الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال آخر
قامت تشجّعنى هند فقلت لها:
…
إن الشجاعة مقرون بها العطب
لا والذى منع الأبصار رؤيته
…
ما يشتهى الموت عندى من له أرب
للحرب قوم أضل الله سعيهم
…
إذا دعبتهم إلى نيرانها وثبوا
وقيل لجبان في بعض الوقائع: تقدّم، فقال
وقالوا: تقدّم قلت: لست بفاعل
…
أخاف على فخّارتى أن تحطّما
فلو كان لى رأسان أتلفت واحدا
…
ولكنه رأس إذا زال أعقما
وأونتم أولادا وأرمل نسوة
…
فكيف على هذا ترون التقدّما؟
ذكر ما قيل في الحمق والجهل
قالوا: الحمق قلّة الإصابة، ووضع الكلام في غير موضعه، وقيل: هو فقدان ما يحمد من العاقل؛ وقيل لعمر بن هبيرة: ما حدّ الحمق؟ قال: لا حدّ له كالعقل.
وروى عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الأحمق أبغض الخلق إلى الله، لأنّه حرمه أعزّ الأشياء عليه وهو العقل» .
وقيل: أوحى الله تعالى إلى موسى، أتدرى لم رزقت الأحمق؟ قال: لا يا ربّ، قال: ليعلم العاقل أن طلب الرزق ليس بالاجتهاد.
وقال الشعبىّ: إذا أراد الله أن يزيل عن عبد نعمة، كان أوّل ما يعدمه عقله.
وقالوا: الحمق داء دواؤه الموت. وقد بيّن الله تعالى لحبيبه من لم يعقل بقوله (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا)
قيل: عاقلا، وبقوله (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) .
وعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: أثنى قوم على رجل عند النبىّ صلى الله عليه وسلم حتى بالغوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كيف عقل الرجل؟» فقالوا: نخبرك عن اجتهاده في العبادة وأصناف الخير وتسألنا عن عقله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الأحمق يصيب بحمقه أعظم من فجور الفاجر، وترتفع العباد غدا في الدرجات على قدر عقولهم» .
ومن كلام لقمان لابنه: أن تكون أخرس عاقلا خير من أن تكون نطوقا جاهلا، ولكل شىء دليل، ودليل العقل النقل، ودليل النقل الصمت، وكفى بك جهلا أن تنهى الناس عن شىء وتركبه.
وقال عيسى عليه السلام: عالجت الأكمه والأبرص فأبرأتهما، وعالحت الأحمق فأعيانى؛ قال شاعر
لكل داء دواء يستطبّ به
…
إلا الحماقة أعيت من يداويها
وقال آخر
وعلاج الأبدان أيسر خطب
…
حين تعتلّ من علاج العقول
وقال آخر
الحمق داء ما له حيلة
…
ترجى كبعد النجم من مسّه
وقيل: إذا قيل لك إن فقيرا استغنى، وغنيّا افتقر، وحيّا مات، أو ميتا عاش، فصدّق، وإذا بلغك أن أحمق استفاد عقلا فلا تصدّق.
وقالوا: الأحمق لتمنى أمّه أنّها به مشكلة، ولتمنى زوجه أنّها منه أرملة، ويتمنى جاره منه العزلة، ورفيقه منه الوحشة، وأخوه منه الفرقة.
وقال سهل بن هارون: وجدت مودّة الجاهل، وعداوة العاقل، أسوة في الخطر، ووجدت الأنس بالجاهل، والوحشة من العاقل، سيّين في العيب، ووجدت غشّ العاقل أقلّ ضررا من نصيحة الجاهل، ووجدت ظنّ العاقل أوقع بالصواب من يقين الجاهل، ووجدت العاقل أحفظ لما لم يستكتم من الجاهل لما استكتم.
وقال لقمان لابنه: لا تعاشر الأحمق وإن كان ذا جمال، وانظر إلى السيف ما أحسن منظره وأقبح أثره! وقال علىّ رضى الله عنه: قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل؛ وقال: صديق الجاهل في تعب.
وقال آخر: لأنا للعاقل المدبر، أرجى شىء من الأحمق المقبل، وقال شاعر
عدوّك ذو العقل خير من الصّديق
…
لك الوامق الأحمق
والبيت المشهور السائر
ولأن يعادى عاقلا خير له
…
من أن يكون له صديق أحمق
وقيل: الحمق يسلب السلامة، ويورث الندامة؛ وقد ذمّوا من له أدب بلا عقل.
ووصف أعرابىّ رجلا فقال: هو ذو أدب وافر، وعقل نافر؛ قال شاعر
فهبك أخا الآداب، أىّ فضيلة
…
تكون لذى علم وليس له عقل؟
ومن صفات الأحمق وعلاماته، قيل: ما أعدمك من الأحمق فلا يعدمك منه كثرة الالتفات وسرعة الجواب، ومن علاماته الثقة بكلّ أحد.
ويقال: إنّ الجاهل مولع بحلاوة العاجل، غير مبال بالعواقب، ولا معتبر بالمواعظ، ليس يعجبه إلا ما ضرّه، إن أصاب فعلى غير قصد، وإن أخطأ فهو الذى لا يحسن به غيره، لا يستوحش من الإساءة، ولا يفرح بالإحسان.
وقالوا: ستّ خصال تعرف في الجاهل، الغضب من غير شىء، والكلام في غير نفع، والفطنة في غير موضع، ولا يعرف صديقه من عدوّه، وإفشاء السرّ، والثّقة بكلّ أحد.
وقالوا: غضب الجاهل في قوله، وغضب العاقل في فعله، والعاقل إذا تكلّم بكلمة أتبعها مثلا، والأحمق إذا تكلم بكلمة أتبعها خلفا، الأحمق إذا حدّث ذهل، وإذا تكلم عجل، وإذا حمل على القبيح فعل.
وقال أبو يوسف: إثبات الحجة على الجاهل سهل، ولكن إقراره بها صعب.
وقال وهب بن منبّه: كان يقال للأحمق إذا تكلّم: فضحه حمقه، وإذا سكت فضحه عيّه، وإذا عمل أفسد، وإذا ترك أضاع، لا علمه يعينه، ولا علم غيره ينفعه، تودّ أمّه أنها ثكلته، وتتمنى امرأته أنها عدمته، ويتمنى جاره منه الوحدة، وتأخذ جليسه منه الوحشة.
ويستدلّ على الأحمق بأشياء، قالوا: من طالت قامته، وصغرت هامته، وانسدلت لحيته، كان حقيقا على من يراه أن يقرئه عن عقله السلام.
ويقال في التوراة: اللحية مخرجها من الدّماغ، فمن أفرط عليه طولها قلّ دماغه، ومن قلّ دماغه قلّ عقله، ومن قلّ عقله فهو أحمق.
وقالت أعرابيّة لقاض قضى عليها: صغر رأسك، فبعد فهمك، وانسدلت لحيتك، فتكوسج عقلك، وما رأيت ميتا يقضى بين حيين غيرك.
وقال مسلمة بن عبد الملك لجلسائه: يعرف حمق الرجل في أربع، طول لحيته، وبشاعة كنيته، وإفراط شهوته، ونقش خاتمه، فدخل عليه رجل طويل اللحية، فقال: أمّا هذا فقد أتاكم بواحدة، فانظروا أين هو من الثّلاث؟ فقيل له: ما كنيتك؟
فقال: أبو الياقوت، فقيل له: ما نقش خاتمك؟ فقال: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ)
قيل: فأىّ الطعام أحبّ إليك؟ قال: الجلنجبين «1» ، فقال مسلمة:
فيه ما بعد كنيته، مع طول لحيته، مع نقش خاتمه، شك لمعتبر.
قال الشّعبىّ: خطب الحجاج يوم جمعة فأطال، فقام إليه أعرابىّ، فقال له:
إن الوقت لا ينتظرك وإنّ الربّ لا يعذرك، فأمر به فحبس، فأتاه أهله يشفعون فيه وقالوا: إنه مجنون، فقال الحجاج: إن أقرّ بالجنون خليت سبيله، فأتوه وسألوه ذلك، فقال: لا والله، لا أقول إن الله ابتلانى وقد عافانى، فبلغ كلامه الحجاج، فعظم في نفسه وأطلقه.
وقال الأصمعىّ: قلت لغلام من أبناء العرب: أيسرّك أن يكون لك مائة ألف وأنت أحمق؟ قال: لا والله، قلت: ولم؟ قال: أخاف أن يجنى علىّ حمقى جناية، فتذهب منّى، ويبقى حمقى.
والعرب تضرب المثل في الحمق بعجل بن لجيم، ويزعمون أنّه قيل له: إنّ لكل فرس جواد اسما، وإنّ فرسك هذا سابق فسمّه، ففقأ عينه وقال: سميته الأعور، وفيه يقول الشاعر
رمتنى بنو عجل بداء أبيهم
…
وهل أحد في الناس أحمق من عجل؟
أليس أبوهم عار «1» عين جواده؟
…
فسارت به الأمثال في الناس بالجهل!
ويضربون المثل في الحمق بهبنّقة القيسىّ، وهو يزيد بن ثروان، ويكنى أبا نافع، حكى أنه شرد له بعير، فقال: من جاء به فله بعيران، فقيل له: أتجعل في بعير بعيرين؟ فقال: إنكم لا تعرفون فرحة الوجدان.
وقد رضى قوم بالجهل فقالوا: ضعف العقل أمان من الغمّ؛ وقالوا: ما سرّ عاقل قطّ؛ قال أبو الطيّب المتنبى
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
…
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
وقال حكيم: ثمرة الدنيا السرور، ولا سرور للعقلاء؛ وقال المغيرة بن شعبة:
ما العيش إلّا في إلقاء الحشمة. وقال بكر بن المعتمر: إذا كان العقل سبعة أجزاء احتاج الى جزء من جهل ليقدم على الأمور، فإنّ العاقل أبدا متوان مترقبّ متوقّف متخوّف؛ قال النابغة الجعدىّ
ولا خير في حلم إذا لم تكن له
…
بوادر تحمى صفوه أن يكدّرا
وقال آخر
من راقب الناس لم يظفر بحاجته
…
وفاز بالطيّبات الفاتك اللهج
أخذه آخر فقال
من راقب الناس مات غمّا
…
وفاز باللذّة الجسور
وقالوا: الجاهل ينال أغراضه، ويظفر بأرائه، ويطيع قلبه، ويجرى في عنان هواه، وهو برىء من اللوم، سليم من العيب، مغفور الزّلّات.