الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقالوا: الجاهل رخىّ الذرع، خالى البال، عازب الهمّ، حسن الظن، لا يخطر خوف الموت بفكره، ولا يجرى ألم الإشفاق على ذكره.
وقالوا: الجهل مطيّة المراح والمسرة، ومسرح المزاح والفكاهة، وحليف الهوى والتصابى، وصاحبه في ذمام من عهدة اللوم والعتب، وأمان من قوارص الذمّ والسبّ؛ قال بعض الشعراء
ورأيت الهموم في صحّة العقل
…
فداويتها بإمراض عقلى
وقالوا: لو لم يكن من فضيلة الجهل، غير الإقدام، وورود الحمام، إذ هما من الشجاعة والبسالة، وسبب تحصيل المهابة والجلالة، لكفاه؛ قال أبو هلال العسكرىّ:
سألنى بعض الأدباء أىّ الشعراء أشدّ حمقا، قلت الذى يقول
أتيه على إنس البلاد وجنّها
…
ولو لم أجد خلقا لتهت على نفسى
أتيه فلا أدرى من التّيه من أنا
…
سوى ما يقول الناس فيّ وفي جنسى
فإن صدقوا أنى من الإنس مثلهم
…
فما فيّ عيب غير أنّى من الإنس
ذكر ما قيل في الكذب
قال الله عزّوجلّ: (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ)
. وقال: (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ)
وقال في الكاذبين: (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والكذب فإنّ الكذب يهدى إلى الفجور، والفجور يهدى إلى النّار» . وقال صلى الله عليه وسلم: «الكذب مجانب
الإيمان» . وقال صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كنّ فيه فهو منافق، وإن صلّى وصام وزعم أنه مسلم، من إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان» . وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يجوز الكذب في جدّ ولا هزل» وقال:
وقالت الحكماء: ليس لكاذب مروءة.
وقالوا: من عرف بالكذب لم يحسن صدقه.
وقال عبد الله بن عمر رضى الله عنهما: خلف الوعد ثلث النفاق.
وقال بعض الحكماء: الصدق منجيك وإن خفته، والكذب مرديك وإن أمنته.
قال عمرو بن العلاء القارىء: ساد عتبة بن ربيعة وكان مملقا، وساد أبو جهل وكان حدثا، وساد أبو سفيان وكان بخّالا، وساد عامر بن الطّفيل وكان عاهرا، وساد كليب بن وائل وكان ظلوما، وساد عيينة وكان محمّقا، ولم يسد قطّ كذاب، فصلح السؤدد مع الفقر والحداثة والبخل والعهر والظلم والحمق، ولم يصلح مع الكذب، لأن الكذب يعمّ الأخلاق كلّها بالفساد.
وقال يحيى بن خالد: رأيت شرّيب خمر نزع، ولصّا أقلع، وصاحب فواحش رجع، ولم أر كذابا رجع.
ويقال: الكذب مفتاح كلّ كبيرة، والخمر جماع كل شرّ.
وقيل: لا تأمننّ من يكذب لك أن يكذب عليك.
وقيل: الكذب والنفاق والحسد أثافىّ الذّلّ.
وقال ابن عباس: حقيق على الله أن لا يرفع للكاذب درجة، ولا يثبّت له حجة.
وقال سليمان بن سعد: لو صحبنى رجل وقال: لا تشترط على إلا شرطا واحدا لقلت: لا تكذبنى.
وقال أبو حيان التّوحيدىّ: الكذب شعار خلق، ومورد رنق، وأدب سيّىء، وعادة فاحشة، وقلّ من استرسل فيه إلا ألفه، وقلّ من ألفه إلا أتلفه.
وقال غيره: الكذب أوضع الرذائل خطة، وأجمعها للمذمّة والمحطّة، وأكبرها ذلّا فى الدنيا، وأكثرها خزيا في الآخرة، وهو من أعظم علامات النفاق، وأقوى الدلائل على دناءة الأخلاق والأعراق، لا يؤتمن حامله على حال، ولا يصدّق إذا قال.
وقيل: لكل شىء آفة، والكذب آفة النطق.
وقال بعض الكرماء: لو لم أدع الكذب تأثّما، لتركته تكرّما.
وقال أرسطا طاليس: فضّل الناطق على الأخرس بالنطق، وزين النطق الصدق، فإذا كان الناطق كاذبا، فالأخرس خير منه.
وقال بعض الحكماء لولده: يا بنىّ إياك والكذب، فأنه يزرى بقائله، وإن كان شريفا في أصله، ويذلّه وإن كان عزيزا في أهله.
وقال الأحنف بن قيس: اثنان لا يجتمعان: الكذب والمروءة.
وقال بزرجمهر: الكاذب والميت سواء، لأن فضيلة النطق الصدق، فإذا لم يوثق بكلامه بطلت حياته.
وقال معاوية يوما للأحنف: أتكذب؟ فقال: والله ما كذبت مذ علمت أن الكذب شين.
وقيل: لا يجوز للرجل أن يكذب لصلاح نفسه، فما عجز الصدق عن إصلاحه كان الكذب أولى بفساده. قال بعض الشعراء
ما أحسن الصدق والمغبوط قائله
…
وأقبح الكذب عند الله والناس
وقالوا: احذر مصاحبة الكذّاب، فان اضطررت إليها فلا تصدّقه ولا تعلمه أنك كذبته، فينتقل عن مودّته، ولا ينتقل عن كذبه.
وقال هرمس: اجتنب مصاحبة الكذاب، فإنك لست منه على شىء يتحصّل، وإنما أنت معه على مثل السّراب يلمع ولا ينفع.
وقيل: الكذّاب شرّ من النّمّام، فإن الكذّاب يختلق عليك، والنّمام ينقل عنك. قال شاعر
إن النّموم أغطّى دونه خبرى
…
وليس لى حيلة في مفترى الكذب
وقال آخر
لى حيلة فيمن ينم
…
وليس في الكذّاب حيلة
من كان يخلق ما يقو
…
ل فحيلتى فيه قليله
ووصف أعرابىّ كذابا فقال: كذبه مثل عطاسه، لا يمكنه ردّه.
وقال بعض الأعراب: عجبت من الكذّاب المشيد بكذبه، وإنما هو يدلّ الناس على عيبه، ويتعرّض للعقاب من ربّه، فالآثام له عادة، والأخبار عنه متضادّة، إن قال حقا لم يصدّق، وإن أراد خيرا لم يوفّق، فهو الجانى على نفسه بفعاله، والدّالّ على فضيحتها بمقالة، فما صحّ من صدقه نسب إلى غيره، وما صحّ من كذب غيره نسب إليه.
ويقال: الكذب جماع النفاق، وعماد مساوىء الاخلاق، عار لازم، وذلّ دائم، يخيف صاحبه نفسه وهو آمن، ويكشف ستر الحسب عن لؤمه الكامن، وقال بعض الشعراء
لا يكذب المرء إلا من مهانته
…
أو عادة السوء أو من قلّة الورع
وقال الأصمعىّ: قيل لرجل معروف بالكذب. هل صدقت؟ قال: أخاف أن أقول: «لا» فأصدق. وآفة الكذب النسيان. قال شاعر
ومن آفة الكذّاب نسيان كذبه
…
وتلقاه ذا دهى إذا كان كاذبا
وقال علىّ بن اللّحام شاعر اليتيمة
تكذب الكذبة يوما
…
ثم تنساها قريبا
كن ذكورا يا أبا يحيى
…
إذا كنت كذوبا
وقال أبو تمّام
يا أكثر الناس وعدا حشوه خلف
…
وأكثر الناس قولا حشوه كذب
وقال أحمد بن محمّد بن عبد ربّه
صحيفة أفنيت «ليت» بها و «عسى»
…
عنوانها راحة الراجى إذا يئسا
وعد له هاجس في القلب قد برمت
…
أحشاء صدرى به من طول ما هجسا
يراعة غرّنى منها وميض سنا
…
حتى مددت إليها الكفّ مقتبسا
فصادفت حجرا لو كنت تضربه
…
من لؤمه بعصا موسى لما انبجسا
وقال آخر
وتقول لى قولا أظنّك صادقا
…
فأحىء من طمع اليك وأذهب
فإذا اجتمعت أنا وأنت بمجلس
…
قالوا مسيلمة وهذا أشعب