الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يحضر ما استطاع، قال: فأين تنزل؟ قال: حيث أضع قدمى، قال: ابن من أنت» قال ابن أبى وأمى، قال: فكم أتى عليك؟ قال: ليال وأيام، والله أعلم بعدها، قال: هيهات، أعيت فيك حيلتى، ما اتعب بعد اليوم أبدا.
ذكر ما قيل في الوفاء والمحافظة والأمانة
قال الله عزّوجلّ: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا)
. وقال تعالى:
(وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) .
وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها)
. وقال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) .*
وروى: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبى بكر الصدّيق رضى الله عنه:
عليك بصدق الحديث، ووفاء العهد، وحفظ الأمانة، فإنها وصيّة الأنبياء.
كان أبو العاص بن الربيع بن عبد العزّى بن عبد شمس، ختن «1» رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنته زينب، تاجرا تضاربه قريش بأموالهم، فخرج الى الشام سنة الهجرة، فلما قدم، عرض له المسلمون، وأسروه، وأخذوا ما معه، وقدموا به المدينة ليلا، فلما وصلوا الفجر، قامت زينب على باب المسجد، فقالت:
يا رسول الله، قد أجرت أبا العاص وامعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قد أجرنا من أجرت ودفع اليه ما أخذوه منه، وعرض عليه الإسلام، فأبى، وخرج الى مكّة، ودعا قريشا، فأطعمهم، ثم دفع اليهم أموالهم، ثم قال: هل وفيت؟
قالوا: نعم، قد أدّيت الأمانة ووفيت، قال: اشهدوا جميعا، إنى أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وما منعنى أن أسلم إلا أن يقولوا: أخذ أموالنا، ثمّ هاجر، فأقرّه رسول الله صلى الله عليه وسلم على النكاح، وتوفّى في سنة اثنتى عشرة.
وقيل لمّا قوى أمر بنى العباس وظهر، قال مروان بن محمد لعبد الحميد بن يحيى كاتبه: إنّا نجد في الكتب، أن هذا الأمر زائل عنا لا محالة، وسيظهر اليك هؤلاء القوم، يعنى ولد العباس، فصر اليهم، فإنى لأرجو أن تتمكن منهم، فتنفعنى فى مخلفى، وفي كثير من أمورى، فقال: وكيف لى بعلم الناس جميعا أن هذا عن رأيك، وكلّهم يقول: إنى غدرت بك، وصرت الى عدوّك؟ وأنشد
أسرّ وفاء ثم أظهر غدرة
…
فمن لى بعذر يوسع الناس ظاهره
ثم قال
ولؤم ظاهر لا شكّ فيه
…
للأئمة وعذرى بالمعيب
فلما سمع مروان ذلك، علم أنه لا يفعل، ثم قال له عبد الحميد: إن الذى أمرتنى به، لأنفع الأمرين لك، وأقبحهما بى، ولك علىّ الصبر معك، الى أن يفتح الله عليك، أو أقتل معك.
والعرب تضرب المثل في الوفاء بالسموءل بن عادياء الأزدىّ، وقيل: إنه من ولد الكاهن بن هارون بن عمران، وكان من خبره، أن امرأ القيس بن حجر، أودعه أدراعا مائة، فأتاه الحارث بن ظالم، ويقال الحارث بن أبى شمر الغسّانىّ، ليأخذها منه، فتحصّن منه السموءل، فأخذ ابنا له غلاما وناداه: إما أن أسلمت إلىّ الأدرع، وإما أن قتلت ابنك، فأبى أن يسلمها، فقتل ابنه بالسيف، ففى ذلك يقول
وفيت بأدرع الكندىّ، إنى
…
اذا ما القوم قد غدروا وفيت
وأوصى عاديا يوما بأن لا
…
تهدّم يا سموءل ما بنيت
وفيه يقول الأغشى
كن كالسموءل إذ طاف الهمام به
…
فى جحفل كسواد الليل جرّار
الأبلق الفرد من تيماء منزله
…
حصن حصين وجار غير غدّار
قد سامه خطّتى خسف فقال له:
…
قل ما بدا لك إنى سامع حار
فقال: ثكل وغدر أنت بينهما
…
فاختر وما فيهما حظّ لمختار
فحار غير طويل ثم قال له:
…
أقتل أسيرك إنّى مانع جارى
ومن وفاء العرب، ما فعله هانىء بن مسعود الشّيبانىّ، حتى جرّ ذلك يوم ذى قار، وكان من خبره: أن النعمان بن المنذر لما خاف كسرى، وعلم أنه لا منجأ منه ولا ملجأ، رأى أن يضع يده في يده، فأودع ماله وأهله عند هانىء*، ثمّ أتى كسرى فقتله، وأرسل الى هانىء يطالبه بوديعة النعمان، وقال له: إن النعمان كان عاملى، فابعث الىّ بوديعته، وإلا بعثت اليك بجنود تقتل المقاتلة وتسبى الذّرّية، فبعث اليه هانىء: أن الذى بلغك باطل، وإن يكن الأمر كما قيل، فأنا أحد رجلين، إما رجل استودع أمانة، فهو حقيق أن يردّها على من استودعه إياها، ولن يسلّم الحرّ أمانته، أو رجل مكذوب عليه، وليس ينبغى للملك أن يأخذه بقول عدوّ، فبعث كسرى اليه الجنود، وعقد لإياس بن قبيصة على جميع العرب، وبعث معه الكتيبة الشّهباء والأساورة «1» ، فلما التقوا، قام هانىء بن مسعود، وحرّض قومه على القتال، وجرى بينهم حروب كثيرة ليس هذا موضع ذكرها، وسنذكرها إن شاء الله في وقائع العرب، فانتصر هانىء وانهزمت الفرس، وكانت وقعة مشهورة، قيل: وكان مرداس في سجن عبيد الله بن زياد بن أبيه، فقال له السجّان: أنا أحبّ أن أوليك حسنة، قال:
فإن أذنت لك في الانصراف الى دارك أفتدلج علىّ؟ قال: نعم، فكان يفعل ذلك به،
فلما كان ذات يوم، قتل بعض الخوارج صاحب شرطة ابن زياد، فأمر أن يقتل من في السجن من الخوارج، وكان مرداس إذ ذاك خارجا، فقال له أهله:
اتّق الله في نفسك، فإنك مقتول إن رجعت، فقال: ما كنت لألقى الله غادرا، وهذا جبّار، ولا آمن أن يقتل السجّان، فرجع وقال للسجّان: قد بلغنى ما عزم صاحبك عليه من قتل أصحابنا، فبادرت لئلا يلحقك منه مكروه، فقال له السجّان:
خذ أىّ طريق شئت، فانج بنفسك.
خرج سليمان بن عبد الملك ومعه يزيد بن المهلّب الى بعص جبابين «1» الشام، وإذا بامرأة جالسة عند قبر تبكى، فجاء سليمان ينظر اليها، فقال لها يزيد، وقد عجب سليمان من حسنها: يا أمة الله، هل لك في أمير المؤمنين؟ فنظرت إليهما، ثم نظرت الى القبر، وقالت
فإن تسألانى عن هواى فإنه
…
بحوماء هذا القبر يافتيان
وإنى لأستحييه والتّرب بيننا
…
كما كنت أستحييه وهو يرانى
ومن أحسن الوفاء، ما حكى عن نائلة بنت القرافصة زوج عثمان بن عفّان رضى الله عنه: أن معاوية خطبها فردّته، وقالت: ما يعجب الرجال منّى؟ قالوا: ثنايا فكسرت ثناياها، وبعثت بها الى معاوية، فكان ذلك مما رغّب قريشا في نكاح نساء كلب. وامرأة هدبة لما قتل زوجها، قطعت أنفها وشفتيها، وكانت جميلة الوجه، لئلا يرغب فيها.
وحيث ذكرنا الوفاء والمحافظة، فلنذكر بيعة خليفة ويمين، ذكرها بعض أهل الأدب فى تصنيفه، وهى: تبايع عبد الله الإمام أمير المؤمنين، بيعة طوع وإيثار ورضا واختيار واعتقاد وإضمار وإعلان وإسرار وإخلاص من طويتك وصدق من نيتك،
وانشراح من صدرك، وصحة من عزيمتك، طائعا غير مكره، ومنقادا غير مجبر، مقرّا بفضلها، مذعنا بحقها، ومعترفا ببركتها، ومعتدّا بحسن عائدتها، وعالما بما فيها، وفي توكيدها من صلاح الكافّة، واجتماع كلمة الخاصّة والعامّة، ولمّ الشّعث، وأمن العواقب، وسكون الدّهماء، وعزّ الأولياء، وقمع الأعداء، على أن فلانا عبد الله وخليفته المفترض عليك طاعته، الواجب على الأمة إمامته وولايته، اللازم لهم القيام بحقه، والوفاء بعهده، لا تشكّ فيه، ولا ترتاب به، ولا تداهن من أمره، ولا تميل، ولكنك ولىّ أوليائه، وعدوّ أعدائه، من خاصّ وعامّ، وقريب وبعيد، وحاضر وغائب، متمسك في بيعته بوفاء العهد، وذمّة العقد، سريرتك مثل علانيتك، وضميرك فيه وفق ظاهرك، على أن إعطاءك هذه البيعة من نفسك، وتوكيدك إياها فى عنقك، لفلان أمير المؤمنين، على سلامة من قلبك، واستقامة من عزمك، واستمرار من هواك ورأيك، على أن لا تتأوّل عليه فيها، ولا تسعى في نقض شىء منها، ولا تقعد عن نصرة له في الرخاء والشدّة، ولا تدع النّصح له في كل حال راهنة وحادثة، حتى تلقى الله موفيا بها، مؤدّيا للأمانة فيها، إذ كان الذين يبايعون ولاة الأمر وخلفاء الله في الأرض (إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ)
عليك بهذه البيعة التى طوّقتها عنقك، وبسطت لها يدك، وأعطيت ما شرط عليك فيها، من وفاء، ونصح، وموالاة، ومشايعة، وطاعة، وموافقة، واجتهاد، ومبالغة؛ عهد الله إن عهده كان مسئولا، وما أخذ الله على أنبيائه ورسله عليهم السلام، وعلى من أخذ من عباده من وكدات مواثيقه، ومحكمات عهوده، وعلى أن تتمسك بها، فلا تبدل، وتستقيم، فلا تميل، وإن نكثت هذه البيعة، وبدّلت شرطا من شروطها، أو عفيت رسما من رسومها، أو غيّرت