المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌احتجاج البخلاء وتحسينهم للبخل على قبحه - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٣

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌القسم الثانى من الفن الثانى في الأمثال المشهورة

- ‌الباب الأوّل من هذا القسم (فى الأمثال)

- ‌وأوّل ما نبدأ به من ذلك ما تمثّل به من أقوال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ومن كلام أبى بكر الصدّيق رضى الله عنه

- ‌ومن كلام عمر بن الخطاب رضى الله عنه

- ‌ومن كلام عثمان بن عفان رضى الله عنه

- ‌ومن كلام علىّ بن أبى طالب كرم الله وجهه

- ‌ومن كلام عبد الله بن عباس رضى الله عنهما

- ‌ومن أمثال العرب ما نقلته من كتاب «الأمثال» للميدانىّ

- ‌حرف الهمزة

- ‌حرف الباء

- ‌حرف التاء

- ‌حرف الثاء

- ‌حرف الجيم

- ‌حرف الحاء

- ‌حرف الخاء

- ‌حرف الدال

- ‌حرف الذال

- ‌حرف الراء

- ‌حرف الزاى

- ‌حرف السين

- ‌حرف الشين

- ‌حرف الصاد

- ‌حرف الضاد

- ‌حرف الطاء

- ‌حرف الظاء

- ‌حرف العين

- ‌حرف الغين

- ‌حرف الفاء

- ‌حرف القاف

- ‌حرف الكاف

- ‌حرف اللام

- ‌حرف الميم

- ‌حرف النون

- ‌حرف الهاء

- ‌حرف الواو

- ‌ما جاء في ما أوّله (لا)

- ‌حرف الياء

- ‌ومما يتمثل به من أشعار الجاهلية

- ‌امرؤ القيس بن حجر:

- ‌زهير بن أبى سلمى

- ‌النابغة الذّبيانى:

- ‌طرفة بن العبد

- ‌أوس بن حجر

- ‌بشر بن أبى خازم

- ‌المتلمس

- ‌الأفوه الأودىّ

- ‌تميم بن أبى مقبل

- ‌حميد بن ثور

- ‌عدى بن زيد

- ‌الأسود بن يعفر

- ‌علقمة بن عبدة

- ‌عمرو بن كلثوم

- ‌الحارث بن حلّزة

- ‌حاتم الطائىّ

- ‌المرقّش الأصغر

- ‌النمر بن تولب

- ‌مهلهل بن ربيعة، واسمه عدىّ

- ‌طفيل الغنوىّ

- ‌عروة بن الورد

- ‌الأعشى:

- ‌لقيط بن معبد

- ‌تأبط شرّا:

- ‌المثقّب العبدىّ

- ‌الممرّق العبدىّ

- ‌أفنون التغلبىّ

- ‌الأضبط بن قريع السّعدىّ

- ‌سويد بن أبى كاهل

- ‌ومما يتمثل به من أشعار المخضرمين

- ‌منهم لبيد بن ربيعة

- ‌كعب بن زهير

- ‌النابغة الجعدىّ:

- ‌أميّة بن أبى الصّلت الثقفى

- ‌حسّان بن ثابت

- ‌الحطيئة:

- ‌متمم بن نويرة

- ‌أبو ذؤيب الهذلىّ

- ‌الخنساء:

- ‌عمرو بن معديكرب

- ‌معن بن أوس

- ‌زياد بن زيد

- ‌أيمن بن خزيم بن فاتك الأسدىّ

- ‌ومما يتمثل به من أشعار المتقدّمين في صدر الإسلام

- ‌القطامىّ:

- ‌الطّرمّاح بن حكيم بن الحكم

- ‌الكميت بن زيد الأسدىّ

- ‌المساور بن هند

- ‌عدىّ بن الرقاع

- ‌الفرزدق

- ‌جرير:

- ‌الأخطل:

- ‌الصّلتان العبدىّ

- ‌كثيّر عزة:

- ‌جميل

- ‌عمر بن عبد الله بن أبى ربيعة

- ‌ومما يتمثّل به من أشعار المحدثين

- ‌منهم إبراهيم بن هرمة

- ‌بشّار بن برد

- ‌أبو العتاهية

- ‌سلم بن عمرو الخاسر:

- ‌صالح بن عبد القدّوس

- ‌ابن ميّادة:

- ‌أبو نواس الحسن بن هانئ

- ‌أبو عيينة المهلّبىّ

- ‌عبد الله بن أبى عتبة المهلّبى

- ‌العبّاس بن الأحنف

- ‌مسلم بن الوليد:

- ‌منصور النمرىّ:

- ‌العتّابىّ:

- ‌أشجع السّلمىّ:

- ‌الجرهمىّ

- ‌محمود الورّاق:

- ‌محمود بن حازم الباهلىّ

- ‌السّموءل بن عادياء

- ‌محمد بن أبى زرعة الدّمشقى

- ‌أبو الشيص:

- ‌علىّ بن جبلة بن عبد الرحمن الأنبارىّ

- ‌اللجلاج الحارثىّ

- ‌عبد الصمد بن المعذّل

- ‌الحمدونىّ

- ‌العتبى

- ‌أبو سعيد المخزومى:

- ‌دعبل بن علىّ الخزاعىّ:

- ‌إسحاق بن إبراهيم الموصلىّ

- ‌المؤمل بن أميل

- ‌إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول مولى يزيد بن المهلّب يكنى أبا إسحاق

- ‌أبو علىّ البصير:

- ‌سعيد بن حميد

- ‌علىّ بن الجهم

- ‌ابن أبى فنن:

- ‌يزيد بن محمد المهلبىّ

- ‌عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير

- ‌أحمد بن أبى طاهر

- ‌أبو تمام حبيب بن أوس الطائى

- ‌أبو عبادة البحترىّ

- ‌ابن الرومىّ

- ‌عبد الله بن المعتزّ

- ‌عبيد بن عبد الله بن طاهر

- ‌ابن طباطبا العلوىّ:

- ‌منصور الفقيه المقرىء

- ‌ابن بسّام:

- ‌جحظة:

- ‌الصنوبرىّ

- ‌أبو الفتح كشاجم:

- ‌ومما يتمثّل به من أشعار المولّدين:

- ‌منهم أبو فراس الحمدانىّ

- ‌أبو الطيب المتنبّى يقول

- ‌السرىّ بن أحمد بن السرىّ الموصلىّ

- ‌أبو بكر محمّد بن هاشم الخالدىّ

- ‌أبو عثمان سعيد بن هاشم الخالدىّ [أخوه]

- ‌الخبّاز البلدىّ:

- ‌أبو إسحاق الصابىء

- ‌عبد العزيز عمر بن نباته

- ‌ابن لنكك البصرىّ:

- ‌أبو الحسن عبد الله بن محمد بن محمد السلامىّ

- ‌أبو الفرج الببّغا

- ‌ابن سكّرة الهاشمىّ:

- ‌ابن الحجّاج:

- ‌أبو الحسن الموسوىّ النقيب:

- ‌أبو طالب المأمونىّ

- ‌ابن العميد:

- ‌الصاحب بن عبّاد:

- ‌الحسن بن علىّ بن عبد العزيز القاضى

- ‌أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمىّ

- ‌بديع الزمان أبو الفضل الهمذانىّ، أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد

- ‌إسماعيل الناشىء

- ‌أبو الفتح علىّ بن محمد البستىّ

- ‌الباب الثانى من القسم الثانى من الفن الثانى فى أوابد العرب

- ‌البحيرة:

- ‌الوصيلة:

- ‌السائبة:

- ‌الحامى:

- ‌الأزلام:

- ‌الميسر:

- ‌ومنها: نكاح المقت:

- ‌ومنها: رمى البعرة:

- ‌ومنها: ذبح العتائر:

- ‌ومنها: حبس البلايا:

- ‌ومنها: إغلاق الظهر:

- ‌ومنها: التعمية والتفقئة:

- ‌ومنها: بكاء المقتول:

- ‌ومنها: رمى السنّ في الشمس:

- ‌ومنها: خضاب النحر:

- ‌ومنها: التصفيق:

- ‌ومنها: جز النواصى

- ‌ومنها: كىّ السليم عن الجرب:

- ‌ومنها: ضرب الثور:

- ‌ومنها: كعب الأرنب:

- ‌ومنها: حيض السّمرة:

- ‌ومنها: الطارف والمطروف:

- ‌ومنها: وطء المقاليت:

- ‌ومنها: تعليق الحلى على السليم:

- ‌ومنها: ذهاب الخدر:

- ‌ومنها: الحلأ:

- ‌ومنها: التعشير:

- ‌ومنها: عقد الرّتم:

- ‌ومنها: دائرة المهقوع:

- ‌ومنها: شقّ الرداء والبرقع:

- ‌ومنها: نوء السماك:

- ‌ومنها: النسيء:

- ‌ومنها: وأد البنات:

- ‌الباب الثالث من القسم الثانى من الفن الثانى فى‌‌ أخبار الكهنةويتصل به الزجر والفأل والطّيرة والفراسة والذكاء

- ‌ أخبار الكهنة

- ‌فمن أخبار الكهنة، خبر سطيح الكاهن

- ‌ومن أخبارهم:

- ‌ومنها

- ‌ومنها

- ‌ومنها:

- ‌الزّجر

- ‌الفأل والطّيرة

- ‌الفراسة والذكاء

- ‌الباب الرابع من القسم الثانى من الفن الثانى فى الكنايات والتعريض

- ‌الباب الخامس من القسم الثانى من الفن الثانى فى الألغاز والأحاجىّ

- ‌ومما يتصل بهذا الباب مسائل العويص

- ‌القسم الثالث من الفنّ الثانى فى المدح، والهجو، والمجون، والفكاهات، والملح، والخمر، والمعاقرة، والنّدمان، والقيان، ووصف آلات الطّرب

- ‌الباب الأوّل من هذا القسم فى المدح

- ‌فأمّا حقيقية المدح

- ‌ذكر ما قيل في الافتخار

- ‌ذكر ما قيل في الجود والكرم وأخبار الكرام

- ‌ذكر من انتهى اليهم الجود في الجاهلية وذكر شىء من أخبارهم

- ‌ذكر ما قيل في الإعطاء قبل السؤال

- ‌ذكر ما قيل في الشجاعة والصبر والإقدام

- ‌ومما قيل في الصبر والإقدام

- ‌ذكر ما قيل في وفور العقل

- ‌ذكر ما قيل في حدّ العقل وماهيّته وما وصف به

- ‌ذكر ما قيل في الصدق

- ‌ذكر ما قيل في الوفاء والمحافظة والأمانة

- ‌ذكر ما قيل في التواضع

- ‌ذكر ما قيل في القناعة والنزاهة

- ‌ذكر ما قيل في الشكر والثناء

- ‌ذكر ما قيل في الوعد والإنجاز

- ‌ذكر ما قيل في الشفاعة

- ‌ذكر ما قيل في الاعتذار والاستعطاف

- ‌الباب الثانى من القسم الثالث من الفن الثانى فى الهجاء

- ‌ذكر ما قيل في الهجاء ومن يستحقه

- ‌ومما قيل في الهجاء من النظم

- ‌ومما هجى به أهل الوقت على الإطلاق، فمن ذلك قول أبى هلال العسكرىّ

- ‌ومما قيل في هجاء بعض العشيرة ومدح بعضهم

- ‌ذكر ما قيل في الحسد

- ‌ومما قيل من الشعر في تفضيل المحسود ومدحه، وهجاء الحاسد وذمّه

- ‌ذكر ما قيل في السّعاية والبغى والغيبة والنّميمة

- ‌ومما قيل في الغيبة والنّميمة

- ‌ذكر ما قيل في البخل واللؤم

- ‌ومن أخبار البخلاء:

- ‌احتجاج البخلاء وتحسينهم للبخل على قبحه

- ‌ذكر ما قيل في التطفيل ويتصل به أخبار الأكلة والمؤاكلة

- ‌ذكر آداب الأكل والمؤاكلة

- ‌ذكر الاقتصاد في المطاعم والعفّة عنها

- ‌ذكر أخبار الأكلة

- ‌ذكر ما قيل في الجبن والفرار

- ‌ومن أخبار الفرّارين الذين حسّنوا الفرار على قبحه

- ‌ذكر ما قيل في الحمق والجهل

- ‌ذكر ما قيل في الكذب

- ‌ذكر ما قيل في الغدر والخيانة

- ‌ذكر أخبار أهل الغدر وغدراتهم المشهورة

- ‌ذكر ما قيل في الكبر والعجب

- ‌ومما هجى به أهل التكبّر

- ‌ذكر ما قيل في الحرص والطمع

- ‌ذكر ما قيل في الوعد والمطل

- ‌ذكر ما قيل في العىّ والحصر

الفصل: ‌احتجاج البخلاء وتحسينهم للبخل على قبحه

وقال آخر

تراهم خشية الأضياف خرسا

يقيمون الصلاة بلا أذان

‌احتجاج البخلاء وتحسينهم للبخل على قبحه

قالت الحكماء: لتكن عنايتك بحفظ ما اكتسبته، كعنايتك باكتسابه.

وقال أبو الأسود الدؤلىّ لبنيه: لا تجاودوا الله، فإنه أكرم وأجود، ولو شاء أن يغنى الناس كلّهم لفعل، ولكنه علم أن قوما لا يصلحهم ولا يصلح لهم إلا الفقر، وقوما لا يصلحهم ولا يصلح لهم إلا الغنى.

وقال رجل من تغلب: أتيت رجلا من كندة أسأله، فقال: يا أخا بنى تغلب، إنّى لن أصلك حتّى أحرم من هو أقرب إلى منك، وإنه لم يبق من مالى وعرضى واهلى إلا ما منعته من الناس.

وقيل: إن لقمان الحكيم، قال لابنه: يا بنىّ، أوصيك باثنتين لن تزال بخير ما تمسكت بهما: درهمك لمعاشك، ودينك لمعادك.

وقال أبو الأسود: إمساكك ما تبذل، خير من طلبك ما يبذل غيرك، وأنشد

يلوموننى في البخل جهلا وضلّة

وللبخل خير من سؤال بخيل

ونظيره قول المتلمّس

وحبس المال أيسر من بغاه

وضرب في البلاد بغير زاد

وإصلاح القليل يزيد فيه

ولا يبقى الكثير مع الفساد

ص: 314

وقال الجاحظ: قلت للحزامىّ: يا بخيل! قال: لا أعدمنى الله هذا الاسم، لأنه لا يقال لى: بخيل إلا وأنا ذو مال فسلّم لى المال، وسمّنى بأىّ اسم شئت، قلت:

ولا يقال لك: سخىّ، إلا وأنت ذو مال، فقد جمع الله لهذا الاسم المال والحمد، وجمع لذاك المال والذّمّ، فقال: بينهما فرق عجيب، وبون بعيد، إن في قولهم:

بخيل، سببا لمكث المال في ملكى، وفي قولهم: سخىّ، سببا لخروجه عن ملكى، واسم البخل فيه حزم وذمّ واسم السخاء فيه تضييع وحمد، وما أقلّ غناء الحمد عنه إذا جاع بطنه وعرى ظهره وضاع عياله وشمت به عدوّه.

وقال محمد بن الجهم: من شأن من استغنى عنك، أن لا يقيم عليك، ومن احتاج إليك أن لا يزول من عندك، ومن حبّك لصديقك وضنّك بمودّته أن لا تبذل له ما يغنيه عنك، وأن تتلطف له فيما يحوجه إليك.

وقد قيل في مثل هذا: «أجع كلبك يتبعك، وسمّنه يأكلك» ، فمن أغنى صديقه فقد أعانه على الغدر، وقطع أسباب الشكر، والمعين على الغدر شريك للغادر، كما أن المزيّن للفجور شريك للفاجر.

وقال أبو حنيفة: لا خير فيمن لا يصون ماله ليصون به عرضه، ويصل به رحمه ويستغنى به عن لئام الناس. قال عبد الله بن المعتز

أعاذل ليس البخل منّى سجيّة

ولكن وجدت الفقر شرّ سبيل

لموت الفتى خير من البخل للفتى

وللبخل خير من سؤال بخيل

وكان داود بن علىّ يقول: لأن يترك الرجل ماله لأعدائه، خير من الحاجة في حياته لأوليائه؛ قال الشاعر

ص: 315

مال يخلّفه الفتى

للشامتين من العدا

خير له من قصده

إخوانه مسيرفدا

وقال سفيان الثّورىّ: لأن أخلّف عشرة آلاف درهم أحاسب عليها، أحب إلىّ من أن أحتاج إلى الناس؛ وقال: كان المال فيما مضى يكره، وأما اليوم فهو يزين المؤمن؛ وجاءه رجل فقال له: يا أبا عبد الله، تمسك هذه الدنانير! فقال:

اسكت، فلولاها لتمندلتنا هؤلاء الملوك، ولكن من كان في يده منها شىء فليصلحه، فإنه زمان من احتاج فيه كان أوّل ما يبذل دينه.

وقال المنصور لمحمد بن مروان التميمىّ: إنك لسيد لولا جمود فيك، فقال:

يا أمير المؤمنين، إنى لأجمد في الحق، ولا أذوب في الباطل.

وكان محمد بن الجهم يقول: من وهب من عمله، فهو أحمق، ومن وهب بعد العزل، فهو مجنون، ومن وهب من جوائز ملوكه أو ميراثه، فهو مخذول، ومن وهب من كسبه وما استفاده بحيلة، فهو المطبوع على قلبه، المأخوذ ببصره وسمعه.

وسأل رجل زياد بن أبيه، فأعطاه درهما، فقال: صاحب العراقين أسأله فيعطينى درهما؟ فقال له زياد: من بيده خزائن السموات والأرض ربما رزق أخصّ عباده عنده وأكرمهم لديه التمرة واللقمة، وما يكبر عندى أن أصل رجلا بمائة ألف درهم، ولا يصغر أن أعطى سائلا رغيفا، إن كان ربّ العالمين فعل ذلك.

قال الشاعر

يا ربّ جود جرّ فقر امرىء

فقام للناس مقام الذليل

فاشدد عرى مالك واستبقه

فالبخل خير من سؤال البخيل

ص: 316

وقال الشريف بن الهبّاريّة

لأصوننّ درهمى

فهو لا شكّ صائنى

لم يعنّى ابن والدى

وصحيحى أعاننى

وقال أيضا

لله درّ دراهمى

فهى التى أعلت مكانى

لولا الغنى عن صاحبى

لأحلّنى دار الهوان

وقال آخر

كن بما أوتيته مغتبطا

تستدم عيش القنوع المكتفى

إن في نيل المنى وشك الرّدى

واجتناب القصد عين السّرف

كسراج دهنه قوت له

فإذا غرّقته فيه طفى

ومن ذلك رسالة كتبها سهل بن هارون، وقد عيب عليه أمور من البخل، فاعتذر عنها واحتجّ فقال: أصلح الله أمركم، وجمع شملكم، وعلمكم الخير، وجعلكم من أهله، قال الأحنف بن قيس: يا بنى تميم، لا تسرعوا إلى الفتنة، فإن أسرع الناس إلى القتال، أقلّهم حياء من الفرار، وكانوا يقولون: إذا أردت أن ترى العيوب جمّة، فتأمّل عيّابا فإنه يعيب الناس بفضل ما فيه من العيب، ومن أعيب العيب أن تعيب ما ليس بعيب، وقبيح أن تنهى مرشدا أو تغرى مشفقا، وما أريد بما قلت إلا هدايتكم وتقويمكم وصلاح فسادكم، وإبقاء النعمة عليكم، ولئن أخطأنا سبيل إرشادكم، فما أخطأنا سبيل حسن النية فيما بيننا وبينكم، ثم قد تعلمون أنا ما أوصيناكم إلا بما اخترناه لأنفسنا قبلكم، وشهرنا به في الآفاق دونكم، ثم نقول في ذلك ما قال العبد الصالح لقومه: (وَما أُرِيدُ

ص: 317

أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)

فما كان أحقّكم في كريم حرمتنا بكم أن ترعوا حقّ قصدنا بذلك إليكم، على ما رعيناه من واجب حقّكم، فلا العذر المبسوط بلغتم، ولا بواجب الحرمة قمتم، ولو كان ذكر العيوب برّا وفخرا، لرأينا في أنفسنا عن ذلك شغلا، عبتمونى بقولى لخادمى: أجيدى العجين فيكون أطيب لطعمه، وأزيد في ريعه، وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: أملكوا العجين فإنه أحد الريعين، وعبتمونى حين ختمت على سلّ عظيم، وفيه شىء ثمين من فاكهة نفيسة، ومن رطبة غريبة، على عبدنهم، وصبىّ جشع، وأمة لكعاء، وزوجة مضيعة، وليس بين أهل الأدب، ولا في ترتيب الحكم، ولا في عادات القادة، ولا في تدبير السادة، أن يستوى- فى نفيس المأكول، وغريب المشروب، وثمين الملبوس، وخطير المركوب- التابع والمتبوع، والسيد والمسود، كما لا تستوى مواضعهم في المجالس، ومواقع أسمائهم فى العنوانات، ومن شاء أطعم كلبه الدّجاجة السمينة، وعلف حماره السّمسم المقشّر، وعبتمونى بالختم، وقد ختم بعض الأئمة على مدّ سويق، وختم على كيس فارغ، وقال طينة خير من ظنّة، فأمسكتم عمن ختم على لا شىء، وعبتم على من ختم على شىء، وعبتمونى أيضا، أن قلت للغلام: إذا زدت في المرق، فزد في الإنضاج، ليجتمع مع التأدّم باللحم طيب المرق، وقال النبىّ صلى الله عليه وسلم:«إذا طبخ أحدكم لحما، فليزد من الماء، فمن لم يصب لحما أصاب مرقا،» وعبتمونى بخصف النعل، وبتصدير القميص، وحين زعمت أن المخصوفة من النعل أبقى وأقوى وأشبه بالنّسك، وأن الترقيع من الحزم، والتفريق من التضييع، والاجتماع مع الحفظ،

ص: 318

وقد كان النبىّ صلى الله عليه وسلم يخصف نعله، ويرقّع ثوبه، ويلطع أصابعه، ويقول:«لو أهدى إلىّ كراع لقبلت، ولو دعيت إلى ذراع لأجبت» وقال صلى الله عليه وسلم «من لم يستحى من الخلال، خفت مؤنته، وقلّ كبره» . وقالت الحكماء:

لا جديد لمن لم يلبس الخلق، وبعث زياد رجلا يرتاد له محدّثا، واشترط عليه أن يكون عاقلا، فأتاه به موافقا، فقال له: أكنت به ذا معرفة؟ قال: لا، ولكنّى رأيته في يوم قائظ، يلبس خلقا، ويلبس الناس جديدا، فتفرّست فيه العقل والأدب، وقد علمت أن الخلق في موضعه، مثل الجديد في موضعه، وقد جعل الله لكل شىء قدرا، وسمى له موضعا، كما جعل لكل زمان حالا، ولكل مقام مقالا، وقد أحيا الله بالسّم، وأمات بالغذاء، وأغصّ بالماء، وقتل بالدواء، وقد زعموا أن الإصلاح أحد الكاسبين، كما زعموا أن قلّة العيال أحد اليسارين، وقد جبر الأحنف بن قيس يد عنز وأمر مالك بن أنس بفرك البعر، وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: من أكل بيضة فقد أكل دجاجة، ولبس سالم بن عبد الله جلد أضحية، وقال رجل لبعض الحكماء: أريد أن أهدى لك دجاجة، قال: إن كان لا بدّ، فاجعلها بيوضا، وعبتمونى حين قلت: من لم يعرف مواضع السّرف في الموجود الرخيص لم يعرف مواضع الاقتصاد في الممتنع الغالى، وقد أتيت بماء للوضوء على مبلغ الكفاية، وأشفّ من الكفاية، فلما صرت الى تفريق أجزائه على الأعضاء، وإلى التوفير عليها من وظيفة الماء، وجدت في الأعضاء فضلا عن الماء، فعلمت أن لو كنت مكّنت الاقتصاد في أوائله لخرج أوّله على كفاية آخره، ولكان نصيب الأوّل كنصيب الآخر، فعبتمونى بذلك وشنعتموه علىّ، وقد قال الحسن وذكر السرف: أما إنه ليكون في الماء والكلا، فلم يرض

ص: 319

بذكر الماء حتى أردفه بالكلا، وعبتمونى انى قلت: لا يغترّن أحد بطول عمره، وتقويس ظهره، ورقة عظمه، ووهن قوّته، وأن برى دخله أكثر من رزقه فيدعوه ذلك الى إخراج ماله من يده، وتحويله إلى ملك غيره، أو تحكيم السرف فيه، وتسليط الشهوات عليه، فلعلّه أن يكون معمّرا وهو لا يدرى وممدودا له في السن وهو لا يشعر، ولعلّه أن يرزق الولد على اليأس، وتحدث عليه آفات الكبر ما لا يخطر على باله، ولا يدركه عقله، فيستردّه ممن لا يردّه، ويظهر الشكوى إلى من لا يرحمه، أضعف ما كان عن الطلب، وأقبح ما كان له أن يطلب، فعبتمونى بذلك، وقال عمرو بن العاص: اعمل لدنياك عمل من يعيش أبدا، واعمل لآخرتك عمل من يموت غدا، وعبتمونى بأن قلت: إن التلف والتبذير إلى مال المواريث، وأموال الملوك، وإن الحفظ الى المال المكتسب، والغنى المجتلب، والى ما يعرض فيه بذهاب الدين، واهتضام العرض، ونصب البدن، واهتمام القلب أسرع، ومن لم يحسب نفقته لم يحسب دخله، ومن لم يحسب الدخل فقد أضاع المال، ومن لم يعرف للغنى قدره فقد أذن بالفقر، وطاب نفسا بالذلّ، وعبتمونى بأن زعمت أن كسب الحلال، مضمّن بالإنفاق في الحلال، وأن الخبيث ينزع إلى الخبيث، وأن الطيّب يدعو إلى الطيّب، وأن الإنفاق في الهوى، حجاب دون الحقوق، وأن الإنفاق في الحقوق حجاب دون الهوى، فعبتم علىّ هذا القول، وقد قال معاوية بن أبى سفيان: لم أر تبذيرا قطّ، إلا وإلى جنبه حقّ مضيّع، وقال الحسن: إذا أردتم أن تعرفوا من أين أصاب الرجل ماله، فانظروا في أىّ شىء ينفقه، فإن الخبيث إنما ينفق في السرف، وقلت لكم بالشفقة عليكم، وحسن النظر منّى إليكم، أنتم في دار الآفات، والجوائح غير مأمونات، فإن أحاطت بمال

ص: 320

أحدكم آفة، لم يرجع إلى ثقة، فاحذروا النّقم، باختلاف الأمكنة، فإن البلية لا تجرى فى الجميع، وقد قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه في العبد، والأمة، والشاة، والبعير: فرّقوا بين المنايا، واجعلوا الرأس رأسين، وقال ابن سيرين [لبعض البحريين «1» ] :

كيف تصنعون في أموالكم؟ قالوا: نفرّقها في السفن، فإن عطب بعض، سلم بعض، ولولا أن السلامة أكثر، ما حملنا أموالنا في البحر، فقال ابن سيرين: تحسبها خرقاء وهى صناع، وعبتمونى بأن قلت لكم عند إشفاقى عليكم: إن للغنى سكرا، والمال نزوة، فمن لم يحفظ الغنى من سكره، فقد أضاعه، ومن لم يرتبط المال لخوف الفقر فقد أهمله، فعبتمونى بذلك، وقد قال زيد بن جبلة: ليس أحد أقصر عقلا، من غنىّ أمن الفقر، وسكر الغنى أشدّ من سكر الخمر، وقد قال الشاعر في يحيى ابن خالد

وهو تلاد المال فيما ينوبه

منوع إذا ما منعه كان أحزما

وعبتمونى حين زعمتم، أنّى أقدّم المال على العلم، لأن المال به يفاد العلم، وبه تقوم النفس، قبل أن يعرف فضل العلم؛ فهو أصل، والأصل أحقّ بالتفضيل من الفرع، فقلتم، كيف هذا؟ وقد قيل لبعض الحكماء: الأغنياء أفضل أم العلماء؟

فقال: العلماء، قيل له: فما بال العلماء يأتون أبواب الأغنياء، أكثر مما يأتى الأغنياء أبواب العلماء؟ قال: ذلك لمعرفة العلماء بحقّ المال، وجهل الأغنياء بحقّ العلم، فقلت: حالهما هى القاضية بينهما، وكيف يستوى شىء حاجة العلماء إليه، وشىء يغنى فيه بعضهم عن بعض، وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم يأمر الأغنياء باتّخاذ الغنم، والفقراء باتّخاذ الدّجاج، وقال أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه: إنى

ص: 321

لأبغض أهل البيت ينفقون نفقة الأيام في اليوم الواحد، وكان أبو الأسود الدّؤلىّ يقول لولده: إذا بسط الله لك في الرزق فابسط، وإذا قبض فاقبض، وعبتمونى حين قلت: إن فضل الغنى عن القوت، إنّما هو كفضل الآلة تكون في البيت، إن احتيج إليها استعملت، وإن استغنى عنها كانت عدّة، وقد قال الحصين بن المنذر:

وددت أن لى مثل أحد ذهبا لا أنتفع منه بشىء، قيل له: فما كنت تصنع به؟

قال: لكثرة من كان يخدمنى عليه، لأن المال مخدوم، وقال بعض الحكماء: عليك بطلب الغنى، فلو لم يكن فيه إلا أنه عزّ في قلبك، وذلّ في قلب عدوّك، لكان الحظّ فيه جسيما، والنفع عظيما، ولسنا ندع سيرة الأنبياء، وتأدّب الخلفاء، وتعليم الحكماء، لأصحاب الهوى، فلستم علىّ تردّون، ولا رأيى تفنّدون، فقدّموا النظر قبل العزم، وأدركوا ما عليكم من قبل أن تدركوا مالكم، والسلام.

ومن نوادر البخلاء، قال رجل لبعض البخلاء: لم لا تدعونى إلى طعامك؟

قال: لأنك جيّد المضغ سريع البلع، إذا أكلت لقمة هيّأت أخرى، قال: يا أخى أتريد إذا أكلت عندك أن أصلّى ركعتين بين كلّ لقمتين؟.

وقال آخر لبخيل: لم لا تدعونى إلى طعامك؟ قال: لأنك تعلّق، وتشدّق، وتحدق، أى تحمل واحدة في يدك، وأخرى في شدقك، وتنظر إلى الأخرى بعينك.

وقال بعض البخلاء: أنا لا آكل إلا نصف الليل، قيل له: ولم؟ قال يبرد الماء، وينقمع الذّباب، وآمن فجأة الداخل، وصرخة السائل.

ص: 322