الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما قال لى ويلك قبلها: نزّه سمعك عن استماع الخنا، كما تنزّه لسانك عن الكلام به، فإن السامع شريك القائل، وإنه عمد إلى شرّ ما في وعائه، فأفرغه في وعائك، ولو ردّت كلمة جاهل في فيه، لسعد رادّها، كما شقى قائلها، وقد جعله الله تعالى شريك القائل، فقال:(سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) .
ومما قيل في الغيبة والنّميمة
،
روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا قلت في الرجل ما فيه فقد اغتبته وإذا قلت ما ليس فيه فقد بهتّه» .
اغتاب رجل رجلا عند قتيبة بن مسلم، فقال له: أمسك عليه أيّها الرجل، والله لقد تلمظت بمضغة طالما لفظتها الكرام.
وذكر في مجلسه رجل، فنال منه بعض جلسائه، فقال له: يا هذا أوحشتنا من نفسك، وأيأستنا من مودّتك، ودللتنا على عورتك.
واغتاب رجل عند بعض الأشراف، فقال له: قد استدللت على كثرة عيوبك، بما تذكر من عيب الناس، لأن الطالب للعيوب، إنما يطلبها بقدر ما فيه منها، أما سمعت قول الشاعر
لا تهتكن من مساوى الناس ما ستروا
…
فيهتك الله سترا من مساويكا
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا
…
ولا تعب أحدا منهم بما فيكا
وقال ابن عبّاس رضى الله عنهما اذكر أخاك إذا غاب عنك بما تحبّ أن يذكرك به، ودع منه ما تحبّ أن يدع منك.
وقال بعض الملوك لولده وهو ولىّ عهده: يا بنىّ ليكن أبغض رعيتك إليك، أشدّهم كشفا لمعايب الناس عندك، فإنّ في الناس معايب وأنت أحق بسترها، وإنما تحكم فيما ظهر لك، والله يحكم فيما غاب عنك، وأكره للناس ما تكرهه لنفسك، واستر العورة، يستر الله عليك، ما تحبّ ستره، ولا تعجّل الى تصديق ساع، فإن الساعى غاشّ، وإن قال قول نصح.
ووشى واش برجل الى الإسكندر فقال له: أتحبّ أن نقبل منك ما قلت فيه، على أن نقبل منه ما يقول فيك؟ قال: لا، قال: فكفّ عن الشر، نكفّ عنك.
وقال ذو الرّياستين: قبول النميمة، شرّ من النميمة، لأن النميمة دلالة، والقبول إجازة، وليس من دلّ على شىء، كمن قبله وأجازه.
قال أبو الأسود الدّؤلىّ
لا تقبلنّ نميمة بلّغتها
…
وتحفظنّ من الذى أنباكها
إن الذى أهدى إليك نميمة
…
سينمّ عنك بمثلها قد حاكها
وقال رجل لعمرو بن عبيد: إن الأساورىّ لم يزل يذكرك، ويقول: الضآلّ، فقال عمرو: يا هذا! والله ما راعيت حقّ مجالسته، حتّى نقلت إلينا حديثه، ولا راعيت حقّى، حين أبلغتنى عن أخى ما أكرهه، اعلم أن الموت يعمّد، والبعث يحشرنا، والقيامة تجمعنا، والله يحكم بيننا.
وقال معاوية للأحنف في شىء بلغه عنه، فأنكره الأحنف: بلّغنى عنك الثقة، فقال الأحنف: إن الثقة لا يبلّغ.
قال بعض الشعراء
لعمرك ما سبّ الأمير عدوّه
…
ولكنما سبّ الأمير المبلّغ
وقال ابن المعتزّ: الساعى كاذب لمن سعى إليه، خائن لمن سعى عليه.
وقالوا: النّمام، شرّ من الساحر، فإن النمام، يفسد في الساعة الواحدة، ما لا يفسد الساحر في المدة الطويلة.
وقالوا: النميمة، من الخلال الذميمة، تذلّ على نفس سقيمة، وطبيعة لئيمة، مشغوفة بهتك الأستار، وإفشاء الأسرار.
وقال بعض الحكماء: الأشرار يتتبعون مساوىء الناس، ويتركون محاسنهم، كما يتتبع الذباب المواضع الألمة من الجسد، ويترك الصحيحة.
وقالوا: لم يمش ماش، شرّ من واش. والساعى بالنميمة، كشاهد الزّور، يهلك نفسه، ومن سعى به، ومن سعى اليه.
وقالوا: حسبك من شرّ سماعه. وقد لهج الشعراء بذمّ النمام، وجعلوه من أهاجيهم.
قال بعض الشعراء
من نمّ في الناس لم تؤمن عقاربه
…
على الصديق ولم تؤمن أفاعيه
كالسّيل بالليل لا يدرى به أحد
…
من أين جاء ولا من أين يأتيه
وقال السّرىّ الرّفّاء
أنمّ بما استودعته من زجاجة
…
ترى الشىء فيها ظاهرا وهو باطن