الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَبُّ الْمُسْلِمِ مِنَ الْكَبَائِر
(خ م)، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " سِبَابُ (1) الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ (2) وَقِتَالُهُ كُفْرٌ"(3)
الشرح (4)
(1)(السِّبَاب) مَصْدَرُ سَبَّ ، يَسُبّ ، سَبًّا ، وَسِبَابًا. (فتح - ح48)
(2)
الْفِسْقُ فِي اللُّغَةِ: الْخُرُوجُ، وَفِي الشَّرْعِ: الْخُرُوجُ عَنْ طَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ ، وَهُوَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ أَشَدُّ مِنْ الْعِصْيَانِ. قَالَ اللهُ تَعَالَى:{وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} ، فَفِي الْحَدِيثِ تَعْظِيمُ حَقِّ الْمُسْلِمِ ، وَالْحُكْمُ عَلَى مَنْ سَبَّهُ بِغَيْرِ حَقٍّ بِالْفِسْقِ. تحفة الأحوذي (5/ 224)
(3)
(خ) 48 ، (م) 64
(4)
إِنْ قِيلَ: هَذَا وَإِنْ تَضَمَّنَ الرَّدَّ عَلَى الْمُرْجِئَة ، لَكِنَّ ظَاهِرَهُ يُقَوِّي مَذْهَبَ الْخَوَارِج الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بِالْمَعَاصِي.
فَالْجَوَاب: أَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُبْتَدِعِ اِقْتَضَتْ ذَلِكَ، وَلَا مُتَمَسَّكَ لِلْخَوَارِجِ فِيهِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَه غَيْرُ مُرَاد، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْقِتَالُ أَشَدَّ مِنْ السِّبَاب - لِأَنَّهُ مُفْضٍ إِلَى إِزْهَاقِ الرُّوح - عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ أَشَدَّ مِنْ لَفْظِ الْفِسْق ، وَهُوَ الْكُفْر، وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْكُفْرِ ، الَّتِي هِيَ الْخُرُوجُ عَنْ الْمِلَّة، بَلْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْكُفْر مُبَالَغَةً فِي التَّحْذِير، مُعْتَمِدًا عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْقَوَاعِدِ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُ عَنْ الْمِلَّةَ، مِثْلَ حَدِيث الشَّفَاعَة ، وَمِثْلَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الله لَا يَغْفِر أَنْ يُشْرِك بِهِ ، وَيَغْفِر مَا دُون ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء} .
أَوْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْكُفْرَ لِشَبَهِهِ بِهِ؛ لِأَنَّ قِتَالَ الْمُؤْمِنِ مِنْ شَأنِ الْكَافِر.
وَقِيلَ: الْمُرَاد هُنَا الْكُفْرُ اللُّغَوِيّ ، وَهُوَ التَّغْطِيَة؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُعِينَهُ وَيَنْصُرَهُ ، وَيَكُفَّ عَنْهُ أَذَاهُ، فَلَمَّا قَاتَلَهُ كَانَ كَأَنَّهُ غَطَّى عَلَى هَذَا الْحَقّ.
وَالْأَوَّلَانِ أَوْلَى بِالْمَقْصُودِ مِنْ التَّحْذِيرِ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ وَالزَّجْرِ عَنْهُ ، بِخِلَافِ الثَّالِث.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ " كُفْر " أَيْ: قَدْ يَئُولُ هَذَا الْفِعْلُ بِشُؤْمِهِ إِلَى الْكُفْر، وَهَذَا بَعِيدٌ.
وَأَبْعَد مِنْهُ: حَمْلُهُ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ لِذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَ مُرَادًا لَمْ يَحْصُلْ التَّفْرِيقُ بَيْن السِّبَابِ وَالْقِتَال، فَإِنَّ مُسْتَحِلَّ لَعْنِ الْمُسْلِم بِغَيْرِ تَأوِيل ، يَكْفُرُ أَيْضًا.
ثُمَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ تَأوِيل.
وَمِثْل هَذَا الْحَدِيث: قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْض " ، فَفِيهِ هَذِهِ الْأَجْوِبَة.
وَنَظِيرُهُ قَوْلُه تَعَالَى {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} بَعْدَ قَوْلِه: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارهمْ} الْآيَة. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ بَعْض الْأَعْمَال يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْكُفْر تَغْلِيظًا.
وَأَمَّا قَوْله صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِم: " لَعْن الْمُسْلِم كَقَتْلِهِ " ، فَلَا يُخَالِفُ هَذَا الْحَدِيث؛ لِأَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ فَوْقَ الْمُشَبَّه، وَالْقَدْرُ الَّذِي اِشْتَرَكَا فِيهِ: بُلُوُغ الْغَايَة فِي التَّأثِير ، هَذَا فِي الْعَرْض، وَهَذَا فِي النَّفْس. فتح (1/ 167)
فَالْمُؤْمِنُ إِذَا اِرْتَكَبَ مَعْصِيَةً ، لَا يَكْفُر ، لِأَنَّ الَله تَعَالَى أَبْقَى عَلَيْهِ اِسْمَ الْمُؤْمِن ، فَقَالَ:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اِقْتَتَلُوا} ثُمَّ قَالَ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة ، فَأَصْلِحُوا بَيْن أَخَوَيْكُمْ} .
وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا اِلْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا " ، فَسَمَّاهُمَا مُسْلِمَيْنِ مَعَ التَّوَعُّدِ بِالنَّارِ.
وَالْمُرَاد هُنَا: إِذَا كَانَتْ الْمُقَاتَلَةُ بِغَيْرِ تَأوِيل سَائِغ. فتح الباري (1/ 127)
(بز)، وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " سَابُّ الْمُؤمِنِ ، كَالْمُشْرِفِ عَلَى الْهَلَكَةِ (1) "(2)
(1) أي: يكاد يَقعُ في الهَلاكِ الأُخْرويِّ ، وأرادَ في ذلك: المؤمنَ المعصوم والقصد به وما بعده: التحذيرُ من السَّب. فيض القدير - (4/ 104)
(2)
(كنز) 8093 ، صَحِيح الْجَامِع: 3586 ، صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 2780
(ت)، وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ نُفَيْعِ بْنِ الْحَارِثِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " الْحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانِ ، وَالْإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْبَذَاءُ (1) مِنْ الْجَفَاءِ (2) وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ "(3)
(1) الْبَذَاءُ: خِلَافُ الْحَيَاءِ ، وَهُو الْفُحْشُ فِي الْقَوْلِ، وَالسُّوءُ فِي الْخُلُقِ. تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 259)
(2)
الْجَفَاءُ: غَلَاظَة الطَّبْعِ ، وَقَسَاوَةُ الْقَلْبِ. تحفة الأحوذي (5/ 259)
(3)
(ت) 2009 ، (جة) 4186 ، صَحِيح الْجَامِع: 3199 ، الصَّحِيحَة: 495
(خد)، وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: صَنَعَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما طَعَامًا ، فَبَيْنَمَا الْجَارِيَةُ تَعْمَلُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، إِذْ قَالَ لَهَا الرَّجُلُ: يَا زَانِيَةُ، فَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ: مَهْ (1) إِنْ لَمْ تَحُدَّكَ فِي الدُّنْيَا ، تَحُدُّكَ فِي الْآخِرَةِ (2) قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ كَذَاكَ (3)؟ ، فَقَالْ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْفَاحِشَ الْمُتَفَحِّشَ. (4)
(1) أَيْ: ما هذا!؟.
(2)
أي: إن لم تُقِم عليك حَدَّ القذف في الدنيا ، وهو ثمانين جلدة ، وذلك بسبب ضعفها وقلة حيلتها ، فإنها ستقيم عليك الحد في الآخرة.
(3)
أي: ما رأيك إذا كان كلامي صحيحا وأنها قد زنت بالفعل.
(4)
(خد) 331 ، انظر صَحْيح الْأَدَبِ الْمُفْرَد: 252