الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللِّوَاطُ مِنَ الْكَبَائِر
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} (2)
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ، وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ ، إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ} (3)
وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ ، مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} (4)
(1)[الشعراء: 160 - 166]
(2)
[العنكبوت: 28]
(3)
[الأنبياء: 74]
(4)
[هود: 82، 83]
(م حم طس)، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (" مَلْعُونٌ مَنْ سَبَّ أَبَاهُ ، مَلْعُونٌ مَنْ سَبَّ أُمَّهُ (وفي رواية: مَلْعُونٌ مَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ)(1) مَلْعُونٌ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ (2)) (3)(مَلْعُونٌ مَنْ غَيَّرَ حُدُودَ الْأَرْضِ (4)) (5)(مَلْعُونٌ مَنْ كَمَهَ أَعْمَى عَنْ طَرِيقٍ (6)) (7)(مَلْعُونٌ مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ)(8)(مَلْعُونٌ مَنْ آوَى (9) مُحْدِثًا (10)) (11)(مَلْعُونٌ مَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ (12) مَلْعُونٌ مَنْ عَمِلَ بِعَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ) (13)(قَالَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِرَارًا ثَلَاثًا فِي اللُّوطِيَّةِ (14) ") (15)
(1)(طس) 8497 ، (ك) 8053 ، (حم) 2917 ، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده جيد ، وانظر صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 2420
(2)
قوله تعالى {وَلَا تَأكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} فَيَتَقَيَّدُ النَّهْيُ بِحَالِ كَوْنِ الذَّبْحِ فِسْقًا ، وَالْفِسْقُ فِي الذَّبِيحَةِ مُفَسَّرٌ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى بِمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمِّيَ مَعَ اللهِ غَيْرَهُ عَلَيْهَا ، فَلَا يَقُولُ: بِسْمِ اللهِ وَاسْمِ مُحَمَّدٍ ، لِإِيهَامِهِ التَّشْرِيكَ ، وَكَمَا لَا يَجُوزُ إفْرَادُ غَيْرِ اللهِ بِالذِّكْرِ عَلَيْهَا. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَأَفْتَى أَهْلُ بُخَارَى بِتَحْرِيمِ مَا يُذْبَحُ عِنْدَ لِقَاءِ السُّلْطَانِ تَقَرُّبًا إلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَا: وَاعْلَمْ أَنَّ الذَّبْحَ لِلْمَعْبُودِ أَوْ بِاسْمِهِ كَالسُّجُودِ لَهُ ، فَمَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى ، أَوْ لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ وَالْعِبَادَةِ ، لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُ ، وَكَفَرَ بِذَلِكَ ، كَمَنْ سَجَدَ لِغَيْرِهِ سَجْدَةَ عِبَادَةٍ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ ، كَأَنْ ذَبَحَ لِلْكَعْبَةِ تَعْظِيمًا لَهَا لِأَنَّهَا بَيْتُ اللهِ تَعَالَى ، أَوْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ رَسُولُ اللهِ ، أَوْ اسْتِبْشَارًا لِقُدُومِ السُّلْطَانِ ، حَلَّتْ وَلَا يَكْفُرُ بِذَلِكَ ، كَمَا لَا يَكْفُرُ بِالسُّجُودِ لِغَيْرِ اللهِ تَذَلُّلًا وَخُضُوعًا ، وَإِنْ حَرُمَ. شرح البهجة الوردية (ج5 ص157)
(3)
(حم) 1875 ، (م) 1978، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن
(4)
الْمُرَادُ بِهِ: عَلَامَتَهَا وَحُدُودَهَا الْوَاقِعَةَ بَيْنَ حَدَّيْنِ لِلْجَارَيْنِ.
وَقَالَ بَعْضٌ: الْمُرَادُ: مَنْ غَيَّرَ أَعْلَامَ الطَّرِيقِ ، لِيُتْعِبَ النَّاسَ ، وَمَنَعَهُمْ عَنْ الْجَادَّةِ ، وَوَجْهُ عَدِّ هَذَا مِنْ الْكَبَائِرِ أَنَّ فِيهِ أَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ، أَوْ إيذَاءَ الْمُسْلِمِينَ الْإِيذَاءَ الشَّدِيدَ ، أَوْ التَّسَبُّبَ إلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ ، وَلِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ ، فَشَمَلَ ذَلِكَ مَنْ غَيَّرَهَا مِنْ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ أَوْ الْأَجَانِبِ ، وَمَنْ تَسَبَّبَ إلَى ذَلِكَ ، كَأَنْ اتَّخَذَ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ مَمْشًى يَصِيرُ بِسُلُوكِهِ طَرِيقًا ، وَإِلَّا جَازَ حَيْثُ لَا ضَرَرَ ، وَقَدْ وَقَعَ لِلْقَفَّالِ مِنْ أَئِمَّتِنَا أَنَّهُ كَانَ رَاكِبًا بِجَانِبِ مَلِكٍ ، وَبِالْجَانِبِ الْآخَرِ إمَامٌ حَنَفِيٌّ ، فَضَاقَتْ الطَّرِيقُ فَسَلَكَ الْقَفَّالُ غَيْرَهَا ، فَقَالَ الْحَنَفِيُّ لِلْمَلِكِ: سَلْ الشَّيْخَ: أَيَجُوزُ سُلُوكُ أَرْضِ الْغَيْرِ؟ ، فَسَأَلَهُ الْمَلِكُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ ، إذَا لَمْ تَصِرْ بِهِ طَرِيقًا، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا نَحْوُ زَرْعٍ يَضُرُّهُ السُّلُوكُ. الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 429)
(5)
(طس) 8497 ، (ك) 8053 ، (م) 1978 ، صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب:2420
(6)
أَيْ: عَمَّى عليه الطريق ، ولم يوقفه عليه.
(7)
(حم) 1875 ، (حم) 2817
(8)
(طس) 8497 ، (ك) 8053 ، (حم) 2915 ، صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب:2420
(9)
آوَى: حمى ونصر.
(10)
(مَنْ آوَى مُحْدِثًا) أَيْ ضَمَّ إلَيْهِ مَنْ أَحْدَثَ فِعْلًا غَيْرَ مَشْرُوعٍ ، مِثْلَ السَّرِقَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ ، بِأَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ ، وَيَمْنَعَهُ الْقَوَدَ. (بريقة محمودية)(3/ 197)
(11)
(م) 1978
(12)
ورد في الْحَدِيثُ أنَّ مَنْ أَتَى الْبَهِيمَةَ أَنَّهَا تُقْتَلُ مَعَهُ. قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ وَجَدْتُمُوهُ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ ، فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ "، فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا شَأنُ الْبَهِيمَةِ؟ ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ شَيْئًا ، وَلَكِنْ أَرَى رَسُولَ اللهِ كَرِهَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْ لَحْمِهَا أَوْ يُنْتَفَعَ بِهَا ، وَقَدْ عُمِلَ بِهَا ذَلِكَ الْعَمَلُ.
(13)
(حم) 1875 ، (حم) 2817
(14)
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: حَرَقَ اللُّوطِيَّةَ بِالنَّارِ أَرْبَعَةٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ ، وَهِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ. سبل السلام - (ج 6 / ص 21)
(15)
(حم) 2916 ، صَحِيح الْجَامِع: 5891 ، وقال الأرناؤوط: إسناده حسن.
(ت)، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ"(1)
الشرح (2)
(1)(ت) 1457 ، (جة) 2563 ، انظر صَحِيح الْجَامِع: 1552 ، صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 2417
(2)
قَالَ الطِّيبِيُّ أَضَافَ " أَفْعَلَ " إِلَى " مَا " ، وَهِيَ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ ، لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اِسْتَقْصَى الْأَشْيَاءَ الْمُخَوَّفَ مِنْهَا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ ، لَمْ يُوجَدْ أَخْوَفُ مِنْ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ. تحفة الأحوذي - (4/ 95)
وَقَدْ سَمَّى اللهُ اللِّواط: فَاحِشَةً ، وَخَبِيثَةً ، وَهُوَ مِنْ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ ، وَقَدْ قَصَّ اللهُ عز وجل عَلَيْنَا فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ قِصَّتَهُمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، تَحْذِيرًا لَنَا مِنْ أَنْ نَسْلُكَ سَبِيلَهُمْ ، فَيُصِيبَنَا مَا أَصَابَهُمْ ، قَالَ تَعَالَى:{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} أَيْ: أَمَرَ اللهُ تَعَالَى جِبْرِيلَ بِأَنْ يَقْلَعَ قُرَاهُمْ مِنْ أَصْلِهَا ، فَاقْتَلَعَهَا وَصَعِدَ بِهَا عَلَى خَافِقَةٍ مِنْ جَنَاحِهِ ، إلَى أَنْ سَمِعَ أَهْلُ سَمَاءِ الدُّنْيَا أَصْوَاتَ حَيَوَانَاتِهِمْ ، ثُمَّ قَلَبَهَا بِهِمْ ، وقَالَ تَعَالَى:{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} أَيْ: مِنْ طِينٍ مُحَرَّقٍ بِالنَّارِ {مَنْضُودٍ} أَيْ: مُتَتَابِعٍ يَتْلُو بَعْضُهُ بَعْضًا {مُسَوَّمَةً} أَيْ: مَكْتُوبًا عَلَى كُلٍّ مِنْهَا اسْمَ مَنْ يُصِيبُهُ ، أَوْ مُعَلَّمَةً بِعَلَامَةٍ يُعْلَمُ بِهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ حِجَارَةِ الدُّنْيَا.
{عِنْدَ رَبِّكَ} أَيْ: فِي خَزَائِنِهِ الَّتِي لَا يُتَصَرَّفُ فِيهَا إلَّا بِإِذْنِهِ.
{وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} أَيْ: وَمَا مَا هِيَ بِبَعِيدٍ مِنْ ظَالِمِي هَذِهِ الْأُمَّةِ إذَا فَعَلُوا فِعْلَهُمْ أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِأُولَئِكَ مِنْ الْعَذَابِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {أَتَأتُونَ الذُّكْرَانَ مِنْ الْعَالَمِينَ ، وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ ، بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} أَيْ: مُتَعَدُّونَ مُجَاوِزُونَ الْحَلَالَ إلَى الْحَرَامِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَنَجَّيْنَاهُ} أَيْ: لُوطًا.
{مِنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ} فَأَعْظَمُ خَبَائِثِهِمْ إتْيَانُ الذُّكُورِ فِي أَدْبَارِهِمْ بِحَضْرَةِ بَعْضِهِمْ ، وَلَمْ يَجْمَعْ اللهُ تَعَالَى عَلَى أُمَّةٍ مِنْ الْعَذَابِ مَا جَمَعَ عَلَى قَوْمِ لُوطٍ ، فَإِنَّهُ طَمَسَ أَبْصَارَهُمْ ، وَسَوَّدَ وُجُوهَهُمْ ، وَأَمَرَ جِبْرِيلَ بِقَلْعِ قُرَاهُمْ مِنْ أَصْلِهَا ثُمَّ يَقْلِبَهَا لِيَصِيرَ عَالِيَهَا سَافِلَهَا ، ثُمَّ خَسَفَ بِهِمْ ، ثُمَّ أَمْطَرَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ مِنْ سِجِّيلٍ.
وَأَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى قَتْلِ فَاعِلِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ قَتْلِهِ كَمَا يَأتِي.
وَقَالَ بَعْضُ العلماء: النَّظَرُ بِالشَّهْوَةِ إلَى الْمَرْأَةِ وَالْأَمْرَدِ زِنًا كَمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " زِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ ، وَزِنَا اللِّسَانِ النُّطْقُ ، وَزِنَا الْيَدِ الْبَطْشُ وَزِنَا الرِّجْلِ الْخَطْوُ ، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى ، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ أَوْ يُكَذِّبُهُ " ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ بَالَغَ الصَّالِحُونَ فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ الْمُرْدِ ، وَعَنْ النَّظَرِ إلَيْهِمْ ، وَعَنْ مُخَالَطَتِهِمْ وَمُجَالَسَتِهِمْ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ: لَا تُجَالِسْ أَوْلَادَ الْأَغْنِيَاءِ ، فَإِنَّ لَهُمْ صُوَرًا كَصُوَرِ الْعَذَارَى ، وَهُمْ أَشَدُّ فِتْنَةً مِنْ النِّسَاءِ.
وَقَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ: مَا أَنَا بِأَخْوَفَ عَلَى الشَّابِّ النَّاسِكِ مِنْ سَبُعٍ ضَارٍ ، مِنْ الْغُلَامِ الْأَمْرَدِ يَقْعُدُ إلَيْهِ.
وَحَرَّمَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْخَلْوَةَ بِالْأَمْرَدِ فِي نَحْوِ بَيْتٍ أَوْ دُكَّانٍ ، كَالْمَرْأَةِ ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:{مَا خَلَا رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا دَخَلَ الشَّيْطَانُ بَيْنَهُمَا} .
بَلْ فِي الْمُرْدِ مَنْ يَفُوقُ النِّسَاءَ بِحُسْنِهِ ، فَالْفِتْنَةُ بِهِ أَعْظَمُ ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ فِي حَقِّهِ مِنْ الشُّهْرَةِ مَا لَا يُمْكِنُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ ، وَيَتَسَهَّلُ فِي حَقِّهِ مِنْ طُرُقِ الرِّيبَةِ وَالشَّرِّ مَا لَا يَتَيَسَّرُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ ، فَهُوَ بِالتَّحْرِيمِ أَوْلَى.
قَالَ الْبَغَوِيّ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حَدِّ اللُّوطِيِّ ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ حَدَّ الْفَاعِلِ حَدُّ الزِّنَا ، إِنْ كَانَ مُحْصَنًا يُرْجَمُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا يُجْلَدُ مِائَةً ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَعَطَاءٍ ، وَالْحَسَنِ ، وَقَتَادَةَ ، وَالنَّخَعِيِّ ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ.
وَعَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ جَلْدُ مِائَةٍ ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً ، مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ اللُّوطِيَّ يُرْجَمُ ، وَلَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ ، رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ، وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. أ. هـ كلام البغوي.
ولَا نَجِدُ حَيَوَانًا ذَكَرًا يَنْكِحُ مِثْلَهُ ، فَنَاهِيكَ بِرَذِيلَةٍ تَعَفَّفَتْ عَنْهَا الْحَمِيرُ ، فَكَيْفَ يَلِيقُ فِعْلُهَا بِمَنْ هُوَ فِي صُورَةِ رَئِيسٍ أَوْ كَبِيرٍ ، كَلَّا بَلْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْ قَذَرِهِ ، وَأَشْأَمُ مِنْ خَبَرِهِ ، وَأَنْتَنُ مِنْ الْجِيَفِ ، وَأَحَقُّ بِالشَّرَرِ وَالسَّرَفِ ، وَأَخُو الْخِزْيِ وَالْمَهَانَةِ ، وَخَائِنُ عَهْدِ اللهِ ، وَمَا لَهُ عِنْدَهُ مِنْ الْأَمَانَةِ ، فَبُعْدًا لَهُ وَسُحْقًا ، وَهَلَاكًا فِي جَهَنَّمَ وَحَرْقًا. الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 230)