الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كل سَاعَة الْأَمْوَال الْكَثِيرَة الباهظة، الَّتِي هم وعيالهم فِي أَشد الِاحْتِيَاج إِلَى بَعْضهَا. فَهَذَا فَوق أَنه إِسْرَاف وسفه وطيش يعاقبون عَلَيْهِ أَشد الْعقَاب من الله - فَلَا شكّ أَيْضا أَنه يسْتَلْزم مَنعهم من دُخُول الْمَسَاجِد لنتن رَوَائِح أَفْوَاههم الَّتِي هِيَ أَشد خبثا من رَوَائِح البصل والثوم والكرات، وَلَكنَّا إِذا قُلْنَا لَهُم هَذَا كَانَت الْحَرْب بَيْننَا وَبينهمْ عوانا صهيونية، فنوصي هَؤُلَاءِ بتنظيف أَفْوَاههم وتطييبها بالروائح الطّيبَة قبل الذّهاب إِلَى الْمَسَاجِد.
فصل
وَمن الأكاذيب الَّتِي يلوكها بعض الشُّيُوخ فِي هَذَا الْبَاب: -
حَدِيث: إِذا أكلْتُم الفجل وأردتم أَلا يُوجد لَهَا ريح فاذكروني عِنْد أول قضمة " مَوْضُوع.
حَدِيث: " يَا عَليّ إِذا تزودت فَلَا تنس البصل " كذب بحت.
حَدِيث: " عَلَيْكُم بالبصل فَإِنَّهُ يطيب النُّطْفَة، وَيصْلح الْوَلَد " مَوْضُوع مختلق أَيْضا، كَمَا فِي تذكرة الموضوعات للفتني.
حَدِيث: " فضل الكرات على سَائِر الْبُقُول كفضل الْخبز على الْحُبُوب " مَوْضُوع كَمَا فِي كشف الخفا.
فصل فِي إِبَاحَة الْمبيت فِي الْمَسْجِد، وَالرَّدّ على من منع ذَلِك
قَرَأت وَأَنا صَغِير السن كتابا صَغِيرا اسْمه (وَصَايَا النَّبِي للْإِمَام عَليّ) وَمِمَّا قرأته فِيهِ: النَّهْي عَن النّوم فِي الْمَسَاجِد، لِأَنَّهُ يذهب الْقُوَّة، أَو يضر الْبدن ثمَّ قَرَأت قَرِيبا مثل هَذَا الْكَلَام فِي ديوَان خطب الشَّيْخ مَحْمُود خطاب السُّبْكِيّ الْمُسَمّى:" هِدَايَة الْأمة المحمدية "، وَنَصّ لفظ الشَّيْخ بعد نَهْيه عَن التشويش فِي الْمَسَاجِد هُوَ: (فَإِنَّهُ حرَام لَا يصدر إِلَّا من إِبْلِيس اللعين استهواه - إِلَى أَن
قَالَ: - وَالنَّوْم فِي الْمَسْجِد والتكلم حَال الْوضُوء بِغَيْر طَاعَة، كَمَا هُوَ ديدن الجهلة أهل الإضاعة، لَا يَلِيق حُصُوله مِمَّن عرف ربه جلّ علاهُ) اهـ نَصه من ص 196.
وَيرد هَذَا الْكَلَام بل وينقضه مَا ذكره البُخَارِيّ فِي صَحِيحه فَقَالَ: (بَاب نوم الْمَرْأَة فِي الْمَسْجِد) ، ثمَّ سَاق السَّنَد إِلَى عَائِشَة رضي الله عنها " أَن وليدة كَانَت سَوْدَاء لحي من الْعَرَب فأعتقوها، فَكَانَت مَعَهم، قَالَت: فَخرجت صبية لَهُم عَلَيْهَا وشاح أَحْمَر من سيور، قَالَت فَوَضَعته أَو وَقع مِنْهَا، فمرت بِهِ حدياة فحسبته لَحْمًا فخطفته، قَالَت فالتمسوه فَلم يجدوه، قَالَت فاتهموني بِهِ، قَالَت: فطفقوا يفتشون حَتَّى فتشوا قبلهَا، قَالَت: وَالله إِنِّي لقائمة مَعَهم إِذا مرت الحدياة فألقته، قَالَت: فَوَقع بَينهم، قَالَت: فَقلت هَذَا الَّذِي اتهمتموني بِهِ زعمتم، وَأَنا مِنْهُ بريئة، وَهُوَ ذَا هُوَ، قَالَت: فَجَاءَت إِلَى رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] فَأسْلمت، قَالَت عَائِشَة: فكاء لَهَا خباء فِي الْمَسْجِد أَو حفش قَالَت: فَكَانَت تَأتِينِي فَتحدث عِنْدِي، قَالَت: فَلَا تجْلِس عِنْدِي مَجْلِسا إِلَّا قَالَت:
(وَيَوْم الوشاح من أَعَاجِيب رَبنَا
…
أَلا إِنَّه من بَلْدَة الْكفْر أنجاني)
قَالَت عَائِشَة: فَقلت لَهَا: مَا شَأْنك لَا تقعدين مقْعدا إِلَّا قلت هَذَا؟ فحدثتني بِهَذَا الحَدِيث ".
وَقَالَ البُخَارِيّ أَيْضا وَغَيره. (بَاب نوم الرِّجَال فِي الْمَسْجِد) وَقَالَ أَبُو قلَابَة عَن أنس: " قدم رَهْط من عكل على النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] فَكَانُوا فِي.
الصّفة "، وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر: كَانَ أَصْحَاب الصّفة الْفُقَرَاء، وروى البُخَارِيّ أَيْضا عَن نَافِع عَن عبد الله: " أَنه كَانَ ينَام وَهُوَ شَاب أعزب لَا أهل لَهُ فِي مَسْجِد النَّبِي [صلى الله عليه وسلم]، وروى البُخَارِيّ أَيْضا عَن سهل ابْن سعد قَالَ:" جَاءَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] بَيت فَاطِمَة فَلم يجد عليا فِي الْبَيْت، قَالَ: أَيْن ابْن عمك؟ قَالَت: كَانَ بيني وَبَينه شَيْء فغاضبني، فَخرج فَلم يقل عِنْدِي، فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] لإِنْسَان: انْظُر أَيْن هُوَ؟ فجَاء فَقَالَ: يَا رَسُول الله هُوَ فِي الْمَسْجِد رَاقِد، فجَاء رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَهُوَ مُضْطَجع، قد سقط رِدَاؤُهُ عَن شقَّه، وأصابه تُرَاب، فَجعل رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] يمسحه عَنهُ وَيَقُول: قُم أَبَا تُرَاب " هَذَا الْأَحَادِيث وَمَعَهَا أَحَادِيث الِاعْتِكَاف تفِيد إِبَاحَة النّوم فِي الْمَسْجِد النَّبَوِيّ وَغَيره من الْمَسَاجِد.
وَقَالَ الشَّيْخ السُّبْكِيّ أَيْضا فِي هَذِه الْخطْبَة: فقد قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] : " الحَدِيث فِي الْمَسْجِد يَأْكُل الْحَسَنَات كَمَا تَأْكُل الْبَهِيمَة الْحَشِيش " وَهُوَ حَدِيث لَا أصل لَهُ. كَمَا قَالَه الْعِرَاقِيّ وَوَافَقَهُ شَارِح الْإِحْيَاء.
وَكَذَلِكَ حَدِيث: " الحَدِيث فِي الْمَسْجِد يَأْكُل الْحَسَنَات كَمَا تَأْكُل النَّار الْحَطب " فَهُوَ حَدِيث ضَعِيف كَمَا حَقَّقَهُ الْعِرَاقِيّ أَيْضا.
وَحَدِيث: " إِذا دخل الرجل الْمَسْجِد فَتكلم، قَالَ لَهُ الْملك: اسْكُتْ يَا ولي الله، فَإِن تكلم ثَانِيَة قَالَ لَهُ اسْكُتْ يَا حبيب الله، فَإِن تكلم قَالَ لَهُ: اسْكُتْ يَا عَدو الله " وَهُوَ حَدِيث مَكْذُوب مَوْضُوع مفترى.
نعم روى البُخَارِيّ عَن السَّائِب بن يزِيد قَالَ: " كنت قَائِما فِي الْمَسْجِد فصحبني رجل، فَنَظَرت فَإِذا عمر بن الْخطاب فَقَالَ: اذْهَبْ فأتني بِهَذَيْنِ،
فَجِئْته بهما، فَقَالَ: من أَنْتُمَا، أَو من أَيْن أَنْتُمَا؟ قَالَ: من أهل الطَّائِف، قَالَ: لَو كنتما من أهل الْبَلَد لأوجعتكما ضربا، ترفعان أصواتكما فِي مَسْجِد رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] ؟ ".
وَأما تنديد الشَّيْخ السُّبْكِيّ فِي الدِّيوَان على الْمُتَكَلّم حَال الْوضُوء بقوله: (وَاعْلَمُوا أَن من تكلم فِي تِلْكَ الْمَوَاضِع فقد أوقع نَفسه فِي المهالك، ونادى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ جهول خسيس، أَو الْجُنُون عراه، فتوضؤا وَأَنْتُم عَن كَلَام الدُّنْيَا ساكتون) فَهُوَ كَلَام مِمَّا لَا حق فِيهِ أصلا وَهل هَذَا النَّهْي آتٍ من جِهَة السّنة الصَّحِيحَة، أَو هُوَ من آراء متأخري الْفُقَهَاء؟ ثمَّ إِن كَلَام الْمُتَوَضِّئ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون بالوارد الَّذِي قدمنَا ذكره فِي فضل أذكار الْوضُوء، فَهَذِهِ عبَادَة فاضلة مَشْرُوعَة، وَإِمَّا أَن يكون بالأذكار المبتدعة أَو الْأَحَادِيث الْمَوْضُوعَة، فَهِيَ عبَادَة مَرْدُودَة، وَإِمَّا أَن يكون الْكَلَام فِي مصلحَة دنيوية، فَهُوَ جَائِز لَا شَيْء فِيهِ أصلا، إِلَّا إِن ظهر لنا دَلِيل من السّنة الصَّحِيحَة يدل على مَنعه، وَإِمَّا أَن يكون الْكَلَام لغير مصلحَة، فَهُوَ لَغْو من القَوْل أَفْلح من أعرض عَنهُ فِي وَقت الْوضُوء وَغَيره. قَالَ تَعَالَى {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ الَّذين هم فِي صلَاتهم خاشعون وَالَّذين هم عَن اللَّغْو معرضون} ، وَإِمَّا أَن يكون الْكَلَام بالبذاء وَالْفُحْش، أَو الْغَيْبَة والسب والشتم، فَهَذَا حرَام لَا شكّ فِيهِ، وَإِمَّا أَن يكون للسخرية، وإضحاك النَّاس، فَهَذَا زِيَادَة على أَنه مميت للقلب، فِيهِ عِقَاب شَدِيد لما فِي الحَدِيث:" إِن الرجل ليَتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ لَا يرى بهَا بَأْسا ليضحك بهَا الْقَوْم؛ وَإنَّهُ ليَقَع بهَا أبعد من السَّمَاء - وَفِي رِوَايَة: يهوى بهَا سبعين خَرِيفًا فِي النَّار " رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ. وَأما من منع الْكَلَام على الْوضُوء منعا مُطلقًا إِلَّا بِذكر الله، فَإنَّا نطالبه بِالدَّلِيلِ، فَإِن جَاءَ بِهِ فعلى الرَّأْس وَالْعين.
وللمناسبة نذْكر هُنَا قَول الشَّيْخ السُّبْكِيّ فِي الدِّيوَان أَيْضا صفحة 19 {وَقد قَالُوا: إِن الله تَعَالَى يَجْعَل على من يتَوَضَّأ خيمة من النُّور، فَإِذا تلفظ بِكَلَام