الكهنة

- ‌فمن أخبار الكهنة، خبر سطيح الكاهن

- ‌ومن أخبارهم:

- ‌ومنها

- ‌ومنها

- ‌ومنها:

- ‌الزّجر

- ‌الفأل والطّيرة

- ‌الفراسة والذكاء

- ‌الباب الرابع من القسم الثانى من الفن الثانى فى الكنايات والتعريض

- ‌الباب الخامس من القسم الثانى من الفن الثانى فى الألغاز والأحاجىّ

- ‌ومما يتصل بهذا الباب مسائل العويص

- ‌القسم الثالث من الفنّ الثانى فى المدح، والهجو، والمجون، والفكاهات، والملح، والخمر، والمعاقرة، والنّدمان، والقيان، ووصف آلات الطّرب

- ‌الباب الأوّل من هذا القسم فى المدح

- ‌فأمّا حقيقية المدح

- ‌ذكر ما قيل في الافتخار

- ‌ذكر ما قيل في الجود والكرم وأخبار الكرام

- ‌ذكر من انتهى اليهم الجود في الجاهلية وذكر شىء من أخبارهم

- ‌ذكر ما قيل في الإعطاء قبل السؤال

- ‌ذكر ما قيل في الشجاعة والصبر والإقدام

- ‌ومما قيل في الصبر والإقدام

- ‌ذكر ما قيل في وفور العقل

- ‌ذكر ما قيل في حدّ العقل وماهيّته وما وصف به

- ‌ذكر ما قيل في الصدق

- ‌ذكر ما قيل في الوفاء والمحافظة والأمانة

- ‌ذكر ما قيل في التواضع

- ‌ذكر ما قيل في القناعة والنزاهة

- ‌ذكر ما قيل في الشكر والثناء

- ‌ذكر ما قيل في الوعد والإنجاز

- ‌ذكر ما قيل في الشفاعة

- ‌ذكر ما قيل في الاعتذار والاستعطاف

- ‌الباب الثانى من القسم الثالث من الفن الثانى فى الهجاء

- ‌ذكر ما قيل في الهجاء ومن يستحقه

- ‌ومما قيل في الهجاء من النظم

- ‌ومما هجى به أهل الوقت على الإطلاق، فمن ذلك قول أبى هلال العسكرىّ

- ‌ومما قيل في هجاء بعض العشيرة ومدح بعضهم

- ‌ذكر ما قيل في الحسد

- ‌ومما قيل من الشعر في تفضيل المحسود ومدحه، وهجاء الحاسد وذمّه

- ‌ذكر ما قيل في السّعاية والبغى والغيبة والنّميمة

- ‌ومما قيل في الغيبة والنّميمة

- ‌ذكر ما قيل في البخل واللؤم

- ‌ومن أخبار البخلاء:

- ‌احتجاج البخلاء وتحسينهم للبخل على قبحه

- ‌ذكر ما قيل في التطفيل ويتصل به أخبار الأكلة والمؤاكلة

- ‌ذكر آداب الأكل والمؤاكلة

- ‌ذكر الاقتصاد في المطاعم والعفّة عنها

- ‌ذكر أخبار الأكلة

- ‌ذكر ما قيل في الجبن والفرار

- ‌ومن أخبار الفرّارين الذين حسّنوا الفرار على قبحه

- ‌ذكر ما قيل في الحمق والجهل

- ‌ذكر ما قيل في الكذب

- ‌ذكر ما قيل في الغدر والخيانة

- ‌ذكر أخبار أهل الغدر وغدراتهم المشهورة

- ‌ذكر ما قيل في الكبر والعجب

- ‌ومما هجى به أهل التكبّر

- ‌ذكر ما قيل في الحرص والطمع

- ‌ذكر ما قيل في الوعد والمطل

- ‌ذكر ما قيل في العىّ والحصر

الفصل: ‌الباب الرابع من القسم الثانى من الفن الثانى فى الكنايات والتعريض

‌الباب الرابع من القسم الثانى من الفن الثانى فى الكنايات والتعريض

والكنايات لها مواضع؛ فأحسنها العدول عن الكلام القبيح الى ما يدلّ على معناه فى لفظ أبهى منه. ومن ذلك أن يعظّم الرجل فلا يدعى باسمه ويكنى بكنيته، أو يكنى باسم ابنه صيانة لاسمه، وقد ورد في ذلك كثير من آى القرآن فمنها قوله تعالى (فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً)

أى كنّياه. وقد كنّى رسول الله صلى الله عليه وسلم علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه: بأبى تراب؛ وقال البحترىّ

يتشاغفن بالصغير المسمّى

موضعات وبالكبير المكنّى

وهذا يدل على أن المراد بالكنية التبجيل؛ وقول ابن الرومىّ

بكت شجوها الدنيا فلما تبيّنت

مكانك منها استبشرت وتثنّت

وكان ضئيلا شخصها فتطاولت

وكانت تسمّى ذلة فتكنّت

وقال أبو صخر الهذلىّ

أبى القلب إلا حبّه عامريّة

لها كنية: عمرو، وليس لها عمرو

ومن عادة العرب وشأنهم؛ استعمال الكنايات في الأشياء التى يستحيى من ذكرها، قصدا للتعفّف باللسان، كما يتعفّف بسائر الجوارح، قال الله عزوجلّ تأديبا لعباده (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)

فقرن عفّة البصر

ص: 152

بعفّة الفرج؛ وفي القرآن كنايات عدل بها عن التصريح تنزيها عن اللفظ المستهجن، كقوله تعالى:(نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)

وقال أبو عبيد: هو كناية، شبّه النساء بالحرث، وقوله تعالى:(وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا)

، قيل: هو كناية عن الفروج، وفي موضع آخر: يوم (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)

، وقوله تعالى:(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ)

، وقوله تعالى:(مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ)

قال المفسرون: هذا تنبيه بأكل الطعام على عاقبة ما يصير اليه؛ وهو الحدث، لأن من أكل الطعام فلا بدّ أن يحدث. ثم قال:

(انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ)

وهذا من ألطف الكناية، ومنه قوله تعالى:(أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) *

فالغائط: المطمئن من الأرض، وكانوا يأتونه لحاجتهم ويستترون به عن الأماكن المرتفعة. ومن لم ير الوضوء من لمس النساء جعل الملامسة هاهنا كناية عن الفعل.

ومن الكنايات في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وإن كان قد ورد في الأمثال أشبه بالكناية- منها قوله صلى الله عليه وسلم «إياكم وخضراء الدّمن» يريد بها المرأة الحسناء في المنبت السوء، وتفسير ذلك: أن الريح تجمع الدّمن، وهو البعر في البقعة من الأرض فأذا أصابه المطر نبت نبتا غضّا يهتزّ وتحته الدّمن الخبيث، يقول:

فلا تنكحوا هذه المرأة الحسناء لجمالها، ومنبتها خبيث كالدّمن؛ فإن أعراق السوء تزرع أولادها؛ وقال زفر بن الحارث

وقد ينبت المرعى على دمن الثرى

وتبقى حزازات النفوس كما هيا!

ص: 153

وقوله صلى الله عليه وسلم: «حمى الوطيس» قاله لما جال المسلمون يوم حنين، والوطيس: حفيرة تحتفر في الأرض شبيهة بالتنّور؛ وقال الحسن: لبث أيوب عليه السلام على المزبلة سبع سنين، وما على الأرض يومئذ خلق أكرم على الله منه، فما سأل الله العافية إلا تعريضا في قوله:(أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)

والعرب تكنى عن الفضلة المستقذرة بألفاظ كلّها كنايات، منها: الرّجيع والنّجو والبراز والغائط والعذرة والحشّ، فبعض هذه الألفاظ يراد بها نفس الحدث، وبعضها يراد بها المواضع التى يأتى اليها المحدث، وكذلك استعملوا في إتيان النساء: المجامعة، والمرافعة، والمباضعة، والمباشرة، والملامسة، والمماسّة، والخلوة، والإفضاء، والغشيان، والتغشّى، وكل هذه الألفاظ مذكورة في القرآن.

وحكى: أن رجلا من بنى العنبر كان أسيرا في بكر بن وائل، وعزموا على غزو قومه، فسألهم رسولا الى قومه، فقالوا: لا ترسل إلا بحضرتنا لئلا تنذرهم، وجىء بعبد أسود، فقال له: أتعقل؟ قال: نعم إنى لعاقل! قال: ما أراك عاقلا! ثم أشار بيده الى الليل، فقال: ما هذا؟ قال: الليل! قال: أراك عاقلا. ثم ملأ كفّيه من الرمل فقال: كم هذا؟ قال: لا أدرى وإنه لكثير، قال: أيّما أكثر؟

النجوم أم النيران؟ قال: كلّ كثير، فقال: أبلغ قومى التحيّة، وقل لهم ليكرموا فلانا، يعنى أسيرا كان في أيديهم من بكر، فإن قومه لى مكرمون وقل لهم: إن العرفج قد أدبى، وشكّت النساء، وأمرهم أن يعروا ناقتى الحمراء، فقد أطالوا ركوبها، وأن يركبوا جملى الأصهب بآية ما أكلت معهم حيسا، واسألوا عن خبرى أخى الحارث؛

ص: 154

فلما أدّى العبد الرسالة اليهم قالوا: قد جنّ الأعور، والله ما نعرف له ناقة حمراء، ولا جملا أصهب، ثم سرّحوا العبد ودعوا الحارث فقصّوا عليه القصّة، فقال:

قد أنذركم؛ أمّا قوله: قد أدبى العرفج؛ يريد: أن الرجال قد استلاموا ولبسوا السلاح، وقوله: وشكّت النساء؛ أى اتخذن الشّكاء للسفر، وقوله: الناقة الحمراء؛ أى ارتحلوا عن الدهناء واركبوا الصّمّان وهو الجمل الأصهب، وقوله: بآية ما أكلت معكم حيسا أى أخلاط من الناس وقد غزوكم؛ لأن الحيس يجمع التمر والسمن والأقط، فامتثلوا ما قال، وعرفوا لحن كلامه. وحكى أبو الفرج الأصفهانىّ بسنده الى مجالد ابن سعيد عبد الملك بن عمر قال: قدم علينا عمر بن هبيرة الكوفة، فأرسل الى عشرة أنا أحدهم من وجوه أهل الكوفة، فسمرنا عنده. ثم قال: ليحدثنى كلّ رجل منكم أحدوثة. وابدأ أنت يا أبا عمرو، فقلت: أصلح الله الأمير، أحديث الحق أم حديث الباطل؟ قال: بل حديث الحقّ، قلت: إن امرأ القيس آلى ألية أن لا يتزوّج امرأة حتى يسألها عن ثمانية وأربعة واثنين، فجعل يخطب النساء فاذا سألهن عن هذا، قلن أربعة عشر، فبينا هو يسير في جوف الليل اذا هو برجل يحمل ابنة له صغيرة، كأنها البدر لتّمه، فأعجبته فسألها: يا جارية! ما ثمانية وأربعة واثنان؟

فقالت: أما ثمانية فأطباء الكلبة، وأما أربعة فأخلاف الناقة، وأما اثنان فثديا المرأة، فخطبها الى أبيها، فزوّجه إياها وشرطت عليه أن تسأله ليلة بنائها عن ثلاث خصال، فجعل لها ذلك، وعلى أن يسوق اليها مائة من الإبل، وعشرة أعبد، وعشر وصائف، وثلاثة أفراس؛ ففعل ذلك، ثم إنه بعث عبدا له الى المرأة، وأهدى لها نحيا من سمن، ونحيا من عسل، وحلّة من قصب، فنزل العبد

ص: 155

على بعض المياه، فنشر الحلّة فلبسها فتعلّقت بسمرة فانشقّت، وفتح النّحيين فأطعم أهل الماء منهما فنقصا، ثم قدم على حىّ المرأة وهم خلوف فسألها عن أبيها وأمها وأخيها، ودفع اليها هديّتها فقالت له: أعلم مولاك أنّ أبى ذهب يقرّب بعيدا، ويبعّد قريبا، وأنّ أمّى ذهبت تشقّ النفس نفسين، وأنّ أخى ذهب يراعى الشمس، وأنّ سماءكم انشقّت، وأنّ وعاءيكم نضبا، فقدم الغلام على مولاه فأخبره، فقال: أما قولها: أنّ ابى ذهب يقرّب بعيدا ويبعّد قريبا: فإن أباها ذهب يحالف قوما على قومه، وأما قولها: ذهبت أمّى تشق النفس نفسين: فإن أمها ذهبت تقبل امرأة نفساء؛ وأما قولها: ذهب أخى يراعى الشمس: فإن أخاها في سرح له يرعاه، فهو ينتظر وجوب الشمس ليروح به، وقولها: أن سماءكم انشقّت: فإن البرد الذى بعثت به انشقّ، وأما قولها: أن وعاءيكم نضبا: فإن النّحيين نقصا؛ فاصدقنى؛ فقال: يا مولاى! إنى نزلت بماء من مياه العرب، فسألونى عن نسبى، فأخبرتهم أنى ابن عمك، ونشرت الحلّة فلبستها وتجمّلت بها، فتعلّقت بسمرة فانشقّت، وفتحت النّحيين فأطعمت منهما أهل الماء. فقال: أولى لك؛ ثم ساق مائة من الإبل، وخرج ومعه الغلام ليسقى الإبل، فعجز؛ فأعانه امرؤ القيس فرمى به الغلام في البئر، وخرج حتى أتى المرأة بالإبل فأخبرهم أنه زوجها، فقيل لها: قد جاء زوجك! فقالت: والله ما أدرى أزوجى هو أم لا؟ ولكن انحروا له جزورا وأطعموه من كرشها وذنبها، ففعلوا؛ فأكل ما أطعموه، قالت: اسقوه لبنا حازرا (وهو الحامض) فسقوه؛ فشرب، فقالت: افرشوا له عند الفرث والدم، ففرشوا له؛ فنام. فلما أصبحت أرسلت اليه: أريد أن أسألك عن ثلاث، قال: سلى عما بدا لك، فقالت: لم تختلج شفتاك؟

ص: 156

قال: من تقبيلى إياك! قالت: لم تختلج فخذاك؟ قال: لتورّكى إياك! قالت:

فلم يختلج كشحاك؟ قال: لالتزامى إياك! قالت: عليكم العبد! فشدّوا أيديكم به؛ ففعلوا؛ قال: ومرّقوم فاستخرجوا امرأ القيس من البئر، فرجع الى حيّه واستاق مائة من الإبل وأقبل الى امرأته. فقيل لها: قد جاء زوجك! فقالت: والله ما أدرى أزوجى هو أم لا؟ ولكن انحروا له جزورا وأطعموه من كرشها وذنبها، ففعلوا؛ فلما أتوه بذلك، قال: وأين الكبد والسّنام والملحاء؟ فأبى أن يأكل، فقالت:

اسقوه لبنا حازرا، فأتى به، فأبى أن يشربه وقال: أين الصّريف والرّثيئة؟ فقالت:

افرشوا له عند الفرث والدم، ففرشوا له؛ فأبى أن ينام وقال: افرشوا لى فوق التلعة الحمراء واضربوا عليها خباء، ثم أرسلت اليه: هلمّ شريطتى عليك في المسائل الثلاث، فأرسل اليها: سلينى عما شئت، فقالت: لم تختلج شفتاك؟ قال: لشرب المشعشعات؛ قالت: فلم يختلج كشحاك؟ قال: للبس الحبرات؛ قالت: فلم يختلج فخذاك؟

قال: لركض المطهّمات؛ قالت: هذا زوجى لعمرى! فعليكم به، واقتلوا العبد فقتلوه، ودخل امرؤ القيس بالجارية؛ قال ابن هبيرة: حسبكم! فلا خير فى الحديث في سائر الليلة بعد حديثك يا أبا عمرو ولن يأتينا أحد بأعجب منه، فقمنا فانصرفنا وأمر لى بجائزة.

وقيل: بعث نشامة بن الأعور العنبرىّ الى أهله بثلاثين شاة ونحى صغير فيه سمن، فسرق الرسول شاة، وأخذ من رأس النحى شيئا، فقال لهم الرسول: ألكم حاجة أخبره بها؟ فقالت امرأته: أخبره أنّ الشهر محاق، وأن جدينا الذى كان يطالعنا وجدناه مرثوما، فارتجع منه الشاة والسمن.

ص: 157

وقيل: أسرت طىّء غلاما، فقدم أبوه ليفديه، فاشتطّوا عليه. فقال أبوه:

لا والذى جعل الفرقدين يمسيان ويصبحان على جبلى طىّء! ما عندى غير ما بذلته، ثم انصرف وقال: لقد أعطيته كلاما إن كان فيه خير فهمه. كأنه قال: الزم الفرقدين على جبلى طىّء، ففهم الابن تعريضه وطرد إبلا لهم من ليلته ونجا.

ومن التخليص المتوسّط اليه بالكناية؛ ما روى عن عدىّ بن حاتم بن عبد الله الطائىّ، أنه قال يوما في حق الوليد بن عقبة بن أبى معيط: ألا تعجبون لهذا؟ أشعر بركا يولّى مثل هذا المصر، والله ما يحسن أن يقضى في تمرتين. فبلغ ذلك الوليد فقال على المنبر: أنشد الله رجلا سمّانى أشعر بركا إلا قام، فقام عدىّ بن حاتم فقال: أيها الأمير، إن الذى يقوم فيقول: أنا سمّيتك أشعر بركا لجرىء، فقال له: اجلس يا أبا طريف! فقد برّأك الله منها، فجلس وهو يقول: ما برأنى الله منها.

وقيل: كان شريح عند زياد بن أبيه وهو مريض، فلما خرج من عنده أرسل اليه مسروق رسولا وقال: كيف تركت الأمير؟ فقال: تركته يأمر وينهى، قال مسروق:

إنه صاحب مرض، فارجع اليه واسأله ما يأمر وينهى، قال: يأمر بالوصيّة وينهى عن النّوح.

خطب رجل الى قوم فجاءوا الى الشعبىّ يسألونه عنه، وكان به عارفا، فقال: هو والله ما علمت نافذ الطعنة، ركين الجلسة، فزوّجوه؛ فاذا هو خيّاط فأتوه فقالوا:

غررتنا فقال: ما فعلت وإنه لكما وصفت.

ص: 158

وخطب باقلانىّ الى قوم وذكر أن الشعبىّ يعرفه فسألوه فقال: إنه لعظيم الرماد، كثير الغاشية.

قيل: أخذ العسس رجلين فقال لهما: من أنتما؟ فقال أحدهما

أنا ابن الذى لا ينزل الدهر قدره

وإن نزلت يوما فسوف تعود

ترى الناس أفواجا الى ضوء ناره

فمنهم قيام حولها وقعود!

وقال الآخر

أنا ابن من تخضع الرقاب له

ما بين مخزومها وهاشمها

تأتيه بالذلّ وهى صاغرة

يأخذ من مالها ومن دمها!

فظنوهما من أولاد الأكابر، فلما أصبح سأل عنهما؛ فإذا الأول ابن طبّاخ والثانى ابن حجّام.

وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه للأحنف: أىّ الطعام أحبّ اليك؟

قال: الزّبد والكمأة. فقال: ما هما بأحبّ الطعام اليه، ولكنه يحبّ الخصب للمسلمين.

وقال لقمان لابنه: كل أطيب الطعام، ونم على أوطأ الفرش؛ كنّى عن إكبار الصيام، وإطالة القيام.

ومن جيّد التورية وغريبها مع توخّى الصدق في موطن الخوف: قول أبى بكر الصدّيق رضى الله عنه، وقد أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو رديفه عام الهجرة، فقيل له: من هذا يا أبا بكر؟ فقال: رجل يهدينى السبيل.

ص: 159

ورفع الى عبيد الله بن الحسن قاضى البصرة وصية لرجل بمال أمر أن تتّخذ به حصون. فقال: اشتروا به خيلا للسبيل، أما سمعتم قول النخعىّ

ولقد علمت على تجنبى الردى

أن الحصون الخيل لا مدر القرى

قيل كان البراء بن قبيصة صاحب شراب؛ فدخل على الوليد بن عبد الملك، وبوجهه أثر، فقال: ما هذا؟ قال فرس لى أشقر، ركبته فكبابى، فقال:

لو ركبت الأشهب لما كبابك؛ يريد الماء.

قال عبد الملك بن مروان لثابت بن الزبير: ما ثابت من الأسماء! ليس باسم رجل ولا امرأة، قال: يا أمير المؤمنين لا ذنب لى لو كان اسمى الىّ، لسمّيت نفسى زينب، يعرّض به؛ فإنه كان يعشق زينب بنت عبد الرحمن بن هشام فخطبها؛ فقالت: لا أوسّخ نفسى بأتى الذبّان.

قال نميرىّ لفقعسىّ: إنى أريد إتيانك فأجد على بابك جروا، فقال له الفقعسىّ:

اطرح عليه ترابا وادخل؛ أراد النميرىّ قول الشاعر

ينام الفقعسىّ وما يصلّى

ويخرى فوق قارعة الطريق

وأراد الفقعسىّ قول الآخر

ولو وطئت نساء بنى نمير

على ترب لخبّثن الترابا

قال عبد الله بن الزبير لامرأة عبد الله بن حازم السلمىّ: أخرجى المال الذى وضعته تحت استك، فقالت: ما ظننت أن أحدا يلى شيئا من أمور المسلمين يتكلّم بهذا، فقال بعض من حضر: أما ترون الخلع الخفىّ الذى أشارت اليه؟ فلما أخذ الحجّاج أمّ عبد الرحمن بن الأشعث تجنّب ما عيب على ابن الزبير، فكنّى عن المعنى فقال لها:

عمدت الى مال الله فوضعته تحت ذيلك.

ص: 160

ماتت للهذلىّ أمّ ولد، فأمر المنصور الربيع بأن يعزّيه ويقول له: إن أمير المؤمنين يوجّه اليك بجارية نفيسة لها أدب وظرف تسليك عنها، وأمر لك بفرس وكسوة وصلة؛ فلم يزل الهذلىّ يتوقّعها، ونسيها المنصور، ثم حجّ ومعه الهذلىّ فقال له وهو بالمدينة:

أحبّ أن أطوف الليلة في المدينة، وأطلب من يطوف بى فقال: أنا لها يا أمير المؤمنين؛ فطاف به حتى وصل الى بيت عاتكة فقال: يا أمير المؤمنين! وهذا بيت عاتكة الذى يقول فيه الأحوص

يا بيت عاتكة الذى أتعزّل

فأنكر المنصور ذكر بيت عاتكة من غير أن يسأله عنه؛ فلما رجع أمرّ القصيدة على خاطره فاذا فيها

وأراك تفعل ما تقول وبعضهم

مذق الحديث يقول ما لا يفعل

فتذكّر الموعد وأنجزه واعتذر اليه.

اجتمع الشعراء بباب أمير من أمراء العرب، فمرّ رجل بباز فقال رجل من بنى تميم لآخر من بنى نمير: هذا البازى! فقال النميرىّ: إنه يصيد القطا؛ عرّض الأوّل بقول جرير

أنا البازى المطلّ على نمير

أتيح من السماء لها انصبابا

وأراد الآخر قول الطرمّاح

تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا

ولو سلكت طرق المكارم ضلّت

قال عمر بن هبيرة الفزارىّ لأيوب بن ظبيان النميرىّ وهو يسايره: غضّ من بغلتك! فقال: إنها مكتوبة، أراد بن هبيرة قول جرير

فغضّ الطرف إنك من نمير

فلا كعبا بلغت ولا كلابا

ص: 161