الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْجِدَالُ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْكَبَائِر
قَالَ تَعَالَى: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا ، فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ} (1)
وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ ، فَاسْتَعِذْ بِاللهِ ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (2)
(حم)، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ:(سَمِعْتُ رَجُلًا يَقْرَأُ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ ، فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَهَا؟ ، فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: قَدْ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى غَيْرِ هَذَا ، فَذَهَبْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ، آيَةُ كَذَا وَكَذَا ، ثُمَّ قَرَأتُهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " هَكَذَا أُنْزِلَتْ " ، فَقَالَ الْرَّجُلُ: أَلَيْسَ هَكَذَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ ، فَقَرَأَهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " هَكَذَا أُنْزِلَتْ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ)(3)(عَلَى أَيِّ حَرْفٍ قَرَأتُمْ فَقَدْ أَصَبْتُمْ ، فلَا تَتَمَارَوْا فِيهِ ، فَإِنَّ الْمِرَاءَ فِيهِ كُفْرٌ (4) ") (5)
(1)[غافر: 4]
(2)
[غافر: 56]
(3)
(حم) 17855
(4)
أراد إنكارَ قراءةٍ من السبع ، فإذا قالَ: هذه ليست من القرآن ، فقد أنكرَ القرآن ، وهو كُفر. فيض القدير - (6/ 344)
(5)
(حم) 17853 ، انظر صَحِيح الْجَامِع: 1163 ، الصَّحِيحَة: 1522
(حم)، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " الْمِرَاءُ ، وفي رواية: (الْجِدَالٌ) (1) فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ (2) فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا، وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ ، فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ (3) "(4)
(1)(حم) 7499 ، وقال الشيخ الأرناؤوط: إسناده صحيح.
(2)
قَالَ الْمُنَاوِيُّ: أَيْ الشَّكُّ فِي كَوْنِهِ كَلَامَ الله، أَوْ أَرَادَ الْخَوْضَ فِيهِ بِأَنَّهُ مُحْدَث أَوْ قَدِيم، أَوْ الْمُجَادَلَة فِي الْآي الْمُتَشَابِهَة وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى الْجُحُود والفِتن ، وإراقة الدماء.
وقال القاضي: أراد بالمراء: التَّدَارُؤ، وهو أن يروم تكذيب القرآن بالقرآن ليدفع بعضَه ببعض ، فيتطرق إليه قدحٌ وطعن. فيض القدير (6/ 344)
قَالَ الْإِمَام اِبْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة: الْمِرَاء: الْجِدَال وَالتَّمَارِي، وَالْمُمَارَاة: الْمُجَادَلَة عَلَى مَذْهَب الشَّكّ وَالرِّيبَة، وَيُقَال لِلْمُنَاظَرَةِ (مُمَارَاة) ، لِأَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا يَسْتَخْرِج مَا عِنْد صَاحِبه وَيَمْتَرِيه ، كَمَا يَمْتَرِي الْحَالِب اللَّبَن مِنْ الضَّرْع.
قَالَ أَبُو عُبَيْد: لَيْسَ وَجْهُ الْحَدِيثِ عِنْدنَا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي التَّأوِيل ، وَلَكِنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي اللَّفْظ ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ عَلَى حَرْف، فَيَقُولُ الْآخَر: لَيْسَ هُوَ هَكَذَا ، وَلَكِنَّهُ عَلَى خِلَافه ، وَكِلَاهُمَا مُنَزَّلٌ مَقْرُوءٌ بِهِ، فَإِذَا جَحَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِرَاءَةَ صَاحِبِه ، لَمْ يُؤْمَن أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يُخْرِجهُ إِلَى الْكُفْر ، لِأَنَّهُ نَفَى حَرْفًا أَنْزَلَهُ اللهُ عَلَى نَبِيِّه.
وَقِيلَ: إِنَّمَا جَاءَ هَذَا فِي الْجِدَال وَالْمِرَاء فِي الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا ذِكْر الْقَدَرِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمَعَانِي عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْكَلَامِ ، وَأَصْحَابِ الْأَهْوَاء وَالْآرَاء دُون مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الْأَحْكَامِ وَأَبْوَابِ الْحَلَال وَالْحَرَام ، فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ جَرَى بَيْن الصَّحَابَة فَمَنْ بَعْدهمْ مِنْ الْعُلَمَاء ، وَذَلِكَ فِيمَا يَكُون الْغَرَضُ مِنْهُ وَالْبَاعِثُ عَلَيْهِ ظُهُورُ الْحَقِّ لِيُتْبَع ، دُون الْغَلَبَةِ وَالتَّعْجِيز.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ أَنْ يَرُومَ تَكْذِيبَ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ ، لِيَدْفَع بَعْضَهُ بِبَعْضٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَهِد فِي التَّوْفِيق بَيْن الْمُتَخَالِفِينَ عَلَى وَجْهٍ يُوَافِقُ عَقِيدَةَ السَّلَف، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ ، فَلْيَكِلْهُ إِلَى اللهِ تَعَالَى.
وَقِيلَ: هُوَ الْمُجَادَلَةُ فِيهِ ، وَإِنْكَارُ بَعْضهَا. عون المعبود (10/ 123)
(3)
وقال القاضي: من حق الناظر في القرآن أن يجتهد في التوفيق بين الآيات ، والجمع بين المختلفات ما أمكنه ، فإن القرآن يُصَدِّقُ بعضُه بعضا ، فإن أَشكل عليه شيء من ذلك ولم يتيسر له التوفيق ، فليعتقد أنه من سوء فهمه ، ولْيَكِلْهُ إلى عالِمِه ، وهو الله ورسوله {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ}. [النساء: 59]. فيض القدير (6/ 344)
(4)
(حم) 7976 ، (د) 4603 ، صحيح الجامع: 3106 ، الصَّحِيحَة تحت حديث: 1522 ، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.
(طب)، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نَتَذَاكَرُ الْقُرْآنَ عِنْدَ بَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْزِعُ هَذَا بِآيَةٍ ، وَهَذَا بِآيَةٍ، " فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَأَنَّمَا فُقِئَ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ، فَقَالَ: يَا هَؤُلَاءِ، أَلِهَذَا بُعِثْتُمْ؟ ، أَمْ بِهَذَا أُمِرْتُمْ؟، لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ "(1)
(1)(طب) 5442 ، انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 140
(مسند الشاميين)، وَعَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " لَا تُجَادِلُوا بِالْقُرْآنِ، وَلَا تُكَذِّبُوا كِتَابَ اللهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، فَوَاللهِ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُجَادِلُ بِالْقُرْآنِ فَيُغْلَبُ، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ لَيُجَادِلُ بِالْقُرْآنِ فَيَغْلِبُ "(1)
(1)(مسند الشاميين) 942 ، انظر الصَّحِيحَة: 3447
(خ م) وَعَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ (1) فَقُومُوا عَنْهُ "(2)
الشرح (3)
(1) أَيْ: فِي فَهْمِ مَعَانِيه. فتح الباري (14/ 285)
(2)
(م) 2667 ، (خ) 4773
(3)
أَيْ: تَفَرَّقُوا لِئَلَّا يَتَمَادَى بِكَمْ الِاخْتِلَافُ إِلَى الشَّرّ، قَالَ عِيَاض: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ خَاصًّا زَمَنَهُ صلى الله عليه وسلم لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِنُزُولِ مَا يَسُوؤُهُم ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: اِقْرَءُوا وَالْزَمُوا الِائْتِلَاف عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَقَادَ إِلَيْهِ، فَإِذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ ، أَوْ عَرَضَ عَارِضُ شُبْهَةٍ يَقْتَضِي الْمُنَازَعَةَ الدَّاعِيَة إِلَى الِافْتِرَاق ، فَاتْرُكُوا الْقِرَاءَة، وَتَمَسَّكُوا بِالْمُحْكَمِ الْمُوجِبِ لِلْأُلْفَةِ وَأعْرِضُوا عَنْ الْمُتَشَابِه الْمُؤَدِّي إِلَى الْفُرْقَة، وَهُوَ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" فَإِذَا رَأَيْتُمْ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَاحْذَرُوهُمْ ".
وَيَحْتَمِل أَنَّهُ يَنْهَى عَنْ الْقِرَاءَةِ إِذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي كَيْفِيَّةِ الْأَدَاء ، بِأَنْ يَتَفَرَّقُوا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ ، وَيَسْتَمِرَّ كُلٌّ مِنْهُمْ عَلَى قِرَاءَتِه، وَمِثْلُهُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ اِبْن مَسْعُود لَمَّا وَقَعَ بَيْنه وَبَيْن الصَّحَابِيَّيْنِ الْآخَرَيْنِ الِاخْتِلَافُ فِي الْأَدَاء، فَتَرَافَعُوا إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:" كُلُّكُمْ مُحْسِن " ، وَبِهَذِهِ النُّكْتَةِ تَظْهَرُ الْحِكْمَةُ فِي ذِكْرِ حَدِيثِ اِبْن مَسْعُود عَقِيب حَدِيث جُنْدُب. فتح الباري (14/ 285)