الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن الباقى لكم عندى سبعة آلاف ألف؟ قال أحسبك اعترفت بأكثر منها، فقال:
ما اعترفت إلا بها، فقال: هات خطك بما اعترفت به، فكتب بستة آلاف ألف فقال أحمد: سبحان الله! أليس قد اعترفت بأكثر من هذا؟ قال: ما لكم قبلى إلا هذا المقدار، فأخذ خطه بها وتقدّم الخادم، فأخبر المأمون بما جرى، فلما ورد أحمد ناوله الخط، فقال: قد عرفنا ما كان من الألف ألف بتناول الغداء؛ فما بال الألف ألف الأخرى، فكان المأمون بعد ذلك يقول: ما أعلم غداء قام على أحد بألفى ألف إلا غداء دينار، واقتصر على الخط ولم يتعقبه كرما ونبلا.
ومنهم أبو العالية، حكى أن امرأة حملت فحلفت إن ولدت غلاما لأشبعنّ أبا العالية خبيصا، فولدت غلاما، فأطعمته، فأكل سبع جفان، فقيل له: إنها حلفت أن تشبعك خبيصا، فقال: والله لو علمت لما شبعت إلى الليل.
ومنهم أبو الحسن بن أبى بكر العلّاف الشاعر دخل يوما على الوزير المهلّبى ببغداد، فأنفذ الوزير من أخذ حماره الذى كان يركبه من غلامه، وأدخل المطبخ وذبح وطبخ لحمه بماء وملح، وقدّم بين يديه، فأكله كلّه وهو يظن أنه لحم بقر، فلما خرج طلب الحمار، قيل له: قد أكلته، وعوّضه الوزير عنه ووصله، فهذا كاف في أخبار الأكلة.
ذكر ما قيل في الجبن والفرار
ومن أقبح ما هجى به الرجل أن يكون جبانا فرّارا، وقد نهانا الله عزّوجل عن الفرار، فقال: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ
وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)
. وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) .
وقالت عائشة رضى الله عنها: إن لله خلقا، قلوبهم كقلوب الطير، كلما خفقت الريح خفقت معها، فأفّ للجبناء، أفّ للجبناء.
وقال خالد بن الوليد عند موته: لقيت كذا وكذا زحفا، وما في جسدى موضع إلا فيه طعنة برمح أو ضربة بسيف أو رمية بسهم، وهأنذا أموت على فراشى حتف أنفى، كما يموت العير، فلا نامت أعين الجبناء.
وقيل كتب زياد إلى ابن عباس: أن صف لى الشجاعة والجبن والجود والبخل فكتب إليه: كتبت تسألنى عن ضائع ركّبت في الإنسان تركيب الجوارح، اعلم أن الشجاع يقاتل عمن لا يعرفه، ولجبان يفرّ عن عرسه، وأن الجواد يعطى من لا يلزمه، وأن البخيل يمسك عن نفسه؛ وقال شاعر
يفرّ جبان القوم عن عرس نفسه
…
ويحمى شجاع القوم من لا يناسبه
وقالوا: الجبن غريزة كالشجاعة بضعها الله فيمن شاء من خلقه.
قال المتنبى
يرى الجبناء آن الجبن حزم
…
وتلك خديعة الطبع اللئيم
وقالوا: حدّ الجبن الضنّ بالحياة، والحرص على النجاة.
وقالت الحكماء في الفراسة: من كانت فزعته في رأسه، فذاك الذى يفرّ من أمّه وأبيه، وصاحبته وأخيه، وفصيلته التى تؤويه.
ويقال: أسرع الناس إلى الفتنة أقلّهم حياء من الفرار. وقال هانىء الشيبانىّ لقومه يوم ذى قار يحرّضهم على القتال: يا بنى بكر! هالك معذور، خير من ناج
فرور، المنيّة، ولا الدّنيّة، استقبال الموت خير من استدباره، الثغر في ثغور النحور، خير منه في الأعجاز والظهور، يا بنى بكر! قاتلوا، فما من المنايا بدّ، الجبان مبغّض حتّى لأمّه، والشجاع محبّب حتّى لعدوّه.
ويقال: الجبن خير أخلاق النساء، وشرّ أخلاق الرجال.
وقال يعلى بن منبّه لقومه حين فروا من علىّ يوم صفّين: إلى أين؟ قالوا: ذهب الناس، قال: أفّ لكم! فرارا واعتذارا! قال: ولما قوتل أبو الطيّب المتنبى ورأى الغلبة عليه فرّ، فقال له غلامه: أترضى أن يحدّث بهذا الفرار عنك؟ وأنت القائل
الخيل والليل والبيداء تعرفنى
…
والطّعن والضّرب والقرطاس والقلم
فكّر راجعا، وقاتل حتى قتل، واستقبح أن يعيّر بالفرار.
وقال المنصور لبعض الخوارج عليه وقد ظفر به: أخبرنى عن أصحابى، أيهم كان أشدّ إقداما في المبارزة، قال: لا أعرف وجوههم مقبلين وإنما أعرف أقفيتهم مدبرين، فقل لهم: يدبروا لأعرفك أيّهم كان أشدّ فرارا.
وقال ابن الرّومىّ في سليمان بن عبد الله بن طاهر
قرن سليمان قد أضرّ به
…
شوق إلى وجهه سيدنفه
لا يعرف القرن وجهه ويرى
…
قفاه من فرسخ فيعرفه
وقال حسّان بن ثابت يعيّر الحارث ابن هشام بفراره يوم بدر
إن كنت كاذبة الذى حدثتنى
…
فنجوت منجى الحارث بن هشام
ذاك لأحبّة لم يقاتل دونهم
…
ونجا برأس طمرّة ولجام
ملأت به الفرجين فارمدّت به
…
وثوى أحبّته بشرّ مقام
وقال أبو الفرج الأصفهانىّ: وكان أبو حيّة النميرىّ وهو الهيثم بن الربيع ابن زرارة جبانا بخيلا كذّابا، قال ابن قتيبة: وكان له سيف يسمّيه: لعاب المنية، ليس بينه وبين الخشبة فرق، قال: وكان أجبن الناس؛ قال: فحدثنى جار له، قال: دخل ليلة إلى بيته كلب فظنه لصّا، فأشرفت عليه، وقد انتضى سيفه، وهو واقف في وسط الدار يقول: أيها المغترّبنا، المجترىء علينا، بئس والله ما اخترت لنفسك، خير قليل، وسيف صقيل، لعاب المنية الذى سمعت به، مشهورة ضربته، لا تخاف نبوته، أخرج بالعفو عنك قبل أن أدخل بالعقوبة عليك، إنى والله إن أدع قيسا إليك لا تقم لها، وما قيس؟ تملأ والله الفضاء خيلا ورجلا، سبحان الله! ما أكثرها وأطيبها! فبينا هو كذلك، إذا الكلب قد خرج، فقال: الحمد لله الذى مسخك كلبا، وكفانا حربا.
ومن أبلغ ما قيل في الجبن من الشعر القديم، قول الشاعر
ولو أنها عصفورة لحسبتها
…
مسوّمة تدعو عبيدا وأرنما «1»
ومثله قول عروة بن الورد
وأشجع قد أدركتهم فوجدتهم
…
يخافون خطف الطير من كلّ جانب
وقال آخر
ما زلت تحسب كلّ شىء بعدهم
…
خيلا تكرّ عليهم ورجالا
وقول أبى تمام
موكّل بيفاع الأرض يشرفه
…
من خفة الخوف لا من خفّة الطّرب