الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن الرومىّ
وفارس أجبن من صفرد «1»
…
يحول أو يغور من صفره
لو صاح في الليل به صائح
…
لكانت الأرض له طفره
يرحمه الرحمن من جبنه
…
فيرزق الجند به النصره
ومن أخبار الفرّارين الذين حسّنوا الفرار على قبحه
قال صاحب كلبلة ودمنة: إن الحازم يكره القتال ما وجد بدّا منه، لأن النفقة فيه من النفس، والنفقة في غيره من المال.
وقالوا: من توقّى سلّم، ومن تهوّر ندم.
وقال عبد الله بن المقفّع: الشجاعة متلفة، وذلك أن المقتول مقبلا أكثر من المقتول مدبرا، فمن أراد السلامة فليؤثر الجبن على الشجاعة.
وليم بعض الجبناء على جبنه، فقال: أوّل الحرب شكوى، وأوسطها نجوى، وآخرها بلوى.
وقال آخر: الحرب مقتلة للعباد، مذهبة للطارف والتّلاد.
وقيل لجبان: لم لا تقاتل؟ فقال: عند النطاح يغلب الكبش الأجمّ «2» .
وقالوا: الحياة أفضل من الموت، والفرار في وقته ظفر.
وقالوا: الشجاع ملقّى، والجبان موقّى. قال البديع الهمذانىّ
ما ذاق همّا كالشجاع ولا خلا
…
بمسرّة كالعاجز المتوانى
وقالوا: الفرار في وقته، خير من الثبات في غير وقته.
وقالوا: السّلم أزكى للمال، وأبقى لأنفس الرّجال.
وقالوا: الحمام في الإقدام، والسلامة في الإحجام.
وقال المتوكّل لأبى العيناء: إنى لأفرق من لسانك، فقال: يا أمير المؤمنين، الكريم ذو فرق وإحجام، واللئيم ذو وقاحة وإقدام.
وقيل لأعرابىّ: ألا تعرف القتال؟ فإن الله قد أمرك به، فقال: والله إنى لأبغض الموت على فراشى في عافية، فكيف أمضى إليه ركضا؛ قال شاعر
تمشى المنايا الى قوم فأبغضها
…
فكيف أعدو إليها عارى الكفن؟
وقيل ليزيد: إن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيت شخصا بالليل، فكن للإقدام عليه أولى منه عليك» فقال: أخاف أن يكون قد سمع الحديث قبلى، فأقع معه فيما أكره، وإنما الهرب خير.
وسمع سليمان بن عبد الملك قارئا يقرأ (قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتّعون إلّا قليلا) فقال: ذلك القليل نريد.
ولما فرّ أميّة بن عبد الله بن خالد بن أسد يوم مرداء هجر بالبحرين من أبى فديك الخارجىّ إلى البصرة، ودخل عليه أهلها، فلم يدروا كيف يكلّمونه ولا ما يلقونه به من القول، أيهنئونه بالسّلامة أم يعزّونه بالفرار، حتى دخل عبد الله ابن الأهتم، فاستشرف الناس له، ثم قالوا: ما عسى أن يقول لمنهزم؟ فسلّم ثم قال:
مرحبا بالصابر المخذول، الحمد لله الذى نظر لنا عليك، ولم ينظر لك علينا، فقد تعرضت للشهادة جهدك، ولكن الله علم حاجة أهل الإسلام إليك فأبقاك لهم بخذلان من معك لك، فقال أميّة: ما وجدت أحدا أخبرنى عن نفسى غيرك.
وقال الحارث بن هشام وأحسن في اعتذاره عن الفرار
الله يعلم ما تركت قتالهم
…
حتى علوا مهرى بأشقر مزبد
وعلمت أنّى إن أقاتل واحدا
…
أقتل ولا يضرر عدوّى مشهدى
فصدفت عنهم والأحبّة فيهم
…
طمعا لهم بعقاب يوم سرمد
وقال زفر بن الحارث وقد فرّ يوم مرج راهط عن رفيقيه
أيذهب يوم واحد إن أسأته
…
بصالح أيامى وحسن بلائيا؟
فلم تر منّى زلّة قبل هذه
…
فرارى وتركى صاحبىّ ورائيا
وهى أبيات نذكرها إن شاء الله في التاريخ، ونظير ذلك قول عمرو بن معد يكرب من أبيات يخاطب بها أخته ريحانة، وقد فرّ من بنى عبس
أجاعلة أمّ النّوير خزاية
…
علىّ فرارى إذا لقيت بنى عبس
وليس يعاب المرء من جبن يومه
…
إذا عرفت منه الحماية بالأمس
وعكس هذا البيت عبد الله بن مطيع بن الأسود العدوىّ، وكان قد فرّ يوم الحرّة من جيش مسلم بن عقبة، فلما حاصر الحجاج عبد الله بن الزبير بمكة جعل يقاتل أهل الشّام ويرتجز
أنا الذى فررت يوم الحرّة
…
والشيخ لا يفرّ إلا مرّة
فاليوم أجزى كرّة بفرّه
…
لا بأس بالكرّة بعد الفرّه
ولم يزل يقاتل حتى قتل؛ قال الفرّار السّلمىّ.
وفوارس لبّستها بفوارس
…
حتى إذا التبست أملت بها يدى
وتركتهم نقض الرّماح ظهورهم
…
من بين مقتول وآخر مسند
هل ينفعنّى أن تقول نساؤهم
…
وقتلت دون رجالهم: لا تبعد؟