الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّشَبُّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ
(خ م د ت)، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنها قَالَتْ:(قَالَتْ امْرَأَةٌ يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ لِي ضَرَّةً (1) فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ (2)) (3)(إِنْ تَشَبَّعْتُ لَهَا (4)) (5)(مِنْ زَوْجِي)(6)(بِمَا لَمْ يُعْطِنِي (7)؟) (8)(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ)(9)
وفي رواية (10): " مَنْ تَحَلَّى (11) بِمَا لَمْ يُعْطَ ، كَانَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْنِ مِنْ زُورٍ "
الشرح (12)
(1) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي اِمْرَأَةَ الرَّجُلِ: جَارَة ، وَتَدْعُو الزَّوْجَتَيْنِ وَالضَّرَّتَيْنِ: جَارَتَيْنِ ، وَذَلِكَ لِقُرْبِ مَحَلِّ أَشْخَاصهمَا ، كَالْجَارَيْنِ الْمُتَضَايِقَيْنِ فِي الدَّارَيْنِ يَسْكُنَانِهِمَا. عون المعبود - (11/ 34)
(2)
أَيْ: إِثْم وَبَأس. عون المعبود - (11/ 34)
(3)
(خ) 4921 ، (م) 2130
(4)
أَيْ: تَكَثَّرْتُ بِأَكْثَر مِمَّا عِنْدِي ، وَأَظْهَرْتُ لِضَرَّتِي أَنَّ زَوْجِي يُعْطِينِي أَكْثَر مِمَّا يُعْطِيهَا ، إِدْخَالًا لِلْغَيْظِ عَلَيْهَا. عون المعبود - (11/ 34)
و" الْمُتَشَبِّع " أَيْ: الْمُتَزَيِّن بِمَا لَيْسَ عِنْدَه ، يَتَكَثَّرُ بِذَلِكَ ، وَيَتَزَيَّنُ بِالْبَاطِلِ؛ كَالْمَرْأَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ وَلَهَا ضَرَّة ، فَتَدَّعِي مِنْ الْحَظْوَةِ عِنْدَ زَوْجِهَا أَكْثَرَ مِمَّا عِنْدَه ، تُرِيد بِذَلِكَ غَيْظَ ضَرَّتِهَا، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الرِّجَال.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي " الْفَائِق ": (الْمُتَشَبِّع) أَيْ: الْمُتَشَبِّهُ بِالشَّبْعَانِ وَلَيْسَ بِهِ، وَاسْتُعِيرَ لِلتَّحَلِّي بِفَضِيلَةٍ لَمْ يُرْزَقْهَا. تحفة الأحوذي - (5/ 297)
(5)
(د) 4997
(6)
(خ) 4921 ، (م) 2130
(7)
وفِي رِوَايَة (م) 2129 مِنْ حَدِيث عَائِشَة " أَنَّ اِمْرَأَة قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله ، أَقُولُ إِنَّ زَوْجِي أَعْطَانِي مَا لَمْ يُعْطِنِي؟ "
وفي رواية (حم) 25379: أَقُولُ أَعْطَانِي كَذَا، وَكَسَانِي كَذَا، وَهُوَ كَذِبٌ؟.
(8)
(م) 2130 ، (خ) 4921
(9)
(خ) 4921 ، (م) 2130
(10)
(ت): 2034
(11)
أَيْ: تَزَيَّنَ وَتَلَبَّسَ. تحفة الأحوذي - (5/ 298)
(12)
قَالَ أَبُو عُبَيْد: قَوْله " كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُور " أَيْ: كالرَّجُلِ يَلْبِسُ الثِّيَابِ الْمُشْبِهَة لِثِيَابِ الزُّهَّاد ، يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْهُمْ، وَيُظْهِر مِنْ التَّخَشُّعِ وَالتَّقَشُّفِ أَكْثَرَ مِمَّا فِي قَلْبِهِ مِنْهُ.
قَالَ: وَفِيهِ وَجْهٌ آخَر ، أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالثِّيَابِ: النَّفْس ، كَقَوْلِهِمْ فُلَانٌ نَقِيُّ الثَّوْب ، إِذَا كَانَ بَرِيئًا مِنْ الدَّنَس، وَفُلَانُ دَنِسَ الثَّوْب ، إِذَا كَانَ مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي دِينِه.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الثَّوْبُ مَثَل، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ صَاحِبُ زُورٍ وَكَذِبٍ، كَمَا يُقَال لِمَنْ وُصِفَ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الْأَدْنَاس: طَاهِرُ الثَّوْب ، وَالْمُرَاد بِهِ نَفْسُ الرَّجُل.
وَقَالَ أَبُو سَعِيد الضَّرِير: الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ شَاهِدَ الزُّورِ قَدْ يَسْتَعِيرُ ثَوْبَيْنِ يَتَجَمَّلُ بِهِمَا لِيُوهِمَ أَنَّهُ مَقْبُولُ الشَّهَادَة.
قَالَ نُعَيْم بْن حَمَّاد: كَانَ يَكُونُ فِي الْحَيِّ الرَّجُلُ لَهُ هَيْئَةٌ وَشَارَة، فَإِذَا احْتِيجَ إِلَى شَهَادَةِ زُور ، لَبِسَ ثَوْبَيْهِ وَأَقْبَلَ فَشَهِدَ ، فَقُبِلَ لِنُبْلِ هَيْئَتِه ، وَحُسْنِ ثَوْبَيْهِ، فَيُقَال: أَمْضَاهَا بِثَوْبَيْهِ ، يَعْنِي الشَّهَادَة، فَأُضِيفَ الزُّورُ إِلَيْهِمَا. فَقِيلَ: كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُور.
وَأَمَّا حُكْم التَّثْنِيَة فِي قَوْلِه " ثَوْبَيْ زُور " فَلِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ كَذِبَ الْمُتَحَلِّي مُثَنَّى، لِأَنَّهُ كَذَبَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا لَمْ يَأخُذْ ، وَعَلَى غَيْرِهِ بِمَا لَمْ يُعْطِ، وَكَذَلِكَ شَاهِدُ الزُّور ، يَظْلِمُ نَفْسَه ، وَيَظْلِم الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: فِي التَّثْنِيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ كَالَّذِي قَالَ الزُّورَ مَرَّتَيْنِ ، مُبَالَغَةً فِي التَّحْذِيرِ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: أَرَادَ بِالتَّثْنِيَةِ أَنَّ الْمُتَحَلِّي بِمَا لَيْسَ فِيهِ كَمَنْ لَبِسَ ثَوْبَيْ الزُّور ، اِرْتَدَى بِأَحَدِهِمَا ، وَاِتَّزَرَ بِالْآخَرِ ، فَالْإِشَارَةُ بِالْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ إِلَى أَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِالزُّورِ مِنْ رَأسِهِ إِلَى قَدَمِه.
وَأَرَادَ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ تَنْفِيرَ الْمَرْأَةِ عَمَّا ذَكَرْتْ ، خَوْفًا مِنْ الْفَسَادِ بَيْن زَوْجِهَا وَضَرَّتِهَا ، وَيُورِثُ بَيْنَهُمَا الْبَغْضَاء ، فَيَصِيرُ كَالسِّحْرِ الَّذِي يُفَرِّقُ بَيْن الْمَرْءِ وَزَوْجه. فتح الباري (15/ 23)