الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وثقت بالباطل من قولها
…
وليس حقّا كلّ ما تسمع
وإنما موعدها بارق
…
فى كل حين خلّب يلمع
ويضرب المثل في الطمع «بأشعب» . قيل له: ما بلغ من طمعك؟ فقال للقائل له: لم تقل هذا إلا وفي نفسك خير تصنعه بى؛ وقيل: إنه لم يمت شريف قطّ من أهل المدينة إلا استعدى أشعب على وصيّه أو وارثه وقال له: احلف أنه لم يوص لى بشىء قبل موته؛ ووقف على رجل يعمل طبقا من الخيزران، فقال له: وسّعه قليلا، قال الخيزرانىّ: كأنك تريد أن تشتريه؟ قال: لا، ولكن ربما يشتريه بعض الأشراف فيهدى إلىّ فيه شيئا؛ وسأله سالم بن عبد الله بن عمر رضى الله عنه عن طمعه، قال: قلت لصبيان مرة: اذهبوا، هذا سالم قد فتح بيت صدقة عمر حتى يطعمكم تمرا، فلما أحضروا ظننت أنه كما قلت لهم، فعدوت فى إثرهم؛ وقيل له: ماذا بلغ من طمعك؟ قال: أرى دخان جارى فأثرد «1» عليه؛ وقيل له أيضا: ما بلغ من طمعك؟ قال: ما رأيت عروسا بالمدينة تزفّ إلا كنست بيتى ورششته طمعا أن تزفّ إلىّ؛ وقيل له: هل رأيت أطمع منك؟ قال: نعم، كلب أمّ حومل، تبعنى فرسخين، وأنا أمضغ كندرا «2» ، ولقد حسدته على ذلك.
ذكر ما قيل في الوعد والمطل
روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «العدة دين» .
وقال بعض القرشيّين: من خاف الكذب، أقلّ من المواعيد.
وقيل: أمران لا يسلمان من الكذب: كثرة المواعيد، وشدّة الاعتذار.
وقالوا: خلف الوعد، خلق الوغد.
وقال المهلّب لبنيه: يا بنىّ، إذا غدا عليكم الرجل أو راح مسلّما، فكفى بذلك تقاضيا.
قال الشاعر
اروح لتسليم عليك وأغتدى
…
فحسبك بالتسليم منى تقاضيا
كفى بطلاب المرء ما لا يناله
…
عناء وباليأس المصرّح ناهيا
وقيل: الوعد إذا لم يشفعه إنجاز يحقّقه، كان كلفظ لا معنى له، وجسم لا روح فيه. وقالوا: الخلف ألأم من البخل، لأنه من لم يفعل المعروف، لزمه ذمّ اللؤم «1» ، وذمّ الخلف، وذمّ العجز. قال بعض الشعراء
وعدت فأكذبت المواعيد جاهدا
…
وأقلعت إقلاع الجهام بلا وبل
وأجررت لى حبلا طويلا تبعته
…
ولم أدر أن اليأس في طرف الحبل
وقال أبو تمّام
وما نفع من قد مات بالأمس صاديا
…
إذا ما سماء اليوم طال انهمارها
وما العرف بالتّسويف الا كخلّة
…
تسلّيت عنها حين شطّ مزارها
والعرب تضرب المثل بمواعيد عرقوب، وكان رجلا من العماليق وله في ذلك حكايات، فمنها: أنه أتاه أخ له، يسأله شيئا، فقال له عرقوب: إذا أطلعت هذه النخلة فلك طلعها، فلما أطلعت، أتاه الرجل للعدة، فقال: دعها حتى تصير بلحا، فلما أبلحت، أتاه، فقال: دعها حتى تصير زهوا، فلما أزهت، قال: دعها حتى
تصير رطبا، فلما أرطبت، قال: دعها حتى تصير تمرا، فلما أتمرت، عمد إليها عرقوب، فجذّها ولم يعط أخاه منها شيئا.
وفيه يقول الأشجعىّ
وعدت وكان الخلف منك سجيّة
…
مواعيد عرقوب أخاه بيثرب «1»
وقال كعب بن زهير بن أبى سلمى
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا
…
وما مواعيدها إلا الأباطيل
وقال السّكّيت للمهدىّ: يا أمير المؤمنين، لو كان الوعد يستنزل بالإهمال والسكون، لشكرتك القلوب بالضمير، ولنظرت إلى فضلك العيون بالأوهام، فقال المهدىّ:
هذا جزاء التفريط فيما يكسب الأجر، ويدخر الشكر، وأمر بقضاء حاجته.
وقال أعرابىّ: العذر الجميل، أحسن من المطل الطويل، فإن أردت الإنعام فأنجح، وإن تعذّرت الحاجة فأفصح.
وقال بعض كرماء العرب: لأن أموت عطشا، أحبّ إلىّ من أن أخلف موعدا.
وقالوا: من وعد فأخلف، لزمته ثلاث مذمّات: ذمّ اللّؤم، وذمّ الخلف، وذمّ الكذب؛ وقال بعض الشعراء
ولا خير في وعد إذا كان كاذبا
…
ولا خير في قول إذا لم يكن فعل
فإن تجمع الآفات فالبخل شرّها
…
وشرّ من البخل المواعيد والمطل
قال بعض الأعراب: فلان له مواعيد عواقبها المطل، وثمارها الخلف، ومحصولها اليأس.