المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فأما حقيقية المدح - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٣

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌القسم الثانى من الفن الثانى في الأمثال المشهورة

- ‌الباب الأوّل من هذا القسم (فى الأمثال)

- ‌وأوّل ما نبدأ به من ذلك ما تمثّل به من أقوال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ومن كلام أبى بكر الصدّيق رضى الله عنه

- ‌ومن كلام عمر بن الخطاب رضى الله عنه

- ‌ومن كلام عثمان بن عفان رضى الله عنه

- ‌ومن كلام علىّ بن أبى طالب كرم الله وجهه

- ‌ومن كلام عبد الله بن عباس رضى الله عنهما

- ‌ومن أمثال العرب ما نقلته من كتاب «الأمثال» للميدانىّ

- ‌حرف الهمزة

- ‌حرف الباء

- ‌حرف التاء

- ‌حرف الثاء

- ‌حرف الجيم

- ‌حرف الحاء

- ‌حرف الخاء

- ‌حرف الدال

- ‌حرف الذال

- ‌حرف الراء

- ‌حرف الزاى

- ‌حرف السين

- ‌حرف الشين

- ‌حرف الصاد

- ‌حرف الضاد

- ‌حرف الطاء

- ‌حرف الظاء

- ‌حرف العين

- ‌حرف الغين

- ‌حرف الفاء

- ‌حرف القاف

- ‌حرف الكاف

- ‌حرف اللام

- ‌حرف الميم

- ‌حرف النون

- ‌حرف الهاء

- ‌حرف الواو

- ‌ما جاء في ما أوّله (لا)

- ‌حرف الياء

- ‌ومما يتمثل به من أشعار الجاهلية

- ‌امرؤ القيس بن حجر:

- ‌زهير بن أبى سلمى

- ‌النابغة الذّبيانى:

- ‌طرفة بن العبد

- ‌أوس بن حجر

- ‌بشر بن أبى خازم

- ‌المتلمس

- ‌الأفوه الأودىّ

- ‌تميم بن أبى مقبل

- ‌حميد بن ثور

- ‌عدى بن زيد

- ‌الأسود بن يعفر

- ‌علقمة بن عبدة

- ‌عمرو بن كلثوم

- ‌الحارث بن حلّزة

- ‌حاتم الطائىّ

- ‌المرقّش الأصغر

- ‌النمر بن تولب

- ‌مهلهل بن ربيعة، واسمه عدىّ

- ‌طفيل الغنوىّ

- ‌عروة بن الورد

- ‌الأعشى:

- ‌لقيط بن معبد

- ‌تأبط شرّا:

- ‌المثقّب العبدىّ

- ‌الممرّق العبدىّ

- ‌أفنون التغلبىّ

- ‌الأضبط بن قريع السّعدىّ

- ‌سويد بن أبى كاهل

- ‌ومما يتمثل به من أشعار المخضرمين

- ‌منهم لبيد بن ربيعة

- ‌كعب بن زهير

- ‌النابغة الجعدىّ:

- ‌أميّة بن أبى الصّلت الثقفى

- ‌حسّان بن ثابت

- ‌الحطيئة:

- ‌متمم بن نويرة

- ‌أبو ذؤيب الهذلىّ

- ‌الخنساء:

- ‌عمرو بن معديكرب

- ‌معن بن أوس

- ‌زياد بن زيد

- ‌أيمن بن خزيم بن فاتك الأسدىّ

- ‌ومما يتمثل به من أشعار المتقدّمين في صدر الإسلام

- ‌القطامىّ:

- ‌الطّرمّاح بن حكيم بن الحكم

- ‌الكميت بن زيد الأسدىّ

- ‌المساور بن هند

- ‌عدىّ بن الرقاع

- ‌الفرزدق

- ‌جرير:

- ‌الأخطل:

- ‌الصّلتان العبدىّ

- ‌كثيّر عزة:

- ‌جميل

- ‌عمر بن عبد الله بن أبى ربيعة

- ‌ومما يتمثّل به من أشعار المحدثين

- ‌منهم إبراهيم بن هرمة

- ‌بشّار بن برد

- ‌أبو العتاهية

- ‌سلم بن عمرو الخاسر:

- ‌صالح بن عبد القدّوس

- ‌ابن ميّادة:

- ‌أبو نواس الحسن بن هانئ

- ‌أبو عيينة المهلّبىّ

- ‌عبد الله بن أبى عتبة المهلّبى

- ‌العبّاس بن الأحنف

- ‌مسلم بن الوليد:

- ‌منصور النمرىّ:

- ‌العتّابىّ:

- ‌أشجع السّلمىّ:

- ‌الجرهمىّ

- ‌محمود الورّاق:

- ‌محمود بن حازم الباهلىّ

- ‌السّموءل بن عادياء

- ‌محمد بن أبى زرعة الدّمشقى

- ‌أبو الشيص:

- ‌علىّ بن جبلة بن عبد الرحمن الأنبارىّ

- ‌اللجلاج الحارثىّ

- ‌عبد الصمد بن المعذّل

- ‌الحمدونىّ

- ‌العتبى

- ‌أبو سعيد المخزومى:

- ‌دعبل بن علىّ الخزاعىّ:

- ‌إسحاق بن إبراهيم الموصلىّ

- ‌المؤمل بن أميل

- ‌إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول مولى يزيد بن المهلّب يكنى أبا إسحاق

- ‌أبو علىّ البصير:

- ‌سعيد بن حميد

- ‌علىّ بن الجهم

- ‌ابن أبى فنن:

- ‌يزيد بن محمد المهلبىّ

- ‌عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير

- ‌أحمد بن أبى طاهر

- ‌أبو تمام حبيب بن أوس الطائى

- ‌أبو عبادة البحترىّ

- ‌ابن الرومىّ

- ‌عبد الله بن المعتزّ

- ‌عبيد بن عبد الله بن طاهر

- ‌ابن طباطبا العلوىّ:

- ‌منصور الفقيه المقرىء

- ‌ابن بسّام:

- ‌جحظة:

- ‌الصنوبرىّ

- ‌أبو الفتح كشاجم:

- ‌ومما يتمثّل به من أشعار المولّدين:

- ‌منهم أبو فراس الحمدانىّ

- ‌أبو الطيب المتنبّى يقول

- ‌السرىّ بن أحمد بن السرىّ الموصلىّ

- ‌أبو بكر محمّد بن هاشم الخالدىّ

- ‌أبو عثمان سعيد بن هاشم الخالدىّ [أخوه]

- ‌الخبّاز البلدىّ:

- ‌أبو إسحاق الصابىء

- ‌عبد العزيز عمر بن نباته

- ‌ابن لنكك البصرىّ:

- ‌أبو الحسن عبد الله بن محمد بن محمد السلامىّ

- ‌أبو الفرج الببّغا

- ‌ابن سكّرة الهاشمىّ:

- ‌ابن الحجّاج:

- ‌أبو الحسن الموسوىّ النقيب:

- ‌أبو طالب المأمونىّ

- ‌ابن العميد:

- ‌الصاحب بن عبّاد:

- ‌الحسن بن علىّ بن عبد العزيز القاضى

- ‌أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمىّ

- ‌بديع الزمان أبو الفضل الهمذانىّ، أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد

- ‌إسماعيل الناشىء

- ‌أبو الفتح علىّ بن محمد البستىّ

- ‌الباب الثانى من القسم الثانى من الفن الثانى فى أوابد العرب

- ‌البحيرة:

- ‌الوصيلة:

- ‌السائبة:

- ‌الحامى:

- ‌الأزلام:

- ‌الميسر:

- ‌ومنها: نكاح المقت:

- ‌ومنها: رمى البعرة:

- ‌ومنها: ذبح العتائر:

- ‌ومنها: حبس البلايا:

- ‌ومنها: إغلاق الظهر:

- ‌ومنها: التعمية والتفقئة:

- ‌ومنها: بكاء المقتول:

- ‌ومنها: رمى السنّ في الشمس:

- ‌ومنها: خضاب النحر:

- ‌ومنها: التصفيق:

- ‌ومنها: جز النواصى

- ‌ومنها: كىّ السليم عن الجرب:

- ‌ومنها: ضرب الثور:

- ‌ومنها: كعب الأرنب:

- ‌ومنها: حيض السّمرة:

- ‌ومنها: الطارف والمطروف:

- ‌ومنها: وطء المقاليت:

- ‌ومنها: تعليق الحلى على السليم:

- ‌ومنها: ذهاب الخدر:

- ‌ومنها: الحلأ:

- ‌ومنها: التعشير:

- ‌ومنها: عقد الرّتم:

- ‌ومنها: دائرة المهقوع:

- ‌ومنها: شقّ الرداء والبرقع:

- ‌ومنها: نوء السماك:

- ‌ومنها: النسيء:

- ‌ومنها: وأد البنات:

- ‌الباب الثالث من القسم الثانى من الفن الثانى فى‌‌ أخبار الكهنةويتصل به الزجر والفأل والطّيرة والفراسة والذكاء

- ‌ أخبار الكهنة

- ‌فمن أخبار الكهنة، خبر سطيح الكاهن

- ‌ومن أخبارهم:

- ‌ومنها

- ‌ومنها

- ‌ومنها:

- ‌الزّجر

- ‌الفأل والطّيرة

- ‌الفراسة والذكاء

- ‌الباب الرابع من القسم الثانى من الفن الثانى فى الكنايات والتعريض

- ‌الباب الخامس من القسم الثانى من الفن الثانى فى الألغاز والأحاجىّ

- ‌ومما يتصل بهذا الباب مسائل العويص

- ‌القسم الثالث من الفنّ الثانى فى المدح، والهجو، والمجون، والفكاهات، والملح، والخمر، والمعاقرة، والنّدمان، والقيان، ووصف آلات الطّرب

- ‌الباب الأوّل من هذا القسم فى المدح

- ‌فأمّا حقيقية المدح

- ‌ذكر ما قيل في الافتخار

- ‌ذكر ما قيل في الجود والكرم وأخبار الكرام

- ‌ذكر من انتهى اليهم الجود في الجاهلية وذكر شىء من أخبارهم

- ‌ذكر ما قيل في الإعطاء قبل السؤال

- ‌ذكر ما قيل في الشجاعة والصبر والإقدام

- ‌ومما قيل في الصبر والإقدام

- ‌ذكر ما قيل في وفور العقل

- ‌ذكر ما قيل في حدّ العقل وماهيّته وما وصف به

- ‌ذكر ما قيل في الصدق

- ‌ذكر ما قيل في الوفاء والمحافظة والأمانة

- ‌ذكر ما قيل في التواضع

- ‌ذكر ما قيل في القناعة والنزاهة

- ‌ذكر ما قيل في الشكر والثناء

- ‌ذكر ما قيل في الوعد والإنجاز

- ‌ذكر ما قيل في الشفاعة

- ‌ذكر ما قيل في الاعتذار والاستعطاف

- ‌الباب الثانى من القسم الثالث من الفن الثانى فى الهجاء

- ‌ذكر ما قيل في الهجاء ومن يستحقه

- ‌ومما قيل في الهجاء من النظم

- ‌ومما هجى به أهل الوقت على الإطلاق، فمن ذلك قول أبى هلال العسكرىّ

- ‌ومما قيل في هجاء بعض العشيرة ومدح بعضهم

- ‌ذكر ما قيل في الحسد

- ‌ومما قيل من الشعر في تفضيل المحسود ومدحه، وهجاء الحاسد وذمّه

- ‌ذكر ما قيل في السّعاية والبغى والغيبة والنّميمة

- ‌ومما قيل في الغيبة والنّميمة

- ‌ذكر ما قيل في البخل واللؤم

- ‌ومن أخبار البخلاء:

- ‌احتجاج البخلاء وتحسينهم للبخل على قبحه

- ‌ذكر ما قيل في التطفيل ويتصل به أخبار الأكلة والمؤاكلة

- ‌ذكر آداب الأكل والمؤاكلة

- ‌ذكر الاقتصاد في المطاعم والعفّة عنها

- ‌ذكر أخبار الأكلة

- ‌ذكر ما قيل في الجبن والفرار

- ‌ومن أخبار الفرّارين الذين حسّنوا الفرار على قبحه

- ‌ذكر ما قيل في الحمق والجهل

- ‌ذكر ما قيل في الكذب

- ‌ذكر ما قيل في الغدر والخيانة

- ‌ذكر أخبار أهل الغدر وغدراتهم المشهورة

- ‌ذكر ما قيل في الكبر والعجب

- ‌ومما هجى به أهل التكبّر

- ‌ذكر ما قيل في الحرص والطمع

- ‌ذكر ما قيل في الوعد والمطل

- ‌ذكر ما قيل في العىّ والحصر

الفصل: ‌فأما حقيقية المدح

‌القسم الثالث من الفنّ الثانى فى المدح، والهجو، والمجون، والفكاهات، والملح، والخمر، والمعاقرة، والنّدمان، والقيان، ووصف آلات الطّرب

وفيه خمسة أبواب

‌الباب الأوّل من هذا القسم فى المدح

،

وفيه ثلاثة عشر فصلا حقيقة المدح وما قيل فيه، ما قيل في الجود والكرم وأخبار الكرام، ما قيل في الإعطاء قبل السؤال، ما قيل في الشجاعة والصبر والإقدام، ما قيل في وفور العقل، ما قيل فى الصّدق، ما قيل في الوفاء والمحافظة، ما قيل في التواضع، ما قيل في القناعة والنّزاهة ما قيل في الشكر والثناء، ما قيل في الوعد والإنجاز، ما قيل في الشفاعة، ما قيل فى الاعتذار والاستعطاف.

‌فأمّا حقيقية المدح

،

فقد عبّر عنها الحمدونىّ في «غاية الاختصار والإيجاز» بقوله:

حقيقة المدح: وصف الموصوف بأخلاق يحمد صاحبها عليها، ويكون نعتا حميدا.

قال الله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ)

وقال عزّوجلّ: (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ

ص: 173

بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)

وروى عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أصحابى كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم» وقد أوّلوا الخبر المروىّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «اذا رأيتم المدّاحين فاحثوا في وجوههم التراب» قال العتبىّ هو المدح الباطل والكذب.

وأمّا مدح الرجل بما هو فيه فلا بأس به، وممّا يعضد هذا أنّ العبّاس بن عبد المطّلب وكعب بن زهير، وحسّان بن ثابت، وغيرهم؛ مدحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد أنه حثا في وجه أحد منهم ترابا.

وقيل في حثو التراب معنيان: أحدهما التغليظ في الردّ عليه، والثانى يقال له:

بفئك التراب.

وللشعراء عادة في تجاوز قدر الممدوح فوق ما يستحقّه حتى إنّ ذلك أفضى بكثير منهم الى الكفر والخروج عن الحدّ أعاذنا الله من ذلك؛ وقال أنو شروان: من أثنى عليك بما لم توله فغير بعيد أن يذمّك بما لم تحبّه. وقال وهب بن منبّه: من مدحك بما ليس فيك، فلا تأمن أن يذمّك بما ليس فيك.

وأنشد عمر بن الخطاب رضى الله عنه قول زهير بن أبى سلمى في هرم بن سنان

دع ذا! وعدّ القول في هرم

خير الكهول وسيّد الحضر

لو كنت من شىء سوى بشر

كنت المنوّر ليلة القدر

ولأنت أوصل من سمعت به

لنوائل الأرحام والصّهر

ولنعم حشو الدّرع أنت اذا

دعيت نزال ولجّ في الذّعر

فقال عمر رضى الله عنه: ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 174

ولما حضر أبا بكر الصدّيق رضى الله عنه الوفاة؛ قالت عائشة رضى الله عنها وهو يغمض

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

فنظر اليها وقال: ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال آخر

ولو كنت أرضا كنت ميثاء سهلة

ولو كنت ليلا كنت صاحبة البدر

ولو كنت ماء كنت ماء غمامة

ولو كنت يوما كنت تعريسة الفجر

وقال محمّد بن هانئ

أغير الذى قد خطّ في اللوح أبتغى

مديحا له إنّى إذا لعنود

وما يستوى وحى من الله منزل

وقافية في الغابرين شرود

وقال عمر بن الخطّاب رضى الله عنه لمتمّم بن نويرة صف لى أخاك فإنى أراك تمدحه، فقال: كان أخى يحبس المزاد بين الصّوحين في الليلة القرّة معتقلا للرمح الخطل، عليه الشّملة القلوب، يقود الفرس الحرون فيصيح ضاحكا مستبشرا:

الخطل: الطويل المضطرب، والقلوب: التى لا تنضمّ على الرّحل لقصرها.

وسأل عبد الله بن عباس صعصعة بن صوحان العبدىّ عن إخوته فقال: أما زيد فكما قال أخو عبس

فتى لا يبالى أن يكون بوجهه

إذا نال خلّان الكرام شحوب

ثم قال: كان والله يا ابن عباس، عظيم المروءة، شريف الأبوّة، جليل القدر، بعيد الشرّ، كميش العروة، زين النّدوة، سليم جوانح الصدر، قليل وساوس الفكر،

ص: 175

ذاكرا لله تعالى في طرفى النّهار وزلفا من الليل، الجوع والشّبع عنده سيّان، لا منافس فى الدنيا، ولا غافل عن الآخرة، يطيل السكوت، ويديم الفكر، ويكثر الاعتبار، ويقول الحق، ويلهج الصدق، ليس في قلبه غير ربه، ولا يهمه غير نفسه، فقال ابن عبّاس: ما ظنّك برجل سبقه عضو منه الى الجنّة؟ رحم الله زيدا! فأين كان عبد الله منه؟ فقال: كان عبد الله سيّدا شجاعا، شيخا مطاعا، خيره وساع، وشره دفاع. ليّن النحيزة، أحوذىّ الغريزة، لا ينهنه منهنه عمّا أراد، ولا يركب إلّا ما اعتاد، سمام العدى، فيّاض النّدى، صعب المقادة، جزل الرّفادة. أخو إخوان، وفتى فتيان، ثم أنشد شعر حسّان بن ثابت

اذا قال لم يترك مقالا لقائل

بملتقطات لا يرى بينها فصلا

قضى فشفى ما في النّفوس فلم يدع

لذى إربة في القوم جدّا ولا هزلا

ودخل ضرار بن ضمرة الكنانىّ على معاوية بن أبى سفيان فقال له: صف لى عليّا فقال له: أو تعفينى؟ فقال: لا أعفيك؟ قال: أما إذ لا بدّ، فإنّه كان بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلّب كفّيه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللّباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، كان والله كأحدنا يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقرّبه إلينا وقربه منا لا نكلّمه هيبة له، فان تبسّم فعن مثل لؤلؤ منظوم، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوىّ في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله.

ص: 176

وذكر عمرو بن معديكرب بنى سليم فقال: بارك الله على حىّ بنى سليم ما أصدق فى الهيجاء لقاءها! وأثبت في النوازل بلاءها! وأجزل في النائبات عطاءها! والله لقد قابلتهم فما أجبتهم، وهاجيتهم فما أفحمتهم، وسألتهم فما أبخلتهم.

وقال بعض العرب: فلان حتف الأقران غداة النزال، وربيع الضّيفان عشيّة النزول.

وقال آخر: فلان ليث اذا غدا، وبدر اذا بدا، ونجم اذا هدى. وسمّ إذا أردى.

ودخل على النّعمان بن المنذر بن امرىء القيس ابن عمرو بن عدىّ اللّخمىّ فحيّاه بتحيّة الملوك ثم قال: أيفاخرك ذو فائش وأنت سائس العرب، وعروة الحسب والأدب، لأمسك أيمن من يومه! ولعبدك أكرم من قومه، ولقفاك أحسن من وجهه، وليسارك أجود من يمينه، ولظنّك أصدق من يقينه ولوعدك أثلج من رفده، ولخالك أشرف من جدّه، ولنفسك أمنع من جنده، وليومك أزهر من دهره، ولفترك أبسط من شبره، ثم قال

أخلاق مجدك جلّت ما لها خطر

فى البأس والجود بين الحلم والخفر

متوّج بالمعالى فوق مفرقه

وفي الوغى ضيغم في صورة القمر

اذا دجا الخطب جلاه بصارمه

كما يجلّى زمان المحل بالمطر

فتهلّل وجه النعمان سرورا، ثم أمر أن يحشى فوه درّا وكسى أثواب الرضى وكانت حباب أطواقها الذهب بقصب الزمرد. ثم قال النّعمان: هكذا فليمدح الملوك.

وذو فائش: هو سلامة بن يزيد بن سلامة من ولد يحصب بن مالك وكان النابغة

ص: 177

متّضلا به قبل اتصاله بالنّعمان، وله فيه مدائح كثيرة فاقتص الله تعالى من النّعمان ابن المنذر بعد ذلك لما حكى أنه دخل حسان بن ثابت على الجفنىّ فقال: انعم صباحا أيها الملك! السماء غطاؤك، والأرض وطاؤك، ووالدى ووالدتى فداؤك، أنّى ينافسك ابن المنذر؟ فو الله لقذالك أحسن من وجهه، ولأمّك خير من أبيه، ولظلك خير من شخصه، ولصمتك أبلغ من كلامه، ولشمالك خير من يمينه، ثم قال

قذالك أحسن من وجهه

وأمّك خير من المنذر

ويسرى يديك اذا أعسرت

كيمنى يديه فلا تمترى

أخذ المعنى الحسن بن هانئ فقال

بأبى أنت من غزال غرير

بذّ حسن الوجوه حسن قفاكا

ونظر بعض الشعراء الى هذا المعنى فقال يمدح زبيدة ابنة جعفر بن أبى جعفر المنصور أم الأمين

أزبيدة ابنة جعفر

طوبى لزائرك المثاب

تعطين من رجليك ما

تعطى الأكفّ من الرّغاب

فلما أنشد ذلك تبادر العبيد ليوقعوا به فقالت زبيدة: كفّوا عنه فلم يرد إلّا خيرا، ومن أراد خيرا فأخطأ خير ممّن أراد شرا فأصاب، إنّه سمع الناس يقولون: قفاك أحسن من وجه غيرك، وشمالك أندى من يمين سواك، فقدّر أن هذا مثل ذاك، أعطوه ما أمل، وعرّفوه ما جهل؛ ومثله: مدح شاعر أميرا فقال

أنت الهمام ابن الهما

م الواسع ابن الواسعه

فقال له: من أين عرفتها؟ قال: قد جرّبتها فقال: أسوأ من شعرك، ما أتيت به من عذرك!

ص: 178

قال دخل خالد بن عبد الله العنبرىّ على عمر بن عبد العزيز لمّا ولى الخلافة فقال: يا أمير المؤمنين من تكن الخلافة قد زانته فأنت قد زيّنتها، ومن يكن شرّفته فقد شرّفتها، وأنت كما قال الشاعر

وإذا الدّر زان حسن وجوه

كان للدّر حسن وجهك زينا

فقال عمر بن عبد العزيز: أعطى صاحبكم مقولا، ولم يعط معقولا. ولمّا دخل عبد الله المأمون بغداد تلقّاه وجوه أهلها فقال له رجل منهم: يا أمير المؤمنين! بارك الله لنا في مقدمك، وزادك في نعمتك، وشكرك على رعيّتك، تقدّمت من قبلك، وأتعبت من بعدك، وأيأست أن نعاين مثلك، أمّا فيمن مضى فلا نعرفه، وأمّا فيمن بقى فلا نرجوه، فنحن جميعا ندعولك، ونثنى عليك. خصب لنا جنابك، وعذب شرابك، وحسنت نصرتك، وكرمت مقدرتك. جبرت الفقير، وفككت الأسير، فأنت يا أمير المؤمنين كما قال الشاعر

ما زلت في البذل للنوال وإط

لاق لعان بجرمه علق

حتى تمنّى البراء أنّهم

عندك أمسوا في القدّ والحلق

وقال رجل للحسن بن سهل: لقد صرت لا أستكثر كثيرك، وإن قليلك أكثر من كثير غيرك. وقال الرشيد لبعض الشعراء: هل أحدثت فينا شيئا؟ قال:

يا أمير المؤمنين! المديح كلّه دون قدرك، والشّعر فيك فوق قدرى. ولكنى أستحسن قول العتّابى

ماذا عسى مادح يثنى عليك وقد

ناداك في الوحى تقديس وتطهير

فتّ الممادح إلا أن ألسننا

مستنطقات بما تخفى الضمائير!

ص: 179

وقال رجل في خالد بن صفوان: قريع المنطق، جزل الألفاظ، عربىّ اللسان، قليل الحركات، حسن الإشارات، حلو الشمائل، كثير الطلاوة، صموتا قؤولا، يهنأ الجرب، ويداوى الدبر، ويفك المحزّ، ويطبق المفصل، لم يكن بالزمر في مروءته، ولا بالهذر في منطقه، متبوعا غير تابع، كأنّه علم في رأسه نار.

وقيل لبعض الخلفاء: إن شبيب بن شيبة يستعمل الكلام ليستعدّ به؛ فلو أمرت به ان يصعد المنبر فجاءة لافتضح، قال: فأمر من أخذ بيده فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبىّ صلى الله عليه وسلم ثم قال: إن لأمير المؤمنين أشباها أربعة؛ فمنها: الأسد الخادر، والبحر الزاخر، والقمر الباهر، والربيع الناضر؛ فأما الأسد الخادر، فأشبه منه صولته ومضاؤه. وأما البحر الزاخر، فأشبه منه جوده وعطاؤه. وأمّا القمر الباهر، فأشبه منه نوره وضياؤه. وأما الربيع الناضر، فأشبه منه حسنه وبهاؤه، ثم نزل.

وقيل دخل رجل على المنصور فقال له تكلّم بحاجتك؛ فقال: يبقيك الله تعالى يا أمير المؤمنين! قال: تكلّم بحاجتك؛ فإنّك لا تقدر على مثل هذا المقام في كلّ حين. قال: والله يا أمير المؤمنين! ما أستقصر أجلك، ولا أخاف بخلك، ولا أغتنم مالك، وإن عطاءك لشرف، وإنّ سؤالك لزين، وما بامرىء بذل اليك وجهه نقص ولا شين، فأحسن جائزته وأكرمه.

وقال محمد بن مالك القرطبىّ من رسالة: ما رأيت وجها أسمح، ولا حلما أرجح، ولا سجيّة أسمح، ولا بشرا أبدى، ولا كفّا أندى، ولا غرّة أجمل، ولا فضيلة أكمل،

ص: 180

ولا خلقا أصفى، ولا وعدا أوفى، ولا ثوبا أطهر، ولا سمتا أوفر، ولا أصلا أطيب، ولا رأيا أصوب، ولا لفظا أعذب، ولا عرضا أنقى، ولا بناء أبقى، ممّا خصّ الله به ثالث القمرين، وسراج الخافقين، وعماد الثّقلين المعتصم بالله.

وقال بعض الكتّاب: إنّ من النعمة على المثنى عليك أن لا يخاف الإفراط، ولا يأمن التقصير، ولا يحذر أن يلحقه نقيصة الكذب، ولا ينتهى به المدح الى غاية، إلا وجد في فضلك عونا على تجاوزها. ومن سعادة جدّك أنّ الداعى لك لا يعدم كثرة المشايعين له، والمؤمنين معه.

وقال آخر: إنى فيما أتعاطى من مدحك كالمخبر عن ضوء النهار الباهر، والقمر الزاهر الذى لا يخفى على كلّ ناظر، وأيقنت أنى حيث انتهى بى القول الى العجز مقصر عن الغاية فانصرفت عن الثناء عليك الى الدعاء لك، ووكلت الإخبار عنك الى علم الناس بك.

وقال أبو عبد الله محمد بن الخباط من رقعة طويلة في المظفّر في أوّلها: حجب الله عن الحاجب المظفّر أعين النائبات، وقبض دونه أيدى الحادثات؛ فإنه مذ كان أنور من الشمس ضياء، وأكمل من البدر بهاء، وأندى من الغيث كفّا، وأحمى من الليث أنفا، وأسخى من البحر بنا، وأمضى من النصل لسانا، وأنجبه المنصور فجرى على سننه، وأدّب فأخذ بسننه، وكانت الرياسة عليه موقوفة، والسياسة اليه مصروفة، قصرت الأوهام عن كنه فضله، وعجزت الأقلام عن وصف مثله، غير أن الفضائل لا بدّ من نشرها، والمكارم لا عذر في ترك شكرها.

فهذه نبذة كافية مما ورد في المنثور فلنذكر ما ورد من المنظوم في ذلك.

ص: 181

قال أبو هلال العسكرىّ: سمعت أبا أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد يقول:

امدح بيت قالته العرب قول النابغة الذبيانىّ يمدح النّعمان بن المنذر

ألم تر أن الله أعطاك سورة؟

ترى كلّ ملك دونها يتذبذب

بأنك شمس والملوك كواكب

اذا طلعت لم يبد منهنّ كوكب

وهو مأخوذ من قول بعض شعراء كندة مدح عمرو بن هند

تكاد تميد الأرض بالناس أن رأوا

لعمرو بن هند غضبة وهو عاتب

هو الشمس وافت يوم سعد فأفضلت

على كلّ ضوء والملوك كواكب

وقال نصيب

هو البدر والناس الكواكب حوله

وهل يشبه البدر المضىء كواكب

وقالوا: أبدع بيت قيل في المديح قول النابغة

فإنك كالليل الذى هو مدركى

وإن خلت أن المنتأى عنك واسع

وقوله: «أخلاق مجدك» - الأبيات وقد تقدمت- وقد تداول الناس قول النابغة

فإنك كالليل الذى هو مدركى

فقال الفرزدق

فلو حملتنى الريح ثم طلبتنى

لكنت كشىء أدركته مقادره

وقول النابغة أبلغ، لأن الليل أعمّ من الريح، والريح يمتنع منها بأشياء، والليل لا يمتنع منه بشىء. وأخذ سلم الخاسر قول الفرزدق فقال

فأنت كالدهر مبثوثا حبائله

والدهر لا ملجأ منه ولا هرب

ولو ملكت عنان الريح أصرفه

فى كلّ ناحية ما فاتك الطلب

ص: 182

وقالوا: أجود شىء قيل في الحسن مع الشجاعة من شعر المتقدّمين والمحدّثين قول أبى العتاهية يمدح الرشيد بن المهدىّ وولده

بنو المصطفى! هارون حول سريره

فخير قيام حوله وقعود

تقلّب ألحاظ المهابة بينهم

عيون ظباء في قلوب أسود

وقالوا: أمدح بيت قالته العرب قول أبى الطّمحان القينى

أضاءت لهم أحسابهم ووجوهم

دجى الليل حتى نظّم الجزع ثاقبه

نجوم سماء كلّما انقضّ كوكب

بدا كوكب يأوى اليه كواكبه

وما زال منهم حيث كان مسوّد

تسير المنايا حيث سارت كتائبه

وهذه الأبيات من قصيدة مدح بها بجير بن أوس بن حارثة، ابن لأم الطائى، وكان أسيرا في يده، فلما مدحه بها أطلقه بعد أن جزّ ناصيته؛ وأوّل القصيدة

اذا قيل: أىّ الناس خير قبيلة؟

وأصبر يوما لا توارى كواكبه؛

فإنّ بنى لأم بن عمرو أرومة

علت فوق صعب لا تنال مراتبه!

أضاءت لهم أحسابهم الأبيات.

ومثله قول ابن أبى السّمط

فتى لا يبالى المدلجون بنوره

الى بابه أن لا تضىء الكواكب

له حاجب من كلّ أمر يشينه

وليس له عن طالب العرف حاجب

ومثله قول الحطيئة

نمشى على ضوء أحساب أضأن لنا

كما أضاءت نجوم الليل للسارى

ومثله قول الآخر

وجوه، لو انّ المدلجين اعتشوا بها

صدعن الدجى حتى يرى الليل ينجلى

ص: 183

وقال عيسى بن أوس يمدح الجنيد بن عبد الرحمن

الى مستنير الوجه طال بسؤدد

تقاصر عنه الشاهق المتطاول

مدحتك بالحق الذى أنت أهله

ومن مدح الأقوام حقّ وباطل

يعيش الندى مادمت حيّا فإن تمت

فليس لحىّ بعد موتك طائل

وما لامرىء عندى مخيلة نعمة

سواك وقد جادت علىّ مخائل

وقالوا: أمدح بيت قالته العرب قول الأعشى

فتى، لو ينادى الشمس ألقت قناعها

أو القمر السارى لألقى المقالدا

وهذا من الغلو وهو مذموم عند بعضهم.

ومثله في الغلوّ قول طريح بن إسماعيل

لو قلت للسيل: دع طريقك وال

موج عليه كالهضب يعتلج

لارتدّ أو ساخ أو لكان له

فى جانب الأرض عنك منعرج

ومن الغلوّ قول أبى تمّام في المعتصم بالله

بيمن أبى إسحاق طالت يد العلى

وقامت قناة الدين واشتدّ كاهله

هو البحر من أىّ النواحى أتيته

فلجّته المعروف والجود ساحله

تعوّد بسط الكفّ حتى لو انه

أراد انقباضا لم تطعه أنامله

ولو لم يكن في كفّه غير نفسه

لجاد بها فليتّق الله سائله

وقال العسكرىّ

وكيف يبيت الجار منك على صدى؟

وكفّك بحر لجّة الجود ساحله

ص: 184

وقال أبو هلال العسكرىّ يرفعه الى الأصمعىّ قال: سمعت أعرابيّا يقول: إنكم معاشر أهل الحضر، لتخطئون المعنى، إنّ أحدكم ليصف الرجل بالشجاعة فيقول:

كأنه الأسد، ويصف المرأة بالحسن فيقول: كأنها الشمس، ولم لا تجعلون هذه الأشياء بهم أشبه؟ ثم قال: والله لأنشدنّك شعرا يكون لك إماما. ثم أنشدنى

اذا سألت الورى عن كلّ مكرمة

لم تلف نسبتها إلا الى الهول

فتى حوادا أعار النّيل نائله

فالنّيل يشكر منه كثرة النّيل

والموت يرهب أن يلقى منيّته

فى شدّة عند لفّ الخيل بالخيل

لو عارض الشمس ألفى الشمس مظلمة

أو زاحم الصّمّ ألجاها الى الميل

أو بارز الليل غطّته قوادمه

دون الخوافى كمثل الليل في الليل

أمضى من النجم إن نابته نائبة

وعند أعدائه أجرى من السيل

ومثله قول الآخر

علّم الغيث الندى حتى اذا

ما حكاه علّم البأس الأسد

فله الغيث مقرّ بالندى

وله الليث مقرّ بالجلد

وقال اميّة بن أبى الصلت في عبد الله بن جدعان

أأذكر حاجتى أم قد كفانى

حياؤك؟ إن شيمتك الحياء

كريم لا يغيّره صباح

عن الخلق الكريم ولا مساء

فأرضك أرض مكرمة بنتها

بنو تيم وأنت لها سماء

ونحوه قوله

لكل قبيلة شرف وعزّ

وأنت الرأس تقدم كلّ هاد

ص: 185

وقال ابن الرومىّ

قوم يحلّون من مجد ومن شرف

ومن غناء محلّ البيض واليلب

حلّوا محلّهما من كلّ جمجمة

نفعا ودفعا وإطلالا على الرتب

قوم هم الرأس إذ حسّادهم ذنب

ومن يمثّل بين الرأس والذنب

وقال أبو هلال العسكرىّ

فابشر فإنك رأس والعلى جسد

والمجد وجه وأنت السمع والبصر

لولاك لم تك للأيّام منقبة

تسمو اليها ولا للدهر مفتخر

وقال علىّ بن جبلة

لولا أبو دلف لم تحى عارفة

ولم ينؤ نوء مأمول بآمال

يابن الأكارم من عدنان، قد علموا

وتالد المجد بين العمّ والخال

وناقل الناس من عدم الى جدة

وصارف الدهر من حال الى حال

أنت الذى تنزل الأيّام منزلها

وتمسك الأرض عن خسف وزلزال

وما مددت مدى طرف الى أحد

إلا قضيت بآمال وآجال

تزورّ سخطا فتمسى البيض راضية

وتستهلّ فتبكى أوجه المال

وقالوا: أمدح بيت قالته العرب قول زهير

تراه اذا ما جئته متهللا

كأنك تعطيه الذى أنت سائله

وعاب بعضهم هذا البيت وقال: جعل الممدوح يفرح بغرض يناله، وليس هذا صفة كبير الهمة، والجيّد قول أبى نوفل عمرو بن محمد الثقفىّ

ولئن فرحت بما ينيلك إنه

لبما ينيلك من نداه أفرح

ما زال يعطى ناطقا أو ساكتا

حتى ظننت أبا عقيل يمزح

ص: 186

ومثله قول أبى تمّام

أسائل نصر لا تسله فإنّه

أحنّ الى الإرفاد منك الى الرّفد

وقالوا: أمدح بيت قالته العرب قول الحطيئة

متى تأته تعشو الى ضوء

تجد خير نار عندها خير موقد

وقال القاسم بن حنبل

من البيض الوجوه بنى سنان

لو انك تستضىء بهم أضاءوا

لهم شمس النهار اذا استقلّت

ونور لا يغيّبه العماء

هم حلّوا من الشرف المعلّى

ومن حسب العشيرة حيث شاءوا

فلو أنّ السماء دنت لمجد

ومكرمة دنت لهم السماء

وقالوا أيضا: أمدح بيت قيل قول الأوّل أيضا

قوم، سنان أبوهم حين تنسبهم

طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا

لو كان يقعد فوق الشمس من كرم

قوم بعزّهم أو مجدهم قعدوا

محسّدون على ما كان من نعم

لا ينزع الله عنهم ما له حسدوا

وقالوا: أمدح بيت قاله محدّث، قول مروان بن أبى حفصة في معن ابن زائدة

بنو مطر يوم اللقاء كأنّهم

أسود لها في غيل خفّان أشبل

هم المانعون الجار حتى كأنما

لجارهم بين السّماكين منزل

بها ليل في الإسلام سادوا ولم يكن

كأوّلهم في الجاهليّة أوّل

هم القوم، إن قالوا أصابوا، وإن دعوا

أجابوا، وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا

ص: 187

وقال العسكرىّ: وأنشد بعض أهل الأدب قول ابن أبى طاهر وقال: لو استعمل الإنصاف لكان هذا أحسن مدح قاله متقدّم ومتأخّر وهو

إذا أبو أحمد جادت لنا يده

لم يحمد الأجودان: البحر والمطر

وإن أضأت لنا أنوار غرّته

تضاءل النيران: الشمس والقمر

وإن مضى رأيه أو جدّ عزمته

تأخّر الماضيان: السيف والقدر

من لم يكن حذرا من حدّ صولته

لم يدر ما المزعجان: الخوف والحذر

حلو، اذا أنت لم تبعث مرارته

فإن أمرّ فحلو عنده الصّبر

سهل الخلائق إلا أنه خشن

لين المهزة إلا أنه حجر

لا حيّة ذكر في مثل صولته

إن صال يوما ولا الصّمصامة الذكر

اذا الرجال طغت آراؤهم وعموا

بالأمر ردّ اليه الرأىّ والنظر

الجود منه عيان لا ارتياب به

إذ جود كلّ جواد عنده خبر

وقال: ومن المديح القليل النظير، قول علىّ بن محمد الأفوه

أوفوا من المجد والعلياء في قلل

شمّ، قواعدهنّ البأس والجود

سبط اللقاء اذا شيمت مخائلهم

بسل اللقاء اذا صيد الصناديد

محسّدون، ومن يعلق بحبلهم

من البريّة يصبح وهو محسود

وقالوا: أمدح بيت قاله محدّث قول علىّ بن جبلة في أبى دلف

إنما الدنيا أبو دلف

بين باديه ومختضره

فاذا ولّى أبو دلف

ولّت الدّنيا على أثره

وهى من القصائد المشهورة، وأولها

ذاد ورد الغىّ عن صدره

وارعوى، واللهو من وطره

ص: 188

جاء منها في مدحه

يا دواء الأرض إن فسدت

ومجير اليسر من عسره

كلّ من في الأرض من عرب

بين باديه الى حضره

مستعير منه مكرمة

يكتسيها يوم مفتخره

إنما الدنيا أبو دلف

............... ....

قال العسكرىّ: ومن المديح البارع قول بشار

ألا أيها الطالب المبتغى

نجوم السماء بسعى أمم

سمعت بمكرمة ابن العلاء

فأنشأت تطلبها لست ثم

اذا عرض الهمّ في صدره

لها بالعطاء، وضرب البهم

فقل للخليفة إن

نصيحا ولا خير في المتّهم

اذا أيقظتك جسام الأمور

فنبّه لها عمرا ثمّ نم

فتى، لا يبيت على دمنة

ولا يشرب الماء إلا بدم

يحبّ العطاء وسفك الدماء

فيغدو على نعم أو نقم

قال ومن المديح القليل النظير: قول أمامة بنت الجلّاح الكلبيّة

اذا شئت أن تلقى فتى لو وزنته

بكلّ معدّىّ وكلّ يمانى

وفي بهم جودا وحلما وسؤددا

وباسا، فهذا الأسود بن قنان

فتى، كالفتاة البكر، يسفر وجهه

كأن تلالى وجهه القمران

أغرّ أبرّ ابنى نزار ويعرب

وأوثقهم عقدا بقول لسان

وأوفاهم عهدا وأطولهم يدا

وأعلاهم فعلا بكلّ مكان.

ص: 189

وأضربهم بالسيف من دون جاره

وأطعنهم من دونه بسنان

كأنّ العطايا والمنايا بكفه

سحابان مقرونان مؤتلفان

ومن المديح البارع قول أبى تمّام

رأيت لعيّاش خلائق لم تكن

لتكمل إلّا في اللباب المهذّب

له كرم لو كان في الماء لم يغض

وفي البرق ما شام امرؤ برق خلّب

أخو عزمات بذله بذل محسن

الينا ولكن عذره عذر مذنب

يهولك أن تلقاه في صدر محفل

وفي نحر أعداء وفي قلب موكب

وما ضيق أقطار البلاد أضافنى

اليك ولكن مذهبى فيك مذهبى

وهذى بنات المدح فاجرر ذيولها

عليك وهذا مركب الحمد فاركب

وقد أحسن التّنوخىّ في قوله

وفتية من حمير حمر الظّبى

بيض العطايا حين يسودّ الأمل

شموس مجد في سموات على

وأسد موت بين غابات أسل

وقالت الخنساء في أخيها صخر

طويل النجاد رفيع العما

د ساد عشيرته أمردا

اذا القوم مدّوا بأيديهم

الى المجد مدّ اليه يدا

فنال الذى فوق أيديهم

من المجد ثم مضى مصعدا

فكلّفه القوم ما عالهم

وإن كان أصغرهم مولدا

ترى الحمد يهوى الى بيته

يرى أفضل الكسب أن يحمدا

ص: 190

قال آخر

ومصعد هضبات المجد يطلعها

كأنه لسكون الجأش منحدر

مازال يسبق حتى قال حاسده

له طريق الى العلياء مختصر

وقال إبراهيم بن العبّاس

تلج السنون بيوتهم وترى لها

عن بيت جارهم ازورار مناكب

وتراهم بسيوفهم وشفارهم

مستشرفين لراغب أو راهب

حامين أو قارين حيث لقيتهم

نهب العفاة ونزهة للراغب

وقال أيضا

اذا السّنة الشّهباء مدّت سماءها

مددت سماء دونها فتحلّت

وعادت بك الريح العقيم لدى القرى

لقاحا فدرّت عن نداك وطلّت

وقال ابن الرومىّ

كأن مواهبه في المحو

ل آراؤه عند ضيق الحيل

فلو كان غيثا لعمّ البلاد

ولو كان سيفا لكان الأجل

ولو كان يعطى على قدره

لأغنى النفوس وأفنى الأمل

وقال أبو الحسن بن أبى البغل البغدادىّ يمدح أبا القاسم بن وهب وقد تقدّم ذكر بعضها لابن أبى طاهر

اذا أبو قاسم جادت لنا يده

لم يحمد الأجودان: البحر والمطر

وإن أضاءت لنا أنوار غرّته

تضاءل النّيّران: الشّمس والقمر

وإن بدا رأيه أو جدّ عزمته

تأخر المأضيان: السيف والقدر

ص: 191

ينال بالظنّ ما كان اليقين به

والشاهدان عليه العين والأثر

كأنّه وزمام الدهر في يده

يدرى عواقب ما يأتى وما يذر

وقال ذو الرمّة

يطيب تراب الأرض إن نزلوا بها

ويختال أن تعلو عليها المنابر

وما زلت تسمو للمعالى وتجتنى

جنى المجد مذ شدّت عليك المآزر

الى أن بلغت الأربعين فألقيت

اليك جماهير الأمور الأكابر

فأحكمتها لا أنت في الحكم عاجز

ولا أنت فيها عن هدى الحقّ جائر

وقال الشّريف الرّضىّ

يا مخرس الدّهر عن مقالته

كلّ زمان عليك متّهم

شخصك في وجه كلّ داجية

ضحى وفي كلّ مجهل علم

وقال أبو الحسن السلامىّ

اذا زرته لم تلق من دون بابه

حجابا ولم تدخل عليه بشافع

كماء الفرات الجمّ أعرض ورده

لكلّ أناس فهو سهل الشرائع

تراه اذا ما جئته متهللا

تهلّل أبكار الغيوث الهوامع

وقال محمد بن الحسين الآمدىّ

من القوم لما استغرب المجدّ غيرهم

من الناس أمسوا منه فوق الغرائب

اذا سالموا كانوا صدور مراتب

وإن حاربوا كانوا قلوب مواكب

جواد متى ما رامت الريح شأوه

كبت دون مرمى خطوه المتقارب

وبحر ندى لو زاره البحر حدّثت

عجائبه عن فعله بالعجائب

ص: 192

وقال الأصمعى: كنت بالبادية فرأيت امرأة على قبر تبكى وتقول

فمن للسؤال ومن للنوال

ومن للمقال ومن للخطب؟

ومن للحماة ومن للكماة

اذا ما الكماة جثوا للرّكب؟

اذا قيل: مات أبو مالك

فتى المكرمات قريع العرب

[فقد مات عزّ بنى آدم

وقد ظهر النّكد بعد الطرب «1» ]

قال: فملت إليها، وسألتها عنه، فقالت: فديتك! هذا أبو مالك الحجّام، ختن أبى منصور الحائك، فما ظننت إلا أنّه من سادات العرب.

وقال العماد الأصفهانىّ

حيّيون يخفون إحسانهم

ويعتذرون كان قد اساءوا

اذا أظلم الدهر أعدوا عليه

وإن أظلم الخطب يوما أضاءوا

بمثلكم قد أقرّ الرجال

فمثلكم لم تلده النّساء

وللناس من حسن أيّامكم

بدولتكم كلّ يوم هناء

وقال ايضا

فلأطوين على أغرّ محجّل

عرض الفلاة الى أغرّ محجّب

ليث الوغى غوث ورى غيث النّدى

بدر النّدىّ، نعم! وصدر الموكب

واذا استوى في دسته مالت له

أعناق كل متوّج ومعصّب

وتميت رأفته حقود عداته

وتحلّ هيبته عقود المحتبى

إنّ الممالك ما تزال برأيه

فى صائب وبجوده في صيّب

ص: 193

يحبوك معتذرا اليك فيا له

من محسن تعروه خجلة مذنب

يزهى بأصل في العلاء مخيّم

شرفا وفرع بالكرام مطنّب

وقال أحمد بن محمد النامىّ

له سورة في البشر تقرأ في العلا

وتثبت في صحف العطاء وتكتب

اذا ما علىّ أمطرتك سماؤه

رأيت العلا أنواؤها تتحلّب

وأزهر يبيضّ الندى منه في الرضا

وتحمرّ أطراف القنا حين يغضب

أمير الندى ما للندى عنك مذهب

ولا عنك يوما للرغائب مرغب

وقال أبو حامد أحمد بن محمد الأنطاكىّ

سيّد شادت علاه له

فى العلا آباؤه النجب

وله بيت يمدّ له

فوق مجرى الأنجم الطّنب

حسبه بالمصطفى شرفا

وعلىّ حين ينتسب

رتبة في العز شامخة

قصرت عن مثلها الرتب

وقال ابن نباتة السعدىّ

يرى الشمس أمّا والكواكب إخوة

وينظر من بدر السماء الى ترب

غنيت عن الآمال حين رأيته

وأصبح من بين الورى كلّهم حسبى

فلم أطلب المعروف من غير كفّه

وهل تطلب الأمطار إلا من السحب؟

وقال أبو حامد أحمد الأنطاكىّ

لو نيل بالمجد في العلياء منزلة

لنال بالمجد أعنان السموات

يرمى الخطوب برأى يستضاء به

اذا دجا الرأى من أهل البصيرات

فليس يلقاه إلا عند عارفة

أو واقفا في صدور السمهريّات

ص: 194

وقال أبو طالب المأمونىّ

قد وجدنا خطا الكلام فساحا

فجعلنا النسيب فيك امتداحا

وأفضنا ما في الصدور ففاض المدح

قبل النسيب فيك انفساحا

وعمدنا الى علاك فصغنا

لصدور القريض منها وشاحا

وصدعنا في أوجه الشّعر من بيض

مساعيك بالندى أوضاحا

كم كسير جبرته وفقير

مستميح رددته مسمّاحا

وأمان خرس بسطت لها في القول

حتى أعدتهنّ فصاحا

وبلاد جوامح رضتها بالعزم

حتى أنسيتهنّ الجماحا

شهرت منك آل سامان عضبا

ينجح السعى غربه إنجاحا

لا يذوق الإغفاء إلا رجاء

أن يرى طيف مستميح رواحا

وقال أحمد بن محمد النامىّ

أمير العلا إن العوالى كواسب

علاءك في الدنيا وفي جنّة الخلد

يمرّ عليك الحول، سيفك في الطّلى

وطرفك ما بين الشكيمة واللّبد

ويمضى عليك الدهر، فعلك للعلا

وقولك للتقوى، وكفّك للرّفد

وقال أيضا

فتى، قسّم الايّام بين سيوفه

وبين طريفات المكارم والتلد

فسوّد يوما بالعجاج وبالردى

وبيّض يوما بالفضائل والحمد

وقال الصاحب بن عبّاد

أيّها الآملون حطّوا سريعا

برفيع العماد وارى الزناد

ص: 195

فهو إن جاد ذمّ حاتم طىء

وهو إن قال فلّ قسّ إياد

واذا ما ربا فأين زياد

من علاه وأين آل زياد

وقال أبو طالب المأمونىّ من قصيدة

فتى ملئت بردتاه علا

ونبلا وفضلا ومجدا وخيرا

اذا ضمّه الدّست ألفيته

سحابا مطيرا وبدرا منيرا

وإن أبرزته وغى خلته

حساما بتورا وليثا هصورا

وطورا معيدا وطورا مبيدا

وطورا مجيرا وطورا أميرا

ترى في ذراه لسان المنى

طويلا وباع الليالى قصيرا

تضمّ الأسرّة منه ذكاء

وتحمل منه المذاكى ثبيرا

وقال أبو الطيّب المتنبى

بمشى الكرام على آثار غيرهم

وأنت تخلق ما تأتى وتبتدع

من كان فوق محلّ الشمس موضعه

فليس يرفعه شىء ولا يضع

وقال أبو المعالى محمد بن مسعود الأصفهانىّ شاعر الخريدة

قد حلّ في مدرج العلياء مرتبة

مطامح الشهب عن غاياتها تقف

أغرى بوصف معاليه الورى شغفا

لكنه والمعالى فوق ما وصفوا

إن ناصبته العدا فالدهر معتذر

أو أنكروا فضله فالمجد معترف

وقال السلامىّ شاعر اليتيمة

يزور نائلك العافى وصارمك العاصى

فتحويهما أيد وأعناق

فى كلّ يوم لبيت المجد منك غنى

وثروة ولبيت المال إملاق

كم خضت من لجة للنفع زاخرة،

ماء المنون بها- حاشاك- دفّاق

ص: 196

وقال المتنبى

أنت الجواد بلا منّ ولا كدر

ولا مطال ولا وعد ولا ملل

وقال أبو الفرج الببغاء

لا غيث نعماه في الورى خلّب البرق

ولا ورد جوده وشل

جاد الى أن لم يبق نائله

مالا ولم يبق للورى أمل

وقال محمد بن الحسن الحاتمىّ شاعر اليتيمة

ومن عوّدته المكرمات شمائلا

فليس له عنها- ولو شاء- ناقل

وإن راسل الأعداء فالجود رسله

اليهم وأطراف العوالى الرسائل

عظمت، فهذا الدهر دونك همة،

وجدت فهذا القطر عندك باخل

وقال مؤيّد الدين الطغرائىّ

لو دبّ رأيك في كعوب قنا

ما مسّها طنب ولا خلل

أو كان ضوءك للغزالة لم

يحجب ضياء جبينها الطّفل

أو كان لطفك في الحياة لما

طافت بها الأسقام والعلل

أنت الذى لولا علاه عفت

طرق الهدى واستبهم السّبل

فى كلّ شعب من رويّته

شعب ومن آرائه شعل

يرتدّ عنه جفن حاسده

فكأنه بالنار يكتحل

وجه كيوم الصحو مبتسم

ويد كليل الدّجن تنهمل

مسحت على الأنواء راحته

فانساق منها العارض الهطل

إن ضنّ غيث أو خبا قمر

فجبينه ويمينه البدل

ص: 197

وقال ابن الرومىّ

آراؤكم ووجوهكم وسيوفكم

فى الحادثات- اذا دجون- نجوم

فيها معالم للهدى ومصابح

تجلو الدجى والأخريات رجوم

وقال أبو الطيّب المتنبّى

قوم بلوغ الغلام عندهم

طعن نحور الكماة لا الحلم

كأنما يولد الندى معهم

لا صغر عاذر ولا هرم

اذا تولّوا عداوة كشفوا

وإن تولّوا صنيعة كتموا

تظن من كثرة اعتذارهم

أنهم أنعموا وما علموا

إن برقوا فالحتوف حاضرة

أو نطقوا فالصواب والحكم

أو شهدوا الحرب لاقحا أخذوا

من مهج الدار عين ما احتكموا

أو ركبوا الخيل غير مسرجة

فإن أفخاذهم لها حزم

تشرق أعراضهم وأوجههم

كأنها في نفوسهم شيم

أعيذكم من صروف دهركم

فإنه في الكرام متّهم

وقال أيضا

ودانت له الدنيا فأصبح جالسا

وأيّامه فيما يريد قيام

وكلّ أناس يبتغون إمامهم

وأنت لأهل المكرمات إمام

وقال أيضا

هم المحسنون الكرّ في حومة الوغى

وأحسن منه كرّهم في المكارم

ولولا احتقار الأسد شبّهتها بهم

ولكنها معدودة في البهائم

ص: 198

وقال المشوّق الشامىّ شاعر اليتيمة

يروح الى كسب الثناء ويغتدى

اذا كان همّ الناس كسب الدراهم

وإن جلس الأقوام عن واجب الندى

وحقّ العطايا كان أوّل قائم

يزيد ابتهاجا كلّما زار قاصد

كأنّ به شوقا إلى كلّ قادم

وقال السلامىّ شاعرها

تشبّهه المدّاح في البأس والندى

بمن لو رآه كان أصغر خادم

ففى جيشه خمسون ألفا كعنتر

وأمضى وفي خزّانه ألف حاتم

وقال أبو طالب المأمونىّ من قصيدة

يعمّم بالهندىّ حين يسلّه

أسود الوغى بالضرب فوق العمائم

فلا ملك إلا ما أقمت عروشه

ولا غيث إلا ما أفضت لشائم

ولا تاج إلا ما تولّيت عقده

على جبهة الملك المكنّى بقاسم

فرأيك نجم في دجى الليل ثاقب

وعزمك غضب في طلى كلّ ناجم

وقال المشوّق الشامىّ

ما زال يبنى كعبة للعلى

ويجعل الجود لها ركنا

حتى أتى الناس فطافوا بها

وقبّلوا راحته اليمنى

وقال المأمونىّ من قصيدة

همام يبكّى المشرفيّة ساخطا

ويضحك أبكار الأمانىّ راضيا

ولو أنّ بحرا يستطيع ترقّيا

اليه لأمّ البحر جدواه راجيا

ص: 199